تعد مشكلة تسرب التلاميذ من الدراسة من أخطر المشكلات التي تُواجه العملية التعليمية؛ فهي تؤثر سلبًا على بِنية المجتمع وتقف عائقًا أمام تقدمه، لما يترتب عليها من استمرار الجهل وزيادة معدلات البطالة والفقر، وتعميق الممارسات الاجتماعية الخاطئة، وهدر طاقات المجتمع المستقبلية والقضاء على أي عائد مُتوقّع من خطط التنمية.
وهذه الظاهرة موجودة في جميع البلدان، ولا يُمكن أن يخلو واقع تربوي منها، إلا أنها تتفاوت في درجة حدتها وتفاقمها من مجتمع إلى آخر، ومن مرحلة دراسية إلى أخرى، ومن المستحيل لأي نظام تربوي أن يتخلص نهائيًّا منها، لكن نسبة وحدّة وجودها يُحدد مدى خطورتها، وحتى لا تتسبب في إهدار تربوي هائل، فإنه من الضروري دراستها والوقوف على أسبابها والبحث عن حلول لها.
مفهوم تسرب التلاميذ من الدراسة
ويُعرف مفهوم تسرب التلاميذ من المدارس بأنه انقطاع عن العملية التعليمية سواء في بداية العام، أو نهايته، أو هو ترك المدرسة لأي سبب من الأسباب، ما يُؤثر على مستوى الطالب في جميع المجالات التي ينبغي معالجتها.
وقد عرّفته منظمة اليونسيف بأنه “عدم التحاق الأطفال الذين هُم بعمر التعليم بالمدرسة أو تركها دون إكمال المرحلة التعليمية التي يدرسون بها بنجاح، سواء كان ذلك برغبتهم أو نتيجة عوامل أخرى، أو عدم المواظبة على الدوام لعام أو أكثر”.
ووفقًا لمنظمة اليونسكو، فهو “كل شخص لا يُكمل دراسته ويترك مقاعد التعليم قبل إنهاء سنوات الدراسة”، أما المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم فعرفته بأنه “صورة من صور الفقر التربوي في المجال التعليمي، وترك التّلميذ الدراسة في إحدى مراحلها المختلفة”.
أسباب تسرب التلاميذ من الدراسة
وتتفاوت أسباب ظاهرة تسرب التلاميذ من الدراسة من بيئة إلى أخرى، من حيث درجة تأثيرها على الطالب المتسرب، فمنها أسباب رئيسية، لها تأثير قوي ومباشر، وتلعب دورًا حاسمًا في عملية التّسرب، وبعضها الآخر يكون تأثيره ثانويًّا، ومن أبرز الأسباب:
- الفقر: فقصور الإمكانات الاقتصادية عن الوفاء بمتطلبات الحياة يدفع بأولياء الأمور إلى عدم استكمال مشوار الأبناء التعليمي، ليستفيدوا منهم اقتصاديّا عن طريق تشغيلهم واستغلالهم كمصدر دخل، وتلجأ بعض الأسر إلى تزويج فتياتها مبكرًا للتخلص من أعبائها المعيشية.
- الظروف الاجتماعية: وأبرزها التفكك الأسري وانفصال الوالدين ما يؤدي ذلك إلى زيادة مُعدّل تسرّب الأبناء من التعليم في ظل مواجهة الأبناء لظروف نفسية واجتماعية صعبة.
- عادات قديمة: ومنها تفضيل تعليم الذكور عن الإناث، أو زواج الفتيات مبكرا، أو إجبار الفتيات على ترك التعليم خوفا عليهن من التعامل مع الآخرين وغيرها من العادات والتقاليد القديمة.
- تدني مستوى تعليم الوالدين: وهو ما يؤدي إلى التّسرب من التعليم، لأن إدراك الوالدين قيمة التعليم وأهميته يعتمد على مستواهم الثقافي والتربوي.
