خلق الله تعالى الناس متفاوتين من ناحية الخصائص الشخصية المتمثلة في النواحي الفكرية والانفعالية والاستجابة للمؤثرات الداخلية والخارجية، وذلك لحكمة أرادها جل في علاه من أجل القيام بوظائف الخلافة في الأرض بسبب هذه الاختلافات التي تعتبر محركات للحياة، وبسببها يتوزع الناس في مواقعهم حتى يقوم كل واحد بالوظيفة التي خُلق لها والتي تتكامل مع غيرها بشكل أو بآخر.
معامل الذكاء
ولعل من أهم هذه الخصائص وأوضحها ما يسمى معامل الذكاء والذي يتوزع بناءً عليه الناس في الأعمال اليدوية والعقلية والإبداعية، وهو مقياس له علاقة بالنشاط العقلي المتمثل في العمليات العقلية المختلفة، وهي: التخيل، والحساب، والمنطق، والتجريد، وحل المسائل.
أما التخيل، فهو: القدرة على تصور الأشياء من غير رؤيتها بناءً على الوصف وهذه صفة تزيد وتنقص عند الأشخاص؛ فينشأ منهم الفنانون والمخرجون السينمائيون والشعراء والقاصّون وقد تضمر هذه الصفة إلى درجة بسيطة عند بعض الأشخاص وتزيد عند آخرين إلى درجة العبقرية.
أما الحساب أو العد، فهو: القدرة على استخدام الأرقام وإجراء العمليات الحسابية، وهي قدرة تتفاوت زيادة ونقصاناً عند الأفراد وتصل ببعضهم إلى درجة عبقرية عالية.
أما المنطق، فهو: القدرة على ربط البدايات بالنهايات والأسباب مع النتائج، وفيها تتم معادلات الحياة الأساسية في جميع المجالات، ومن خلالها يمكن التنبؤ بالأحداث والوصول إلى الحقيقة وإجراء الحوار الناجح.
أما التجريد، فهو: القدرة على فهم المعاني المجردة من خلال الأمثلة والحكم أي الأشياء غير المحسوسة.
أما حل المسائل، فهو: حصيلة لكل ما ذكر.
وبناء عليه فإن معامل الذكاء يلعب الدور الأهم في عملية التعلم والقدرة على اكتساب المهارات والقدرة على حفظ المعلومات من خلال ارتباط هذا المعامل بالذاكرة، فإذا اجتمع معامل الذكاء المرتفع مع الذاكرة القوية فإن الشخص يكون متميزاً من ناحية القدرة العالية على التعُّلم السريع والتعُّلم المفيد.
والذاكرة تتم من خلال عمليات متوالية، أولها الانتباه ثم التركيز ثم التسجيل ثم الاسترجاع، وإذا اضطرب أي عنصر من هذه العناصر فإن خللاً ما يصيب الذاكرة. وتقسم الذاكرة إلى عدة أقسام، منها: الذاكرة البعيدة التي تتعلق بالأحداث القديمة وتعود إلى سنوات تصل إلى الطفولة، والذاكرة الحديثة وتعود إلى أيام وساعات، والذاكرة الآنية وتعود إلى دقائق. ويتحكم بالذاكرة عناصر كيماوية وعضوية عديدة في الدماغ مسؤولة عن عملها على أحسن وجه، وهي بحاجة إلى مران وتدريب وتكرار وربط حتى تصل إلى درجة فعالة.
الدافعية
ويلي هذه الخصائص بعد الذكاء الخاصية الهامة التي تسمى الدافعية، والدافعية هي: مجموعة العوامل التي تنظم وتوجه السلوك البشري. وهي بكلمات أخرى محركات السلوك البشري، ولها عناصر داخلية وخارجية وتلعب الدافعية دوراً هاماً في قدرة المتعلم على التعلم. والدافعية فيها عناصر غريزية موجودة بحكم الطبيعة البشرية وفيها عناصر منبثقة من الحاجات وفيها عناصر متولدة من الحوافز والعقاب.
فالجانب الغريزي ينبثق من التركيبة المتعلقة بالشعور بالمتعة والألم والسعادة. والدافعية المنبثقة من الحاجات المتعلقة بالجانب المعنوي كالرغبة في النجاح وتحقيق المصلحة والوصول إلى المكانة المرموقة. أما الجانب المتولد من الحوافز والعقاب فهو عنصر خارجي يقوم به المعلم أو ويحرك من خلاله عناصر نفسية كامنة إما في الحصول على الجائزة أو تلافياً للعقوبة.
