تحظى تربية الطفل في الأسبوع الأول بعد الولادة، بأهمية كبرى في الشريعة الإسلامية التي تحث على حفظ كرامة الإنسان وتنمیته من جمیع النواحي بشكل متوازن، وهذا لأن الإسلام يهدف إلى إيجاد إنسان واع ومُجِدّ، یعبد الله ویُعمّر الأرض ویستقر فیها ویستفید من خیراتها وفقًا لمراد الله.
وإذا كان الإسلام يهتم بتربية الأطفال وتنميتهم منذ لحظة الاختیار للزواج، فإن هذا یتعاظم ویمتد عند لحظة المیلاد وحتى البلوغ، لذلك جاءت دراسة (الأحكام الفقهية للمولود في أسبوعه الأول)، للباحثة العراقية أشواق سعید ردیني، لتتناول جانبًا من اهتمام هذه الشريعة الغرّاء بتربیة الصغار خلال هذه الفترة العمرية، وأهم الآداب والسنن المتبعة فيها.
تربیة الطفل في الأسبوع الأول تبدأ بالأذان
وتبدأ تربیة الطفل في الأسبوع الأول من الولادة بالأذان في أذنه، فمن الأحكام التي شرعها الإسلام للمولود التأذین في أذنه الیمنى، والإقامة في أذنه الیسرى بعد الولادة مباشرة. فعن أبي رافع قال: “رأیت رسول الله أذّن في أذن الحسن بن علي حین ولدته فاطمة”، وفي الآذان افتتاح حیاة المولود وابتداؤها بالتوحید كما أنّ في نهایة حیاته عند موته یُلقّن شهادة التوحید عند الاحتضار.
وفي الأذان والإقامة حِكَم عدیدة نوجزها في الآتي:
ـ أن الأذان من شعائر الإسلام، وأن یكون أول ما یقرع سمع الإنسان كلمات تحمل معنى عظمة الله، وتتضمن الشهادة التي أول ما ینطق بها في الإسلام، فكان ذلك كالتلقین له، شعار الإسلام عند دخوله الدنیا، وتلقین التوحید عند خروجه منها.
ـ أن یكون أول ما یمس قلب الإنسان ویُؤثر في نفسه هو كلمات الأذان؛ لأن الشیطان یهرب من كلمات الآذان.
– هذه المعاني والحكم أكبر دلیل على اهتمام الرسول بعقیدة التوحید والإیمان وطرد الشیطان والهوى، من حین أن یشم الولد رائحة الدنیا ویتنسم نسائم الوجود.
تحنیك المولود عند الولادة
ويُعد التّحنيك من تربية الطفل في الأسبوع الأول للولادة، وهو من الأمور التي شرعها الإسلام للمولود وحقّ من حقوقه، ومعناه: مضغ التمرة ودلك حنك المولود بها، بأن یوضع جزء من الممضوغ على الإصبع في فم المولود ثم تحریكه یمینا ویسارًا بحركة لطیفة، حتى یتبلغ الفم كله بالمادة الممضوغة، وإن لم یتیسر التمر فلیكن التحنیك بأي مادة حلوة تطبیقا للسنة واقتداءً بفعله.
ومن الأفضل أن یقوم بعملیة التحنیك من یتصف بالتقوى والصلاح تبركا به، وتیمنا بصلاح المولود، ومن الأحادیث التي تشیر إلى استحباب التحنیك:
ما روي عن أبي موسى- رضي الله عنه- قال: “وُلِدَ لي غُلَامٌ فأتَيْتُ به النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فَسَمَّاهُ إبْرَاهِيمَ وَحَنَّكَهُ بتَمْرَةٍ”.
