عكف كثير من التربويين على وضع مناهج تعليمية للصغار، ليُحوّلها المُعلّم إلى واقع تطبيقي ملموس، ومنها منهج تعليم اللغة العربية للأطفال، ذلك أنّ للغة في حياة الإنسان عامة، والطفل بصفة خاصة، أهمية كبيرة، فهي أداته للاتصال والتعبير، ووسيلته الأولى لتحصيل المعرفة وتكوين الخبرة وتنميتها.
واللغة العربية هي لغة القرآن والبيان، ووعاء الحضارة والتاريخ، وهي ليست مادة دراسيّة فحسب، لكنها وسيلة لدراسة كثير من المواد الأخرى، ونجاح المربي في تعليم الأطفال هذه اللغة الأم يُساعد في نجاحهم خلال المراحل التعليمية التالية.
ورغم أهمية هذه اللغة التي نزل بها القرآن، فإنها تواجه تحديات العولمة، ومحاولات لطمسها سواء من متحدثيها الأصليين أو من الأعداء الذين يعرفون قيمتها، ومصدر قوتها، إلا أن الحفاظ عليها والدفاع عنها سيظل أبد الدهر.
طرق تعليم اللغة العربية للأطفال
إن اللغات ليست مواد دراسية تُحفظ وتُستوعب في الذاكرة، إنما هي أداة تعامل في مجالات الحياة، ونحن حينما نؤدي مهمة تعليم اللغة العربية للأطفال، فليس لنعطيهم لغة جديدة وإنما لنصححها لهم، ونجعلها في لسانهم وذاكرتهم سليمة فصيحة.
لذا، على المربين والمعلمين الالتزام بنطقها الصحيح والبعد عن الألفاظ العامية، وشرح الدرس بلغة سليمة ليلتقطها الصغار ويحفظونها في مُدّخراتهم اللغوية، ومع الوقت تزيد الحصيلة اللغوية ويصبح لدى الأطفال معجم لغوي كبير ينهلون منه وقت الحاجة، أما عن الطرق الخاصة بتعليم هذه اللغة، فيمكن الإشارة إلى بعضها في النقاط التالية:
- التلقين المباشر: حيث يتفاعل المُدرّس مع الطفل عن طريق السؤال والجواب، واللعب على إطلاق العنان لخياله عن طريق عرض الصّور والرسومات والأشكال التي تُمثل الحروف الهجائية، والجمل والكلمات وأسماء الأشياء التي رآها أو سمع بها في محيطه، دون أن يشعر الطفل بأنه في درس تعليمي.
ومن أكثر وسائل التلقين الشفهي المباشر: حلقات تحفيظ القرآن الكريم، سواء في الفصل أو المسجد أو حتى المنزل، حيث يعتاد الطفل منذ الصغر على نطق الحروف وربط الكلمات من خلال القرآن الكريم. - القصص: فهي لها أثر كبير في نفس الطفل إذا قُدمت له بطريقة شائقة، ثمّ تطلب منه أن يعيد سردها، أو وضعها بعد ذلك في صورة حوار تمثيلي يتبارى الأطفال في أدائه، ومع التقدم التكنولوجي، أصبحت المكتبات تُقدم قصصا كثيرة، وكتبا تعليمية (ورقية وإلكترونية).
- الأناشيد: وهي الشعر الخفيف الأوزان، السريع الإيقاع، السهل الألفاظ والتراكيب، الحلو العبارة، القصير البناء، الذي يستهدف إثارة مشاعر الاطفال نحو الخير والجمال والمُثُل العُليا.
- المحفوظات: وهي القطع الأدبية المُوجزة من النثر الأدبي، أو الشعر السّهل الجيد، ويكلف الأطفال بحفظها بعد إجادة فهمها. والمحفوظات لا تُؤدي أهدافها حتى نُحسن اختيارها بحيث تجمع جمال المعنى، وجمال الأسلوب وجمال الموسيقى، وتتوافق مع قدرات الأطفال ومستوياتهم.
وأداء الطفل للقطعة الأدبية ينبغي أن يكون أداءً يتّفق مع ما ألِفَه في أداء الأنشودة، إذ ينبغي أن يستقر في نفس الطفل أنّ للشعر العربي أداءً خاصًّا غير القراءة والحديث العادي.
تعليم اللغة العربية للأطفال بالكلمات الملائمة
ومن أهم وسائل تعليم اللغة العربية للأطفال، هو استعمال الكلمات الملائمة التي يستوعبها الصغار سريعًا، ولا تحتاج إلى مجهود كبير لتخزينها في الذاكرة، ومن خصائصها:
- عربية فصيحة، ليتعود الطفل على استعمال الفصيح مبكرًا.