وتعتمد نظرية الحوافز والعقاب على مبادئ سلوكية منبثقة من تجارب العالم الروسي بافلوف والعالم سكنر. الأول وضع نظرية الارتباط الشرطي باستخدام مثير أصيل غريزي من أجل إيجاد مثير مكتسب يؤدي إلى النتيجة التي يحصل عليه من المثير الأصيل، كاستخدام اللون أو الصوت أو الضوء في وقت حصول المثير الأصيل ثم يسحب المثير الأصيل ويترك المثير المستخدم وحيداً فيحصل بالتكرار على النتيجة المطلوبة.
وقد طوّر العالم سكنر هذه النظرية إلى نظرية الارتباط الإجرائي باستخدام جوائز غير غريزية مثل المال أو الثناء أو الجوائز المختلفة، وهذه النظرية وسّعت مجال التعزيز بشكل كبير وأفادت في التربية إفادة كبيرة، بحيث استطاع المربي والمتعلم من خلال آليات هذه النظرية التحكم في دافعية المتعلم سلباً أو إيجاباً باستخدام التعزيز أو العقوبة؛ الدعم أو الكف.
كما استفاد منها المعالجون من الأطباء وغيرهم في علاج الكثير من الاضطرابات النفسية ذات المنشأ العصابي: كالرهاب والوسوسة وغيرها لدى الكبار، والكثير من الاضطرابات السلوكية لدى الأطفال: كالتبول اللاإرادي والخوف من المدرسة وفرط الحركة وسواها. وكانت كلمة السر في الموضوع التركيز على السلوك الإيجابي وتعزيزه مع إهمال السلوك السلبي.
وقد اتضح بشكل جلي أن الدافعية تعتمد على معامل الذكاء الذي ذكرناه آنفاً وكذلك على طبيعة الشخصية والسمات المميزة لها التي سنتحدث عنها فيما يلي:
سمات الشخصية
ومن أهم الخصائص الفردية التي تلعب دوراً في موضوع التعلم ما يسمى بسمات الشخصية والتي تعني مجموع الصفات الذاتية التي تميز كل شخص عن الآخرين والتي تظهر بشكل متكرر عند التعرض للظروف المختلفة.
وتقسم هذه الصفات أو السمات إلى سمات سلبية وسمات إيجابية وهي تصل في بعض التصنيفات إلى ما يزيد عن ستمائة سمة. واللافت أن قدرة الله عز وجل جعلت لكل فرد سمات محددة تميزه عن الآخرين بشكل واضح. وقد حاول العلماء تقسيم الشخصيات بناءً على هذه السمات إلى مجموعات تشمل كل مجموعة عدداً من الشخصيات.
ولما كان من الصعب الحديث عن السمات الطبيعية فقد تم التركيز على السمات غير الطبيعية أو السمات المرضية، وبناءً عليه فإن الحديث عن السمات يدور من حيث المبدأ على التقاط السمات المرضية وتوزينها لمعرفة شدتها، فيكون الشخص أي شخص منتمياً إلى الطبيعي من الشخصيات ولكنه مَّيال إلى سمة من السمات المرضية، وكلما اشتدت هذه السمة اقترب الشخص من التصنيف المرضي للشخصية، وعليه فإننا نستطيع الحديث عن المجموعات كما يلي: (المجموعة الغرائبية، المجموعة القلقة، المجموعة الدرامية).
أولًا: المجموعة الغرائبية:
ويتصف أصحاب هذه المجموعة بوجود خصائص غرائبية في درجات مختلفة كما يلي:
- الشخصية الارتيابية: وهي شخصية سمتها الرئيسة هي الارتياب مع الشعور بالأهمية، ومن أهم صفات هذه الشخصية ومن يصنف تحتها وجود الشك فيما يقال أو يفعل، وربط ذلك بالنفس سلبياً، والتفاعل مع الآخرين على هذا الضوء، مما يؤدي إلى سوء التفاهم والاشتباك اللفظي أو اليدوي ويشمل ذلك تفسير الكلمات بما ورائها، والبحث عن الدوافع والنوايا والتشكيك بها، ويكون الإحساس بالفكاهة قليلاً والإحساس بقيمة الذات كبيراً، ومثل هذا الشخص يحب إبداء الاحترام له وتقدير ما يقول ويكره النقد وتكون ردود فعله عليه قوَّية.
وعندما يكون هذا الشخص معلماً يكون مرهقاً لطلابه وعندما يكون متعلماً لا ينسجم كثيراً مع أقرانه ويعتبر تفوق أي واحد منهم عليه أمراً مشكوكاً فيه. إن الشخصيات المنتمية إلى هذه الفئة تملك السمات المذكورة آنفاً بدرجات مختلفة تبدأ من البسيطة وتنتهي بالشخصية الارتيابية المرضية وبينهما درجات عديدة.
