لجأ كثير ممن يرغبون في الاستثمار بالتعليم إلى إنشاء مدارس هدفها تربية الطفل القائد وتدريب الكبار على القيادة، وغرس الصفات التي تؤهلهم لهذه المنزلة التي يصبح بها الإنسان لا يقر ولا يستقر ولا يعرف كللا ولا مللاً ولا يطلب راحة ولا هدوءًا دون تحقيق الهدف الذي يصبو إليه.
والقادة الحقيقيون قلة في العالم، لأن القيادة شأنها عظيم وخطير، حتى أن البعض اعتبر ضعف القيادة من أعظم مشكلات المسلمين المعاصرة، لذا اهتم الإسلام بتربية الصغار على القيادة، وربط هذا المفهوم بالضوابط الشرعية والأخلاقية التي تضمن للقائد سلامة المنهج الذي يتبعه ويسير عليه، وبما يحقق الأهداف المرجوة.
دور الأسرة في تربية الطفل القائد
لا شك أنّ وجود الأسرة هو امتداد للحياة البشرية، وسر البقاء الإنساني، فكل إنسان يميل بفطرته إلى أن يظفر ببيت وزوجة وذرية، ومن هنا يأتي أهمية هذا المحضن في تربية الطفل القائد الذي يقود الأمة في المستقبل.
وترى ولاء رفاعي- أخصائية تربوية- أنه لا بُد من أن يدخل الطفل المسلم حقل الدعوة منذ الصغر؛ وهو ما يصنع منه جيلا رائدا يقود ولا يقاد، يرى الحق ولا يُرى له، كما ترى أنه من الأخطاء الفادحة التي تقع فيها الأسرة إخراج الطفل من الحجرة بمجرد دخول الضيف إليها، بل على العكس فإن حضور الطفل لحوارات الكبار وسماع القضايا العامة يثير في حسه روح التفكير والتفاعل مع الواقع بما يكسبه شخصية تختلف عن غيره من الأطفال.
وتؤكد “رفاعي” أن كثرة التجارب التي تمر على الطفل تكسبه خبرات متراكمة تجعله يتعامل مع المواقف بسرعة بديهة بخلاف الطفل الذي ينعزل في عالمه الطفولي الذي يجد من يحل مشاكله دائما، أو يقوم بكل أعماله، أو يواجه المخاطر عنه دون إعطائه الفرصة للتفكير فيما يجري وما ينبغي أن يحدث.
فالطفل الذي نسمح له بالجلوس مع الكبار بأدب، وسماع المناقشات، بل وإشراكه في مشكلات البيت بما يتناسب مع سنه وطلب الحل منه، يجعله قادرا على التمييز بين الصالح وغيره، ولم يعاتب سيدنا عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- ابنه عندما لم يجب عن سؤال الرسول في حديث النخلة قائلا له: “لو قلت لكان أحب إلى من كذا وكذا”، بل أراد لابنه التفاعل مع الكبار فترنو نفسه أن يصبح مثلهم.
كما أن مشاركة الطفل والأخذ برأيه في معالي الأمور يكسبه ثقة بالنفس تؤهله لتحمل تكاليف الدعوة فيما بعد. فيكون قد تعود منذ صغره على أن يقول ما يراه صوابا، فإذا ما سمع التكليف بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كانت الاستجابة أسهل وأسرع؛ فلا نراه يخاف في الله لومة لائم.
ولا بد من مُشاركة الطفل والأخذ برأيه في معالي الأمور، لينشأ داخله روح الريادة بما يحميه فيما بعد من اتباع كل ناعق، أو أن يكون إمعة إن أحسن الناس أحسن، وإن أساءوا أساء.
ويجب حماية لهذا الطفل من خطر الغرور والكبر أو حتى الثقة الزائدة بالنفس التي قد تطرأ عليه، فلا بد من أن يزرع المربي في نفس الطفل أن قيمته ومكانته مرهونة بما يقدمه للإسلام والمسلمين.
نصائح للآباء بشأن تربية الطفل القائد
إنّ الطفل يُولد ولديه مهارة القيادة بالفطرة؛ متمثلة في حبه لاكتشاف الأشياء وتحمّل المسؤولية، وهناك بعض النصائح للآباء الراغبين في تربية الطفل القائد وهي:
- قراءة وفهم آيات القرآن الكريم منذ الصغر، فالقرآن ينمي اللغة ويكسب الطفل البلاغة والحجة في الحوار.
- تشجيع الطفل ومنحه الثقة بالنفس؛ فتعليم القيادة بالنسبة للطفل كتعليمه المشي.
- تعويد الطفل على تحمل المسئولية، بدءًا من إعطائه الحرية في اختيار ملابسه، ومشاركة الأم في إعداد المائدة، وترتيب غرفته، كل هذا من شأنه تعويد الطفل على تحمل المسؤولية.
- كونوا قدوة لأبنائكم؛ فالطفل ينظر لوالديه باعتبارهما قدوة في حياته.
- الهمة العالية والطموح؛ فالقائد لا يعرف الكسل والمماطلة، مع مساعدته في تحقيق ذلك.
