لقيت قضية الطفولة على مرّ العصور عناية كبيرة من المربّين، وقد زادت العناية لمعرفة كيفية تربية الأطفال في صدر الإسلام وَفق المنهج النبوي، ذلك لأنّ هذه المرحلة العمرية من أهم مراحل حياة الإنسان؛ ففيها تنمو القدرات وتتضح المواهب والقابلية للتوجيه والتشكيل، ويرسو فيها أساس شخصية الفرد، ويكتسب فيها عاداته.
وفي بحثٍ أعدّه الدكتور السيد محمد عبد المجيد عبد العال، أستاذ الصحة النفسية بكلية التربية جامعة دمياط، تتضح أهمية العناية بالطّفولة مُنذ فجر الإسلام؛ حيث تُبين المنهج النبوي في التربية، الذي استخدمه الرسول- صلى الله عليه وسلم مع صحابته الكرام وأبناء الصحابة، كما أنها تدعو وتحث على العلم والتعلم، وتنمي مواهب وقدرات المتعلم، وتكسب المتعلمين القيم والمعتقدات الإسلامية الصحيحة.
تربية الأطفال في صدر الإسلام من القرآن
لقد اعتمد الصحابة الكرام أثناء عنايتهم بقضية تربية الأطفال في صدر الإسلام على القرآن الكريم، ثمّ الأفعال والأقوال التي كانت تصدر عن النبي، لذا خرج جيل من الصحابة قادوا الفتوحات الإسلامية وأسسوا حضارة عريقة أبهرت الدنيا.
ويتميز القرآن الكريم، بأنه يجمع بين العقل والإقناع والعاطفة، فهو مقرون بإثارة العواطف والانفعالات الإنسانية، ليربي العقل والعاطفة معًا، متماشيًا مع فطرة الإنسان في البساطة وعدم التكلف، وطرق باب العقل مع القلب مباشرة، ويبدأ القرآن مع المحسوس المشهود المسلم به: كالمطر، والرياح والنبات، والرعد، والبرق؛ ثم ينتقل إلى استلزام وجود الله وعظمته وقدرته وسائر صفات الكمال.
والتدرج في التربية والمنع، مثل: التدرج في التشريع؛ فعند تحريم الخمر، بدأ أولًا بتوضيح منافعها ومضارها، ثم حرمها عند الصلاة، ثم حرمها نهائيًّا وكذلك معاملة الأعداء، تدرج التشريع فيها من عفو وإعراض عن الجاهلين، وصبر على أذاهم، ثم الإذن بالقتال للدفاع عن النفس، وهكذا.
وقد ورد في القرآن لفظ التزكية بمعنى التربية، فقال الله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ﴾ {البقرة:151}. قال ابن كثير: وَيُزَكِّيهم، أي: يطهرهم من رذائل الأخلاق ودَنَس النفوس وأفعال الجاهلية، ويخرجهم من الظلمات إلى النور وهي التربية.
وأشار الله- عز وجل- إلى أهم أهداف تربية الأبناء بكلمة جامعة هي ” قرة أعين” فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾ {الفرقان: 74}، ويقول الإمام البغوي في تفسير كلمة ﴿قُرَّةَ أَعْيُنٍ﴾: أي: أولادًا أبرارًا أتقياء، يقولون اجعلهم صالحين فتقر أعينُنا بذلك، قال القرظي: ليس شيء أقر لعين المؤمن من أن يرى زوجته وأولاده مطيعين لله- عز وجل-.
والإهمال في التربية قد يؤدي إلى النار- أعاذنا الله منها- وقد حذّر المولى تبارك وتعالى من ذلك فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ﴾ {التحريم:6}.
وأمر القرآن الأبناء ببر الوالدين، وهذا يستفاد من قوله تعالى: ﴿وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ * وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا﴾ {لقمان: 14-15}، والأولاد إذا فهموا أهمية بر الوالدين ثم أطاعوهما؛ تكون التربية ناجحة.
والقرآن الكريم يعلم الأطفال والكبار مراقبة الله في كل شيء؛ لأنه عليم بخفيات الأمور، فقال تعالى: ﴿يا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُن فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ {لقمان: 16}، كما يستفاد من هذه الآية الإيمان بالغيب.
النبي وتربية الأطفال في صدر الإسلام
وتعد السنة النبوية ثاني مصادر تربية الأطفال في صدر الإسلام التي اعتمدت على القدوة الحسنة، والتربية بالمداعبة، والتربية بالترغيب والترهيب، والتربية العملية، والأسلوب التجريبي، والتربية بالقصة، والتربية بضرب الأمثال، والتربية بالموعظة، والتربية بالأسئلة والحوار، والتربية بالعادة، والتربية بالملاحظة، وطريقة القياس والموازنة وغيرها من الأساليب المختلفة.
