الأم كلمة صغيرة وحروفها قليلة لكنها تحتوي على أكبر معاني الحب والعطاء والحنان والتضحية، وهي أنهار لا تنضب ولا تجف ولا تتعب، متدفقة دائمًا بالكثير من العطف الذي لا ينتهي، لذا فإن جميع الكلمات تعجز للتعبير عن أهمية وقيمة دور الأم للإنسان، حيث ينتهي إليها مطاف الألم الذي قد يتعرّض له الأبناء، فهي واحة غناء يسكن إليها الأبناء ويشعرون بالراحة والأمان.
والأم التي تهز المهد بيُسراها، تهز العالم بيُمناها لِمَا تتركه من أثر تربوي في نفوس أسرتها وأبنائها الذين يقودون العالم يومًا ما، فإن كانت الحسنى نَعم الجميع، وإن كانت أثرا سيئًا شعر الجميع بالقهر والظلم من جراء هذا المردود التربوي عليهم، وصلوات الأم الصامتة الرقيقة لا يُمكن أن تضل طريقها إلى ينبوع الخير المتدفق عبر أبنائها.
دور الأم في الإسلام
على مر العصور، تربعت الأم على عرش الكون واحتلت مواقع القداسة في كثير من الأحيان، وحينما جاء الإسلام أعلى من قيمة دور الأم في حياة البشر، وعزز من مكانتها، وأوصى بها خيرًا، بل شدد عليها نبي الإسلام- صلى الله عليه وسلم- فيما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه-: “أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ، ثُمَّ أُمُّكَ” (أخرجه البخاري ومسلم).
لقد قدّس الإسلام رابطة الأمومة، فجعلها ثابتة لا تتعرض للتبدلات والتغيرات، وبَلَغَ من قداستها أن وصّى بها الحق- سبحانه وتعالى- فقال: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:14].
وأكد هذه الوصاية في آية أخرى، فقال تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا}[الأحقاف:15].
لذا، لم يعرف التاريخ دينًا ولا نظامًا كرَّم المرأة باعتبارها أُمًّا، وأعلى من مكانتها مثلما جاء به دين محمد- صلى الله عليهِ وسلم- الذي رفع من مكانة الأم في الإسلام وجعل برها من أصول الفضائل(1).
دور الأم التربوي
الاهتمام التربوي بالأبناء مسؤولية عظيمة للأبوين، لأنهما الأقدر على غرس القيم النبيلة والفاضلة في نفوس الأبناء، وهو ما يجعل إعداد الأب والأم لهذه المهمة أمرًا مهمًّا، وبخاصة دور الأم الذي يجب أن تكون على النحو التالي وَفق ما تذكر إحسان الدبش:
- مُربّاةً التربية الصحيحة من أخلاق حميدة وصفات نبيلة، لأنّ فاقد الشيء لا يعطيه.
- تتعلم أصول التربية السليمة في التعامل مع أولادها في مختلف الأعمار.
- تسيطر على مشاعرها الأنثوية تجاه الآخر، إن كان زوجها أو حماتها أو غيرهما من الأقرباء، وتسيطر على عواطفها الجياشة في تربيتها لأولادها.
- العمل على التثقيف التربوي والحصول على الدورات المعاونة وقراءة الكتب التي تعاونها على حسن التربية كتربية الأبناء في الإسلام(3).
تأثير الأم في تربية الأبناء
يظهر دور الأم على حياة أطفالها في جميع مراحلهم الحياتية، فمن قبل الولادة (مرحلة الحمل) والأم هي الوحيدة المؤثرة في حياة جنينها، وصحته، ويستمر دورها مع مرور السنين وتطور وليدها ونموه، فالأم مسؤولة عن غرس المعايير التربوية السليمة، والقيم، والأخلاق إلى جانب تنمية شخصيته ومهاراته.
فالأبناء يتأثرون بكل ما يحيط بهم، وتحتفظ عقولهم بما يراقبونه خلال يومهم ويقلدونه باستمرار، ونظرًا إلى أن الأبناء يقضون معظم أوقاتهم مع الأم فإنهم يتأثرون بها كثيرا ويصدقونها ويطيعونها.
ويأتي تأثير الأم على حياة أطفالها في مرحلة الحمل، نتيجة الطعام والأدوية والأوضاع النفسية والعصبية والسلوكيات التي تمارسها، ومدى علاقتها بربها والقرآن، وما تسمعه يكون له تأثير على الطفل في بطنها.
كما تأتي مرحلة الرضاعة وتشمل التأثيرات النفسية والغذائية وتعبيرات الوجه وسلوكها وسط الأسرة، إذ ينتاب الطفل في البداية الخوف، والرهبة، ويحتاج دائما للاطمئنان، والحنان، والشعور بالأمان.
ولا يخفى على أحد دور الأم وأثرها في أبنائها في مرحلة الطفولة والمراهقة وكونها منبع أمان لهم، ومخزن أسرارهم، ومحيط احتوائهم مما يواجهونه في الشارع والمدرسة وعبر وسائل التواصل الاجتماعي وشاشات التلفاز(4).
لذا، على الأم أن تعمد على بعض الوسائل حتى تكن ذات تأثير إيجابي وفعال، ومنها:
- توفير بيئة سليمة تدعم نمو الأبناء وتطور مهاراتهم؛ من خلال توفير مساحات خاصة للحركة واللعب ومنحهم فرصة إطلاق طاقاتهم وإبداعاتهم.
- إدراك مشاعر أبنائها وما يدور في خلدهم من خلال تصرفاتهم وتعبيراتهم اللفظية.
- دعم ثقة الأبناء بأنفسهم من خلال تواجدها حولهم دائما ومساعدتهم على تطوير مهاراتهم.
