تصطدم كثيرٌ من الأسر مع بداية كل عام دراسي، بمشكلة خوف الأطفال من المدرسة لأسباب مختلفة، سيّما الصّغار الذين يلتحقون بالمدرسة للمرة الأولى في حياتهم، بل قد يتعدى الخوف إلى حالة مرضية مصحوبة بآلام في البطن أو صداع أو حمى، وفي الغالب لا يُدرك الآباء والأمهات الأسباب، والأصعب من ذلك أنهم يجهلون سُبل العلاج.
وقد يُخطئ بعض الآباء أو الأمهات التّصرف، فيلجأون إلى حلولٍ تزيد من المشكلة، كأن يُعاقب الطفل بالضرب بعد الفشل في محاولات إقناعه بالذهاب إلى المدرسة، وهو ما يجعل الطفل أكثر خوفًا وأكثر نفورًا.. فلماذا يخاف بعض الأطفال من الذّهاب إلى المدرسة، وما هي الأعراض والمظاهر وكيف يُمكن حل هذه المشكلة؟.. هذا ما نجيب عنه في موضوعنا.
ماذا يعني خوف الأطفال من المدرسة؟
الرّهاب المدرسي أو خوف الأطفال من المدرسة مشكلة سلوكية شائعة عند الصغار تشير إلى رفض الذهاب للمدرسة، وغالبًا ما يكون هذا السّلوك مصحوبًا بمخاوفٍ غير عقلانية وشكاوى جسدية ونوبات غضب وحالة هلع أو قلق مُتعلقة بالالتحاق بالمدرسة.
لكن من المهم أن لا نخلط بين الرّهاب المدرسي والتغيب عن المدرسة، وهو ما يستطيع الطبيب اكتشافه لمجرد زيارته، ويمكنه إعطاء تشخيص واضح وصحيح(1).
أسباب خوف الأطفال من المدرسة
لا يقف خوف الأطفال من المدرسة عند سن مُعينة، حيث يُصاب به الطفل الصغير الذي يدخل المدرسة لأول مرة، وكذلك الطفل الذي اجتاز عددًا من السنوات في الدّراسة لكنه ما زال يشعر بالخوف مع بداية كل سنة دراسية، وقد تستمر هذه الحالة حتى بلوغ سن الخامسة عشر.
وتتعدد أسباب هذه المشكلة، وتختلف من طفل إلى آخر، ومن هذه الأسباب:
- الشعور بفقدان الأمان الذي كان يُحيط بالطفل في البيت، خصوصًا إذا كان متعلقًا بشدة بوالدته وخوفه من الانفصال عنها.
- الخوف من الفشل والتعرض إلى المواقف التي تسبب القلق والتوتر، وكذلك هاجس الخوف الذي ينتاب الطفل من صعوبة الواجبات والامتحانات.
- التغذية الخاطئة التي تُؤدي إلى إصابة الطفل بالتقلبات المزاجية ونقص في الطاقة، وبعض الآثار السلبية الأخرى التي تُؤثر على مستويات التوتر، أو حاجتهم الكثيرة إلى قضاء حاجتهم وتعنت المعلمين في بعض الأمور.
- الذهاب إلى سكن جديد، والانتقال إلى مدرسة جديدة، وأيضا بدء مرحلة دراسية مختلفة.
- المشكلات العائلية، والتغيرات المختلفة التي تطرأ على الأسرة، والرعاية الزائدة من الأهل
- الموروثات، وبخاصة إن كان للطفل إخوة في المدرسة ويشتكون منها ويتكلمون عمّا يحدث لهم فيها من أمور تجعلهم ينفرون من المدرسة.
- والخوف من تكوين صداقات، فبعض الأطفال خجولين بطبيعتهم وهو ما يزيد من رهاب المدرسة لعجزهم عن تكوين صداقات، ولتعرضهم إلى التنمر والاستهزاء في كثيرٍ من الأحيان.
- المفاجأة، فربما لم يُمهد الوالدان للطفل الذهاب إلى المدرسة، وبالتالي يصاب الطفل بالتوتر والقلق، لذا لا بُد من إخبار الطفل بذهابه إلى المدرسة قبل فترة تكفي لاستيعابه وتهدئته، مع توضيح النواحي الإيجابية من هذا الأمر (2).