- عوامل تربوية: ومنها ما يتعلق بالنظام التعليمي، حيث إنّ قلة الإمكانات المادية والبشرية تتسبب فى عدم القدرة على تحقيق الأهداف المطلوبة، ما يؤدي إلى ارتفاع نسبة التّسرب، ومنها ما يتعلق بالمناهج الدراسية التى لا تراعي ميول واهتمامات الطلاب.
- تدنّي التحصيل الدراسي: وهو من الأسباب الرئيسة في ظاهرة التسرب من التعليم، وكذلك عدم الاهتمام بالدراسة وانخفاض قيمة التعليم.
- الخروج إلى سوق العمل: وهو من الأسباب التي يترك لأجلها الطلاب الدراسة، لإعالة الأسرة، سيما الطلبة الذكور.
- المشاكل الصحية: فالأطفال الذين يعانون من الأمراض يضطروّن للغياب عن المدرسة بشكلٍ متكرر للعلاج، ما يؤثر على قدرتهم على التعلم وعلى أدائهم في المدرسة، وهو ما قد يُعزز لديهم التّسرب من الدّراسة والابتعاد عن التعليم.
- صعوبة المنهج الدراسي: ويتمثل في طول المنهج، وكثرة المواد المقررة وصعوبتها، وعدم ارتباط المنهج ببيئة الطالب، وعدم تلبية احتياجات الطلاب ومراعاة ميولهم الشخصية.
- طرق التدريس: وهي تتمثل في عدم استعمال الوسائل التعليمية التي تجذب الطلاب، واقتصار بعض المعلمين على طريقة واحدة تفتقر لعنصر التشويق، كما يعتمد بعض المعلمين طرق تدريس مملة، والبعض لا يلتزم بالخطة الدراسية.
- المعلم: وقد يكون المعلم سببا في تسرّب بعض التلاميذ، إذا كان قليل الخبرة، ولم يراع الفروق الفردية، وليس لديه القدرة على فهم مشاكل الطلاب التعليمية والتعامل معها بطريقة صحيحة.
- الامتحانات: فصعوبتها ينتج عنه الرسوب المتكرر للطالب وبالتالي ترك المدرسة.
- طلاق الوالدين: فله أثره السيئ والخطير في بنية المجتمع، وفي تشتيت الأبناء، وتشردهم النفسي بين الأبوين، والمنعكسات الخطيرة لهذا التشرد تؤدي إلى ضعف التحصيل الدراسي ثم التّسرب.
- التقليد: فهذه الظاهرة خطيرة جدا، لأن الكثير من الطلاب تركوا المقاعد الدراسية نتيجة الإهمال واللامبالاة، وانخرطوا في العمل دون وعي، ما أدى على المدى البعيد إلى تحريض زملائهم على التسرب من المدرسة ثم العمل معهم.
- عدم اهتمام الأسرة بتعليم الأبناء: فلا شك أنّ هذا من بين الأسباب التي تُؤدّي إلى تسرب الأبناء من الدراسة.
- عقاب المعلمين للطلاب: فمبدأ العقاب المعنوي والبدني يُعد من الأسباب المهمة في تسرّب الطلبة من المدارس.
- التمييز بين الطلبة: بشتى أشكاله الذي يمارسه الجهاز التعليمي في المدرسة بحق الطلبة، سواء التمييز على أساس المستوى التحصيلي أو على الأساس العشائري أو الاقتصادي أو التمييز على أساس الجنس أو في الأنشطة المدرسية.
- عدم وجود مدرسة مهنية قريبة: فيمكن أن يكون التعليم المهني وسيلة للحد من تسرّب الطلبة الذين لديهم صعوبات التعلم في الفرع الأكاديمي، لذا فإنّ وجود مدارس مهنيّة قريبة من أماكن سكن الطلبة يحد من هذه الظاهرة.
- ضعف المرشدين التربويين في المدرسة: فعدم وجود شخص في المدرسة يُساعد الطالب على مواجهة المشاكل سواء التربوية أو الاجتماعية، يعزّز من فرص التّسرب.
علاج المشكلة
وعلاج مشكلة تسرب التلاميذ من الدراسة يتمثل في النقاط التالية:
- الحد من عمالة الأطفال عن طريق توفير الدعم للأسر الفقيرة.
