اهتم الإسلام بوسائل تربية الشباب وحل مشكلاتهم بصورة لم نجدها في أي حضارة سابقة، فعمل على تربيتهم تربية متوازنة تبدأ من مصاحبة الوالدين لهم، ثمّ ترك الحبل على الغارب بعد أن يكتمل بنيانهم، وقد نادت السُّنة النبوية المطهرة ببث الثقة في الشباب من خلال تحميلهم المسؤوليات الجسام، وليس أدل على ذلك من أن الرسول ختم حياته بتجهيز جيش أسامة واضعًا تحت إمرته كبار الصحابة، وعلى رأسهم أبي بكر وعمر، ما يحمل دلالات بالغة الأهمية حول مكانة الشباب في الإسلام.
وركزت الشريعة الإسلامية في منهجها الخاص بتربية شباب الأمة، على جوانب ووسائل رئيسية، وأسس لحل المشكلات التي تواجه هذه الفئة العمرية المهمة التي تقام على أكتافها الحضارات والأمم، وهو ما أشار إليه الباحث محمد مكين صافي، في بحثٍ له عن هذه المسألة.
أبرز جوانب تربية الشباب في الإسلام
إن تربية الشباب في الإسلام تتمحور حول جوانب رئيسية، هي العقيدة، والنّفس، والسّلوك، والبدن، فبالنسبة للعقيدة، فإنه من اللحظة الأولى اهتم الإسلام بالتأكيد على أنّ الإله واحد، والمعبود واحد، والوجهة واحدة: {أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ…} (هود:2) وهي العقيدة التي استمر التنزيل الحكيم -كما نعلم- مدة طويلة مقصودة في طولها؛ كي يثبتها في قلوب الأتباع باعتبارها القاعدة الأساسية التي سيقوم عليها بناء الإنسان الجديد المتكامل.
ونجد في توجيه الرسول الكريم – صلى الله عليه وسلم- لابن عباس – رضي الله عنه- مثالًا ناصعًا لِمَا يُمكن أن يهتم به المربي من أمر الشباب، وللطريقة المثلى لتوصيل هذه العقيدة إلى قلوبهم وعقولهم في بساطة ويسر: “يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تُجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” (صحيح الترمذي).
ودأب ديننا الحنيف على انتهاج خطوتين متلازمتين في التربية النفسية للشباب، الأولى تشمل: ملء نفوس الشباب بالاهتمامات العلوية التي تشكل لديهم القناة الصالحة والمجيدة لحركتهم، وتعليمه الغاية من الحياة، وأنها بناء وتزكية وارتقاء، والأخذ بيده إلى طريق الجنة، فيقول الحبيب المصطفى: “سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله …”، منهم: شاب نشأ في عبادة الله. (صحيح البخاري).
واهتم الإسلام بتربية السلوك للشباب، لأنّ المرء أكثر ما يكون عُرضة للنزوع نحو الانفلات والضيق بالانضباط وهو في سن الشباب، ومن هنا كثرت التوجيهات الكريمة التي تسعى نحو ضبط سلوك الشباب، وتنزع نحو تدريبهم على الطاعة والانقياد لأمر الله.
ولم ينسَ المنهج الرباني تربية البدن، فمثلما يربي الفرد المسلم على الطاعة والالتزام والانقياد للحق، يحضه – كذلك- على العناية بصحته وبنيته الجسمية لتكون على الدوام في عافية، فيحثه على تعلم الرماية والفروسية بكل ما تهب الفروسية للشاب من فتوة وحيوية واستقامة، وينهى عن فرط التنسك الذي يضعف البدن، بل ينهى عن التوالي في الصيام لنفس الحكمة، ويقول: “إن لجسدك عليك حقًا” (البخاري)، ويريهم كيف أن للبدن قيمته لما يؤديه من دور حيوي في مدافعة الباطل ونشر الحق، حين يؤكد: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير”.
وسائل تربية الشباب
وإذا بحث في منهج الإسلام نجد أن هناك وسائل عديدة تُؤثر تأثيرًا كبيرًا في تربية الشباب وهي: التربية بالقدوة، والتربية بالموعظة الحسنة، والتربية بالقصص الواقعية الهادفة، والتربية بالملاحظة، والتربية بالعقوبة، وهي كالتالي.
أولًا: التربية بالقدوة، وهي من أفضل الوسائل المؤثرة في تنشئة شباب الأمة، فينبغي أن نضع أمامهم شخصًا قدوة يسيرون على نهجه في جميع أمور حياتهم، وخير قدوة للشباب هو نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم-.