- خلق نوع من الترابط الأسري؛ وذلك من خلال حرصها على قضاء أطول وقت ممكن مع أبنائها وجمعهم حول مائدة الطعام في كل وجبة خلال اليوم، ما يقوي المعاني الأسرية لديهم ويزيد من محبتهم لأسرتهم والارتباط بها.
- تعليم أبنائها الإيجابية من خلال رؤيتهم صمودها وعدم استسلامها، وقدرتها على التعامل مع مصاعب الحياة، وتحمل التعب والإرهاق لرعايتهم.
- تعليم أبنائها المثابرة من خلال التعبير لهم عن مدى رضاها وشعورها بالسعادة والإنجاز عندما يرونها منهكة(5).
الأم وغراس الإيمان في الطفل
الإيمان أهم وأعظم قضية يجب أن تُغرس في نفوس الأبناء، لذا فإن دور الأم في التربية يجب أن يصدّر بهذه القضية، باتباع هذه الوسائل:
- تلقين الطفل التوحيد “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله”.
- الاهتمام بتعليمه القرآن الكريم منذ الصغر حفظًا وتلاوتًا.
- غرس مراقبة الله في السّر والعلن في نفوس الأطفال، والإيمان بالغيبيات كالآخرة ويوم الحساب وغيرها.
- غرس روح الاستعانة بالله- عز وجل-، وتنشئة الأطفال على عبادة الله- تبارك وتعالى- وأداء الشعائر الدينية.
- غرس روح الاعتزاز بالإسلام، مع تربية الطفل على الاستسلام لله وطاعة رسوله(6).
تنمية عقلية الأبناء
ويعد دور الأم في تنمية عقلية الأبناء من أهم الأدوار المنوطة بها، ويحتاج ذلك إلى:
- غرس العلم والمعرفة السليمة في عقولهم.
- تشجيع الأطفال على التفكير في العقل والتدبير، وفي كل شيء موجود بالحياة.
- حث الأطفال على تجنب ما يتوصل إليه عقلهم بالشكوك، والإجابات الشافية عمّا يجول في عقولهم.
- الأم المثالية لا تُجبر أطفالها على معرفة أي شيء دون حجج أو براهين، لأنه بالحجج والبراهين تثبت الأشياء وينمو العقل.
- استعمال العقل في مواجهة المشكلات، فمن المهم أن يتصرف الأطفال بطريقة ذكية في حل جميع المشكلات التي تواجههم وليس بالعواطف والانفعال.
- تعزيز الجوانب النفسية والسيكولوجية والفسيولوجية لجميع أفراد الأسرة، واعتماد الحوار المستمر داخل الأسرة، مع الابتعاد عن العقاب البدني قدر المستطاع(7).
معوقات تربية الطفل
قد تؤثر بعض المعوقات على دور الأم في تربية أبنائها، فتعيق عملية تحقيق الأهداف المرجوة، ومن هذه المعوقات:
- عدم القدرة على تخصيص الوقت الكافي للاهتمام بالطفل.
- سوء الأحوال السكنية أو عدم ملاءمة البيت لمتطلبات الطفل وحاجياته.
- الوضع الاقتصادي المُتدني لبعض الأسر كالفقر، وسوء التغذية وغيرها.
- جهل الأسر بأساليب التربية السليمة، والمستجدات التربوية التعليمية.
- الظروف العامة لبعض البلدان كعدم الاستقرار السياسي والحروب والمجاعات والصراعات الداخلية.
- التفكك الأسري والطلاق الذي يُؤثر على الأم وعلى الأطفال على حد سواء(8).
حقوق الأم
ونظرًا لأن دور الأم كبير في حياة الناس، فقد جعل الله- عز وجل- لها حقوقًا حتى ولو كانت مشركة، لما لها من حق الأمومة، ومنها:
- على الأبناء حب أمهاتهم وتوقيرها في قلوبهم ونفوسهم وأمام العامة وأمامها.
- يجب على المرء أن يُحسن صحبة أمّه ويطيعها ويراضيها.
- رعاية الأم واجب على أبنائها ويجب أن يقيموا على شؤونها كما اعتنت بهم صغارًا.
- عدم سماع الأم ما تكره من أبنائها ولا بالقول أو الفعل.
- على الأبناء أن ينفقوا على أمهاتهم إن كانت في حاجة إلى ذلك ولم يكن لها زوج ينفق عليها.
- يجب طاعة الأم إذا أمرت بأي شيء دون الشرك بالله- عز وجل-، أو أمرت بمنكر(2).
أخيرًا
الأم هي الحاضنة والمربية والمرشدة، وهي المسؤولة الأولى عن تربية طفلها وتنشئته وتوجيهه ورعايته صحيًّا ونفسيًّا وثقافيًّا، وعن متابعته حتى يُصبح رجلًا مسؤولًا بدوره أمام مجتمعه، ومن أجل ذلك لا بُد على الأم أن تكون حنونة، مستمعة، وفي الوقت نفسه محاورة ومنطقية، تعرف كيف تمزج بين السلطة والتسامح.
المصادر والمراجع:
- الأم في الإسلام: 1 يناير 2002،
- آية أحمد زقزوق: منزلة الام في الاسلام، 13 نوفمبر 2021،
- كيف نعد الأم لواجباتها التربوية؟: 18 فبراير 2020،
- نسية تركي: دور الأم في حياة أطفالها، 20 مارس 2021،
- محمد صفوان: دور الأم في تربية الأبناء، 8 أغسطس، 2020،
- طفلك وغراس الإيمان: 16 يوليو 2006،
- حنان عتوم: دور الأم في تنمية البنية العقلية لدى الأطفال، 24 نوفمبر 2020،
- رشيد التلواتي: الأسرة و التنشئة الاجتماعية، 1 سبتمبر 2018،