السؤال
درست في دورةٍ للتربية الجنسية عن ضرورة تسمية الأعضاء التناسلية بأسمائها الحقيقية وعدم تسميتها بأسماء خاصة بكل أسرة، وحينما سمعتُ تطبيقات الأهل في التسمية صُدمتُ! حكت إحدى الأمهات أن طفلها تحدث أمام الضيوف وذكر اسم العضو الذكري، بينما ذكرت أخرى أن معلمةً جاءتها طفلة تبكي، فلما سألتها عن سبب البكاء علمت أن السائق أخبرها أنه “سيأكل منها الحلوى”. لم تفهم المعلمة سبب بكاء الطفلة وهدأت من روعها قائلةً إنه يضاحكها، لتفاجأ في حوار لاحق مع الأم أن هذه الأخيرة تطلق على الجزء الخاص الأنثوي للطفلة “حلويات”، مما أربك الطفلة وظنت بالسائق سوءًا.
حينما سمعت تلك الحكاية، ازددتُ اعتقادًا بصحة تعريف تلك الأعضاء بمسمياتها الحقيقية، لكن ما زال في داخلي شيءٌ لا يرتاح لفعل ذلك، فما العمل؟
الرد
أهلا بكِ على موقع المنتدى الإسلامي العالمي للتربية ومختلف صفحاته على منصات التواصل الاجتماعي.
يقف المتخصصون أنفسهم حائرين في التطبيق، فعند الاطلاع على آراء أكثرهم جرأةً، تجدهم يوصون بإطلاق الأسماء الحقيقية للأعضاء، سواء باللغة الأم أو باللغة الإنجليزية، وفي الوقت نفسه تجدهم يتحفظون عند ذكر الاسم باللغة العربية حينما تقرأ مقالاتهم أو تسمع محاضراتهم؛ فهم يقترحون المسمى على سبيل الحدس لمن يفهم.
قد يعود ذلك لسببين:
السبب الأول: لأن العادات والموروثات في هذا الأمر قوية، فبرغم اعترافهم بأهمية إطلاق المسمى الحقيقي، إلا أنهم يستحون من ذكره على الملأ، فكيف نطالب الأطفال بما نستحي منه؟
السبب الآخر: هذا الرأي يُعد حديثًا جدًّا، فهم أنفسهم لم يتجاوزوا مسألة تجريب ما يقترحونه على أبنائهم، فتستثقله ألسنتهم.
وبعرض أسبابهم في تأييد وجهة النظر بتسمية الأعضاء بأسمائها العلمية نذكر ما يلي:
1. حماية الطفل من التحرش:
إن من خلال المعرفة القوية والمعلومات الصحيحة لدى الطفل، يستطيع أن يميز بين اللمسات المريحة وغير المريحة، والتي قد تكون ذات طابع تحرشي. ويستند هذا الرأي إلى أن المتحرش عادة ما يستخدم ألقابًا مخففة شائعة، بينما إذا بادر الطفل بالصراخ أو باستدعاء الآخرين للتعبير عن عدم راحته بلمسة غير مناسبة، فإن هذا قد يربك المتحرش ويؤكد له أن الطفل على درجة كبيرة من الوعي، ما يجعله يشعر بأنه اختار الضحية الخطأ.
2. المعرفة بالأسماء الحقيقية تبني علاقة صحية مع الطفل وجسمه:
على غرار ما يعرفه الطفل عن أسماء أعضاء الجسم المختلفة مثل الأنف والفم واليد والرجل، يجب أن يتعرف على الأعضاء التناسلية بأسمائها العلمية، فمثلاً للذكر (عضو ذكري أو قضيب) وللأنثى (قبل أو فرج أو مهبل).
وعندما يتم نقل هذه المعلومة بشكل هادئ وغير مرتبك، فإنها تساعد الطفل على بناء وعي صحي متكامل. ومع ذلك، يُفضل تسمية هذه الأجزاء فيما بعد “بالمنطقة الخاصة” وتوضيح أنه لا يصح التحدث عنها أمام الغرباء، ولا ينبغي كشفها أمامهم، تجنبًا للوقوع في خطأ التنفيذ الحرفي كما حصل مع الأم.
3. التعريف بالأسماء يرفع الوعي لدى الطفل بما يتناسب مع عمره ونضجه:
في بعض الأسر يتم إطلاق تسميات خاصة للأعضاء بناءً على نوع المخرجات، خصوصًا باستخدام اللغة الإنجليزية، مما قد يعزز لدى الطفل إحساسًا بالخزي والعار تجاه هذه المنطقة، بعكس المفترض أن يرتبط هذا الجزء بالعفة والحياء، وهي مشاعر إيجابية تختلف كليًا عن مشاعر الخزي.
