تُعد النظافة الشخصية من مقومات صحة الإنسان التي يجب أن يحرص عليها، بل ويُربي عليها أولاده، للحفاظ على صحتهم وحمايتهم من الإصابة بالأمراض المعدية التي تنتقل عبر الأوساخ والقاذورات.
والنظافة من أهم القيم الإسلامية، التي يُنظر إليها على أنها جزء لا يتجزأ من الإيمان، فقد زكّاها الله بقوله: {… لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة:108].
ولكي نُخرج أجيالا تعتني بنفسها وتحافظ على مظهرها ونظافتها ويعود ذلك على مجتمعها، لا بُد من أن نغرس فيهم قيمة النظافة والعناية بمظهرهم دون تكلّف، مع الاهتمام بالقدوة العملية أمامهم في ذلك.
النظافة الشخصية في الإسلام
لقد أولى الإسلام النظافة الشخصية اهتمامًا لا يُدانيه اهتمام في الشرائع الأخرى، فلم يعد يُنظر إليها على أنها مجرد سلوك مرغوب فيه أو متعارف عليه اجتماعيًّا ويحظى صاحبه بالقبول فقط؛ بل جعلها الإسلام قضية إيمانية تتصل بالعقيدة، يُثاب فاعلها ويأثم تاركها في بعض مظاهرها، يقول الله تعالى: {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة:108].
بل جعلها افتتاحية الصلاة فلا تقبل صلاة إلا بها – إلا لضرورة عدم وجود ماء- فقال – عز وجل-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرضى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[المائدة:6]، وحثّ نبيه الكريم على النظافة فقال تبارك تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:4].
وعن أبي مالك الأشعري عن النبي – صلى الله عليه وسلم- قال: “الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمانِ” (صحيح مسلم)، حيث جعل الله النظافة والطهارة شطر الإيمان لأهميتها وقيمتها.
وعن عائشةَ – رضي الله عليها- قالت: “إنما كان الناسُ يسكنون العاليةَ فيحضُرونَ الجمعةَ وبهم وسَخٌ فإذا أصابهم الرَّوحُ سطعتْ أرواحُهم فيتأذَّى بها الناسُ فذُكر ذلك لرسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فقال: أوَلا يغتَسلونَ؟” (صحيح مسلم).
وعن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه- أنَّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “تخلَّلوا، فإنَّهُ نظافةٌ، والنَّظافةُ تدعو إلى الإيمانِ، والإيمانُ معَ صاحبِهِ في الجنَّةِ” ( الترغيب والترهيب). و”التخلل سبب من أسباب النظافة، والنظافة أساس يقوم عليه الإيمان، وهنا إشارة إلى الطهارة التي تعد من أهم أسباب قبول العبادات الإسلامية المختلفة” (1).
وشرع الإسلام الوضوء خمس مرات لطهارة الجسد، كما فرض الغسل – إذا توفر الماء ولم يحدث ضرر-، بل حثّ المسلمين على غسل اليدين عقب الطعام لإزالة ما بها من وسخ، وسنّ سنن الفطرة لإزالة ما يعلق بالجسد من قاذورات (2).
أهمية تعليم النظافة الشخصية لأولادنا
إنّ الأطفال أكثر مرحًا ولعبًا وحيوية من الكبار، نظرًا لطبيعة مرحلتهم العمرية التي لم يتحملوا فيها مسؤولية الحياة، كما أنهم أكثر استكشافًا لمحيطهم، لذا فهم عرضة للأتربة والأوساخ والقاذورات. ولكون مناعتهم أضعف من غيرهم فالنظافة مهمة لهم وضرورية، وهو ما أوجب على الوالدين تربيتهم عليها وتحبيبهم فيها.
بل إن النظافة الشخصية للأطفال، لها دور في تقديم صورة جيدة عنهم وعن ذويهم أمام المجتمع، سواء في المدرسة أو حتى بين المعارف والأقارب وكل مَن يتعاملون معهم، سيّما أن هذه القيمة تُصاحبهم طيلة حياتهم، وحتى عند الممات حيث أوجب الإسلام غسل الميت، لذا لا بُد من أن يتعرفوا إلى أهميتها حتى لا يهملوها، كما تعود أهميتها إلى الحفاظ على رائحة الجسم جيدة، وعدم خروج الروائح الكريهة (3).
أضرار عدم النظافة
لعدم النظافة أضرار جسيمة على صحة أطفالنا، بل وعلى المحيطين بهم، لأنّ الجسد عرضة لتكون الجراثيم عليه وانتشارها، ومن ثمّ فإن عدم النظافة الشخصية يُؤدي إلى كثير من الأمراض، إضافة إلى جفاف الجلد الذي يحتاج دائمًا إلى الماء كونه كائن حي، كما قال الله تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المآء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [الأنبياء:30].
