لا يخلو بيت من بعض سلوكيات الأبناء الخاطئة التي تسبب إزعاجا للآباء والأمهات، إلا أن عدم تداركها بحكمة من البداية قد يجعلها تشكل خطرًا على الأسرة والمجتمع في وقت لاحق، وحتى يمكن علاج هذه السّلوكيات لدى الأطفال، لا بد من التعرف إلى الأسباب التي تُؤدي إليها، وعادة تكون هذه السلوكيات مُكتسبة من البيئة الخارجية للأطفال أو التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي يترتب عليها الكثير من المشكلات.
ولخّص الإمام أبو حامد الغزالي مدى مسؤولية الوالدين عن تربية الأبناء بقوله: “الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة ساذجة، خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال إليه. فإن عُوّد الخير وعلّمه نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة، وشاركه في ثوابه أبواه وكل معلم له ومؤدب. وإن عُوّد الشر وأُهمل إهمال البهائم شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيّم عليه والوالي له”.
أسباب سلوكيات الأطفال الخاطئة
وتتعدد أسباب سلوكيات الأطفال الخاطئة التي ينزعج منها الآباء والأمهات والمربون في المدارس، سيما في مرحلة الطفولة المبكرة التي تحتاج إلى اهتمام ورعاية، حيث إنها من المراحل الأكثر تأثيرًا في الإنسان بجميع مراحل حياته، ومن أسباب هذه السلوكيات:
- اكتساب الطفل الكثير من السلوكيات خلال فترة الطفولة سواء كانت جيدة أو خاطئة.
- كثرة الخلافات الأسرية بين الزوجين، وهو ما يُؤثر على الأسرة بأكملها كما يؤثر على سلوكيات الطفل.
- محاولة تقليد الطفل لأصدقائه المحيطين به في المدرسة وقد يكون سلوكهم خاطئ.
- قد ترجع هذه السّلوكيات الخاطئة إلى انخفاض المستوى الثقافي للأسرة.
- التفكك الأسري نتيجة الطلاق أو وفاة أحد الأبوين ما يُؤثر على نفسية الأطفال وسلوكهم.
من سلوكيات الأطفال الخاطئة
تتعدد أسباب السلوكيات الخاطئة التي يقوم بها الأطفال، وأكثرها شيوعًا:
- الكذب: فالكذب من أكثر السلوكيات التي تنتشر بين الأطفال، ومنه الكذب الخيالي، وهو الذي يلجأ إليه الطفل دون قصد وينتج ذلك عن الخيال الواسع للطفل وقدرته على سرد قصص وهمية، أو الكذب الانتقامي، وعادة يكون هذا النوع من الكذب نتيجة الانتقام من شخص يكرهه أو يغار منه، ما يجعل الطفل يكذب لإلحاق الضرر به، أو الكذب الدفاعي وهو يعد من أكثر أنواع الكذب انتشارًا، حيث إن الطفل يلجأ إليه خوفًا من أن يقع عليه العقاب نتيجة خطأ ارتكبه، ثمّ الكذب الادعائي، ويلجأ إليه الطفل لكسب اهتمام الآخرين، وبخاصة للأطفال الذين يعانون من نقص الاهتمام.
- السرقة: وهي من السّلوكيات التي قد يلجأ إليها الطفل، نتيجة التفاخر أمام الآخرين بشيء يفتقده، أو عدم احترام ملكية الآخرين، ما يجعل الطفل يلجأ إلى السرقة والتي تكون عن غير قصد نتيجة عدم توجيه الطفل بالشكل السليم، أو الشعور بالحرمان وعدم تلبية الأسرة لحاجاته، حيث قد يسرق لإشباع أحد رغباته، أو الغيرة قد تكون من الأسباب التي تجعل الطفل يلجأ إلى السرقة وخاصة عندما يكون بين الأخوات نتيجة التفرقة بينهم من الوالدين، ما يجعل الطفل يرغب في الانتقام فيلجأ إلى السرقة.
- السلوك العدواني: وهو من السّلوكيات التي تنتشر بين الأطفال في المدارس على وجه الخصوص ويكون لها بعض العوامل، منها: التدليل الزائد من الأهل، والتفريق في المعاملة بين الأطفال، وشعور الطفل بالحرمان العاطفي، ومشاهدة الأفلام ولعب الألعاب التي تدعو للعنف، وتعرض الطفل للعنف من الأبوين والتّعنيف المستمر.
المنهج النبوي في تصحيح سلوكيات الأطفال الخاطئة
إن تصحيح سلوكيات الأطفال الخاطئة مهمة كبيرة تقع على عاتق الآباء والأمهات والمربين، لذلك فقد اهتم بها النبي- صلى الله عليه وسلم-، فكان الأطفال يحظون بوافر من توجيهاته الكريمة وتصويباته التي حفظها لنا هؤلاء الأطفال صغارًا، ورووها لنا كبارًا لتصبح منهجًا للمربين وقاعدة للمتربّين، ومن الأساليب النبوية في تصويب الأطفال:
- التصحيح الفكري: بمعنى أنه قد يكون الخطأ ناتجًا عن الجهل بالمعلومة، فلا يحتاج سوى التعليم، فقد أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة- رضي الله عنه- قال: “أَخَذَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ رَضيَ اللهُ عنهمَا تَمْرَةً مِن تَمْرِ الصَّدَقَةِ، فَجَعَلَهَا في فِيهِ، فَقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: كِخْ كِخْ. لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قالَ: أَمَا شَعَرْتَ أنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ”.