- توفير بيئة تعليمية صحية وممتعة للطفل.
- التوسع في انتشار مراكز التكوين المهني وتقديم جميع التسهيلات والمكافآت التي تشجع الطلبة الملتحقين بها.
- تفعيل دور المرشد التربوي لمساعدة الطلبة في حل مشكلاتهم التربوية وغير التربوية، بالتعاون مع الجهاز التعليمي في المدرسة والمجتمع المحلي وعلى الأخص أولياء أمور الطلبة.
- العدالة في التعامل وعدم التمييز بين الطلبة داخل المدرسة.
- منع العقاب بكل أنواعه في المدرسة.
- توفير تعليم تمكيني علاجي للطالب ذوي صعوبات التعلم.
- حث الأسر على عدم تكليف الطلبة بمهمات أسرية فوق طاقتهم، وتفرّغهم للدراسة.
- تفعيل الاتصال والتواصل بين الأسرة والمدرسة لمتابعة تطور الأبناء والوقوف على المشاكل التي يواجهونها داخل المدرسة وخارجها.
- توعية الأسرة بمخاطر الزواج المبكر لبناتهم وتفعيل القوانين التي تمنع الزواج أقل من السن المحدد.
- توسيع انتشار مراكز محو الأمية للمتسربين الذين ارتدوا إلى الأمية وتوفير تعليم مهني يتناسب مع قدراتهم.
- تشكيل مجالس من أعيان المدينة أو القرية أو الحي لمتابعة الطلاب المتأخرين والمتخلفين دراسيا والمتهورين، وربط هذه المجالس مع المنطقة التعليمية والمدرسة.
- وضع خطة في كل مدرسة لجرد الطلبة الذين يحتاجون إلى المهارات الإضافية.
- إقامة الندوات والمحاضرات التثقيفية لأولياء أمور الطلبة المتدنية مستوياتهم في بداية كل عام دراسي جديد، حتى يكون هناك احتواء لمشكلة التسرب من بدايتها.
- تفعيل قانون إلزامية التعليم في المرحلة الأساسية ووضع آليات للمتابعة والتنفيذ على مستوى المدرسة.
- السماح للطلبة المتسربين بالالتحاق بالدراسة بغض النظر عن سنهم وفق شروط محددة وميسرة.
- نشر الوعي وتثقيف الأسرة بقيمة التعليم وأهميته ومخاطر التسرب على أبنائهم.
- إقناع الأسر بضرورة تهيئة الجو الأسري لأبنائهم عن طريق توفير الوقت والمكان المناسبين للدراسة في المنزل.
- مساعدة الأسرة لأبنائها في حل مشاكلهم الدراسية وصعوبات التعلم في المواد الدراسية.
إنّ ظاهرة انقطاع بعض التلاميذ عن الدراسة- كليًّا أو جزئيًّا- يعود إما لأسباب ذاتية مرتبطة بالتلميذ نفسه، أو لأسباب مرتبطة بمحيطه، وهو ما يثير قلقَ المهتمِّين بالتربية والأسرة والمجتمع، لِما لهذه الظاهرة المقلقة من تداعيات سلبية، ليس على المتسرِّبين وحدهم؛ بل على المجتمع ككل، ولقد أولت الكثير من الحكومات هذه المشكلة اهتماما خاصا لدراستها ومحاولة الوقوف عند أسبابها وتفسيرها وإيجاد حلول جذرية لها.
مصادر ومراجع
- د. محمد عيسى إبراهيم قنديل: ظاهرة تسرب الطلاب من المدارس وآثارها السلبية.
- حسن علي الحمادي: مشكلة التسرب الدراسي في مجتمع محدود السكان.
- منال اليعقوب: ظاهرة التسرب من المدارس الأسباب والعلاج.
- وكالة وفا الفلسطينية: ظاهرة التسرب من المدارس الأسباب والإجراءات الوقائية والعلاجية.
- سامي بلال: التسرب من التعليم وحلول ظاهرة التسرب المدرسي.