4. المعرفة بالأسماء تخلق علاقة طيبة مع الأهل، خاصة في مرحلة المراهقة:
إن معرفة الطفل بأسماء الأعضاء التناسلية يساعد في تهيئة النقاش حول مواضيع فقهية مهمة، مثل أحكام البلوغ والاحتلام وحكم العادة السرية والغُسل وغيرها. فكيف يمكن التحدث معهم عن أمور غير مسماة؟
وفي كتب الفقه الإسلامي، نجد أن المصطلحات مثل “قبل” و”دبر” هي الأكثر شيوعًا، لكنها قد تكون غير مألوفة لدى البعض، خاصة من لم يطلع على كتب الفقه، ولهذا يجد الكثيرون راحة في تسميتها “بالمنطقة الخاصة”. ومن الضروري أن تمر على مسامع الأبناء معظم التسميات الشهيرة كنوع من رفع الوعي والحماية، مع الاتفاق على تسمية يمكن استخدامها عند الضرورة، كالتحدث مع الطبيب أو شكوى الطفل لوالديه من ألم ما.
وجهة النظر المعارضة لتسمية تلك الأعضاء بأسمائها العلمية
من جهة أخرى، هناك بعض الأصوات التي تعارض تسمية الأعضاء التناسلية بمسمياتها العلمية كما هو مطروح في التربية الحديثة، وتستند إلى رأي معتبر، إذ يرى المعارضون أن العديد من الكبار – الذين يفترض تعليمهم بهذه المسميات – لا يعرفونها في الواقع، حيث لم تمر عليهم تلك المصطلحات من قبل. لذلك، يفضلون التسمية الشائعة في المجتمع المحافظ المعتدل، ويعتبرونها الأوقع والأقرب للثقافة السائدة والموروث الشعبي، مما يجعلها أكثر قبولا وأمانًا للأطفال.
ويشير المؤيدون إلى أن التسمية العلمية يتم استيرادها من كتب الغرب، حيث يعتمد الأطفال هناك على مصدر واحد لتلقي المعلومات التربوية المتعلقة بالجنس، والذي هو المدرسة، إذ تعتمد مبادئ التربية الجنسية منذ مراحل مبكرة. وبطبيعة الحال، لهذا النهج إيجابياته وسلبياته العديدة.
حينما ننظر في الخطاب القرآني في مثل هذه الأمور نجد أن كلام الله عز وجل عن الزواج؛ معناه وكيفيته وما يتعلق به، يتميز بوضوح مبهر في لغته، وألفاظه لا تخدش ولا تحتمل معنيين؛ يفهمها الكبير وتمر على الصغير، وإن لم يفهمها فلا يشعر بالحرج.
قال الله تعالى في آياتٍ مختلفة:
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (الروم: 21).
{وَهُوَ ٱلَّذِي خَلَقَ مِنَ ٱلْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُۥ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (الفرقان: 54).
{يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي ٱلْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَىٰٓ أَجَلٍۢ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنۢ بَعْدِ عِلْمٍۢ شَيْـًٔاۚ وَتَرَى ٱلْأَرْضَ هَامِدَةًۖ فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنۢبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍۢ بَهِيجٍ} (الحج: 5).
وحين تعرض القرآن لذكر المنطقة الخاصة أسماها “السوءة”، قال الله تعالى: “فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْءَاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ ۖ وَعَصَىٰ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَىٰ” (طه: 121).
وهنا، فمعنى السوءة هو العورة، وهو ما يسوء المرء انكشافه. يختلف البعض في استخدام كلمة “عورة” لوصف المنطقة الخاصة، إلا أننا نرتاح إلى ما استعمله الشرع؛ إذ يسوء الصالح كما يسوء الطالح انكشاف هذا الجزء من الجسم. ومن محاسن استخدام كلمة “العورة” أنها توحي بوجوب الستر، فتأتي معها معاني الحياء ويتحدد مفهوم العورة وحدودها، وعلى من يجوز انكشافها وعلى من لا يجوز.
ثمة فرق كبير بين تبعات استخدام المسمى المقترح وتبعات استعمال الألفاظ الشرعية.
ما ننتهي إليه من رأي:
1. تعرض الأطفال للمسميات العلمية على سبيل المعرفة.
2. تحديد المقبول المتعارف عليه مجتمعيًّا، والتواصل باستخدام ذلك المسمى.
3. عرض ما يستجد علينا على ميزان الشرع، فما توافق معه نقبله، وما وجدنا في صدورنا حرجًا منه لا نمرره.
4. التأكيد على أن أفق المشرع واسع، ولا حدود لموضوعات تطرح وموضوعات يحذر الكلام عنها. غايتنا أن نصل بأبنائنا إلى ما يرضي الله عنهم، وما فيه النفع لهم. فالمحذور ليس في طرح مثل تلك الموضوعات، وإنما هو في تبني سياسات على نسق لا يناسب ديننا أو مجتمعاتنا، وتطبيقها بشكل حرفي غير واعٍ بالعواقب والثغرات.
اللهم ارزقنا علمًا نافعًا، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا.