لعل هذا الكتاب (خاتم النبيين) الذي بين أيدينا، من خير ما يعرفنا بسيرة النبي صلوات الله وسلامه عليه، بطريقة جمعت بين الرواية والدراية، وبين السرد والتحليل، وإبراز ما ينبغي أن يقف عليه القارئ وينتفع منه بأسلوب رصين جذاب، ونظرات عميقة نفاذة إلى اللباب، تكشف مواطن العظمة في شخصيته صلى الله عليه وسلم، وتذب عن مقامه، وترد التهمة المغرضة عنه إلى صدور أعدائه، وتحيط سيرته بسياج من المحبة والغيرة والفهم العميق والدعوة الصادقة إلى التأسي والاقتداء.
ولقد جعله مؤلفه العلامة الشيخ محمد أبو زهرة في ثلاث مجلدات، تناول المجلد الأول منها حياة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من ولادته التي حاطتها الخـوارق، وحياته التي كانت كلهـا ارهاصات بالنبوة، حتى بعثه الله تعالى بشراً رسولا، وأوذي هو وحواريوه في الله، وصبر وصابر، حتى كانت الهجرة التي أنشئت نشئت بها مدينة الاسلام، ودولة الايمان.
المجلد الثاني، تناول جهاده، وقمع الشرك، وفتح الطريق للدعوة المحمدية، وازالة المحاجزات من طغيان الظالمين، وفتنة المؤمنين، حتى تسير الدعوة في طريقها من غير عوج، وفي طريق معبد لا يحاجزه الشر، ولا يدعثره الايذاء، وان هذا القسم ينتهي بصلح الحديبية، حيث يئس الشرك من أن ينال من أهل الايمان، وعجز عن أن يغزو المؤمنين، وصـارت الكلمة العليا في الجـزيرة العربية للإيمان، وسارت الدعوة في كل مسار.
المجلد الثالث تناول من بعـد الحديبية، وفيه تجرد النبي عليه الصلاة والسلام لليهود الذين كانوا شـركة في جنب العرب، وأخذ الاسلام يعم جـزيرة العرب، ويخـرج الى أقطار الأرض فكانت مؤتة، وكان الفتح العظيم الذي يئس فيه الشيطان أن يعبد في هـذه الأرض، وأخذ الاسـلام يغزو ما حول العرب بكتب النبي ورسله، و بالسرايا يبثها، وبالخروج الى الروم الذين قتلوا المؤمنين من أهل الشام في أرضهـم، فكان لابد من تأمين الدعوة، وازالة الفتنة، وهذا القسم ينتهي برحلة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم من هذه الدنيا بروحه الى السموات العلا
ولكن عندما أعيد طبعه بتوصية من مؤتمر السيرة والسنة النبوية المنعقد في الدوحة عام 1400 هـ، صدر في جزئين ضخمين، احتوى الأول على العهد المكي (وهو ما احتواه المجلد الأول)، واحتوى الثاني على العهد المدني (وهو ما احتواه المجلدين الثاني والثالث).