يُهمل كثيرٌ من الآباء والأمهات في تربية الأطفال على مواجهة المشاكل وتحمل المسؤولية، ثمّ ينبروا لحل وتذليل كل ما يواجه أطفالهم من عقبات سواء كانت كبيرة أو صغيرة، ما يُنتج للمجتمع صغارًا لا يستطيعون الحركة أو فعل شيء بأنفسهم.
وقد أثبتت دراسات وأبحاث تربوية أهمية تعليم الطفل مهارة حل المشكلات التي يواجهها، لتساعده في تخطّي الكثير من العقبات وتحقيق النجاح، خصوصًا أنّ الأطفال الذين تنقُصهم مهارات حل المشاكل قد يكونون أكثر عُرضة للإصابة بالاضطرابات النفسيّة.
أهمية تربية الأطفال على مواجهة المشاكل
وتتمثل أهمية وفوائد تربية الأطفال على مواجهة المشاكل والعقبات التي تواجههم في البيت أو المدرسة أو أي بيئة يتعاملون فيها، في النقاط التالية:
- القدرة على مواجهة تحديات الحياة المستقبلية.
- والقدرة على التعامل مع المشكلات التي تواجه الطفل في المدرسة والنادي، سواء مع أقرانه أو مع الكبار.
- تعليم الطفل التركيز على التفكير في حل المشكلة، بدلًا من الحرص على تجنب المشكلات.
- الطفل القادر على حل المشكلات يكون أهدأ عند التعرّض إلى أي أمر يضايقه، ولا يلجأ إلى العنف والعدوانية أو الهروب.
خطوات تربية الأطفال على مواجهة المشاكل
من الضروري تربية الأطفال على مواجهة المشاكل بطريقة محببة دون قلق أو فزع أو خوف من الفشل، وذلك من خلال هذه الخطوات:
أولًا: تحديد المشكلة التي تُواجه الطفل، فينبغي أن يحدد الطفل نوعية المشكلة التي تُواجهه، من خلال سؤاله عن الأسباب التي تضايقه، وبهذا يتمكّن الطفل من تحديد طبيعة المشكلة.
ثانيًا: وضع بعض الحلول الممكنة للمشكلة، فيجب تعليم الطفل وضع حلول ممكنة للمشكلة التي يُواجهها، مع ضرورة التأكيد على أنَّ جميع الحلول لا تحتاج بالضرورة إلى أن تكون جيدة في الأفكار، كما يتوجَّب مساعدة الطفل على تطوير هذه الحلول، للتوصُّل إلى أفكار جيدة قد تساهم في حل المشكلة. وحتى الأفكار البسيطة أو بعيدة المنال قد تُصبح هي الحل الممكن، فالمفتاح هو مساعدته على رؤية أنَّه مع القليل من الجهد، يمكنه العثور على الحل المحتمل للمشكلة.
ثالثًا: تخمين نتائج كل حل، فيتوجّب على الأهل والمعلمين في رياض الأطفال والمدارس مساعدة الطفل في تحديد النتائج الإيجابية والسلبية المحتملة لكل حل محتمل حدّده الطفل.
رابعًا: اختيار أحد الحلول، فبمجرد أن يُخمّن الطفل النتائج المحتملة لكل حل من الحلول، ينبغي تشجيعه على اختيار الحل الأفضل.
خامسًا: اختبار الحل، وينبغي أن يُجرّب الطفل الحل الذي اختاره ويرى ما سيحدث، فإذا لم ينجح الأمر، يُمكنه تجربة حل آخر من القائمة التي حدّدها سابقًا.
سادسًا: عدم التسرع في حل المشكلة، فعندما يُواجه الطفل مشكلة معيّنة، يجب على الأهل ألا يتسرّعوا في حل المشكلة مباشرةً، وبدلًا من ذلك يجب مساعدة الطفل على اجتياز خطوات حل المشاكل، مع ضرورة تقديم التوجيهات اللازمة عندما يحتاج إلى المساعدة، كما يجب تشجيعه على حل المشاكل بمفرده.
سابعًا: امدح طفلك عندما يمارس مهارات حل المشكلات.
ثامنًا: علّمه شكر الله- سبحانه وتعالى- بعد انتهاء المشكلة، لأنه وَفّقه لحلها أو الصبر عليها.
حل المشكلات في الإسلام
ويجب أن نربط بين تربية الأطفال على مواجهة المشاكل والمنهج الإسلامي، ليشب الطفل على اللجوء إلى القرآن والسنة النبوية في كل أمور حياته، فهكذا كان الصحابة الكرام يفعلون، قال تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ [النساء: 83].
فالطفل يجب أن يتدرّب على السؤال دائمًا عن أفعال النبي- صلى الله عليه وسلم- وأقواله بشأن المسائل التي يُمر بها في الحياة، ليكتسب الأدوات التي تُمكنه من الصمود في وجه العقبات والمشكلات. ومن طرق النبي- صلى الله عليه وسلم- في حل المشكلات:
- عدم التّهويل أو التهوين في التعامل مع المشكلة.