ثانيًا: التربية بالموعظة الحسنة، والقرآن الكريم مملوء بالآيات التي تتخذ أسلوب الوعظ أساسًا لمنهج الدعوة منها موعظة لقمان لابنه؛ حيث قال سبحانه: {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16) يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (17) وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} [لقمان: 16-18].
ثالثًا: التربية بالقصص الواقعية الهادفة، لأن لها أثرًا تربويًا في نفوس الشباب، وهي من أهم وسائل التربية؛ لأنّ النفس البشرية تميل إلى الأسلوب القصصي. وقد ذكر الله تعالى الكثير من القصص في القرآن الكريم لتربية الناس. فيمكن للمربي أن يقص على الشباب قصص الأنبياء والصالحين؛ ليقتدي بهم الشباب في حياتهم الدنيا. وقد استخدم نبينا – صلى الله عليه وسلم- الأسلوب القصصي.
رابعًا: التربية بالملاحظة، والمقصود بها ملاحظة الشاب ومراقبة تصرفاته، والسؤال عن أحواله باستمرار. ولا شكّ أنّ هذه الوسيلة من التربية تُعد من أقوى الأسس في إعداد الشاب المتوازن، الذي يستطيع أن يقوم بمسؤولياته نحو مجتمعه على الوجه الأكمل والإسلام بمبادئه الشاملة، حثّ الآباء والأمهات والمربين، جميعًا على أن يهتموا بمراقبة أبنائهم من جميع الجوانب.
خامسًا: التربية بالعقوبة، حين لا تفلح التربية بالقدوة ولا الموعظة، فلا بُد من علاج حاسم يضع الأمور في وضعها الصحيح، والعلاج الحاسم هو العقوبة.
أثر تربية الإخوان في الشباب
لقد كان للإخوان منهج شامل ومتكامل في تربية الشباب يشمل الجسد والعقل والروح باعتبارها دعوة جامعة تشمل (العلم والتربية والجهاد) حيث انخرط فيها الشباب والرجال وطبقوا المنهج التربوي فكانوا هم من ثماره.
ويُدلي الدكتور أحمد شلبي صاحب موسوعة التاريخ الإسلامي بشهادته للتاريخ عن دور الجماعة في هذا الميدان، فيقول: “إن هذه الجماعة لعبت دورًا إسلاميًّا رائعًا في حياة الصبيان والشباب والرجال، وغرست أخلاق الإسلام في الملايين، وجعلت الانتساب للإسلام مفخرةً يعتز بها الكثيرون، ودفعت إلى المكاتب والمصانع والوظائف جماعاتٍ تعرف اللهَ وتخافه، وبالتالي تنتج بجد، وتعمل دون رقيب من الناس ولا تمتد لها الشبهات ولا يمسها الانحراف”.
ويقول جيمس هيوارث دين في كتابه: (التيارات الدينية والسياسية في مصر): “كان حسن البنا يتخيَّر طلبة العلوم الدينية الذين درسوا دراسةً جادَّةً القرآنَ الكريمَ واللغةَ العربيةَ والخَطابةَ وأصولَ الفقه، والذين لم تدنس عقولَهم المفاهيمُ الغربيةُ وطريقةُ الغرب في التفكير، وكان معظم هؤلاء من صغار السنِّ الذين يمتلئون حماسة للقيام بأي أعمال خارقة تتطلب التضحية والجرأة، وكان ميدان عملهم المساجد؛ حيث يواظبون على الصلاة فيها في كل الأوقات وبخاصةً يوم الجمعة، فإذا فرغ الناس من الصلاة توزَّع هؤلاء الدعاة الشباب بينهم؛ ليعقدوا لهم حلقاتٍ متفرقةً يحدثونهم عن الإسلام ثم عن دعوة الإخوان”.
وعن أخلاق شباب الإخوان وسلوكهم، يقول الدكتور أحمد الحوفي الأستاذ بكلية دار العلوم: “درَّست بالمدرسة السعيدية ست سنوات وبكلية دار العلوم خمسًا، شهدت فيهن عن كثب وتجربة ويقين عِظَم أثر الشهيد في مريديه من الطلاب.. جرأة في الحق، واستقامة في الخلق، واعتزاز بالدين، وجدّ في الدرس، ورجولةٌ مبكرة، وثقافة إسلامية متنورة، ومقدرة بيانية واعية”.