لقد كان من عادة النبي- صلى الله عليه وسلم- أن يُسلم على الصغار مثل الكبار، فرُوي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- أنه قال: “كان يزورُ الأنصارَ ويُسَلِّمُ على صبيانِهم، ويمسحُ رؤوسَهم” (رواه ابن حبان وهو حديث صحيح).
وعن الحارث بن ربعي: “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُصَلِّي وهو حَامِلٌ أُمَامَةَ بنْتَ زَيْنَبَ بنْتِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولِأَبِي العَاصِ بنِ رَبِيعَةَ بنِ عبدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ وضَعَهَا، وإذَا قَامَ حَمَلَهَا” (البخاري).
واستخدام النبي- صلى الله عليه وسلم- أسلوب التكنية للطفل الصغير، ليشعره بأنه ذا قيمة، فرُوي عن أنس بن مالك- رضي الله عنه- “كانَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحْسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وكانَ لي أخٌ يُقَالُ له: أبو عُمَيْرٍ -قالَ: أحْسِبُهُ- فَطِيمًا، وكانَ إذَا جَاءَ قالَ: يا أبَا عُمَيْرٍ، ما فَعَلَ النُّغَيْرُ”، (البخاري).
ولم يستخدم النبي- صلى الله عليه وسلم- الجمل الصعبة في تربية الأطفال وتوجيههم، بل كان يخاطبهم باللغة التي يفهمونها، وكان إذا حدث الناس بأمرٍ يُعيده عليهم حتى يعقلوا قوله، قال ابن عباس- رضي الله عنه-: “كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا قال يا غلامُ، إني أعلِّمُك كلماتٍ: احفَظِ اللهَ يحفَظْك، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف” (الترمذي).
وقد كان النبي- صلى الله عليه وسلم- يعلم الأطفال حسب الموقف، فعن عُمَرَ بنِ أَبي سلَمَة رضي اللَّه عنهما قَالَ: قَالَ لي رسولُ اللَّه- صلى الله عليه وسلم-: “سَمِّ اللَّه، وكُلْ بِيَمِينكَ، وكُلْ مِمَّا يَلِيكَ” متفقٌ عَلَيهِ.
تحديات معاصرة تواجه تربية الأطفال
وهناك تحديات معاصرة تواجه تطبيق منهج تربية الأطفال في صدر الإسلام على الأولاد في العصر الحالي، ومنها:
- الفقر، والجهل، والمرض.
- انشغال الوالدين عن الأطفال.
- محاولة فك ارتباط المسلم بنبيه- صلى الله عليه وسلم-.
- التحديات الدينية التي تتمثل في الشعوبية والصليبية والصهيونية بكل مؤسساتها الاقتصادية والطبية والتبشيرية والثقافية.
- وجود المنافقين بين المسلمين.
وهذه التحديات قد يترتب عليها العديد من الآثار والنتائج السلبية، التي تكمن في:
- التأثير على القيم الأخلاقية لأطفال المسلمين.
- إقناع أطفال وشباب المسلمين بتقليد الغرب في أنماط حياتهم المختلفة.
- الابتعاد عن الأساليب التربوية الإسلامية واللجوء لأساليب ونظريات الغرب.
- تدني دور الأسرة المسلمة في تربية أطفالهم على أساليب التربية الإسلامية.
- تهميش اللغة العربية والتربية الدينية، وتشجيع استخدام اللغة العامية بدلًا من الفصحى في التعليم والإعلام والمحافل المختلفة.
- الاختراق الثقافي للحضارة الإسلامية ونشر النموذج الغربي لتغيير طريقة التفكير والنظرة العامة للحياة.
- دفع الأطفال والشباب إلى الاستخفاف بأوامر الدين الإسلامي ونواهيه.
كيف نعود بالتربية إلى ما كانت عليه في العهد النبوي؟
ويُمكن أن نُطبّق منهج تربية الأطفال في صدر الإسلام الذي أخرج جيلا صنع حضارة خالدة، وذلك من خلال:
- نشر الوعي الثقافي الإسلامي من خلال القنوات الإسلامية.
- عقد ندوات بصفة دورية للوالدين وخاصة الأمهات والشباب المقبلين على الزواج، وتبصيرهم بأساليب التربية الإسلامية الصحيحة والعناية بالطفل.
- الاستفادة من خطب الجمعة لبث التربية النبوية في نفوس الرجال والنساء والشباب.
- فتح مدارس رياض أطفال إسلامية لنشر الثقافة والأساليب الإسلامية في تربية الطفل.
المصادر والمراجع:
- مفهوم التربية على نهج النبوة .
- تربية الأولاد كما يراها القرآن .
- من أساليب التربية النبوية .
2 comments
مقال مهم جدا
كأب اعمل دائما على كل ما ذكر أعلاه و كثرة الدعاء أن يوفقنا الله لتربية ابنائنا على الوجه الذي يرضي ربنا و نفوز برضاه و الجنة
نشكر مرورك وتعليقك،
وندعو الله أن يُنبت أولادك نباتا حسنا