يتميز أسلوب تربية الطفل بالحكمة بتأثيره البالغ في النّفس، بل إنه من أعظم الدوافع في تربية النفوس، خصوصًا مع الصغار الذين يميلون إلى تقبل الآراء والحقائق عن الكبار، ولديهم قابلية كبيرة للاستهواء والانقياد، كما أنّ قدرتهم على التفكير المجرّد تكون جيدة، فيميل الصغير إلى الاحتكاك بالكبار وتلقي القيم والمعايير عنهم.
وفي بحثٍ، أعدّته نور ناجحان بنت جعفر، رصدت كيفية اتباع هذا الأسلوب في تربية الأبناء وأثره الكبير في النفس، سيما أن الطفل لا يفهم معظم تصرفات الكبار، فتكون تربيته بالموعظة الحسنة وسيلة مهمة وجيدة في هذه الفترة، وبخاصة وأن الطفل مستعد للتقبل والاقتناع.
أهمية تربية الطفل بالحكمة
تكمُن أهمية تربية الطفل بالحكمة في أنّ هذا الأسلوب مُؤثر في تكوين الطفل إيمانيًّا، وإعداده خُلُقيًّا، ونفسيًّا، واجتماعيًّا؛ وذلك لما للحكمة من أثرٍ كبيرٍ في تبصير الطفل بحقائق الأشياء، ودفعه إلى معالي الأمور، وتحليه بمكارم الأخلاق، وتوعيته بمبادئ الإسلام.
واهتم القرآن الكريم والسنة النبوية بإلقاء الموعظة، والتصرف بالحِكمة في تربية الطفل، فلا عجب أن نجد القرآن الكريم قد انتهج أسلوب الموعظة الحسنة، وخاطب النفوس بها، وكرّرها في كثير من آياته، ومن ذلك موعظة لقمان لابنه حيث قصّ الله علينا ذلك بقوله- عز وجل-: (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لِابْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 13].
كما أمر الله تعالى الرسول- صلى الله عليه وسلم- باتباع هذا الأسلوب، وذلك في قوله تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين) [النحل: 175].
وأكد النبي- صلى الله عليه وسلم- على أهمية الحكمة، فعن ابن مسعود- رضي الله عنه- قال: سمعت النَّبي- صلى الله عليه وسلم- يقول: “لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالًا، فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلِّمها”، (البخاري ومسلم). وقال النَّووي: “ورجل آتاه الله حكمة فهو يقضي بها ويعلِّمها، معناه: يعمل بها ويعلِّمها احتسابًا، والحكمة: كلُّ ما منع من الجهل، وزجر عن القبيح”.
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: ضمَّني رسول الله- صلى الله عليه وسلم-، وقال: “اللهمَّ علِّمه الحِكْمَة” (البخاري). قال ابن حجر: “اختلف الشُّرَّاح في المراد بالحِكْمَة هنا، فقيل: القرآن، كما تقدم، وقيل: العمل به، وقيل: السُّنَّة، وقيل: الإصابة في القول، وقيل: الخشية، وقيل: الفهم عن الله، وقيل: العقل، وقيل: ما يشهد العقل بصحته، وقيل: نور يُفرِّق به بين الإلهام والوسواس، وقيل: سرعة الجواب مع الإصابة”. وبعض هذه الأقوال ذكرها بعض أهل التَّفسير في تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ أَنِ اشْكُرْ لِلَّهِ﴾ [لقمان: 12].
وللحكمة دور كبير تربية الطفل على المنهج الإسلامي، فهي تعني إتقان الأمور وإحكامها، بحيث توضع في مواضعها المناسبة وفي الأوقات المناسبة. فيوضع القول اللين في موضعه ويختار الوقت المناسب للتوجيه والإرشاد للطفل.
ولقد وجه الإسلام الأبوين أن يعظا أبناءهم موعظة حسنة، مع الرفق بهم والحرص عليهم، حيث إن النفس الإنسانية تتأثر بما يُلقى إليها من كلام، لذا كانت الحكمة والموعظة الحسنة من أفضل الأساليب التي تصل إلى النفس، وتُحرك الوجدان، وهي ذات أثر كبير في تربية الطفل.