أعراض ومظاهر الخوف من المدرسة
يعاني الأطفال من قلق الانفصال عن والديهم، ويشعرون بالضيق وعدم الراحة في أي بيئة مختلفة عن بيئة المنزل، وهو ما يستوجب على الوالدين العناية بهذه الأمور واكتشاف الحالة في وقت مبكر والتعامل معها بأسلوب جيد حتى لا يكره الطفل المدرسة، ومن أعراض خوف الصغار من المدرسة:
- المعاناة من أعراض جسدية متكررة، مثل: القيء، أو الإسهال، أو ألم المعدة، أو الغثيان، أو التعب دون سبب واضح.
- والإصابة بنوبات غضب شديدة وصراخ وتشنجات قد تتلاشى حينما يعرف أنه لن يذهب إلى المدرسة.
- الخوف المفرط من البقاء بمفرده، أو عند الابتعاد عن الأم أو الأب.
- صعوبة في النوم، وتكرر الكوابيس والأحلام المزعجة.
- قد يرفض بعض الأطفال الاستيقاظ، أو يحبسون أنفسهم في مكان ما، أو يهربون حتى يصبح من الآمن العودة إلى المنزل.
- عدم حدوث أي أعراض في أيام الإجازات(3).
- ومع معرفة أعراض هذه المشكلة، هل يُمكن إجبار الطفل على الذهاب إلى المدرسة رغم خوفه وقلقه الشديد؟.. بلا شك لا بُد للوالدين من التخلي عن العاطفة والخوف الزائد على أطفالهم، ويجب الإصرار على حضور الطفل المنتظم في المدرسة بغض النظر عن أعذار الطفل ورجاءاته ومخاوفه ودموعه، لكن يكون ذلك بتبديد هذه المخاوف وإقناع الطفل وتشجيعه بالذهاب إلى المدرسة كلما كان ذلك مُمكنا.
- ومن الضروري عدم إجبار الطفل الخائف على الذهاب إلى المدرسة، إذا كان يتعرّض إلى التنمر من الزملاء أو حتى من المدرسين، وكذلك الأمر في حالة تعرضه إلى أي نوع من الأذى، إذ لا بُد أولا من حل المشكلة بشكل كامل(4).
الفرق بين الخوف من المدرسة والتهرب منها
ويختلف التهرب أو التسرب عن مشكلة خوف الأطفال من المدرسة التي أوضحنا أسبابها وأعراضها، فهي في النهاية مُشكلة ظاهرة للوالدين يكشف عنها الطفل الذي يرفض المدرسة بأفعاله التي تتمثل في الغضب والخوف والقلق والرفض الصريح.
والأطفال الذين يرفضون المدرسة يُعانون من القلق والأعراض الجسدية عندما يذهبون إليها، وقد يعانون من نوبات غضب أو اكتئاب، بل ربما يهددون بإيذاء أنفسهم إذا أُجبروا على الذهاب إلى المدرسة.
وإذا سُمح لهم بالبقاء في المنزل، فإنهم عادة ما يبقون في المنزل أو بالقرب من الأبوين أو من يقدم الرعاية لهم، ويكون الطفل مستعدا للقيام بواجبات المدرسة في المنزل ما دام أنه لم يذهب إليها.
أما مشكلة الهروب أو التسرب، فالطفل فيها يُحاول التّغيب عن المدرسة أو الهروب منها دون علم الأبوين، ولا يكون قلقًا بشأن تحصيله الدراسي، كما أنه غير مهتم بالذهاب إلى المدرسة، فهو ليس خائفًا أو يشعر بالقلق هو فقط لا يُريد التواجد في المدرسة.
ويرافق سلوك التهرب من المدرسة بعض السلوكيات المؤذية والخاطئة عند الطفل، مثل الكذب أو السرقة، وغالبا ما يكون بالشراكة والاتفاق مع بعض الأقران، كما لا يبقى الطفل الذي يهرب من المدرسة في المنزل خلال ساعات الدوام المدرسي، بل يذهب إلى أماكن أخرى دون علم الأهل(5).
علاج الخوف من الذهاب إلى المدرسة
وبعد التعرف إلى أسباب مشكلة خوف الأطفال من المدرسة وأعراضها والفرق بينها وبين التهرب من الدراسة، بقي لنا عرض طرق للعلاج، إذ يمكن عمل الآتي:
- الحوار: وهو من أهم الوسائل التي تبدد مخاوف الطفل، مع قبول رفضه وعدم تعنيفه، وبخاصة إذا كان أول مرة يذهب إلى المدرسة.