- مستعملة في أنحاء الوطن العربي لتتوحد لغة الأطفال.
- وَضْعِية؛ لأن الطفل لا يُدرك استعمال الكلمة في غير ما وضعت له.
- ثلاثية مركبة من حروف يسهل النطق بها.
- حسنة الوقع على الأذن ليأنس بها الطفل.
- واضحة المعنى قريبة من مدارك الأطفال.
صياغة الجُمل والعبارات
ومهمة تعليم اللغة العربية للأطفال تحتاج إلى مراعاة صياغة الجُمَل والعبارات لتناسب سن الطفل ومداركه وفهمه وتذوقه، وذلك على النحو الآتي:
أولًا: موافقة للرتبة اللغوية، ليس فيها تقديم وتأخير غير ضروري ومهم، أو جمل اعتراضية تحدث تعقيدًا لفظيًّا ومعنويًّا.
ثانيًا: منسابة لها إيقاع جميل، ليس في الشعر وَحده، وإنما في النثر أيضًا؛ لأن الطفل يأنس بالإيقاع ويطرب له.
ثالثا: قصيرة، ويفضل أن تتركب من كلمتين أو ثلاثة، فيقال مثلًا: “الشمس طلعت” أو “طلعت الشمس” ولا يقال: “طلعت الشمس بعد غياب طويل ففرح الناس بها”.
رابعًا: ذات دلالة واضحة، فلا تصاغ جمل أو عبارات صحيحة نحويًا، وليس لها معنى، وكان سيبويه قد فرق بين المستقيم الحسن، والمحال، والمستقيم الكذب، والمستقيم القبيح وما هو محال كذب.
خامسًا: التقليل من استعمال الضمائر المتصلة لأنها تعود إلى متقدم يعد غائبًا عند الطفل، فيقال مثلًا: “جلس خالد بين أحمد ومحمود”، بدلًا من “بينهما”.
سادسًا: التقليل من استعمال الظروف المنصوبة، فلا يقال “سافر خالد ليلًا”، بل يقال: “سافر في الليل”؛ لأن الطفل في مراحله الأولى يستعمل الظروف كما هي: “الصباح – الظهر- العصر- المساء- الليل” ولا يستعملها منصوبة على الظرفية.
سابعًا: التقليل من استعمال الحال منصوبًا مفردًا، أو مقدرًا جملة فيقال: “جاء خالد يمشي” لا “ماشيًا” أو “وهو يمشي”، لأن استعمال الصيغ النحوية غير مألوفة لدى الطفل، ولن يدركها إلا حين يتقدم به العمر.
ثامنًا: الاكتفاء بالمشهور من أدوات الاستفهام والنفي، واختيار ما يتلفظ به الطفل، وما يشترك فيه الأطفال العرب والشائع بينهم مثل: “أين- متى- كيف” في الاستفهام و”لا” في النفي.
تاسعًا: إرجاء استعمال الشرط إلى سن متقدمة لما فيه من قواعد لا يدركها الطفل، وإن كان يستعمل هذا الأسلوب في خطابه اليومي أحيانًا.
عاشرًا: تجنب العبارات المجازية في المراحل الأولى من عمر الطفل، فلا يقال مثلًا: “جنحت الشمس إلى الغرب” بل يقال: “غابت الشمس”.
أسباب ضعف اللغة العربية حاليًّا
ورغم أهمية تعليم اللغة العربية للأطفال منذ الولادة، فإن لا بد من الاعتراف بأن هذه اللغة أضحت ضعيفة وتعاني من تحديات جسام، وذلك لأسباب عديدة نذكر منها:
- نشاط المراكز الثقافية الأجنبية للغاتها وثقافاتها وتقديم الجوائز لمَن يكتب بها أو يُؤلف.
- عودة الدعوة إلى الإقليمية وتجزئة الوطن الواحد.
- استخدام الشعوب اللغة العامية.
- العولمة التي من أهدافها القضاء على اللغات القومية.
- التوجيه – الداخلي والخارجي- نحو اللغات الأجنبية، والاستهانة بالعربية.
- الإسراف في إنشاء مدارس يلقن فيها الأطفال اللغة الأجنبية.
- إيمان بعض المثقفين بأن لا مستقبل للعرب إلا باللغات الأجنبية.
