حضّ الإسلام على التكافل الاجتماعي، وبيّن مدى تأثيره ماديًّا ومعنويًّا على المُتصدِّق والمتصدَّق عليه، لذا فإنّ تدريب الأطفال على الصدقة والتكافل منذ الصغر يُحقق سيادة روح الحب والإخاء بين أفراد المجتمع.
ولا تقتصر الصّدقة على المال فحسب، بل تتنوّع بين القول الحسن، ومساعدة الضعفاء، والتراحم، والابتسامة وغيرها من الأمور التي وضّحها الشرع الحنيف؛ فطَاعات كثيرة يجب أن يكتسبها الطفل ويتعلمها مُنذ نعومة أظفاره، ليعتاد عليها ويُحسن أداءها عندما يبلغ سِن التكليف، خصوصًا أنّ الطفل إذا لم يعتد على حُب الخير وبذل المال فستشق عليه الصدقة في الكبر.
أهمية تدريب الأطفال على الصدقة
وتتمثل أهمية تدريب الأطفال على الصدقة في أنّ ذلك أمر من الله- سبحانه وتعالى-، لتسود المحبة في المجتمع، وينحسر البُخل والشُّح، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [سورة التغابن:16].
وقال- عز وجل-: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا}[التوبة:103]، وقال:{ لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ}[آل عمران:92]، وقال تعالى:{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ}[الحديد:18].
وروى أبو هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قوله: “مَن تَصَدَّقَ بعَدْلِ تَمْرَةٍ مِن كَسْبٍ طَيِّبٍ، ولَا يَقْبَلُ اللَّهُ إلَّا الطَّيِّبَ، وإنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كما يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ” (البخاري).
وعن أبي هريرة عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنْه عَمَلُهُ إِلَّا مِن ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِن صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو له” (مسلم).
فالصدقة تُطفئ غضب الله- سبحانه وتعالى- وترقق قلب المؤمن وتبعد عنه البغضاء، والكراهية، والحقد، وتدفع عنه البلاء، كما أنّ المُتصدّق في ظل صدقته ودعاء الملائكة له في الليل والنهار(1).
تدريب الأطفال على الصدقة.. قصص وعبر
ويُمكن تدريب الأطفال على الصدقة من خلال الاطلاع على القصص التي حَوَتها كُتب السّيرة النّبوية، فهذا عثمان بن عفان- رضي الله عنه- يشتري بئر رومة ويتصدّق بها على المسلمين، حتى لا يُذِلّوا أنفسهم ليهودي، هذا غير تبرعه بالقافلة كاملة من أجل إغاثة بطون المسلمين.
وهذا أبو بكر- رضي الله عنه- يتصدّق بكل ماله، وحينما سُئل عن ماذا ترك لأهله، قال: تركت لهم الله ورسوله.
وهذا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب- رضوان الله عليهم- كان يحمل ليلا أكياس الدقيق على ظهره ويضعها أمام بيوت الفقراء، ثم ينصرف. وظل على هذه الحال إلى أن وافته المنية، فلما غسّلوه وجدوا آثار الحبال سوداءَ على ظهره، فقالوا: ما هذا؟ فحدث أهلُه الناسَ بصنيعه.
ويُحكى أن رجلا من العرب شُوهد في يده قطع من الخبز يكسرها ويلقيها بجانب جدار بيته إلى النمل. فقيل له: مالك وللنمل؟ فأجاب: هن جارات ولهن حُرمة. حتى يرسخ معاني أنّ الصدقة ليست لبني أدم فحسب، بل “في كُلِّ كَبِدٍ رطبَةٍ أجرٌ”(2).
هل الصدقة علاج للأمراض؟
إنّ الهدف الأسمى في تدريب الأطفال على الصدقة وحب الخير للآخرين، هو تطهير النفس وتزكية القلب، وهو ما جعل الشعوب الإسلامية الأولى مُتراحمة، حتى بلغ الحال ببعضهم أن تصدق بكل ما يملك من بستان نخيل مرضاة لله.
فالصدقة تعمل على تطهير القلوب، وتنقية النفوس، وإثلاج الصدور، ورقة العيون، وإمساك اليد عن الظلم، وسعي القدم لتفقد حال الفقراء والمساكين، وطهارة المال، والبركة في الأهل والأولاد، وراحة البال، والصّدق في القول، والجمال في المظهر، وطهارة البدن.
وهي- أيضًا- شفاء للأمراض الجسدية، وقضاء للحاجات، وترضية للكريم الرزاق- سبحانه وتعالى-، وقائدة إلى الجنان، ومضاعفة الأجر والثواب، وستر وحجاب من النار، وأمان من الخوف يوم الحشر الأكبر، ومُمحاة للذنوب، وحجاب من المعاصي، وسبب في حسن الخاتمة.
ولقد أعلى الشرع الحنيف من حفظ ماء وجه المتصدَّق عليه، فالصدقة وإن كانت خيرًا في العلن، إلا أنّ سرها أفضل، لقول الله تعالى: {إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ۖ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} [البقرة:271](3).
الفوائد الاقتصادية للصدقة
إنّ تدريب الأطفال على الصدقة مُهم لِمَا في ذلك من فوائد اقتصادية، ويمكن إخراجها في أي وقت وبأي شيء لإشاعة روح التعاون وزيادة الانتاجية والمحافظة على مُقدرات الوطن وانتشار الأمن الذي يُساعد على النهوض الاقتصادي، وهي تُسهم أيضا في:
- تحسين المستوى المعيشي والصحي والتعليمي للفقراء، ما يُؤهلهم ليصبحوا قوة عمل مشاركة في التنمية الاقتصادية.