- إكساب الطفل المهارات الاجتماعية؛ كصلة الرحم والتي تجعل الطفل يندمج مع الآخرين، فيكتسب مهارة التواصل واللباقة في الحديث، أيضًا تعويد الطفل على إبداء رأيه مع احترام آراء الآخرين.
- القائد المثقف؛ فينبغي على الأسرة تخصيص وقت للقراءة ولو نصف ساعة يوميًا؛ فالأسرة التي تقرأ تنتج أجيالًا محبةً للعلم، لديها مهارة النقد والتحليل؛ من خلال مناقشة ما يتم قراءته.
- لا بد أن نعرف الفرق بين القيادة والسيطرة؛ فالقائد الملهم يتعاون مع الآخرين، ويدعم نجاحهم، أما السيطرة؛ فهي دليل على الأنانية، وضعف الشخصية.
- تنمية صفة العطاء لدى الطفل من خلال الإنصات له وتشجيعه على إبداء رأيه واحترامه.
- غرس الصفات الحميدة في شخصية الطفل، كقول الصدق، واحترام الآخر، وحب العلم والعمل؛ وذلك من خلال القصص التي تبني القيم، وتوسع خيال الطفل، ومن خلال دور القدوة في حياة الطفل.
- ومع ذلك يجب ألا ننسى أننا نتحدث أولا وآخرا عن طفل؛ بمعنى أنه يجب أن يعيش طفولته بكل ما تحمله الكلمة من معنى. فلا يتعارض ما ذكرناه مع أن يلهو الطفل ويلعب مع غيره من الأطفال؛ أي أن إشعاره بالمسؤولية مجرد تدريب وتأهيل لمرحلة التكليف، وليس العبء النفسي والضغط الذي يحمله ما لا يطيق، وإلا انقلب الأمر وتحول إلى نفور.
صفات القائد الناجح في الإسلام
وحينما يرغب الآباء والأمهات في تربية الطفل القائد عليهم أن يضعوا نصب أعينهم، صفات القائد الناجح في الإسلام، ليحاولوا تطبيقها على أبنائهم، ومن هذه الصفات:
- الإيمان بالله تعالى وطاعته: قال الله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) [الأنعام: 162].
- علوّ الهمة والقوة في العبادة والإخلاص لله: قال الله- عزّ وجلّ-: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) [البينة: 5].
- تقدير الأشخاص والاهتمام بهم: فذلك من أهم ما يجب على القائد، حيث الرغبة في الثناء والشكر من الأمور التي يحبّها الناس وترغبها نفوسهم، وذلك ما قام به الرسول- صلّى الله عليه وسلّم- مع أبي سفيان عندما فتحت مكّة المكرّمة، حيث روى عبد الله بن عباس- رضي الله عنه- أنّ الرسول قال: “مَن دخلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمنٌ، ومَن أغلقَ علَيهِ بابَهُ فَهوَ آمنٌ” (أبو داود).
- امتلاك القدرة على إقناع الآخرين، والتأثير فيهم بشكل إيجابي، يقول- جل شأنه-: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل: 125].
- عدم الإكثار من النقد وذكر المساوئ: والحرص كذلك على عدم الإكثار من العتاب، فالنفس البشريّة تستثقل وتكره كلّ ما يخدش ذاتها ويقلّل من قيمتها، فالواجب على القائد اختيار الطريقة المُثلى في التوجيه والنصح والإرشاد، قال الله تعالى: (وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا) [البقرة: 83].
- حب الخير والمعروف لجميع الأشخاص: والسعي والعمل على قضاء حاجاتهم، والحرص على قضاء الحاجات المتعلّقة بالأمّة عامةً وتقديمها على المصالح الشخصيّة.
- تقديم النصحية والتذكرة للغير بصدقٍ وإخلاصٍ: وهذا يدلّ على شدّة حرص القائد على الأفراد، وحبّه لهم، وشفقته عليهم. عدم الحقد على أحدٍ وعدم بغضهم، والابتعاد عن الخصومة والنزاعات والخلافات، فقال الله تعالى: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) [الحشر: 10].
- الصبر والتحمّل: والقدرة على مناقشة ومحاورة الآخرين وإقناعهم، والحرص على الاستماع الجيّد لهم.
- الخوف من الله تعالى: والخضوع والتذلّل والانكسار له، والحرص على محاسبة النفس.
أخيرًا
فإن الأمة الإسلامية في حاجة إلى الاهتمام بمجال تربية الطفل القائد وفق منهج الله تعالى ومنهج نبيه محمد- صلى الله عليه وسلم- لتخريج قادة ينقلون الأمة من حالها الذي يرثى له إلى مكانة عظيمة يفخر بها أبناؤها، وتستحق الخيرية التي حباها الله بها، قال تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) [آل عمران: 110].
المصادر والمراجع:
- صفات القائد الناجح في الإسلام .
- الطفل القائد: كيف تُربي طفلك على أن يُصبح قائدًا منذ صغره؟ .
- ما هي صفات القائد الناجح في الإسلام؟ .
2 comments
مقال أقل ما يقال عنه أنه رائع.
زادكم الله بسطة في العلم.
نشكر مرورك وتعليقك