يزداد انتشار الألعاب الإلكترونية في بيوت المسلمين يومًا بعد يومٍ مُخلّفة ضحايا من الأطفال الأبرياء، وذلك في ظل غياب الرّاعي عن متابعة رعيته أو ربما أنه مقتنع بأنّ ما أفرزته الثورة التكنولوجية في الغرب لا بُد من أن يستفيد منه الصغار في تكوين ثقافتهم، بل هناك فريق يجهل تمامًا خطورة هذه الألعاب التي تُشكّل أدمغة الأطفال وَفق خُطط ممنهجة.
وقد ينقسم الناس أمام تلك التقنيّات، التي تتمثل في ألعاب الكمبيوتر والفيديو، أو فيما يُسمى “بلاي ستيشن”، أو “إكس بوكس”، إلى ثلاثةَ أقسام: قسم يأخذ كلَّ ما تفرزه تلك التقنياتُ دون تأمُّل، وقسم يرفُض تلك التقنيات بالكلية، فيعيش في عزلة عن العالم والتطورات الحادثة فيه، وقسم ثالث يتعامل مع تلك المخرجات بروية وتأمُّل، فيأخذ منها إيجابياتِها، ويذر سلبياتِها.
خطورة الألعاب الإلكترونية
وفي بحثٍ أعدّه الباحث محمد طراد، أورد فيه أبرز النتائج السلبية التي تُخلّفها الألعاب الإلكترونية وذلك على النحو التالي:
أولًا: ضياع الوقت: ومَن ضيَّع وقته، فقد ضيع نفسه، وكلُّ مسلم مسؤول عن هذا الوقت الذي أضاعه غدًا بين يدي رب العالمين، فلو لم نعلِّمهم أهمية الوقت، لتربَّوا ونشؤوا على ذلك من عدم اكتراثهم بتضييع الوقت.
ولأهمية الوقت، أقسم رب العزة – جل وعلا- بأجزاء منه، مثل الليل والنهار، والفجر والضحى والعصر، والخالق سبحانه لا يقسم بشيء في القرآن إلا إذا كان عظيم الشأن بالغ الأثر في حياة الإنسان. وعن عبد الله بن عباس أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: “اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ : شَبابَكَ قبلَ هِرَمِكَ ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ ، وغِناكَ قبلَ فَقْرِكَ ، وفَرَاغَكَ قبلَ شُغْلِكَ، وحَياتَكَ قبلَ مَوْتِكَ” (رواة البيهقي).
ثانيًا: ضعف الإيمان: إذ في الغالب تأخذ تلك الألعابُ من مُدمنيها أوقاتًا طويلة، قد تكون على حساب أوقات قراءة القرآن، وأوقات الأذكار والأوراد، وأوقات قيام الليل؛ بل قد تكون على حساب الصَّلوات المفروضة؛ حيث تضيع من ذلك المدمن دون أن يشعر، وهي تنشر أيضًا ثقافة الفجور، وتغتال براءة الأطفال.
ثالثًا: ضعف ثقافة الطفل وانخفاض مستواه الدراسي: حيث إنَّك تجده يسعى لإنهاء واجباته المدرسية بسرعة؛ ليجد وقتًا للعب، ولا يطَّلع على غير المقررات المدرسية؛ لأن وقته وقلبه وعقله مشغولٌ باللعب بها.
رابعًا: ضعف السلوك الاجتماعي: حيث يقضى الطفل معظمَ وقته أمام تلك الألعاب منطويًا على نفسه، فإذا خرج للمجتمع لا يعرف كيف يتعامل معه؛ لأنَّه لم يحتكَّ بالمجتمع ليتعلم كيفيةَ السلوك الاجتماعي، وقد أظهرت دراسةٌ دانمركية أنّ ألعاب الكمبيوتر لها أضرارٌ كبيرة على عقلية الطفل؛ فقد يتعرض الطفلُ إلى مشكلة عقلية واجتماعية إذا أصبح مدمنًا لألعاب الكمبيوتر وما شابهها.
خامسًا: تؤثر هذه الألعاب سلبًا في صحة الأطفال: إذ يصاب الطفلُ بضعف النظر؛ نتيجةَ تعرُّضه لمجالات الأشعة الكهرومغناطيسية القصيرة التردُّد المنبعثة من شاشات التلفاز، التي يَجلس أمامها ساعاتٍ طويلة في أثناء ممارسته اللعب، ويضعف البصر بعد مدة.
