أمي كانت مريضة جدا، وعملت عملية، وسافرت من مدينة إلى مدينة لكي أرعى أمي فترة مرضها، مَرّ على هذا الحال 15 يومًا، وفجأه تلقيت رسائل من جاراتي على واتساب، سب وشتم وكلام لا يتحمل أحد سماعه، فآلمني هذا وبكيت.
فبحثت واكتشفت أن صديقتي وحبيبتي وجارتي هي السبب، فقد استغلت غيابي وذهبت إلى خمسة من جاراتي واتهمتني في شرفي، وقالت لهن إنني أتكلم في شرفهن، يعني قذف المحصنات!
والله أكتب ودموعي على خدي، الظلم ظلمات يوم القيامة، فلما أشعلت النار في جاراتي اتصلت بي وبدأت تتهمني وتسبني، والله من الصدمة لم أتكلم ولو كلمة، أرجوك ساعدني.. ماذا أفعل؟ أرجوك.. كيف أتعامل مع هذا الموقف؟.. أنا ظُلمت كثيرًا، جاراتي صدّقوها وكذبوني!
السائلة الكريمة..
ندعو لوالدتك بالشفاء العاجل والعافية، وجعل رعايتك لها في ميزان حسناتك.. لم يكن من المتوقع أن تأتيك رسائل شتم وسب وقذف وأنتِ غائبة ترعين أمكِ!
فبدلا من أن يسأل عليك جيرانك، أمطروك بوابل من سوء الأدب، وزادوا عليكِ الهم بدلًا من أن يبادلوكِ السؤال عن صحة والدتك! أعانك الله على تخطي هذا الابتلاء، ورزقك حُسن التصرف في مواجهة مَن ظلموك.
وهنا نوجه الحديث إليكِ، وإلى الجارة المشّاءة بالنميمة، وإلى الجارات اللواتي صدقوها!
أما عن الجارة التي بدأت باتهامكِ في شرفك، وأوقعت بينك وبين جيرانك، نسألك هل كانت علاقتك بها طيبة في السابق؟ أم أن هناك رواسب من المشكلات دفعتها لهذه الاتهامات المشينة؟
فإذا كانت ثمة رواسب قديمة، لعلها كانت سببًا في دخول الشيطان بينكما أكثر، وهذا بالطبع لا يبرر فعل السوء، إنما هي محاولة لفهم سبب هذا السلوك المشين منها.
فحبذا لو صفينا خلافاتنا مع مَن حولنا أولا بأول حتى لا نجعل للشيطان علينا سبيلا، وحتى لا تتضخم الأمور بينكما.
هذا الإثم كبير، يشترط لغفرانه التوبة: (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ).. إلى قوله (إِلَّا الذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا..).
هذه الآية نزلت فيمن آذوا السيدة عائشة- رضي الله عنها-، إلا أن بعض التفسيرات توضح أنها نزلت- أيضا- في حق كل محصنة يرميها الناس بالباطل، فأرسليها لها إن كانت تطيق اللعن والخروج من رحمة الله في الدنيا والآخرة إلا أن تتوب!
السؤال الثاني أيضا لك: فيما يخص هذه الجارة المسيئة، هل ثمة شيئا رأته، وترجمته بسوء الظن منها، وكان يحتاج منك لدرء الريبة؟
هل رأت رجلًا غريبًا في منزلكم (عم/خال..إلخ)، فظنت فيكِ السوء؟! إن حفظ العرض من الضرورات الخمس في الإسلام، وفي حديث صفية ما يدل عليه- أيضًا- فقد كانت عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في معتكفه فخرج يودعها فمر به رجلان من الأنصار ورأوها معه فانطلقا مسرعين فقال: على رسلكما إنها صفية بنت حيي، فقالا سبحان الله يا رسول الله، قال: إنَّ الشَّيْطَانَ يَبْلُغُ مِنَ الإنْسَانِ مَبْلَغَ الدَّمِ، وإنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ في قُلُوبِكُما شيئًا (البخاري).
فلم يترك الحبيب المصطفى سبيلا للشيطان، يجعل صحابته يفهمون شيئا غير الحقيقة، فأراد الحبيب أن يجُب الريبة عن نفسه، وهو مَن هو المعصوم- صلى الله عليه وسلم-، فلنتخذ هذا الفهم دليلا، ولا نكن عونا للشيطان على أحد ما استطعنا إلى ذلك سبيلا.
فإذا كان ثمة شيء يحتاج منك إلى التفسير، فبادري بإيضاحه، وإن تحدثت عن الأمر عرضا تقصدين بهذا التحدث إزالة اللبس قبل أن تقعي ضحية لمرضى النفوس، غفر الله لنا جميعا.
أما بالنسبة لجاراتك الخمس، فكان يجب عليهن أن يتبينّ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا)، وحيث إنهن لم يتبينّ فقد شاركنها الإثم، ويكفي أن تقسمي لهن أن ذلك لم يصدر منك- اتهامك لهن في شرفهن- فالبينة على مَن ادعى، وهي في هذه الحالة الجارة الرامية لك بالاتهام فلتأتِ ببينة، واليمين على مَن أنكر، وهذا في حقك، يكفي أن تقسمي لهن أنك ما فعلت ذلك.
وبالنسبة لكِ، فالصبر ثم الصبر مفتاح الفرج، ولعل فيما حدث لأمنا عائشة- رضي الله عنها- ما يخفف عنك الحزن، فكيف وهي من أمهات المؤمنين لم تسلم في عرضها، حدث هذا في عهد الحبيب المصطفى وهو قائم بين أظهرهم، أفلا يحدث هذا مع هشاشة دين الناس؟!
فصبر جميل، يقينا سيبرئكِ الله آجلًا أم عاجلًا، وعلى الباغي تدور الدوائر يقينًا، فطيبي نفسًا لأن الله هو مَن سيدافع عنكِ، والزمي الدعاء بانكشاف الغمة وانشراح الصدر.
ونقترح أن تشرحي الموقف لأحد الحكماء ممّن يعرفونكِ ويعرفونهن، كجارة كبيرة في السن، واتركي لها فهم أسباب ما حدث وتوضيح الغبن الذي وقع عليكِ، وإن لانت وفهمت إحدى الجارات الخمس أنكِ لم تقولي في عرضهن شيئًا، ستكون سببًا في توضيح الموقف للبقية، وتبقى المشّاءة بينكن بالنميمة يفضحها الله على رؤوس الأشهاد إن لم تتب وتسترضيكِ.
وحتى حدوث ذلك، أطيلي فترة بقاءكِ بعيدًا عنهن، حتى تهدأ نفسكِ، ولا يكون الاحتكاك سببًا لمزيد من تلقي الأذى منهن.
صرف الله عنكِ السوء، ورزقكِ الصبر والحكمة، وردّكِ إلى بيتكِ مردًّا جميلًا.