- استيعاب المشكلة في بدايتها، حتى لا تتفاقم أو يترتّب عليها مشكلة أكبر.
- التزام الهدوء والحكمة لاحتواء المشكلة وحلّها.
- استخدام أساليب اللّين والابتسامة في الحوار والتّغاضي عند توقّع الغضب والتّحقق من المشكلة والتروّي في إصدار الحكم.
- التعامل مع مشاكل العنف بالرّحمة كونها من أعظم القيم التي تؤدّي إلى نجاة المجتمع من الفساد.
مهارة صنع القرار
ويرتبط بمهارة تربية الأطفال على مواجهة المشاكل والعقبات مهارة أخرى مهمة وهي صنع القرار، فمن خلالها يمكن للطفل حل العقبات التي تواجهه دون اللجوء في كل مرة إلى والديه أو المسؤول عنه، وهذه المهارة تشكل لدى الطفل، ما يلي:
- احترام الذات: وهو شعور الطفل بالرضا عن نفسه حتى وإن كان مَن حوله يعارضونه.
- الثقة بالنفس: وهي أن يكون الطفل قادرًا على طلب ما يحتاجه من المعلومات، بالإضافة إلى قدرته على الرفض، أو التعبير عمّا يريده.
- التفكير: إنّ اتخاذ القرار يحتاج إلى قدرة على التفكير والتخطيط، وهذا يأتي من خلال الممارسة والخبرة.
- الاتصال والتواصل: وذلك من أجل أن يكون قادرًا على التعبير عمّا يُريد، والاستماع للآخرين وفهمهم.
نصائح لتدريب الصغار على تخطي المشكلات
وربما يُخطئ الأهل بعدم تربية الأطفال على مواجهة المشاكل والعقبات بأنفسهم، بل عندما يمرضون يتعاملون معهم بجزعٍ؛ فيزرعون داخلهم الخوف أو الشعور بالحاجة للرعاية.
وتقول نجلاء محفوظ- كاتبة اجتماعية-: إن من أهم الأخطاء الشائعة وأخطرها المبالغة بحماية أولادنا وكأننا نضعهم في صُوبات ونصنع عوازل تبعدهم عن رؤية أي شرور بالواقع، ونقدم لهم صورًا وَردِية لا وجود لها في الحياة عن الناس، وكيف أن الجميع يتمنون لنا الخير ولا يقصدون أي إساءة، ويفعل البعض ذلك حتى لا يصدم الأطفال، والمؤكد أن الواقع لن يرأف بهم، ولن يجنبهم المشكلات وعندئذ ستكون الخسائر أكبر، لذا يجب مراعاة هذه النصائح:
- إخبار الطفل منذ بداية وعيه حقيقة أنّ الحياة بها خير وشر، وأن يكون ذلك بجرعات قليلة وعلى فترات.
- لا بُد من التفرقة بين الحنان والجزع؛ فالأول مطلوب ويفيد الطفل، والثاني مرفوض ويؤذيه.
- نزرع داخل الطفل أنه دومًا يستطيع- بعد الاستعانة بالله- أن يصنع ما يفيده ويسعده.
- يجب ألا نبالغ في التعاطف مع الطفل أثناء مروره بأزمة؛ فيشعر بالرثاء لنفسه ويعطله عن البحث عن حل ويضعف ثقته بنفسه.
- كما يجب ألا تتجاهل الطفل، فيشعر بالخذلان، ولا تتسرع في تقديم الحلول له، ونطلب منه التفكير في حلول.
- علينا الاستماع للطفل جيدًا، وإذا لم يعجبنا حديثه لا ننتقده، بل نقول له: جيد أنك تحاول التفكير، ونطرح الحل الذي نراه مناسبًا، ونذكر البدائل المتاحة أمامه، مع توضيح إيجابيات وسلبيات كل خيار، ونشجعه على التعبير عن مخاوفه وعدم السخرية منه بسببها أو المبالغة بالتهوين منها.
- تعليم الطفل الاعتدال عند الأزمات؛ فلا يبالغ بها وكأنها مسألة حياة أو موت أو كارثة لا يُمكنه تحملها، ولا يتعامل معها بلا مبالاة وكأنها غير موجودة.
أخيرًا
فإنّ تربية الأطفال على مواجهة المشاكل والعقبات ضرورة لا غنى عنها، إذا أردنا أن نُربي أجيالا تعتمد على نفسها في تخطي الصعاب، وترميم النفس التي تتعرض لصدمات متكررة، سيّما أننا في عصر تتفاقم فيه المشكلات من كل جانب.
المصادر والمراجع:
- المنهج النبوي المحمدي في حل المشكلات مع أمثلة من السيرة .
- كيفية تعليم مهارة حل المشكلات للأطفال؟ .
- مشكلاتنا: أسبابها وعلاجها .