- طمأنة الطفل وعدم التقليل أو الاستهزاء بمشكلته، وتجنب الاعتقاد بأنه يعاني من اضطرابات وهمية.
- تنمية المهارات الذاتية للطفل، ليتعمد على نفسه في خلع الملابس ووضعها في المكان المخصص لها، وإطعام نفسه، والذهاب إلى الحمام.
- تعويد الطفل على الالتزام بمواعيد الوجبات، وأوقات النوم، وأوقات اللعب.
- تدريب الطفل على الانفصال عن الأم تدريجيًّا لعدة ساعات في اليوم.
- إتاحة الفرصة لتكوين علاقات بين الأطفال والأهل والجيران.
- تزويد الطفل بالكتب المصورة التي تعكس المدرسة بشكل مُشوّق وجميل.
- زيارة المدرسة مسبقا والتجول فيها، ليتعود الطفل عليها.
- إشراك الطفل في شراء اللوازم المدرسية، استعدادا للمدرسة، وتشجيعًا على تحمل مسؤولية المحافظة على ممتلكاته الخاصة.
- تجنب التركيز على الشكاوى الجسمية والمرضية مثلاً: لا تسأل عن حالته الصحية صباح كل يوم، وبخاصة إذا كنت متأكدًا من سلامته الصحية حتى لا يدعي المرض.
- إذا تغيب الطفل عن المدرسة يومًا، يجب على الأهل العمل على جعل المنزل أقل مُتعة وجاذبية للطفل؛ على سبيل المثال عن طريق الحد من أو استبعاد التلفاز ووسائل الترفيه والحلويات.
- يجب تقييد تناول الطفل للكافيين والسكر والمنشطات الأخرى وتشجيع ممارسة التمارين الرياضية بانتظام للتخفيف من القلق العام عند الطفل.
- تجنب مناقشة أي موضوع يتعلق بمخاوف الطفل من الذهاب إلى المدرسة، لأنّ الكلام عن موضوع الخوف أكثر إثارة للخوف من المواقف ذاتها.
- في الليلة السابقة للمدرسة نُخبر الطفل من دون انفعال بأنه سيذهب إلى المدرسة غدًا.
- إيقاظ الطفل في الصباح، وتشجيعه ومساعدته في ارتداء ملابسه وتزويده بطعام صحي خالٍ من الدسم.
- اصطحاب الطفل إلى المدرسة وتسليمه للمشرفين وتوصيتهم عليه ليساعدوا على تبديد مخاوفه.
- عند عودة الطفل للبيت يمدحه الوالدان على ذهابه إلى المدرسة.
- عدم مناقشة الطفل فيما حدث خلال يومه، فقط نبلغه أن غدا سيكون أسهل عليه من اليوم، ونكرر ذلك حتى لو رفض الطفل تغيير الموضوع.
- يكرر الوالدان ما فعلاه في اليوم الأول، حتى تختفي الأعراض مع الوقت.
- يُمكن إهداء الطفل جائزة احتفالا بتغلبه على خوفه من المدرسة.
- الاستمرار في تأكيد العلاقة الإيجابية بالمدرسة لتجنب أي انتكاسات مستقبلية قد تحدث لأي سبب، كالعدوان من طفل آخر، أو المعاملة القاسية من مربيه، ولا بد من معالجة المشكلات التي تحدث أولًا بأول.
- توفير التوجيه السلوكي والدعم العاطفي للطفل للتغلب على فوبيا الخوف من الذهاب إلى المدرسة (6).
ولا شك أن معالجة هذه المشكلة مبكرًا، يساعد على تفوق الطفل في الدراسة، أما إهمالها فلن يزيد الطفل إلا كرهًا للمدرسة ما يؤدي إلى تدهور أدائه فيها، وقتل إبداعه، وقد يؤدي إلى فشله لاحقًا.
المصادر والمراجع:
- (الرهاب المدرسي عند الأطفال والمراهقين)، 6 ديسمبر 2019.
- لمياء جمال: أسباب خوف الأطفال من المدرسة، 14 سبتمبر 2022.
- أسباب خوف الأطفال من المدرسة، موقع سوبر ماما، 16 نوفمبر 2019.
- علاج خوف الأطفال من المدرسة: 9 أغسطس 2020.
- اسباب مشكلة خوف الأطفال من المدرسة وعلاجها: 26 سبتمبر 2010.
- خوف الطفل من المدرسة مشكلة تحتاج علاج: 1 نوفمبر 2017.