سادسًا: ضعف الصحة وخمول الجسد: لأن الجسد يظلُّ مدة طويلة بلا حَراك، فتضمر العضلات ويصيبها الخمول، وكذلك من أضرارها الإصابة بسوء التغذية، فالطفل لا يشارك أسرته في وجبات الغداء والعشاء، فيتعوَّد الأكلَ غير الصحي في أوقات غير مناسبة للجسم.
سابعًا: ضعف تربية هؤلاء الأطفال: وذلك نتيجة لانشغال الأبناء طوال الوقت بتلك الألعاب، فمتى يَجلسون مع آبائهم وأُمَّهاتهم؛ ليتحقق الدفءُ الأسري، وتقوى رابطةُ الأُخُوة والمحبة؟ متى يجدون الوقت الذي تنتقل فيه خبرة الآباء والأمهات إلى أولادهم؟ متى يعرفون أخطاءهم فيوجهونهم ويحسنون تربيتهم؟
علامات إدمان الطفل الألعاب الإلكترونية
وذكرت الجمعية الألمانية لطب نفس الأطفال والمراهقين والطب النفس الجسدي والعلاج النفسي، أن أولياء الأمور والمربين يمكنهم الاستدلال على إصابة الأطفال بإدمان الألعاب الإلكترونية من خلال ملاحظة بعض الأعراض، أبرزها:
- الانشغال الدائم بالألعاب حتى في أوقات عدم اللعب.
- تفضيل اللعب على الأنشطة الأخرى.
- فقدان القدرة على التحكم في وقت بدء ونهاية اللعب.
- وتجنب تجاذب أطراف الحديث مع الآخرين، وإذا حدث وتحدث فإن أحاديثه غالبًا ما تكون سطحية.
- عصبية شديدة واكتئاب في حال منع الطفل من اللعب.
- ضعف التركيز واختلال إيقاع النهار والليل واضطرابات النوم.
لعبة الحوت الأزرق
ومن أخطر الألعاب الإلكترونية التي ظهرت مؤخرًا وذاع صيتها، وتسبب في ضياع أرواح كثير من الأطفال، وليس فقط ضياع الوقت، هي لعبة الحوت الأزرق، التي نظمت من أجلها كثير من الجمعيات لقاءات لمناقشة خطورتها وكيفية حماية الأطفال من تأثيراتها، ومنها جمعيةُ “صناعة الغد” بالتنسيق مع غرفة الصناعات التقليدية والحرف بولاية البليدة، في الجزائر.
وعلى هامش ندوة أقامتها الجمعية، أكد رئيسها الدكتور والوزير الأسبق بشير مصيطفى، وغيره من الحضور، ضرورة الحذر من لعبة “الحوت الأزرق” التي ما زالت تلقي بظلالها على المجتمع، وتسبب في وفاة الكثير من المراهقين خلال فترة وجيزة.
وعكس ما يشاع من كون اللعبة عبارة عن تطبيق يجري تحميله من خلال متجر بلاي ستور، أو غيره من المتاجر الإلكترونية، فإن الخبير في تكنولوجيا الاتصال كريم خلواطي، يؤكد أن: “اللعبة ليست تطبيقًا؛ بل عبارة عن محادثات تتم من خلال مجموعات سرية ومغلقة على شبكات التواصل الاجتماعي”.
وكشف عن أن “من يقفون وراء اللعبة يستعملون الماسنجر للتواصل مع ضحاياهم، حيث يمارسون عليهم أساليب التأثير النفسي والسيكولوجي، من خلال مجموعة من التحديات التي تبدأ كتحديات بسيطة كالاستيقاظ باكرًا، ومشاهدة أفلام الرعب، وتنتهي بالتحدي الأكبر وهو تحدي الانتحار”.
وفي كل تحدٍّ من التحديات الــ50، يُطلب من المشارك إرسال صور لمسؤولي المجموعة، ويُعد رسم الحوت الأزرق على الذراع باستعمال آلة حادة أول تحدٍّ يعلن من خلاله المشترك دخوله الفعلي في المسابقة.
وفي حال محاولة الانسحاب من اللعبة، يتم ابتزاز المشترك بالمعلومات التي سلَّمها لهم، أو يجري تهديده بالقتل، أو قتل أفراد من عائلته.
