لا شك أن خدمة الطلاب من أبرز مهام المربي الناجح الذي ينشغل دائمًا بصناعة الأجيال، وبناء العقول، وتربية النشء. والتربية رغم أنها مهمة، لكنها عملية صعبة تحتاج إلى مجهود وصبر، لإعداد إنسان سوي يتمتع بقيم ومعانٍ إنسانية راقية، وإذا كانت التربية كذلك، فلا يُمكن أن تتاح وتسوغ لكل إنسان؛ بل يجب لها إعداد المربي الناجحِ الذي يتمتع بمؤهلات وبصفات خاصة لذلك؛ وكلما أتقنها؛ ارتقى نجاحه في التربية بعد توفيق الله تبارك وتعالى.
خدمة الطلاب من مؤهلات المربي الناجح
والانهماك في خدمة الطلاب ورعاية مصالحهم وحل مشكلاتهم وليس التسلط عليهم، هو مناط تكليف العلماء والمربين، وهو ما يفتح القلوب ويمنح القبول لهم. وقد حدثنا الله- سبحانه وتعالى عن قيمة العلماء وبيان فضلهم؛ فحصر بهم وحدهم الخشية منه تعالى، في قوله: (… وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) [فاطر: 28].
وفي محلٍّ آخر يترك الله الحكم إلى ذوي العقول ليقضوا هم بفطرتهم ووجدانهم، بأنَّ العالم وحامل العلم والمربي أفضل من غيرهم، وكأنَّه يقول لنا إنَّ هذا الأمر- لوضوحه- متروكٌ لعقولكم حتَّى تحكموا أنتم بأنَّ من يحمل العلم لا شك في فضله وعلوِّ مقامه، وذلك في الآية الشريفة: (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) [الزمر: 9].
وقد حبّب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في عملية تعليم الناس وخدمتهم، فقال: “الخلق عيال الله، أحبهم إليه أنفعهم لعياله” (صحيح مسلم)، وقال- عليه الصلاة والسلام-: “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يُسلمه. ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه بها كربة يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة” (البخاري ومسلم وأبو داود).
وقال- صلى الله عليه وسلم-: “لأن يمشي أحدكم مع أخيه في قضاء حاجته، وأشار بإصبعه، أفضل من أن يعتكف في مسجدي هذا شهرين” (الحاكم). كما قال: “وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ” (الطبراني).
والمربي الخدوم والحريص على تربية طلابه وخدمتهم وتوجيههم لكل خير، قاله عنه النبي- صلى الله عليه وسلم-: “إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير” (الترمذي والطبراني).
والتعليم والتربية وخدمة الناس في الخير مهمة الأنبياء والمرسلين، قال النبي- عليه الصلاة والسلام: “إن الله بعثني معلمًا ميسرًا”، وقال معاوية بن الحكم السلمي في وصف تعليم النبي- عليه الصلاة والسلام-: “ما رأيت معلمًا قبله ولا بعده أحسن تعليمًا منه” (مسلم).
ولا بد من أن يجتهد المربي في تفقد أحوال الطلاب ورعايتهم، ليكون على وعي وإدراك لِمَا يعتريهم أو يُصيبهم في الفهم والسلوك والحركة والمعاملات، ليمكنه العلاج قبل تفاقم المشكلات، والوقاية خير من العلاج، ويستعين على هذا الأمر بالزيارة والسؤال.
ويجب أن يكون المربي قادرًا على تحقيق التكافل بين طلابه، فيحمل بعضهم عبء بعض ويتعهد بعضهم بعضًا بالسؤال والبر، ويبادرون إلى المساعدة ما وجدوا إلى ذلك سبيلًا.