- الملاطفة: فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- يُصاحب تقويمَه للخطأ شيءٌ من الملاطفة والاستمالة لقلب الطفل؛ ليصلح خطأه، ويعدل من سلوكه، فربما مسح رأسه، أو دعا له، وقد يمازحه بكلمات تزيل الوحشةَ بينه وبينه، فيكون التوجيه أعمق أثرًا في نفس المتلقي، ففي المستدرك عن رافع بن عمرو الغفاري، قال: “كنتُ غلامًا أرمي نخلَ الأنصارِ فأُتيَ بيَ النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ يا غلامُ لمَ ترمي النَّخلَ قلتُ آكلُ قالَ فلا ترمِ وكل ممَّا سقطَ في أسفلِها» ثمَّ مسحَ رأسَهُ وقالَ اللَّهمَّ أشبع بطنَهُ” (الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه).
- ومن الأساليب النبوية في تصويب الأطفال التقديم بين يدي تصحيح الخطأ بالمدح والثناء، والمدح للطفل والثناء عليهم بما فيهم من جوانب الخير فإنه أدعى لقبول ما بعده من التصويب والتوجيه، فقد أخرج البخاري عن الزهري عن سالم عن أبيه- رضي الله عنه- قال: كانَ الرَّجُلُ في حَيَاةِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، إذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَتَمَنَّيْتُ أنْ أرَى رُؤْيَا، فأقُصَّهَا علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكُنْتُ غُلَامًا شَابًّا، وكُنْتُ أنَامُ في المَسْجِدِ علَى عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَرَأَيْتُ في النَّوْمِ كَأنَّ مَلَكَيْنِ أخَذَانِي، فَذَهَبَا بي إلى النَّارِ، فَإِذَا هي مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ وإذَا لَهَا قَرْنَانِ وإذَا فِيهَا أُنَاسٌ قدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أقُولُ: أعُوذُ باللَّهِ مِنَ النَّارِ، قالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ فَقالَ لِي: لَمْ تُرَعْ، فَقَصَصْتُهَا علَى حَفْصَةَ فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ علَى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ، لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا”.
- قرن التوجيه والتصحيح بفعل أو حركة: وهي من الأساليب النبوية لتصويب أخطاء الصغار، حيث تجلب انتباه الطفل، وتستجمع همته، فيبقى أثره في نفس المتلقي مدة أطول.. فقد روى الطبراني بسند حسن عن زينب بنت أبي سلمة- رضي الله تعالى عنها- أنها دخلت على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وهي صغيرة وهو يغتسل، فأخذ حفنة من ماء فضرب بها وجهي، وقال: «وراءك أي: لكاع»”[1]، قال في تاج العروس: قوله: “لُكَاع” سُئل بلال بن جرير عن اللُّكع، فقال: هو في لغتنا الصغير.
- غضُّ الطرف والتقليل من العتب: فكثرة الملاحظة لسلوكيات الطفل، ومحاصرة طفولته بمداومة التنبيه والتخطئة تذهب عن نفسه هيبة المربي وتقلل عنده الاهتمام بالتوجيه، والتغاضي المقصود في مواطنه أسلوب من أساليب التربية الصامتة الذي لا غنى للمربي عنه، قَالَ أَنَسٍ بْنِ مَالِكٍ- كما في المعجم الأوسط-: خَدَمْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرَ سِنِينَ فَمَا أَمَرَنِي بِأَمْرٍ فَتَوَانَيْتُ عَنْهُ أَوْ ضَيَّعْتُهُ فَلَامَنِي، فَإِنْ لَامَنِي أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ إِلَّا قَالَ: “دَعُوهُ فَلَوْ قُدِّرَ -أَوْ قَالَ- لَوْ قُضِيَ أَنْ يَكُونَ كَانَ”.
خطوات تربوية لتصويب أخطاء الأطفال
بعض الآباء يقول إنه قرأ العديد من المقالات، وشاهد بعض الفيديوهات، وحضر بعض الدورات التدريبية عن تربية الأولاد، ورغم ذلك استمرت مشكلته في عدم قدرته على التعامل مع أولاده بطريقة ناجحة أو حل مشكلة سلوكيات الأبناء الخاطئة التي تزعجهم باستمرار، ويحاول الأستاذ ياسر محمود تبسيط عملية تربية الأولاد ووضع حلول لهذه المشكلة في خطوات تربوية وعملية على النحو التالي:
- استحضار عظم المهمة: تربية الأولاد من أعظم المهام في الحياة، ويجب أن يستشعر الآباء ذلك، فربما ولد صالح يدعو له بعد موته.
