السلام عليكم ورحمة الله، أرجو منكم المساعدة، أنا أم تعبت في تربية أولادي كثيرًا، وحريصة كل الحرص على أن يكونوا صالحين، في الصغر؛ عندما كنت أسمع منهم لفظًا قبيحًا؛ كنت أضع الشطة على لسانهم خصوصًا إذا كرروا ترديد هذه الألفاظ بعد التنبيه عدة مرات. الآن بعدما كبروا وظننت أنهم صاروا عفيفي اللسان؛ فوجئت باستخدامهم ألفاظًا نابيةً كالتي يرددها أطفال الشوارع! كانت صدمتي فيهم كبيرة، ولم أتمالك نفسي من الغضب، فلم أتوقع منهم ذلك بعد تعبي عليهم واجتهادي في تربيتهم، أرجو توجيهي في كيفية التعامل معهم وإرشادهم إلى الصواب. لا نعرف من أين أتى الأهل بذلك العقاب (وضع الشطة في فم الطفل)؟! أغلب الظن أن هذا النوع من العقاب هو موروث مستقى من ثقافات أجنبية، غالبًا ما سيتنكر له مبتدعوه إن لم يكونوا قد تنكروا له بالفعل. تشير الدراسات التربوية الحديثة على أهمية تعزيز السلوك الإيجابي كطريقة بديلة لاستخدام أسلوب العقاب، لا نستطيع الجزم بأن عقاب وضع الشطة على اللسان قد أتى بنتائج عكسية لاحقًا، لكننا نستطيع القول بأن استخدام الحوار والتعرف على أسباب السلوك وتقديم النموذج الصالح هي وسائل أكثر فاعلية وأكثر إنتاجية. نتفهم حرص الأهل أحيانًا على وأد المشكلات في مهدها فيتخير الأهل بعض الحلول التي يظنون أنها ناجعة، ويكتشفون مع مرور الوقت عدم جدوى طريقة العلاج هذه، وقبل أن نتكلم عن الحلول؛ نبدأ في البحث عن أسباب تلك الظاهرة: قد يردد الطفل الكلمات النابية دونما يدري معناها، يردد لأنه سمع غيره يردد، أي الترديد من أجل الترديد، أو الترديد بغير تمييز وفهم. عدم العدل مع الأبناء؛ مما يثير حفيظة الابن الذي يتم التمييز ضده فيجد في الألفاظ النابية متنفسًا عن غضبه. انشغال الأم أو أحد الوالدين عن الأبناء، فيجرب الطفل شتى أنواع السلوك العدواني حتى يحصل على اهتمام الوالدين، ولو بنهره وعقابه، يريد الطفل أن يُرى والأهل في غيبة عنه، فيلفت انتباههم له بتلك الطريقة. بعض البيئات ترى أن تعليم أبنائهم البذاءة سلاحٌ في أيدي أبنائهم، يخوفون به من تسول له نفسه التعرض لأبنائهم، ويتأكد لهم بشكل عملي أن استخدام البذاءة يدفع عن أبنائهم الضر أحيانًا فيتمادون في تثبيت هذا السلوك الشنيع.قد يكون في هذا السلوك بعض المفازة الدنيوية (المهابة الشكلية)، لكن المتأمل في حديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مخاطبًا أمنا عائشة- رضي الله عنها- موضحًا لها موقفه من بذاءة عيينة بن حصن؛ يدرك أن تجنب الفاحش البذيء ليس فيه مفازة، قال- صلى الله عليه وسلم: ( يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ) [رواه البخاري]. إبداء الأهل الفرح حينما يردد الطفل لفظًا جديدا أيًّا كان معناه، ولا يكتفون بذلك، بل يدعون الطفل لتكرار اللفظ أمام كل ضيف وزائر، فيحدث تثبيت للفظ المشين دونما قصد! كما يحدث للطفل ارتباطٌ شرطيٌ إيجابيٌ نتيجة فرحتهم بترديد اللفظ فيكبر وهو فاهم أن فعله هذا صحيح. السائلة الكريمة: تتحدثين عن انزعاجك بسبب ترديد أبنائك الكبار ألفاظًا نابية، بيَّنا فيما سبق أسباب ترديد الأطفال لتلك الألفاظ، قد يبدو الأمر مختلفًا بعض الشيء بالنسبة لمن هم أكبر سنًا. فالأبناء في مرحلة المراهقة، يحبون التجريب عمومًا، واختبار قوة عضلاتهم، سواءً كانت عضلات الساعد أو اللسان، هم يجربون ابتداءً ثم إذا ما وجدوا دعمًا من صديق السوء؛ تمادوا، فإذا ما كانت المرة الأولى لسماعنا إياهم، قد يجدي التجاهل نفعًا، بينما إذا تكرر الأمر ذكّرنا بلطف؛ كتذكيرهم بالأحاديث والآيات التي تنهى عن القول البذيء. فبمجرد سماعك للفظٍ خارج بدلًا من نهرهم؛ ذكريهم بحديث رسول الله- صلى الله عليه وسلم: (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء) [رواه الترمذي]. ذكريهم بأن اللسان إذا زلّ؛ قتلَ صاحبه. يقولون في المثل: “لسانك حصانك إن صنته صانك وإن خنته خانك”. وكما قال الشاعر: عود لسانك قول الخير تحظ به **** إن اللسان لما عودت يعتادُ كم في المقابر من قتيل لسانه **** كانت تهاب لقاءه الشجعانُ فالفرح بالبذاءة مؤقت جدًا، ونادم من خافه الناس من سلاطة لسانه، لا ضير في هذا السن المتقدم للأبناء أن نراجع كيفية غرس السلوك عمومًا، واتباع تلك الوسائل وتطبيقها بالمستوى الذي يليق بأعمار أبنائك؛ فغرس القيمة له ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: الغرس بالقول والفعل: بالقول كما أشرنا في الفقرة السابقة، وبالفعل نقصد به القدوة، كيف حالنا في الغضب؟! ماذا نردد؟! ماذا يسمع منا الأبناء؟! فنحن النموذج الأول في حياة أبنائنا، الأب والأم والمعلم، نوجه لكل هؤلاء تلك الأبيات النثرية: يا أيها الرجل المعلم غيره **** هلا لنفسك كان ذا التعليمُ تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا **** كيما يصح به وأنت سقيمُ فابدأ بنفسك وانهها عن غِيِّها **** فإذا انتهت عنه فأنت حكيمُ لا تنه عن خلق وتأتي مثله **** عار عليك إذا فعلت عظيمُ البيت الأخير في تلك القصيدة، هو مربط الفرس في حديثنا مع كل مربٍ “هل أنت قدوة بحق؟!” يحكي أحدهم كيف عامل الأب ابنه حينما سكب القهوة على الأرض في حضرة الضيف، قال الأب لابنه في وجود الضيف: [ وللأرض نصيب من كأس الكرام]، فعلى بساطة الحدث، لكن فعل الأب يدرس، غيره ربما سب وشتم الابن أو في أقل تقدير رمقه بنظرات حارقة! ردود أفعالنا كأهل في تلك المواقف العابرة البسيطة؛ تؤسس لمنهجية التعامل مع المواقف الغاضبة الضاغطة، فلا ننكر على الأبناء لاحقًا إذا ما وجدنا سلوكهم انعكاسًا لسلوكنا. المرحلة الثانية: تعزيز السلوك: فتكرار المنهجية المهذبة في التعامل تساعد على غرس القيمة بقوة، فحينما يكون رد فعل الوالد هكذا طول الوقت وليس لوجود الضيف فقط، تجد الأبناء غالبا على نفس المنهج، ولا ننس أن البيئة من حولنا عليها عامل كبير، فراقب بيئة أبنائك، الجيران، الأهل، الأصدقاء، الزملاء في المدرسة، أصدقاء النادي، تعرضهم لمواقع التواصل وغيرها، فما نتعب في غرسه في البيت، بيئة واحدة من هذه البيئات إذا كانت فاسدة، فهي قادرة على منازعتك في مبادئك مع أبنائك، فراقب ما يتعرض له أبنائك جيدًا. المرحلة الثالثة: التفاعل: كلما كانت القيمة أصيلة في الأبناء تجد تفاعلهم معها كبير، فيصبحوا أنفسهم القدوة لغيرهم، ولا يسمحون لزملائهم بالتلفظ بتلك الألفاظ في وجودهم فيصبح لديهم ذكاء أخلاقي، ملتزمون بالقيم في حضرة الأهل وفي غيابهم، الله وحده رقيبهم، فشجع أبناءك حينما تجدهم يطبقون ما دربتهم وعودتهم عليه كثيرًا. والأطفال في تأثرهم بالبيئات من حولهم على ثلاثة دروب: طفل كالإسفنجة: يمتص كل ما أمامه ويتأثر به، فالاحتياط مع هذا الطفل أوجب. طفل متوسط التفاعل، لديه استعداد، ولكنه ليس كطفل الإسفنجة، هذا إصلاحه أسهل. طفل رافض صعب التعلم، رافض لتوجيهاتك عنيد صعب المراس، هذا يحتاج إلى مزيد من الحكمة، العناد معه لا يؤدي إلا إلى مزيد من التأزم، ومفتاحه الحب. وإليك بعض الحلول العملية لعلاج استخدام الأبناء للألفاظ النابية: الإكثار من قول ربنا: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حٌسْنًا}؛ فالأمر ليس رفاهية، نحن مأمرون بالقول الحسن. التركيز على حفظ القرآن وتدبره من قبيل ما جاء في الحديث المرفوع لأنس- رضي الله عنه: (لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه)، فإذا حل القرآن في القلب قوّم الألسنة بما يرضي الله عنا. في حال الطفل الصغير إذا ما ردد كلمة نابية لا نعطي مشاعر استياء أو فرح حتى لا نؤكد المعنى، بمعنى آخر نتجاهل ما قال. يحتاج الأبناء لفهم معاني الكلمات البذيئة، فلا نكتفي بإيضاح أن هذا اللفظ بذيء، بل علينا توضيح سبب بذاءته، حتى لا نترك علامات استفهام في عقل الطفل غير مجاب عنها. تدريب الطفل على استخدام كلمات بديلة يقولها وقت الغضب، كلمات تعبر عن غضبه وليس فيها إساءة. التدريب على الاستغفار والاستعاذة من الشيطان الرجيم وقت الغضب. مكافأة الطفل حينما يلجم لسانه وقت الغضب. تعلم ثقافة الاعتذار، ففيها تقويم للنفس، وتعلم شروط التوبة، فالاعتذار يعني عدم تكرار الخطأ. وكما نحرص على أن يكون أبناؤنا عفيفي اللسان؛ علينا أن نعلم أن هناك مواضعًا يكون استخدام اللين فيها ضعف، واستعمال اللفظ الخشن فيها واجب، فكما قال المولى عز وجل: {وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ}، قال سبحانه: {لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا}؛ ذيّل الله سبحانه هذه الآية بأنه سميع عليم، فلا تتعدى في فحش القول شيئًا لم تكن فيه مظلمتك، فتوقف عن الغي والبهتان، ووصف الناس بما ليس فيهم. اللهم ربِّ لنا أبناءنا واصنعهم على عينك. السؤال
الرد