كيفية نشر حب اللغة بين الأطفال؟
إن تعليم اللغة العربية للأطفال ومواجهة تحديات العولمة، يستلزم غرس حب هذه اللغة الفصيحة في القلوب الصغيرة، حتى تتذوقها وتهضمها ثم تنتج منها أفضل ما يُمكن قراءتُه، وذلك من خلال الوسائل التالية:
- الاهتمام بتحفيظ الطفل القرآن الكريم منذ صغره.
- أن يجتهد الوالدان في الحديث أمام أبنائهم باللغة العربية.
- العناية بمسرح الطفل، وتقديم المسرحيات بلغة فصيحة تلائم الصغار.
- إصدار مجلات للأطفال باللغة الفصحى البسيطة.
- تقديم جوائز للأطفال الذين يشتركون في المسابقات وإلقاء الشعر والخطب.
- تجنب تعليمهم لغة أجنبية في مراحل حياتهم الأولى إلى حين تكوّن لغتهم العربية.
- إنتاج ما يروق للأطفال من أدب يسليهم، ويؤنسهم ويكسبهم اللغة.
- اهتمام وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية باللغة العربية.
تحديات العولمة
ولا بُد من مواجهة تحديات العولمة، إذا أردنا تعليم اللغة العربية للأطفال، وصناعة جيل مرتبط بلغته وهويته التي هي أساس الحضارة والرقي؛ فالأسرة عليها دور كبير، وكذلك المدارس والجامعات، والمساجد، ووسائل الإعلام:
أولًا: الأسرة:
- أن يحرص الوالدان على التحدث بالفصحى في حدود معينة.
- تشجيع الأبناء على القراءة والاطلاع بالعربية.
ثنايًا: المدارس والجامعات:
- العناية باللغة العربية والعمل على نشرها خارج الوطن العربي.
- أن تكون اللغة العربية لغة التدريس.
- إيجاد مصطلحات أصيلة تستوعب كل المصطلحات العلمية الحديثة.
- تكوين الشعور للاعتزاز باللغة العربية وبأهميتها التراثية والإسلامية.
- وضع خطوات عملية للتعامل مع الازدواجية اللغوية.
- العمل على إعداد معلم اللغة العربية إعدادًا شاملًا.
- توجيه المعلمين والطلاب إلى التكلم بالفصحى.
ثالثًا: المسجد:
- أن يلتزم إمام المسجد وخطيبه فصاحة اللغة في خطبه ومواعظه وكلماته.
- أن يحرص رواد المسجد على أن يكونوا قدوات صالحة في سلامة اللغة.
- إلقاء الكلمات الوعظية والتربوية بعد الصلوات في بعض الأيام لترسيخ أهمية اللغة.
- استخدام لوحات المسجد لعرض ما يحث على الاهتمام باللغة العربية.
- أن يخصص خطيب المسجد بعض خطبه للحديث عن اللغة العربية وأثرها.
رابعًا: وسائل الإعلام:
- أن تستمد رسالتها من التصور الإسلامي للإنسان والكون والحياة.
- التصدي لأساليب التحدي اللغوي، والرد على الأفكار المنحرفة.
- تقديم النماذج المضيئة من العلماء والمفكرين والأدباء.
- الالتزام باللغة العربية تحدثًا وكتابةً في جميع ما تقدمه.
أخيرًا
فإن تعليم اللغة العربية للأطفال لا يقل أهمية عن تعليم اللغات الأخرى، بل هو مقدم على أي علم أو لغة، لذا فإنّ منظمة الأمم المتحدة قرّرت في عام 1973م، اعتبار يوم الثامن عشر من ديسمبر، يومًا عالميًّا للغة العربية، ليتم بموجب هذا القرار إدخال هذه اللغة ضمن اللغات الرسمية ولغات العمل في هذه المنظمة.
ومنذ ذلك التاريخ، والاهتمام باللغة العربية يتزايد رسميًّا وشعبيًّا في مختلف القارات، بل من اللافت، الاهتمام الخاص بالعربية خارج إطار العالم العربي، في حين يُلاحظ نوع من الترهّل في استخدام الفصحى داخل الفضاء العربي مقابل انتشار اللهجات العامية في وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام، بل حتى في برامج التعليم، ومقابل إدخال لغات أجنبية إما في شكل خليط من اللغة المزدوجة أو بالتخاطب باللغة الأجنبية بما يُضعف قيمة اللغة العربية لدى الأجيال الصاعدة وما ينجرّ عن ذلك من تداعيات ثقافية سلبية.
المصادر:
- تعليم اللغة العربية للأطفال: دليل شامل يضم أفضل الطرق وأنجحها
- كيفية تعليم اللغة العربية للاطفال بالطرق والخطوات .