جوانب معاناة الشباب
إن تربية الشباب وَفق المنهج الإسلامي، تحتاج إلى النظر في الأمراض المتفشية في هذه الفئة العمرية، والأدواء التي تحتاج إلى علاج، وأبرزها:
أولًا: غياب الهدف، فكثير من الشباب لا يدري لماذا وُجد في هذه الدنيا، وما المطلوب منه فيها، لا يعرف إلى أين يتجه، ولا كيف يسير، ومن هنا بدأ يردد الكلمات الفاجرة المُلحدة التي نَظَمها له العلمانيون واللادينيون، وأنشدها المغنون، وصار الشباب يرددها بلا وعي ولا عقل، كما يقولون: جئت لا أدري من أين جئت؟ ولكني أتيت!
ثانيًا: الفراغ العلمي والفكري، لا يوجد عند الشباب ما يشغلهم في حياتهم سوى إكمال الدراسة، وتحصيل الوظيفة، ثمّ الزواج الذي لا يُمكن أن يتم إلا بعد انتهاء الدراسة، ولو كانت الفتن تحيط به من كل جانب، ولو كان الاختلاط بين الشباب والفتيات من أمامهم ومن خلفهم، وعن أيمانهم وعن شمائلهم.
والنبي محمد – صلى الله عليه وسلم- كان يعلم الشباب الإيمان قبل أن يُعلمهم القرآن، فلما تعلموا القرآن ازدادوا به إيمانًا، وكانوا يتعلمون مغازي رسول الله – صلى الله عليه وسلم- كما يتعلمون السورة من القرآن، وكانوا يتفقهون في دينهم ويتعلمون أحكامه، ويتعلمون الأخلاق والفضائل.
ثالثًا: غياب القدوة، وفي زمننا هذا غابت القدوة الصالحة التي تبني المجتمعات، وتأخذ بيد الشباب لتعيد لهذه الأمة مجدها، وتقدمها وسبقها، كما غاب أهل الحسبة الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويأخذون على يد الظالم.
إن ترك الشباب تتجاذبه المحن والأهواء، ويسيِّر دفته أهل البدع والأهواء، ويشغل وقته أهل السوء ورفقة الأشرار دون توعية، ولا علم ولا هدى ولا كتاب منير؛ يؤدي بهم إلى مهاوي الردى، ويصبح الشباب فريسة سهلة للأعداء؛ فتتأخر به الأمة، ولا يُكشف به – بعد الله- غمة.
رابعًا: المفهوم المغلوط للحرية، بعض الشباب وغيرهم يفهمون الحرية على أنها إمكانية الإنسان أن يفعل ما يشاء، ولو كان حرامًا، ولو كان رقصًا وتبرجًا واختلاطًا محرمًا، وانكشاف عورات، وسبًا وشتمًا وقذفًا وكراهية، في الوقت الذي لم يُترك فيه الحرية لأهل الحياء والعفة أن يلبسوا الزي الشرعي، وصار عيبًا وتخلفًا وجمودًا أن يفعل الشاب المسلم والفتاة المسلمة ما يمليه عليه دينه وعقيدته.
بعض الحلول لمشكلات الشباب
وأمام المتصدرون لتطبيق منهج تربية الشباب في الإسلام بعض الحلول اليسيرة للمشكلات التي تواجه أبناء الأمة، ومنها:
- لا بُد من اختيار بعض الكفاءات من المسلمين ممن يجمعون بين العلم الشرعي والآداب والتربية والتجربة في رعاية هؤلاء الشباب، ثمّ عقد الندوات بينهم وبين أساتذتهم من العلماء الشرعيين الربانيين؛ لمناقشة مشكلاتهم، وصياغة الحلول لها في ظل الشريعة الغراء.
- إقناع الشباب بأن العمل الحر من وسائل التنمية والرزق الحلال؛ لأنّ كل شاب الآن لا يعرف غير البحث عن وظيفة، ولبس ملابس نظيفة، والجلوس عاطلًا، وهو مقتنع بذلك أنه يعمل، وأنه موظف، فإن لم يتمكن من تحصيل مرتبه وافيًا بدأ يمد يده إلى أموال غيره، بكل وسائل الاحتيال.
- وعلى المسؤولين أن يوفروا دعمًا للمشاريع الصغيرة، فقد كان عبد الله بن جعفر بن أبي طالب – رضي الله عنهما- يتاجر في الجلود المدبوغة في السوق، والنبي – صلى الله عليه وسلم- يمر عليه فيراه ويشجعه ويدعو له، ويقول: “اللهم بارك لعبد الله في صفقة يمينه”.
المصادر:
- أحمد شلبي: موسوعة التاريخ الإسلامي: مكتبة النهضة المصرية ، 1999م، جـ 9.
- زياد أبو غنيمة: الإخوان المسلمون في كتابات الغربيين، ص 12.
- مجلة الدعوة: السنة 3، عدد 104.