لقد حثّ الإسلام على تكوين الصداقات عند الأطفال والكبار بشرط أن تكون صالحة، لتُحقق السعادة في الدنيا والآخرة، لأن أي إنسان يحتاج إلى صديقٍ يُعاونه عند سوء الحال ويُؤانسه عن حسنه، ومَن ظنّ أنه يُمكنه الاستغناء عن الصديق فهو مغرور.
ونشر موقع قناة “كانال في” الكندية تقريرًا سلّط الضوء على الطريقة التي يجب اتباعها عند التعامل مع الأطفال غير القادرين على إقامة علاقات مع الآخرين، مشيرًا إلى أنه حين تتساءل عن سبب عدم امتلاك طفلك لأصدقاء، فإنّ الأمر الوحيد المؤكد هو تعدد العوامل التي تُفسر عزلة صغيرك أو شعوره بأنه منبوذ.
تكوين الصداقات الناجحة في الإسلام
إن تكوين الصداقات عند الأطفال لا بُد أن تقوم على تقوى من الله ورضوان، وكل أخوة وصداقة في هذه الدنيا لا تقوم على الإيمان والتقوى والتناصح والتواصي بالحق والتواصي بالصبر تنقلب إلى عداوة، وهي شر ووبال على أهلها، قال الله- عز وجل-: {ٱلْأَخِلَّآءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا ٱلْمُتَّقِينَ} [الزخرف: 67].
فالصداقة الناجحة هي التي تقوم على الدين وعلى تقوى الله تبارك وتعالى، وليس على المجاملات، أو الضحك واللعب، وليس على ما يعتاده بعض الناس عندما يؤسسوا بينهم علاقات وصداقات، وبالنسبة لبعض الأطفال فتعود مشكلة عدم تكوينهم صداقات ناجحة إلى سلوكهم، فقد يظهر البعض أنانية وعدوانية تجاه رفاقهم، فلا يرغبون في مشاركة ألعابهم مع غيرهم، ولا يميلون إلى إقامة علاقات معهم، بل يُحاولون الظهور كأشخاص عنيفين أحيانًا وهو ما يجعل الصغار الآخرين يميلون إلى تجنبهم بطبيعة الحال.
وعلى المربّي أن يُعلّم أولاده أن اختيار الصديق الصالح أهم من تكوين أي صداقة لمجرد الصحبة، فقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمرو بن العاص- رضي الله عليها- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “خير الأصحاب عند الله خيرهم لصاحبه، وخير الجيران عند الله خيرهم لجاره”. (حديث صحيح)، قال الإمام المباركفوري- رحمه الله-: قوله صلى الله عليه وسلم: “خير الأصحاب عند الله”؛ أي أكثرهم ثوابًا عند الله، “خيرهم لصاحبه”؛ أي: أكثرهم إحسانًا إليه، ولو بالنصيحة .
وحثّ النبي- صلى الله عليه وسلم- على مجالسة الأصدقاء الصالحين ومرافقتهم، فقد روى الشيخان عن أبي موسى الأشعري- رضي الله عنه-، عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “إِنَّما مثَلُ الجلِيس الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ: كَحَامِلِ المِسْكِ، وَنَافِخِ الْكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ ريحًا طيِّبةً، ونَافِخُ الكِيرِ إِمَّا أَن يَحْرِقَ ثِيابَكَ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً”.
قال الإمام النووي -رحمه الله-: في هذا الحديث فضيلة مجالسة الصالحين، وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق، والورع والعلم والأدب، والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع، ومن يغتاب الناس، أو يكثُرُ فجره وبطالته، ونحو ذلك من الأنواع المذمومة.
أسباب عدم تكوين صداقات ناجحة
لا شيء ينمِّي السلوك الاجتماعي لدى الطفل أكثر من أن يكون له صديق، وهي مهمة سهلة الحدوث بالنسبة للأطفال، فمعظمهم يكون له الهدف نفسه في الحياة، كل ما في الأمر أن يجد طفلًا آخر يلعب معه بدلًا من أن يلعب كل منهما على حدة ودون شجار.
والطفل يحتاج إلى صديق واحد جيد على الأقل، فإذا كانت هناك مشكلة بسبب عدم المشاركة في المدرسة أو في المنزل، فهذا الصديق سيمثل له المعلم؛ لذلك فإننا نسأل طفلنا: “من هو صديقه أو أصدقاؤه المفضلون؟”، ثم ندعو كل واحد منهم على انفراد؛ حتى نرى أن العلاقة قد أصبحت قوية مع أي منهم.
