أنا شاب في أواخر العشرينات، متزوج منذ عام، وقد تزوجتُ زوجتي عن حب، هي كانت زميلتي في الجامعة، وكانت فتاةً مليئة بالحيوية والحركة، ولكنني بعد الزواج فوجئت أنها ترفض القيام بالأعمال المنزلية، وبالفعل لا تعمل شيئًا سوى وجبة الغداء اليومية، وترفض غسل الأطباق أو الملابس، أو الكيّ أو تنظيف البيت، وحالي وحال البيت يُرثى له؛ فالبيت غير نظيف وغير مرتب، وملابسي غير نظيفة وغير مكوية، وهذا يسبب لي إحراجًا أمام زملائي في العمل، وعندما أشكو لها سوء الحال موضحًا لها أنها لا بد أن تقوم بدورها كزوجة في العمل المنزلي مثل كل ملايين الزوجات حول العالم، ترفض وتقول إنه ليس فرضًا عليها، وكل مواثيق الأمم المتحدة وحتى الشريعة الإسلامية لا تفرض على المرأة القيام بتلك الأعمال، في الحقيقة يا سادة، أنا بعد مرور عام من زواجي اكتشفت أنني متزوج من فيمنيست ولا أدري كيف أحل مشكلتي معها؟!
أهلا بك ضيفًا كريمًا على صفحتنا..
تقول إنك تزوجت زوجتك عن حب، مما يعني أن هناك درجة معقول من التفاهم بينكما؛ فالأمر بسيط بإذن الله فلا تعقده بالمسميات (فيمينست)، فتصنع حاجزًا يكبر هوة الخلاف بينك وبين زوجتك.
لا ننكر أن هناك أصواتًا تنادي بتمكين المرأة، ويقصدون بذلك إيجاد فرص عمل لها مجتمعيًا، يسعون بذلك للتقليل من دورها كزوجة أو أم، ففي مقابل تصدير فكرة أن المجتمع بحاجة إلى جهود النساء أكثر، يدسون السم في العسل.
نعم، المجتمع بحاجة إلى جهود الجميع، لكن هناك أدوار أولى من أخرى، وتترتب الأولويات حسب حاجة البيت أولًا ثم حاجة المجتمع، فلن يستقيم المجتمع ببيوت متصدعة، فالبيت وحدة بناء المجتمع، نقومه ونشيده على أساس متين ثم ننظر فيما بقي لنا من جهد نمنحه خارج إطار المنزل؛ فضبط (الأولويات) مهم وضروري حتى يحدث توازن ولا يأتي دور على دور.
قد تتأثر زوجتك بتلك الأصوات التي تنادي بتفعيل دور المرأة مجتمعيًا، لكن لا يعني ذلك أنها تطبعت بها كليًا:
- فبالنقاش الهادئ نصحح المفاهيم الخاطئة.
- وكما تحتاج الزوجة إلى (مراجعة أفكارها)، تحتاج أنت كزوج أيضًا لمراجعة أفكارك، فليس شرطًا أن ما تفهمه عن الحقوق والواجبات هو أمر صحيح.
- ميزاننا في تقييم هذه الأمور هو (ميزان الفضل)، وليس (ميزان العدل) فقط،
والفضل زيادة على العدل، بمعنى إذا كان من حقك مثلا أن تأكل من يد زوجتك، فالعدل منها أن تصنع لك الطعام كل يوم، والفضل منها أن تزيد في إحسان الطعام المقدم في أنواعه وهيئته، والعدل منك أن تحضر لها المال الذي تحتاجه لإعداد الطعام ولا تشارك بمالها، والفضل منك أن تشاركها في إعداده تأسيًا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم أنه كان في مهنة أهله، كما أن من الفضل أن تتركها تشتري الطعام جاهزًا بعض الوقت، أو تستعين بمن يصنع لها الطعام، المرد في الأمر: (التراضي بينكما،
تخيل إن قيمت هذا المثال بقانون الحقوق والواجبات المحض، دون التراحم والتفضل، قطعًا ستكون النتيجة هي العراك والتشاجر مع مع كل تقصير، فإن وقفنا على حقي وحقك في تقييم الأمور، نصبناها محكمة وقاضيًا، بينما إذا عرفنا ما لنا وما علينا، وتسامحنا وغضضنا الطرف عن بعض الأمور، تسير المركب بلا أمواج عاتية.
- إذًا، الأمر يحتاج إلى نقاش هادئ ونزع الألقاب المدعمة للخلاف والشقاق،
- كما أن إقامة العلاقة بين الزوجين بميزان الفضل أوجب من ميزان الحقوق والواجبات،
- والتأسي بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم، كما جاء في الحديث الذي رواه البخاري عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قال: “سَأَلْتُ عَائِشَةَ ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ”.