- استشعار المسؤولية: فكلنا راعون وجميعنا مسؤول عن رعيته.
- التفكير في الآثار السلبية التي تنتج من عدم اتباع الأساليب التربوية الصحيحة مع الأولاد.
ثم لا بُد من وضع بعض الخطوات العملية مثل:
- رفع الواقع: وذلك بأن تجلس مع نفسك وتحضر ورقة وقلمًا، ثم تسجل المواقف التي لا تلتزم فيها بمبادئ التربية السليمة، ونقاط الضعف التي تنتابك في هذه المواقف، وكذلك تحدد الأسباب التي تدفعك لممارسة السلوكيات غير التربوية مع أولادك.
- معالجات عملية وترتيب الأولويات: بعد أن تحدد السلوكيات السلبية ضع خطة متزنة لمعالجة كل سلوك، لتغييره في نفسك وفي أولادك على سواء، مع ترتيب أولويات المعالجة.
- فترة زمنية: يجب أن تحدد فترة زمنية لعلاج كل سلوك وتصحيح مساره، ويجب أن تتقمص دور المربي الناجح وأن تكون قدوة أمام الأولاد.
- لوحات تذكيرية: ربما تساعدك لو كتبت بعض اللوحات وعلقتها في أماكن بارزة في الشقة لتساعدك على التذكر.
- الاستعانة بالصبر والمثابرة على تصحيح السلوك الخطأ: فلا تتعجل ولا تقنط ولا تيأس من تصرفات الأولاد لكونهم يواجهون سلوكيات خارج إرادة الوالدين عبر الشارع أو النت أو التلفزيون، فصبر جميل.
- المتابعة وتقييم الأداء وقراءة التصرفات: احرص على أن تقيِّم أداءك بشكل مستمر؛ فالتقييم وتصحيح المسار عليه نسبة كبيرة من النجاح، وإن غضبت مرة أثناء العلاج اسأل نفسك لماذا غضبت؟ حتى لا تكرر أسباب الغضب، ومن المحبب أن تكافأ نفسك إذا أصابت أو تعاقبها إذا أخطأت.
توجيهات تربوية
لكن لا بُد من اتباع بعض التوجيهات التربوية في رحلة علاج مشكلة تصحيح سلوكيات الأطفال الخاطئة التي تزعج الأسرة، ومنها:
- استشارة أصحاب الخبرات.
- تخفيف الضغوط وممارسة بعض الهوايات المحببة لتفريغ الانفعالات السلبية.
- عوِّد نفسك على استيعاب المشكلات اليومية التي تمر بك مع أولادك، وتذكر أن لكل جيل ظروفه.
- تقبل إخفاقاتك مع أولادك بصدر رحب، وابحث عن أسبابها بكل حيادية وموضوعية، وبعيداً عن التأثر النفسي السلبي بنتائجها، فهذا يساعدك على تلافيها في المستقبل.
- ابتعد عن المتشائمين وناشري الإحباط في تربية الأولاد؛ لأن كثرة كلامهم عن الإخفاقات ومصاعب تربية الأولاد تثير في النفس الشعور بالعجز، وعدم القدرة على تحقيق ما تهدف إليه مع أولادك.
- يجب أن تتعرف على خصائص المرحلة العمرية التي يمر أولادك بها؛ لأننا في كثير من الأحيان نظن أننا فشلنا في تربيتهم ونصاب بالإحباط لصدور بعض السلوكيات منهم، رغم أن هذه السلوكيات ربما تكون من طبيعة المرحلة التي يمرون بها.
- تعليم الأولاد القرآن الكريم والعبادات منذ الصغر حتى يحبوها ويألفوها إذا كبروا.
- الاستعانة بالله: وفي النهاية، توجه إلى الله تعالى بالدعاء، وأَلِـحّ عليه سبحانه أن يعينك على تعديل سلوكياتك السلبية في تربية أولادك، وأن يكون لك عوناً في تربيتهم بشكل عام، واحرص على أن تدعو لهم بأن يجعلهم الله من الصالحين الموفقين.
إن سلوكيات الأطفال الخاطئة التي ينزعج منها أولياء الأمور والمربون ترجع لأسباب عديدة، منها انشغال الآباء والأمهات بالأمور الحياتية المختلفة عن الأطفال، وهذا يجعل الطفل يتغير حتى يلفت النظر له بأنه بحاجة إلى اهتمام متزايد، أو تعرض الطفل للتنمر من الأطفال الآخرين، أو تعرضه للعنف النفسي أو الجسدي بالضرب، أو عدم الاستقرار الأسري ووجود مشكلات داخل الإطار الأسرى.
وإذا رغبنا في علاج هذه المشكلة، لا بُد من اتباع المنهج النبوي الشريف، الذي أكد ضرورة التعامل برحمة ورفق مع الأطفال.
المصادر والمراجع:
- [1] ص63 – كتاب سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد – الخامس في رشه الماء على من دخل عليه مغتسله.
- أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، 106/4.
- .
- التعامل مع أخطاء الأطفال.