كيف تكون خدمة الطلاب؟
وبإمكان المربي خدمة الطلاب من خلال وسائل عديدة، فهو المسؤول عن إيصال الخبرات لطلابه، وهو القدوة والموجه الأول لمسيرتهم، وما أحوجنا لمربين مؤهلين خضعوا لتدريبات تساعدهم في اكتساب الخبرات والمهارات التي يحتاجون إليها لتحقيق النجاح، ومن أهم الوسائل:
- تقديم المساعدة الأنسب عند الحاجة، فعلى المربي تزويد الطلاب بالمعلومة المناسبة، أو المصدر الموثوق لها، وتوجيههم لكيفية الاستفادة منها.
- دعم الطلاب والوقوف إلى جانبهم، في عملية التربية والتعليم والحصول على المعرفة، ولا يكتفي المربي بتزويدهم بها فحسب.
- إرشاد الطلاب نحو الأفضل، فينبغي على المربي أن يكون قدوةً لطلابه في أخلاقه، وسلوكه الاجتماعي، وحسن استماعه، حيث إنّ إعطاء الطالب المساحة للتعبير عن رأيه له أثر كبير في تشجيعه على السعي للنجاح.
- تقديم يد العون للطلاب، بالانخراط في نشاطات غير أكاديمية من شأنها مساعدة الطلاب؛ وتنظيم الفعاليات والنشاطات الرياضية، والأهم من ذلك تجنّب وقوع المشكلات، ورصد أيّ سلوكيات عنف تصدر من الطلاب، واتّباع أساليب تربوية للتعامل معها وتجنّبها.
- الانضباط وحفظ النظام: ويخدم المربي الطلاب من خلال تدريبهم على حفظ النظام والانضباط، وتحقيق سلوك اجتماعي إيجابي بحيث لا يتأتى ذلك من خلال الأوامر والتسلط بل من خلال إشاعة الجو الديمقراطي الهادف لرعاية الطلاب وإعطاء المساحة لهم في صنع القرار واحترامه وتطبيقه.
- مساعدة الطلاب في التحصيل الجيد: ويكون ذلك بالمتابعة ورعاية مستوى الطلاب طوال الوقت، وتوظيف اللوائح المتعلقة بتقويم الطلاب في المجالات المعرفية والوجدانية والمهارية بشكل مُوجّه وفعال.
- إرشاد الطلاب نفسيًا: فعلى المربي أن يكون ملاحظًا دقيقًا للسلوك الإنساني، وأن يستجيب بشكل إيجابي عندما تعيق انفعالات الطالب تعلمه، ويجب عليه معرفة الوقت المناسب لتحويل الطالب للأخصائي النفسي طالبًا المساعدة.
- نقل المعرفة للطلاب بأفضل الأساليب: فالمربي الكفء يعي الأساليب التقنية وتكنولوجيا التعليم ولديه القدرة والمهارات الهادفة في معاونة الطلاب على توظيف المعرفة في المجالات المختلفة إضافة إلى قدرته على صياغة الأهداف التربوية والدراسية والعمل على تحقيقها.
- رعاية النمو الشامل للطلاب: فالمعلم فارس الميدان التربوي والعملية التربوية وهو مسؤول عن تحقيق الأهداف السلوكية من خلال أدائه التربوي الإيجابي سواءً أكان عبر الموقف التعليمي داخل غرفة الصف أو خارجها في المجتمع المحلي.
- التواصل الفعّال: حيث يُسهم تواصل المربي مع الطلاب مباشرة بشعور الطلاب بالاهتمام، ويساعدهم على البقاء متحفزين لإكمال مسيرتهم التعليمية والتربوية بنجاح.
من صفات المربي الناجح
وإضافة إلى مهارات المربي الناجح، فهناك سمات لا بُد من توافرها فيمن يتصدى للتربية وخدمة الطلاب تربوية وعلميا، ومنها:
- العلم: وهو عُدَّةُ المربي في عملية التربية، فلا بد من أن يكون لديه قدر من العلم الشرعي، والذي حدّده العلماء بأنه “القدر الذي يتوقف عليه معرفة عبادة يريد فعلها، أو معاملة يريد القيام بها، فإنه في هذا الحال يجب أن يَعرف كيف يتعبد الله بهذه العبادة وكيف يقوم بهذه المعاملة”.