مظاهر تربية الطفل بالحكمة
ويُمكن التعرف إلى مظاهر تربية الطفل بالحكمة من تعامل النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال وتربيته لهم في النقاط التالية:
أولًا: حسن المناداة، فالمقصود بهذا الأساس أن يُنادى الأطفال بعبارات لطيفة قريبة من نفوسهم، ولهذا الأساس آثار طيبة في نفس الطفل، منها: أنه يُشعر الطفل بأهميته عند الكبار، ومن ثمّ تسهل عليه الاستجابة للأوامر الموجهة إليه، وأنه يغرس المحبة والمودة في قلوب الأطفال، وأنه يُساعد على القضاء على المنكرات والأخطاء عند الأطفال، فيخجل الطفل من عدم الاستجابة لمن يعظه بالحسنى.
ثانيًا: التخفيف من اللوم والعتاب، نلاحظ أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- ما كان يكثر العتاب على التصرفات الخاطئة للطفل، ولا يلجأ كثيرًا إلى التوبيخ والتأنيب. وهذا من حكمته- صلى الله عليه وسلم- في معاملة الأطفال وتربيتهم، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: خدمت النبي- صلى الله عليه وسلم- عشر سنين، فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني، فإن لامني أحد من أهل بيته إلا قال: “دعُوه؛ فلو قُضِيَ شيءٌ، لكانَ”.
ثالثًا: اختيار الوقت المناسب للتعليم، من المؤكد أن اختيار الوقت المناسب للتوجيه والإرشاد له أثر إيجابي هام في التربية. فكان النبي- صلى الله عليه وسلم- ثاقب النظر في تحين الوقت المناسب والمكان الملائم للنصح والتوجيه، فمن خلال سيرته- صلى الله عليه وسلم- نجده يتخول أصحابه الكرام بالموعظة في كل حين، ويختار الأوقات المناسبة لتوجيه الطفل، وإفادته تربويا وعلميا.
رابعًا: تزامن التربية مع الوقوع في الخطأ، كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يوجه الأطفال، ويقدم لهم النصائح في الظروف الملائمة، فإذا لاحظ شذوذا من الطفل أو تصرفا مخالفا للآداب العامة أو القوانين التربوية؛ كان- صلى الله عليه وسلم- يوجه الأطفال ويرشدهم دون تأخير أو تأجيل، مراعيا أسلوب الحكمة والموعظة الحسنة.
فقد أكل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مع الأطفال، ولاحظ جملة من الأخطاء، فقدمها بأسلوب حيوي أثار به عقل ونفس الطفل إلى التصحيح. كما روى عن عمر بن أبي سلمى قال: كنت غلاما في حجر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكانت يدي تطيش في الصحفة فقال لي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “يا غلام: سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك”، فما زالت تلك طعمتي بعد.
نصائح للاستفادة من أسلوب الحكمة في التربية
وهناك نصائح للآباء والأمهات والمربين، لكيفية الاستفادة من أسلوب تربية الطفل بالحكمة والموعظة الحسنة، وهي على النحو التالي:
أولًا: استمرارية الموعظة، فيجب أن تكون بصفة مستمرة، حتى لا تحصل الغفلة والنسيان؛ فالتكرار مهم في العملية التربوية، لكن بشرط ألا يصل إلى الحد الذي يسأم منه المخاطب ويملّ.
ثانيًا: الوقت المناسب، على المربى مراعاة الوقت المناسب لتوجيه الطفل وإرشاده، فإن رأى الأبوان الوقت المناسب للوعظ، وجّها الطفل دون إفراط أو إكثار، فإن كثرة الموعظة تُؤدي إلى الملل، وربما ضعف تأثيرها، وسببت رد فعل عند الأطفال.
ثالثًا: الواقعية، فعلى المربي أن يتّسم توجيهه بالواقعية، حتى يتقبل الطفل التوجيه ويتمكن من الاستجابة له، وفي هذه الحالة يكون تأثيره أقوى وأثبت.
رابعًا: الموعظة الحسنة، إذ يجب أن تتسم الموعظة والتوجيهات بالأسلوب الحسن، والبعد عن الجفاف، مع إشعار الطفل أن أبواه حريصان على مصلحته.
أخيرًا
فإن أسلوب تربية الطفل بالحكمة والموعظة الحسنة له مكانة عظيمة في الإسلام، لأنّ الأقوال والأفعال إذا اتّصفت بالحكمة صار لها قدر وقيمة، وإذا تباعدت عنها استحقت الذم ووصفت بالرعونة والطيش والحمق، فالحكمة هي العقل والفقه في دين الله، وهي إتقان العلم والعمل، وجميع الأمور لا تصلح إلا بها، لذا كانت التربية بها أنجع وأقرب طريق إلى تهذيب أخلاق الصغار.
المصادر والمراجع:
- ما هي الحكمة؟ .
- تربية الأولاد بين الحكمة والرحمة .
- أسلوب الحكمة في توجيه الأطفال.