لكن إذا كان الطفل ليس لديه أي صديق.. فما حل هذه المشكلة؟
ذكر موقع قناة “كانال في” أن هناك أطفالًا يعجزون عن تكوين صداقات ناجحة، بسبب إصابتهم بخجل مرضي يمنعهم من التقرب من غيرهم. ومن المؤكد أن علاقات الأطفال الخجولين للغاية مع الآخر تسير بنسق بطيء مقارنة بالبقية. مع ذلك، فإن الانطواء الحاد للطفل يكون مصحوبًا أحيانًا بفقدان احترام الذات، وقد يتأزم هذا الوضع أكثر في حال كان هذا الطفل ضحية للنبذ. وهكذا، يمكن أن يتحول هذا الوضع إلى حلقة مفرغة حقيقية.
وفي بعض الأحيان، يعود نبذ الطفل إلى بداية تجربة تنشئته الاجتماعية. لكن، قد يتحول طفل ما تكيَّف جيدًا مع محيطه إلى شخص وحيد تخلى عنه أصدقاؤه بشكل مفاجئ. وتنتشر هذه الحالة في صفوف الفتيات أكثر، اللاتي يرجح أن تكون لديهن صداقات أكثر من الصبيان. علاوة على ذلك، لا تتردد الفتيات في استخدام شكل من أشكال العنف النفسي فيما بينهن. ورغم أن هذه الحالات تكون عابرة في الغالب، لكن مع ذلك، يُمكن أن تُسبب معاناة شديدة للطفل.
نصائح لحل المشكلة
إذا كان هناك أطفال يُعانون من عدم تكوين الصداقات الناجحة في المدرسة أو في الحياة عمومًا، فيجب على الآباء أو المربين اتباع هذه الوسائل التربوية لحل هذه المشكلة:
- تجنب الغضب: فإنه من الطبيعي أن ينزعج ولي الأمر أو المربي من معاناة الطفل الذي فشل في تكون صداقة مع الآخرين، لكن لا ينبغي التفاعل مع هذه المسألة دون تفكير. وإذا شعر ولي الأمر أن سلوك الطفل يقف وراء مشكلته، فلا يوجه له لومًا مباشرًا، ذلك أن ثقته بنفسه قد تكون مهتزة، ما يجعل الأمور أسوأ.
- التحدث إلى الطفل بهدوء: ولا بُد من تطوير حس التعاطف لديه من خلال إقناعه بوضع نفسه مكان الآخرين، كما يجب عدم إلقاء اللوم على زملاء دراسته أو معلميه.
- تحفيز ثقة الطفل بنفسه: ففي كثير من الأحيان، يُؤثر عدم امتلاك الطفل لأصدقاء سلبًا على تقديره لذاته، ويتقلص هذا التقدير أكثر فأكثر حين يرفضه محيطه، لهذا السبب يُمكن أن يكون تدعيم الثقة بالنفس مفيدًا جدًّا لتعزيز تقديره لذاته:
- ممارسة نشاط موازٍ للمناهج الدراسية: بحيث يمكنه لقاء أطفال لا ينتمون إلى بيئته المعتادة.
- تشجيع القدرات الاجتماعية للطفل: سواء في المنزل أو خارجه، ولا بد من تشجع الطفل على التعبير عن نفسه، علاوة على ذلك، نعلّمه الأدب، ونفسّر له أهمية الانفتاح على الآخرين.
- الإصغاء إلى احتياجات الطفل: ولا بُد من الاطلاع الدائم على العلامات التي قد تُشير إلى أن وضع الطفل يزداد سوءًا، كما يجب الاهتمام بحياة الطفل الاجتماعية والانتباه إلى احتياجاته.
- لا نخبرهم بالمشكلة: من الضروري ألا نعرف الطفل بأنه خجول أو معزول عن أصدقائه في المدرسة، وفي الوقت نفسه نعمل على علاج مشكلته.
- الرياضة: وهي من الحلول المميزة التي تساعد الطفل على الخروج من الخجل والانطواء، عن طريق تكوين أصدقاء جدد وتعزيز الثقة بالنفس، إضافة إلى فوائد الرياضة على الصحة.
- تجنب مقارنة الطفل بأشقائه: إذ يجب أن يكون الوالدان واقعيّين بشأن شخصية الطفل ومزاجه، اللذَين يحددان مقدار تفاعله الاجتماعي، فلا ضرورة للمقارنة.
- التمرين على الحديث في المنزل: فإذا كان الطفل يجد صعوبةً في بدء المحادثات مع الأطفال في المدرسة أو في أي مكان آخر؛ يُمكنه التمرين على الحديث في المنزل، ومناقشة المواضيع التي تهمه ويحتاج إلى التحدث عنها، واختبار الخيارات المختلفة حتى يجد موضوعًا بصورة طبيعيّة.
المصادر والمراجع:
- المباركفوري: تحفة الأحوذي، 6/62.
- النووي: مسلم بشرح النووي 8/427.
- زكريا الشربيني: تنشئة الطفل ص 339.
- الصداقة .