وقد وردت أحاديث نبوية كثيرة فى التحنيك منها قول أسماء بنت أبى بكر حين حملت بعبد الله بن الزبير بمكة قالت: «أنَّهَا حَمَلَتْ بعَبْدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيْرِ بمَكَّةَ، قالَتْ: فَخَرَجْتُ وأَنَا مُتِمٌّ (أي: أكملت الشهر التاسع من الحمل)، فأتَيْتُ المَدِينَةَ فَنَزَلْتُ قُبَاءً، فَوَلَدْتُ بقُبَاءٍ، ثُمَّ أتَيْتُ به رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَوَضَعْتُهُ في حَجْرِهِ، ثُمَّ دَعَا بتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ في فِيهِ، فَكانَ أوَّلَ شيءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثُمَّ حَنَّكَهُ بالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا له فَبَرَّكَ عليه وكانَ أوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ في الإسْلَامِ، فَفَرِحُوا به فَرَحًا شَدِيدًا، لأنَّهُمْ قيلَ لهمْ: إنَّ اليَهُودَ قدْ سَحَرَتْكُمْ فلا يُولَدُ لَكُمْ».
قيم تربوية وصحية من التحنیك:
ـ تقویة عضلات الفم بحركة اللسان مع الحنك مع الفكین، حتى یتهیأ المولود للقم الثدي، وامتصاص اللبن بشكل قوي وحالة طبیعیة.
ـ التبرك بأهل الصلاح والفضل.
ـ استحباب حمل الأطفال إلى أهل الفضل للتبرك بهم، والدعوة إلى حسن المعاشرة، واللین والتواضع والرفق بالصغار.
تسمیة المولود بالأسماء الحسنة
من حق الولد على والده أن یسمیه وأن یختار له اسما حسنا، وفي النقاط التالية نوضح الأحكام الخاصة بتسمیة الطفل.
– یسن تسمیة المولود في الیوم السابع من ولادته، كما یُسن أن یختار له من الأسماء ما كان حسنا، ودلیل ذلك قول النبي: “إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ”.
ـ إطلاق اسم معین على الطفل: أوضحت بعض الأحادیث الشریفة أن من تربية الطفل في الأسبوع الأول بعد الولادة، تسميته في اليوم السابع، ومن ذلك قول الرسول الكریم: “كلُّ غلامٍ رَهينةٌ بعقيقتِهِ تُذبحُ عنهُ يومَ سابعِهِ ويُحلقُ ويسمَّى”.
ـ وبخصوص هذا الأمر فإن بعض الفقهاء یرون أن الطفل قبل الیوم السابع لا یحتاج لأن یُسمى. لكن هناك أحادیث تجیز أن تكون التسمیة في یوم ولادته ومن ذلك قول الرسول: “وُلِدَ لي اللَّيلةَ غلامٌ فسمَّيتُهُ باسمِ أبي إبراهيمَ”.
ـ تسمیة الطفل باسم محبب وحسن، قال الرسول: “أحب الأسماء إلى الله، عبد الله وعبد الرحمن”.
ـ النهي عن تسمیة الطفل باسم قبیح: وذلك بناء على قول عائشة- رضي الله عنها- أن الرسول كان یغیر الاسم القبیح، وبناء على قول ابن عمر- رضي الله عنهما-: “إنَّ ابنةً لعمرَ كان يُقالُ لها: (عاصيةُ)، فسماها رسولُ اللهِ (جميلةَ)”.
ـ النهي عن مناداة الطفل بألقاب قبیحة مثل: الأعور، والأخرس، والأطرش، والقزم… إلخ. وذلك بناء على قول الله تعالى: {وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ}.
كیف تختار اسما حسنا؟
یوجد ثلاثة خیارات بشأن اختیار الاسم الحسن وهي:
– أن یكون الاسم مأخوذا من أسماء أهل الصلاح والدین، من الأنبیاء والمرسلین وعباد الله الصالحین.
– أن یكون الاسم قلیل الحروف، خفیفا على الألسن، سهلا في اللفظ، سریعًا في التمكن من السمع.
– أن یكون حسنا في المعنى ملائمًا لحال المسمى، جاریًا في أسماء أهل طبقته، وملته، وأهل مرتبته.