- الشخصية الانطوائية: وهي شخصية سمتها الرئيسة هي العزلة الاجتماعية وعدم الرغبة في إنشاء أية علائق شخصية مع الآخرين.. ميال إلى الأشياء أكثر من الأشخاص. قد يكون مثقفاً جداً محباً للكتب راغبا بالحفظ والمعرفة ولكنه قليل الرغبة في الصداقة ويحب العمل الفردي. ومثل هذا الشخص يكون من المتعلمين المميزين في أحيان كثيرة.
- الشخصية شبه الفصامية: وسمتها الرئيسة الرغبة الشديدة بالقيام بما هو غريب وعجيب من قول أو فعل أو صفة أو لباس أو اهتمامات، ويحب التفسيرات العجيبة والنادرة ووجهات النظر المثيرة للعجب، ويميل نحو الثقافة النادرة والمثيرة، مثل: السحر والغييبات اللافتة للاهتمام، وعندما يكون هذا الشخص متعلماً فهو ميال إلى جر المسار التثقيفي إلى الأمور الجدلية الغريبة الخالية من الدليل.
ثانيًا: المجموعة القلقة:
وتتصف بوجود نسبة عالية من التوتر والقلق والخوف والرغبة في الحصول على رضى الآخرين، وتشمل:
- الشخصية الوسواسية: وهي شخصية تمامية؛ تحب التفاصيل وتكره أن يوجه إليها أي نقد أو اتهام بالتقصير، ضميرها حي، مُتعِبة ومُتعبَة، ويريحها معرفة الخطوات بوضوح لتكرارها بدون شعور بالخطأ، وعندما يكون الشخص المتصف بهذه الصفات متعلماً يجد صعوبة بالغة في الاستماع والاستعداد وتحضير المطلوب؛ لأنه يريد تغطية الموضوع بشكل تام مما يسبب له القلق والتوتر ويجعله يتجنب تحمل أية تكاليف أو مسؤوليات جديدة، وهو يتميز أيضاً بالتردد الشديد في اتخاذ أي قرار.
- الشخصية الاعتمادية: وصفتها الرئيسة عدم الثقة بالنفس والتردد الشديد في اتخاذ القرار طالما الشخص المعتمد عليه غير موجود بجانبه والذي يكون رأيه حاسماً، وعندما يكون هذا الشخص متعلماً يحب دائماً التأكد من المعلومة أو الفهم من الشخص المعتمد عليه.
- الشخصية الخجولة: وصفتها الرئيسة الإحساس بالقلق والخوف أمام الغرباء على الرغم من رغبته الشديدة بالتخلص من ذلك، وعندما يكون متعلماً فهو تجنبي؛ لا يحب أن يسأل أو يُسأل أو يوجه إليه نقد، وإذا حدث ذلك يصاب بحالة من الإضراب في الملامح والكلام والسلوك.
ثالثًا: المجموعة الدرامية، وتشمل:
وهي تتصف بشكل رئيس بالميل الشديد إلى الإثارة والانفعال، وتشمل:
- الشخصية السيكوباتية: وهي شخصية مضادة للمجتمع بعيدة عن القيم والمبادئ، غرائزي مصلحي أناني شديد الرغبة بتحقيق رغائبه بغض النظر عن التوابع والنتائج المؤثرة على الغير، متآمر، كذاب، متحايل، شهواني، لا يردعه شيء عن فعل ما يريد، وهو مستعد لاستخدام أية وسيلة مهما كانت للوصول إلى هدفه. وهذه السمات لا تظهر فجأة بل تبدأ في الطفولة بحجم وشكل بسيط ثم تشتد وتقوى مع مرور العمر إذا ساعدتها الظروف وعززتها.
وهذا النوع من الشخصيات لا يصلح لعمل جماعي، وإذا وجد فيه فهو صاحب هدف غير شريف أو يكون مدسوساً لهدف ما، ولكنه قد يخدع الناس بشكل كبير حتى يتم اكتشافه.
- الشخصية الهستيرية: وهي شخصية تسعى نحو الإدهاش ولفت النظر وأن يكون في مسرح الحدث، ويستخدم من أجل ذلك كل وسائل لفت الانتباه لباساً ولغة وإيحاءات وحركات واهتمامات، سطحي الالتزام متقلب المزاج.
- الشخصية النرجسية: وتتميز بعشق الذات والإعجاب الشديد بالنفس، وتجد متعتها في الحديث عن ذاتها حديثاً مليئاً بالإثارة والدعوة إلى الإعجاب، وقد يلجأ صاحب هذه الشخصية إلى الكذب والمبالغة وادعاء ما ليس واقعاً من أجل الحصول على إعجاب الآخرين، وهو شخص أناني يطوف حول الأنا ويسعى بين الأنا والأنا في جميع ضمائرها المستترة والمتصلة والمنفصلة، والمثال الكبير على هذه الشخصية شخصية الشاعر أبو الطيب المتنبي.