تُعدّ تربية الأبناء بالدعاء من أبسط وسائل التربية التي يُمكن أن يستخدمها الآباء والأمهات مع أبنائهم، لكنها في الوقت نفسه وسيلة فعالة للغاية، لأنّ الدعاء وسيلة إيجابية، لا تعتمد على العقاب أو التهديد، بل على المحبة والأمل.
والدُّعاء من أجلِّ السُّبل التي يربط الوالد بها طفله بخالقه ورازقه، ومحييه ومميته؛ فهو يَغرس اليقين والثقة في الطفل منذ صغره، فيعلمه عمليًّا بأن يرفع يديه إلى السماء، ويطلُب من ربه ما يريده، في كل موقف من مواقف الحياة.
الدعاء في القرآن والسنة
وأسلوب تربية الأبناء بالدعاء هو دأب أنبياء الله- عليهم السلام- فهذا نبي الله نوح، رغم أنه يعلم ما فعل ابنه من عصيان لأوامره، فقد كان يدعو له عسى الله أن يرحمه، قال تعالى: (وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) [هود:45]، فهنا نجد أن نبي الله نوح- عليه السلام- يعلم منزلة الدعاء، واللجوء إلى الله، والتّضرع إليه، والابتهال إليه لأجل الأبناء، فدعاء الوالدين للأبناء مستجاب عند الله تعالى.
ودعا نبي الله إبراهيم- عليه السلام- ربه أن يجنّبه وبنيه عبادة الأصنام، قال تعالى: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ) [إبراهيم:35]، ثم دعا الله- عز وجل- أن يصلح أبناءه، ويجعلهم من المقيمين للصلاة، قال تعالى: (رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ) [إبراهيم:40].
أما نبي الله زكريا- عليه السلام-، فدعا ربه طالبًا منه الذُّرّية الطيبة، قال تعالى: (هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ) [آل عمران: 38].
وجعل الله- سبحانه وتعالى- من صفات عباد الرحمن أنهم يدعونه بأن يهب لهم من أزواجهم وذرياتهم قُرّة أعين؛ أي: أن يجعلهم يقرّون أعينهم بصلاح أبنائهم وزوجاتهم، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا) [الفرقان:74].
وكان النبي- صلى الله عليه وسلم- أحرص الناس في الدعاء للأبناء، فعن عبد الله بن عباس- رضي الله عنهما- أن النبي- صلى الله عليه وسلم- دخل الخلاء، فوضعت له وضوءًا، قال: “من وضع هذا؟”، فأخبر فقال: “اللهم فقهه في الدين” (البخاري ).
وعن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: ضمني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إليه وقال: “اللهم علمه الحكمة وتأويل الكتاب” (البخاري ).
وبيّن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنّ دعوة الوالدين للأبناء مستجابة يقينًا، وذلك فيما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “ثلاث دعوات يستجاب لهن… ودعوة الوالد لولده” (أخرجه ابن ماجة والبيهقي وحسنه الألباني). قال المناوي: لأنه صحيح الشفقة عليه، كثير الإيثار له على نفسه، فلما صحت شفقته استجيبت دعوته، ولم يذكر الوالدة مع أن آكدية حقها تؤذن بأقربية دعائها إلى الإجابة من الوالد؛ لأنه معلوم بالأولى.
ولا يستقيم أن يبذل المسلم قصارى جهده في الدعاء لذريته وأبنائه بالخير والصلاح، ثمّ في لحظة غضب واضطراب ينسف ما بناه بالدعاء عليهم بما لو استجيب له في ذلك لكانوا من الهالكين!، لذا شدّد النبي- صلى الله عليه وسلم- على عدم عن الدعاء على النفس والولد فقال: “لاَ تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ وَلاَ تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لاَ تُوَافِقُوا مِنَ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ” (مسلم).
فهذه نعمة عظيمة، وفرصة كبيرة على الآباء والمربين ألا يُضيعوها تجاه أبنائهم، وليحرص الأبناء على بر والديهم والإحسان إليهم؛ لينالوا دعواتهما الخالصة التي ليس بينها وبين الله حجاب، فإذا اعتاد الطفل أن يرى أمه أو أباه يرفعان يدهما بالدعاء، فسيقلدهما، ويتعلم أن يلجأ إلى الله- عز وجل- في قضاء حوائجهم.
ولقد وعى صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ومن بعدهم التابعين والسلف الصالح، أهمية الدعاء، فها هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- يقول: “إنِّي لا أَحمِلُ همَّ الإجابة، ولكن همّ الدُّعاء؛ فإذا أُلهِمتُ الدُّعاءَ فإن الإجابة معه”.
وقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ فِي: “إِذَا كَانَ كُلُّ خَيْرٍ أَصْلُهُ التَّوْفِيقُ، وَهُوَ بِيَدِ اللَّهِ لَا بِيَدِ الْعَبْدِ، فَمِفْتَاحُهُ الدُّعَاءُ وَالِافْتِقَارُ وَصِدْقُ اللُّجْأِ وَالرَّغْبَةِ وَالرَّهْبَةِ إِلَيْهِ، فَمَتَى أَعْطَى الْعَبْدَ هَذَا الْمِفْتَاحَ فَقَدْ أَرَادَ أَنْ يَفْتَحَ لَهُ، وَمَتَى أَضَلَّهُ عَنِ الْمِفْتَاحِ بَقِيَ بَابُ الْخَيْرِ مُرْتَجًّا دُونَهُ”.
وجاء رجل إلى عبد الله بن المبارك- رحمه الله- يشكو إليه عقوق ولده، فسأله ابن المبارك: “أدعوت عليه؟”، قال: “نعم”، قال: “اذهب فقد أفسدته”.
وسائل تربية الأولاد بالدعاء
ويمكن تربية الأبناء بالدعاء من خلال اتباع عددٍ من الوسائل التربوية والعملية، أبرزها:
- القدوة في الدعاء: فعلى الآباء والأمهات أن يكونوا قدوة حسنة لأبنائهم في الدعاء، وأن يدعوا الله تعالى في كل وقت وحين، وألا ييأسوا من رحمة الله تعالى.
- تعليم الأبناء فضل الدعاء: وأن يحث الآباء الأبناء على الالتزام بالدعاء، وأن يوضحوا لهم أهميته في إصلاح حياتهم، وهدايتهم إلى الطريق المستقيم.
- تخيصيص وقت للدعاء: ويكون ذلك يوميًّا، ولا بد من الحرص على أن يكون هذا الدعاء شاملًا لكل جوانب الحياة، وأن يدعو الآباء الله تعالى أن يصلح أحوال أبنائهم، وأن يوفقهم في حياتهم، وأن يحميهم من كل سوء.
- دعاء المربي للمتربي: ومن صفات المربي الناجح الدعاء لمن يربيهم ويوجِّههم.
- رفع الصوت بالدعاء: وهو مهم أمام الأبناء لتعلموا ويحفظوا صيغ الأدعية.
- رفع اليدين: توعية الأطفال برفع اليدين بالدعاء إلى الله- سبحانه وتعالى- إذا أتتهم نعمة أو نقمة.
- تجنب الدعاء بالشر: فلا بد من الاحتراز من الدعاء على الأبناء مهما فعلوا، حتى لا نندم حالًا ومآلًا.
- دعاء الحب والتشجيع: من المهم أن يردد الأهل على مسمع من الأبناء دعاء يستشعر به الأبناء الحب والعطف والتشجيع، ودعاء يُحببهم في قِيَم كثيرة ويربطهم بها، كأن يرددوا دائمًا أمام الأبناء.
- تعليم الأبناء الدعاء للآخرين: فهذا يُنمّي عندهم الإحساس بالغير.
- الدعاء الصادق: ولا بد من أن يكون الدعاء للأبناء نابعًا من القلب، وليس مجرد التلفظ بكلمات محفوظة، لأن ذلك أدعى للاستجابة وتحصيل الفائدة.
- أذكار الصباح والمساء: تدريب الأبناء على أذكار الصباح والمساء يربي لديهم الحرص على الاهتمام بالأدعية وطلب العون من الله.
إن الدعاء وسيلة من وسائل التربية الإيجابية للأبناء، والحفاظ عليهم في الدنيا والآخرة، وهو لا يعتمد على العقاب أو التهديد، بل على المحبة والأمل، فالآباء والأمهات عندما يدعون لأبنائهم، فإنهم يعبرون عن حبهم لهم، ويبعثون فيهم الأمل والتفاؤل، وهذا يساعدهم على النمو والتطور بشكل سليم.
مصادر ومراجع:
- ابن القيم: مدارج السالكين 2/229.
- ابن تيمية: مجموع الفتاوى 8/193.
- ابن القيم: كتاب الفوائد 1/141.
- ملتقى الخطباء: التربية بالدعاء.
- المناوي: فيض القدير 3/301.
- طريق الإسلام: الدعاء للأبناء منهج الأنبياء.