العقیقة للمولود
ويدخل في باب تربية الطفل في الأسبوع الأول بعد الولادة، عمل عقیقة له، واختلف العلماء في حكم العقیقة على قولین، فمنهم من قال إنها مستحبة، وآخرون قالوا سنة مؤكدة، ولعله القول الراجح، ودلیل استحبابها فعل الرسول- صلى الله علیه وسلم- لها، وفعل الصحابة- رضي الله عنهم- عن سلیمان بن عامرالضَّبي- رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله- صلى الله علیه وسلم- یقول: “في الغلامِ عقيقةٌ، فاهْرِيقوا عنه دَمًا، و أَمِيطوا عنه الأذى”، وحكمها عند المالكیة الندب على الحر القادر وهي كالأضحیة في السن وفیما یجزى وما لا یجزى وتذبح نهارًا أو یلغى یوم الولادة فلا یحسب من السبعة، وتسقط بغروب الشمس من الیوم السابع وتتعدد بتعدد المولود، ویندب ذبحها بعد طلوع الشمس.
أما حُكمها في التصدق منها والأكل والهدیة والادخار وقدر المأكول وامتناع البیع وتعیین الشاة إذا عینت للعقیقة كما في الأضحیة. وتوجد قيم تربوية من العقیقة، نذكرها في النقاط التالية:
- تفك ارتهان المولود، ذلك أن المولود مرتهن بعقیقته، وقد قال الإمام أحمد: “مرتهن عن الشفاعة لوالدیه”.
- إظهار شرف هذا الإطعام والإهداء في نفوس الفقراء والجیران، بتقدیم القطع التامة والكبیرة، التي لم یكسر من عظمها عظم ولا ینقص من أعضائها شيء، ولا ریب أنّ هذا التصرف أجل موقعا، وأعظم في باب الجود والإكرام في نفوس المهدى لهم.
- أنها فدیة یفدى بها المولود كما فدى الله- سبحانه وتعالى- إسماعیل الذبیح بالكبش وقد كان أهل الجاهلیة یفعلونها ویسمونها عقیقة، ویلطخون رأس الصبي بدمها فأقر رسول الله ذلك وأبطل اسم العقوق ولطخ رأس الصبي بدمها. فقال: “لا أحب العقوق” وقال: “لا یمس رأسه بدم”.
- إشعار بكون الولد حنیفیا تابعا لملة ابراهیم وإسماعیل واتباع داعیة السخاوة والكرم، وعصیان داعیة الشح والبخل.
- التلطف بإشاعة نسب الولد إذ لابد من إشاعته لئلا یقال فیه ما لا یحب ولا یحسن أن یدور في السكك ویقول ولد لي ولد، العقیقة تتضمن التلطف في إشاعة النسب.
- تیمنا وتفاؤلا بسلامة أعضاء المولود وصحتها وقوتها لكون العقیقة جرت مجرى الفداء للمولود.
- أن تكون العقیقة سببا لحسن إنبات الولد ودوام سلامته وطول حیاته وحفظه من ضرر الشیطان حتى یكون كل عضو منها فداء كل عضو منه لهذا یستحب أن یقال علیها ما یقال على الأضحیة.
وقد سُئل الإمام أحمد بن حنبل: إذا أراد الرجل أن یعق كیف یقول؟ قال: “یقول بسم الله ویذبح على النیة كما یضحي بنیة یقول هذه عقیقة فلان بن فلان ولهذا یقول فیها: “اللهم منك ولك”. ویستحب فیها ما یستحب في الأضحیة وتفریق اللحم، فالذبیحة عن الولد فیها معنى القربان والشكر والفداء والصدقة وإطعام الطعام عند حوادث السرور العظام شكرا التي هي غایة المقصود من النكاح فإذا شرع الإطعام للنكاح الذي هو وسیلة إلى حصول هذه النعمة فلأن تشرع عند الغایة المطلوبة أولى وأحرى.
حلق شعر المولود والتصدق بوزنه
ومن الأحكام التي شرعها الإسلام للمولود، وتدخل ضمن تربية الطفل في الأسبوع الأول بعد الولادة، استحباب حلق رأسه یوم سابعه والتصدق بوزن شعره فضة على الفقراء والمستحقین.
وقد دلّت أحادیث كثیرة على ذلك ومنه ما روي عن سمرة قال: قال رسول الله: “كلُّ غلامٍ رَهينةٌ بعقيقتِهِ تُذبَحُ عنهُ يومَ سابعِهِ ويُحلَقُ ويُسَمَّى”.