وتتسبب عدم النظافة في إصابة الفرد بأنواع الإنفلونزا المختلفة، وتراكم الأوساخ في مسامات البشرة وانسدادها، ما يؤدي إلى انحباس السموم في الجسم وكسل في الدورة الدموية، وقلة الأوكسجين الذي يزيد من حالات الإرهاق والتعب (4).
كيف نعلم أولادنا النظافة؟
الأطفال في مراحل عمرهم الأولى مسؤولية الوالدين، وبطبيعة الحال والغريزة الفطرية فيهم يسعون إلى الحفاظ على أبنائهم، لذا نُقدّم لهم بعض النصائح التي تعينهم في تعليم أولادهم النظافة الشخصية، ومنها:
1. القدوة، فيجب على الوالدين ممارسة النظافة أمام أطفالهم وحثهم عليها عمليًّا حتى يروا فيهم القدوة الطيبة.
2. يجب أن تتوفر ملابس نظيفة دائمًا في خزانة أو دولاب الطفل حتى إذا فرغ من لعبه يجد ما يستبدله، ويشجعه ذلك على النظافة وتغيير ملابسه.
3. شرح العادات الجيدة والسيئة، فعلى الوالدين شرح ما يعد جيدا وصحيا بوضوح، وما هو سيئ أو غير صحي، مع تكرار ذلك في مواقف مختلفة حتى تصبح عادة لديهم.
4. البدء بالأساسيات منذ الصغر، مثل: غسل اليدين، وغسل الأسنان، والاستحمام بانتظام.
5. لا نتعامل مع عادات الصحة والنظافة كأنها أوامر مفروضة بصرامة؛ وإنما الأمر يحتاج لبعض المرونة، فمثلاً نستخدم الوقت المناسب لطلب غسيل اليدين أو القدمين، وليس في أثناء انهماك الطفل في لعبة محببة أو نشاط يهمه.
6. يجب غرس العناية بالنظافة وترتيب الملابس وتغييريها بشكل يومي، والامتناع عن ارتداء الملابس المتسخة، وتنظيف الحمام وراءهم.
7. شرح مفاهيم الجراثيم والبكتيريا مع التأكيد على أهمية النظافة، والحذر من بث الخوف والرهاب من النظافة في نفوسهم.
8. المرح معهم في أثناء النظافة والاستحمام، لأنّ ذلك يُحببهم في هذا العمل ويشعرهم بالمتعة في أثنائه، ما يجعلهم يقدمون عليه دون ضيق أو خوف، مع استخدام منظفات مناسبة للمرحلة العمرية (5).
أدوات النظافة
والأطفال يتشجعون لفعل الشيء إذا صحب القول العمل، فإذا قلنا لهم فوائد النظافة الشخصية يجب أن نوفر لهم ما يلزم ذلك من أدوات شخصية لكل واحد منهم حتى يشعر بخصوصيته ويشجعه ذلك على فعل هذا الأمر، ومنها:
1. فرشاة أسنان خاصة بالطفل.
2. مقص أظافر خاص بكل طفل في الأسرة.
3. توفر صابون لاستخدامه عند الاستحمام وغسل اليدين والقدمين وغيرهما من أعضاء الجسد.
4. مناديل معطرة ليحملها الطفل في الأماكن التي لا يُوجد بها ماء أو لا يسمح له فيها بالخروج أو لقلة نظافتها.
5. روائح طيبة مناسبة للأطفال وكريم شعر ليضعها وقت خروجه حتى يتعود أن يكون دائمًا في رائحة طيبة.
6. الحث على عدم تناول الأطعمة التي ينبعث منها روائح كريهة والخروج بها على الناس (6).
أثر النظافة على الطفل والمحيطين به
إن النظافة الشخصية لها تأثير مباشر وغير مباشر على حياة الطفل والمحيطين به والمخالطين له، فهي تُعطيه صحة أفضل وتُعزز ثقته في نفسه، وفي الوقت نفسه تُعد السياج والحماية للمجتمع من انتشار الأمراض والأوبئة.
وتتعدى آثار النظافة على الفرد والمجتمع، إلى الوصول للراحة النفسية لجميع الأفراد، والوصول بالمجتمع لمرحلة الرقي والتقدم بين المجتمعات الأخرى (7).
المصادر
1. الصنعاني، كتاب التنوير شرح الجامع الصغير، ص 23.
2. الإسلام دين النظافة: 12 ديسمبر 2013،
3. خلود حسن العتوم: ما أهمية النظافة الشخصية لطفل الروضة؟، 15 أبريل 2020،
4. آلاء جابر: أضرار عدم الاستحمام، 28 ديسمبر 2015،
5. أسماء عثمان: 8 نصائح لغرس عادات النظافة الشخصية في أطفالك، 17 مايو 2020،
6. سامي بلال: تعليم الطفل النظافة الشخصية والاهتمام بنفسه، 19 مارس 2020،
7. هنادي أحمد: أثر النظافة على الفرد والمجتمع، 11 مارس 2020،