فأوصى الحبيب المصطفى الرجال بالنساء خيرًا وحثهم على الإحسان إليهم ومعاشرتهم بالمعروف، وكان لهم القدوة الحسنة ففي مسند أحمد أنه صلى الله عليه وسلم كان يخدم نفسه، ويحلب شاته، ويرقع الثوب، ويخصف نعله.
فلا غضاضة أخي السائل أن تختار من بين مهام زوجتك الجسام ما تعينها عليه بنفسك أو تدفع لها أجرة خادمة تعينها على شئون البيت، خاصة إذا اعتادت أن يكون لها خادمة في بيت أهلها، أو تفعلا كما أرشد الحبيب المصطفى ابنته السيدة فاطمة، فعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: “أنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ شَكَتْ ما تَلْقَى مِن أثَرِ الرَّحَا، فأتَى النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ فَلَمْ تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فأخْبَرَتْهَا، فَلَمَّا جَاءَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلَيْنَا وقدْ أخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لِأقُومَ، فَقَالَ: علَى مَكَانِكُمَا. فَقَعَدَ بيْنَنَا حتَّى وجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ علَى صَدْرِي، وقَالَ: ألَا أُعَلِّمُكُما خَيْرًا ممَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إذَا أخَذْتُما مَضَاجِعَكُما تُكَبِّرَا أرْبَعًا وثَلَاثِينَ، وتُسَبِّحَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ، وتَحْمَدَا ثَلَاثًا وثَلَاثِينَ؛ فَهو خَيْرٌ لَكُما مِن خَادِمٍ”.
نفهم من موقف السيدة فاطمة رضي الله عنها عدة أمور:
- أن المهام المنزلية أمرًا ليس هينًا، وكثيرًا ما تحتاج الزوجة معينًا لها.
- أن الزوجة تسير على طاقة وإمكانات زوجها، فلم يكن في مقدور سيدنا علي رضي الله عنه إحضار خادمة فأوصاهم الحبيب المصطفى بما هو أقوى أثرًا وهو الذكر.
- كما نفهم أن كل أمر شق علينا إذا ما استعنا بالله قُضِي.
السائل الكريم:
من الإنصاف ونحن نوصيك بزوجتك خيرًا، أن نوصي زوجتك بك أيضًا خيرًا، ونذكرها بأن النساء يختبر نضجهن إما ببلوغ المحيض، أو بحسن تدبيرهن لشئون البيت، فإن إقامة شئون البيت مما اختصت به النساء عرفًا في كل المجتمعات،وشرعًا عند معظم الفقهاء، وإن اختلف بعضهم في الحكم بالوجوب إلا أن الأقرب للصحة والمعروف الذي يتوافق مع وظيفتها الطبيعية هو وجوب خدمتها لزوجها، الخدمة المعروفة من مثلها لمثله حسب ظروفها وصحتها أي خدمة بالمعروف وبما تطيق الزوجة وكما ذكرنا الفضل سابقًا نذكر مقام الإحسان هنا أيضًا طلبًا للمثوبة والأجر، فعن عبد الله بن أبي أوفى أنه: “لمَّا قدِمَ معاذٌ منَ الشَّامِ سجدَ للنَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ قالَ ما هذا يا مُعاذُ قالَ أتيتُ الشَّامَ فوافقتُهُم يسجُدونَ لأساقفتِهِم وبطارقتِهِم فوَدِدْتُ في نَفسي أن نفعلَ ذلِكَ بِكَ فقالَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ فلا تفعَلوا فإنِّي لو كُنتُ آمرًا أحدًا أن يسجُدَ لغيرِ اللَّهِ لأمَرتُ المرأةَ أن تسجُدَ لزوجِها والَّذي نَفسُ محمَّدٍ بيدِهِ لا تؤدِّي المرأةُ حقَّ ربِّها حتَّى تؤدِّيَ حقَّ زوجِها ولو سألَها نفسَها وَهيَ علَى قتَبٍ لم تمنعْهُ”.
فلا نريد أن تسجد الزوجة لزوجها عين السجود بقدر ما نريدها أن تدرك نعمة هذا الرباط، وكيف أنها بالحسنى تبني جدارًا من الود متينًا، يقف أمام العواصف والنوازل فتشيد بيتًا سعيدًا في الدنيا وتسعد برضوان الله وجناته في الآخرة فعنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها، و صامَت شهرَها، و حصَّنَتْ فرجَها، وأطاعَت زوجَها، قيلَ لها: ادخُلي الجنَّةَ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتِ”، فهل هناك أفضل من هذا التخيير؟!
رزقك الله وزوجتك الفهم الصحيح لمراد الله من أوامره ونواهيه، ورزق كلًا منكما حرصًا أشد على واجباته من حرصه على حقوقه، أدوا ما لكم واسألوا الله الذي عليكم تنالوا خيرًا وبركة بإذن الله.