- الأمانة: وتشمل كل الأوامر والنواهي التي تضمنها الشرع في العبادات والمعاملات. ومن مظاهر الأمانة أن يكون المربي حريصًا على أداء العبادات، آمرًا بها أولاده وطلابه، ملتزمًا بالشرع في شكله الظاهر وفي الباطن، فيكون قدوة في بيته ومجتمعه، متحلياً بالأمانة.
- الحكمة: وهي تحكيم العقل وضبط الانفعال، ولا يكفي أن يكون قادرًا على ضبط الانفعال واتباع الأساليب التربوية الناجحة فحسب، بل لا بد من استقرار المنهج التربوي المتبع بين أفراد البيت من أم وأب وجد وجدة وإخوان وبين البيت والمدرسة والشارع والمسجد وغيرها من الأماكن التي يرتادها؛ لأن التناقض سيعرض الطفل أو الطالب لمشكلات نفسية.
- العدل: وقد كان السلف خير أسوة في العدل بين أولادهم، حتى كانوا يستحبون التسوية بينهم في القُبَل.
- المتابعة والملازمة: لأن العملية التربوية مستمرة طويلة الأمد، لا يكفي فيها التوجيه العابر مهما كان خالصاً صحيحاً، وقد أشار إلى ذلك النبي- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- حيث قال: “الزمُوا أولادكم.. وأحسنوا آدابهم” (ابن ماجه).
- الصدق: وهو “التزام الحقيقة قولاً وعملاً”، والصادق بعيد عن الرياء في العبادات، وإخلاف الوعد وشهادة الزور، وخيانة الأمانات.
- الحيوية والنشاط: على المربي أن يكون نشيطًا، ومحبًّا للرياضة ليكون مثالًا في هذا للطلاب الذي يتولى تربيتهم وتعليمهم.
- الذكاء: فلا بد من أن يكون المربي أكثر ذكاءً من الطلاب، وأوسع أفقًا، وأبعد نظرًا، وأنفذ بصيرة، وأقدر على توقع المفاجآت والاستعداد لها، وأحسن تصرفًا، وأعلى في مستوى الإدراك والتفكير، وأكثر قدرة على التعبير والطاقة اللفظية، وأدق في الحكم على الأشياء، وأسرع في اتخاذ القرار، وأكثر اطلاعًا وثقافة في المجالات المختلفة، إضافة إلى تخصصه.
- الثبات الانفعالي: أن يتّسم المربي بالثبات الانفعالي، والنضج الانفعالي، وقوة الإرادة، وضبط النفس.
- التعاون والشجاعة: فلا بد من أن يكون المربي أكثر تعاونًا وتشجيعًا لروح التعاون بين الأفراد، وأكثر قدرة على التعاون، وأكثر ميلًا إلى الانبساط وروح الفكاهة والمرح، والاحتفاظ بالأفراد ومراعاة مشاعرهم، وأعلى مهارةً اجتماعية، وأقدر على خَلق روح معنوية عالية.
إن بإمكان المربي الناجح خدمة الطلاب وتوجيههم إلى الطريق الصحيح، لينال الثواب العظيم الذي أعده الله له، وليشارك في بناء جيل صالح يحمل هم الأمة ويدافع عنها ونصرها في كل الميادين.
المصادر والمراجع:
- أحمد محمد الشحي: المعلم صانع أجيال.
- أحمد السيد كردي: أدوار المعلم.
- ياسمين ناصر: صفات المعلم الناجح… أهم 7 صفات يعززها نظام إدارة المدارس.
- روان سالم: صفات المعلم الناجح.. أهم ما يمكن فعلهُ لكسب قلوب وعقول الطلبة.
- الشيخ محمد بن عثيمين: كتاب العلم، ص 21.
- حمد نسيب الرفاعي: تيسير العلي القدير، 3/521.
- ابن قدامة: المغني، 5/666.
- محمد قطب: منهج التربية الإسلامية، ص 285.
- محمد مبيض: أخلاق المسلم، ص61.