اللعبة حسب تحقيق نشرته “الديلي ميل” البريطانية، برزت أول مرة عام 2013، وتحديدًا في روسيا، من خلال المطور فيليب بوديكين طالب علم النفس الذي طُرد من الجامعة، والذي أنشأ مع رفقائه مجموعة (F57)، لتحريض العشرات من الضحايا بدول عديدة على الانتحار، من خلال وضع ضحيته في وضعية نفسية كئيبة تدفعه وتشجعه في النهاية على وضع حد لحياته، وقد أدين بالسجن بعد اتهامه بالتورط المباشر في تحريض 16 فتاة روسية على الانتحار.
ألعاب الفيديو والتحيز الجنسي
وكشفت دراسة حديثة أجراها باحثون في جامعة ولاية أيوا الأمريكية، على أكثر من 13 ألف شاب، للتعرف إلى تأثير الألعاب الإلكترونية وألعاب الفيديو عليهم، أنها تحفز الغرائز الجنسية، وتجعل المراهقين أقل احترامًا للمرأة لأنها تُصور النساء بشكل سلبي.
ووجد الباحثون أنّ هذه الألعاب ترتدى فيها بطلات الرواية ملابس عارية، تدفع اللاعبين للتفكير بأنّ النساء يجب عليهن ارتداء الملابس نفسها.
وتوصلت الدراسة إلى وجود علاقة واضحة بين استخدام ألعاب الفيديو والتحيز الجنسي؛ فأولئك الذين يمارسون الألعاب التي تظهر النساء بطرق موحية جنسيًّا يميلون إلى التفكير بالنساء بالطريقة نفسها.
أفكار لمواجهة خطورة ألعاب الكمبيوتر
وفي محاولة لوضع أفكار لمواجهة خطورة الألعاب الإلكترونية، أوصت دراسة تربوية حديثة بعنوان “الآثار الاجتماعية والنفسية والتربوية للألعاب الإلكترونيّة على الأطفال.. دراسة ميدانية”، بضرورة توجيه أولياء الأمور نحو تقنين عدد ساعات استخدام الأطفال للألعاب الإلكترونية، وربطها بمستوى التحسن الدراسي.
وأوصت الدراسة بضرورة عقد برامج تربوية إرشادية لأولياء الأمور والأطفال حول أضرار ممارسة تلك الألعاب.
وأكدت الدراسة التي أجريت بجامعة الملك خالد على أهمية توجيه الأسرة إلى وضع برامج حظر على جوالات أطفالهم تمنع تحميل الألعاب السيئة، والحرص على إلزام الطفل بأدوار داخل مجموعات عمل لتنمية العمل الجماعي.
وشددت على ضرورة حثّ الأبناء على الألعاب التعليمية المستحِثة للتفكير والتحليل، إضافةً إلى مقترح بإيجاد نظام تصنيف “عمري، ثقافي، نوعي …” لهذه الألعاب على غرار “مجلس تصنيف البرمجيات الترفيهية”.
تبني وزارة التعليم مجموعة جيدة من هذه الألعاب وتضمينها في المناهج الدراسية، والحث على إجراء العديد من الدراسات الميدانية حول علاقة “العنف، الغضب، العدوانية، الإبداع، المستوى الدراسي …” باستخدام تلك الألعاب.
وشددت على أهمية تربية الأطفال وترشيد سلوكهم والمحافظة على اتزانهم النفسي، حيث تشكل هاجسًا لدى أغلب الأسر، وبالرغم من أنَّه من الطبيعي في أي ثقافة إنسانية ممارسة نوع من أنواع الألعاب التي تقوم على مبادئ الإثارة وإبراز القدرات الفردية بالنسبة للأطفال إلا أنَّ ألعاب اليوم ونتيجة للطفرة المعلوماتية احتلت حياة الأطفال والمراهقين، فبات مألوفًا مشهد الطفل الذي يجلس أمام تلك الألعاب وحيدًا لساعات طويلة.
وأظهرت العديد من الدراسات والأبحاث التربوية الحاجة الملحة إلى العناية بمرحلة الطفولة المبكرة، والتركيز على الاهتمام بالأنشطة والتطبيقات التي من شأنها تنمية ذكاء الأطفال.
وطالبت دراسة تربوية أخرى بضرورة استشارة الطبيب النفسي فور ملاحظة هذه الأعراض مع اتخاذ بعض التدابير المهمة، مثل: الاتفاق مع الطفل على مواعيد محددة لممارسة ألعاب الكمبيوتر، مرجحة أنه من الأفضل إبعاد الكمبيوتر عن غرفة الطفل، مع ضرورة تشجيعه على ممارسة الهوايات والرياضات.