وروي الإمام أحمد من حدیث أبي رافع- رضي الله عنه- أن الحسن بن علي- رضي الله عنهما- أرادت أمه فاطمة- رضي الله عنها- أن تعق عنه بكبشین، فقال رسول الله: لا تعقي، ولكن احلقي رأسه فتصدقي بوزنه من الوِرق”.
وعن بریدة الأسلمي قال: “كنَّا في الجاهليَّةِ إذا وُلِد لأحدِنا غلامٌ، ذبَحَ شاةً ولَطَخَ رأسَه بدمِها، فلمَّا جاء اللهُ بالإسلامِ، كنَّا نَذبَحُ شاةً، ونَحلِقُ رأسَه، ونَلطَخُه بزَعْفرانٍ”.
وهناك قيم صحية واجتماعية من حلق شعر المولود؛ أما الصحیة: فلأن في إزالة شعر المولود تقویة له وفتح لمسام الرأس وتقویة كذلك لحاسة البصر والشم والسمع، وأما الاجتماعیة: فلأن التصدق بوزن شعر المولود فضة أو ذهبا مصدر آخر من مصادر التكافل الاجتماعي، وفي ذلك تكثير لظاهرة الفقر وتحقیق لظاهرة التعاون والتكافل بین أفراد المجتمع.
الختان
وحثّت السنة النبوية المطهرة، على الختان الذي يأتي ضمن تربية الطفل في الأسبوع الأول بعد الولادة، كونه من سنن الفطرة ومن شعائر المسلمین. والفطرة فطرتان: فطرة تتعلق بالقلب وهي معرفة الله ومحبته وإيثاره على ما سواه، وفطرة عملیة: وهي هذه الخصال: فالأولى تزكي الروح وتطهر القلب، والثانیة تطهر البدن وكل منهما تمد الأخرى وتقویها وكأن رأس فطرة البدن الختان.
وفي صحیح البخاري من حدیث أبي هریرة قال: قال رسول الله: “الفِطْرَةُ خَمْسٌ -أَوْ خَمْسٌ مِنَ الفِطْرَةِ-: الخِتَانُ، وَالِاسْتِحْدَادُ، وَنَتْفُ الإبْطِ، وَتَقْلِيمُ الأظْفَارِ، وَقَصُّ الشَّارِبِ”.
وهناك قيم صحية واجتماعية وتربوية من الختان، فهو من محاسن الشرائع التي شرعها الله سبحانه وتعالى لعباده، وكمل بها محاسنهم الظاهرة والباطنیة فهو مكمل الفطرة التي فطرهم علیها ولهذا كان من تمام الحنفیة ملة إبراهیم وأصل مشروعیة الختان لتكمیل الحنیفیة فإن الله- عز وجل- لما عاهد إبراهیم ووعده أن یجعله للناس إماما وعده أن یكون أبا لشعوب كثیرة وأن تكون الأنبیاء والملوك من صلبه وأن یكثر نسله.
وأخبره أنه جاعلٌ بینه وبین نسله علامة العهد أن یختنوا كل مولود لهم، ویكون عهدي هذا مسمیا في أجسادهم فالختان علم للدخول في ملة ابراهیم وهذا موافق لإحدى تأويلات قوله تعالى: {صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}.
ومن الحكمة الدینیة العظیمة أنه رأس الفطرة وشعار الإسلام وعنوان الشریعة وأنه من تمام الحنفیة التي شرعها الله على لسان إبراهیم- علیه السلام- فهي التي صبغت القلوب على التوحید والإیمان وهي التي صبغت الأبدان بخصال الفطرة من الختان وقص الشارب، وتقلیم الأظافر ونتف الإبط. قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ۖ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (النحل: 123).
كما أنه یجلب النظافة وتحسین الخلقة، وأنه تدبیر صحي من الأمراض؛ فبقطع القلفة یتخلص المرء من المفرزات الدهنیة والسیلان الشحمي الأمر الذي یحول دون التفسخ والانتان، ویقلل من إمكان الإصابة بالسرطان أو بسلس البول الليلي.
المصادر والمراجع:
- الأذان في أذن المولود سنة .
- فوائد تحنيك الطفل بالتمر .
- ضوابط في تسمية المولود .
- حلق شعر المولود ذكراً كان أو أنثى من السنة .
- أحكام العقيقة .
- حُكم الخِتان.