- تخفيف العبء المالي الذي تتحمله الدولة، وذلك بالاتفاق على أصناف من الإعانات التي تُقدمها للمحتاجين كالأيتام والعجزة وغيرهم، وهذا له الأثر الاقتصادي في ميزانية الدولة.
- تحقيق إعادة توزيع الدخل والثروة في المجتمع، فهي وسيلة لتحقيق العدل الاقتصادي الذي أصبح محل اتفاق بين الاقتصاديين مع الاختلاف حول تعريفه ووسائله.
- الاستثمار: لأنَّ مَنْ يملك المال لا بَّد له من استثماره، وهو يعود بالنفع على الاقتصاد ويرفع من قيمة ميزانية الدول.
- توفير الأمن للدولة، فالفقر أحد أسباب الجريمة، والزكاة تحارب الفقر، فهي وسيلة لمحاربة الجريمة بطريقة غير مباشرة (4).
كيف نُدرب أولادنا على الصدقة؟
لقد أكد الإسلام أهمية تدريب الأطفال على الصدقة والعطاء، لما في ذلك من عطف على الفقراء، ومواساة أهل الحاجة والمسكنة، وخلق الرحمة في قلوب الصغار، وتعويدهم على الإحسان وعدم الشح والبخل.
واهتم كثير من التربويين الإسلاميين بهذا الجانب ووضعوا في سبيله بعض الوسائل التربوية العملية التي تشجع الأطفال على العطاء، مثل:
- حصالة المشاريع: عن طريق تشجيع الأبناء على التبرع التلقائي في صندوق الأسرة، وهو عبارة عن حصالة يجمع فيها مبلغ من المال من تصدق أفراد الأسرة، وتخصيصه للمحتاجين.
- المساعدة في حساب الزكاة: اجعل ابنك يساعدك في حساب زكاتك سواء كانت من المال أو الأغنام أو الذهب أو من المحل التجاري، وجميل كذلك لو خططت معه في كيفية توزيعها.
- شجع أطفالك على التّبرع والتصدق ببعض ملابسه التي لا يحتاجها، لتوزيعها على الفقراء والمحتاجين، أو إرسالها لإحدى الجمعيات الخيرية التي تعمل في هذا المجال.
- صدقة الجسد: علم طفلك يبتسم بنية الصدقة أو يزيل الأذى من الطريق أو ينظف فناء البيت أو الطريق أو يحمل غصن شجرة من الشارع أو كيسا مرميًّا يُؤذي المشاة فيبذل جهدا بجسده تطوعا لله.
- اجعل طفلك وهو يسير معك هو مَن يُعطي المال للفقير، وقدّم له تعزيزًا إيجابيًا حول ما فعله من تصدق على الفقراء، وعرفه أنه فعل شيئا يحبه الله ورسوله، ولا مانع من أن تكرمه على ما فعله أمام جميع أفراد الأسرة.
- صدقة الشبكات الاجتماعية: أضف أحد حسابات وسائل التواصل الاجتماعي المتعلقة بالتطوع والعمل الخيري إلى لحسابك، لينتبه له الآخرون ويستفيدوا من المشاركة أو تفتيح أذهانهم على طريقة التفكير في العمل الخيري.
- صدقة الذكر: بأن تشجع ابنك على التسبيح والذكر وتعريفه مدى فضلها وعظيم ثوابها، وأنها صدقة على نفسه.
- صدقة الخبرة والعلم: لو كنت طبيبا أو مهندسا أو مدرسا أو طباخا فقم بتقديم خدماتك لبعض المحتاجين بلا أجر وأخبر ابنك بأن هذه صدقة العلم والخبرة فيتعلم أنه ليس كل عطاء مقابل المال فقط.
- استغلال كل موقف مع الأبناء لشكر الله على ما فضلهم به على غيرهم، وأهمية أداء شكر النعم بالتصدق على المحتاجين والفقراء(5).
- والاستفادة من فرصة شهر رمضان، فهو من المدارس التنافسية الفريدة التي يتربى فيها الإنسان إذا أحسن صناعة التنافس المحمود فيها، لما جمع بين أروقته العديد من مشارب التنافس العلمي والخيري والتعبدي، وهو ما يميزه عن غيره من المدارس في الشهور الأخرى، لذا كان النداء الرباني: {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ} (المطففين:26).
إن الله- تبارك وتعالى- لم يأمر الكبار فقط بالصدقة، فقد جعلها سبحانه فضيلة في الأمة كلها، لذا لا بُد من تدريب الأطفال على الصدقة والعطف على الفقراء، لأنّ ذلك بابٌ من الأبواب التي تُزيل الفوارق وتُشيع المحبة بين الناس.
والصدقة من أسباب انشراح الصّدر وسعة البال وتحصيل السّعادة؛ والتحرر من عبودية المال وتقديسه، والقيام بمساعدة الآخرين، وإدخال السرور عليهم وجه من وجوه التضامن بين الفقراء والأغنياء، ومظهر من مظاهر العيش الكريم لكل أفراد المجتمع، لأنّ الفقير لا يشعر بالفقر وهناك مَن يمدّ له يد العون.
المصادر والمراجع:
- أهمية الصدقة في الإسلام والسنة النبوية وأنواعها: 31 مارس 2020
- حميد بن خيبش: نماذج من تاريخ المسلمين في فن الصدقة
- الصدقة والشفاء من الأمراض: 29 أبريل 2020
- محمود أبوزيد الصوصو: أهمية الزكاة وآثارها الاقتصادية، 31 أغسطس 2018
- جاسم المطوع: 10 أفكار تحبب طفلك في الصدقة، 13 يوليو 2015، : وانظر أيضا: كيفية تعليم الطفل على إعطاء الصدقة