أنا زوجة عاملة أشارك زوجي مطالب الحياة منذ سنوات، وبحمد الله عندنا أولاد ومسكن فسيح وأوضاعنا المادية مُستقرة بفضل الله.
وقد لاحظت مؤخرًا أنّ زوجي بدأ يتأفف من عملي الذي قد يضطرني أحيانًا لأن أعود إلى البيت معه أو بعده، مع ما يقوله لي دائمًا عن شعوره بأنّ أولادنا مهملين ومحرومين من والديهم اللذين يغيبان عنهم معظم اليوم، ناهيك عن حديثه الدائم لي أنه يفتقدني كزوجة يأوي إليها وهي تنتظره بكامل أحاسيسها ومشاعرها وعقلها بدلًا من حالة الإرهاق الدائم والعمل الذي استكمله في البيت، وكأنّ ساعات النهار الطويلة لا تكفيني كما يزعم زوجي.
وقد ظننت الأمر في بدايته إحساسًا بالضيق لموقف ما حدث معه في عمله أو لتقصير منّي في أمر البيت بنى عليه هذا الموقف، لكنه الآن يتحدث عن الموضوع بما يؤكد عزمه الحقيقي على تنفيذ ما يريد. أنا الآن أشعر بالخوف من وصول الموضوع للحظة الفصل فيه والإقدام عليه، وبخاصة أنني أحب زوجي وأحترمه، لكنني حريصة كذلك على عملي الذي وصلت فيه لمكانة وظيفية ممتازة ودخلنا المادي منه كبير والحمد لله.
وأنا – أيضا- لا أريد لسفينة حياتي أن تغرق أو أن أتدخّل في دوامة العناد والشجار، وأنا التي أحاول جاهدة ألا أدخل بها إلى هذا الوضع أبدًا، وحرصت طوال السنين الماضية على أن يكون بيتي وزوجي نموذجًا يحتذى به في الودّ والاستقرار. فبماذا تشير عليّ، هل أترك العمل طاعة لزوجي أم أحافظ على وظيفتي ومكانتي ومستقبلي وأخالف زوجي وأعرّض بيتي للمشكلات والعواصف التي لا تنتهي؟!
الإجابة:
بداية يجب تقدير مشاعر الزوج وما يمر به الآن وعدم إنكارها عليه، فإن كان يرغب في أن تفرغا وقتًا أكثر للأبناء وأن يهتم بعلاقته بك أكثر فهذا يجب أن يُقدر ولا يحدث حوله جدال، فإن قال إنه يفتقدك كزوجة ويحب أن يجدك في انتظاره بلا إرهاق أخبريه أنّ هذا ما تتمنينه أنت أيضًا، أشعريه أن احتياجه هو احتياجك، لا تُفكري في الأمر وكأن إقرارك باحتياجاته هو إقرار منك بضرورة ترك عملك. لأن الإقرار بالمشاعر والاحتياجات والحقوق كفيل في حدّ ذاته بتهدئة النفوس والطمأنة حتى لو لم تتركي عملك لأنه سيشعره أنكما في صف واحد.
وما دمت تتحدثين أنّ زوجك يُريد منك ترك عملك بعدما استمر الوضع هكذا لسنوات فحتمًا هناك تغيير حدث يجب أن تأخذيه في الاعتبار، قد يكون مثلًا وصول الزوج لمرحلة عمرية معينة يصير احتياجه لزوجته وتواجدها فيها أكبر، خصوصًا بعد استقرار أحواله الوظيفية ومرور فترة الانهماك الشديد في العمل، وقد يكون غير راضٍ من البداية وقد تحمل الوضع لدرجة لا يستطيع أن يتحمل معها المزيد، وقد يكون مقتنعًا بعملك في مرحلة ولم يعد مقتنعًا الآن بسبب تغير ظروفكما المعيشية.
معلوم أنّ هذا ليس بقرارٍ هيّن عليك بعدما صار العمل جزءًا أصيل من حياتك، وأنتِ تشعرين أنّكِ ساهمت في بناء البيت واستقراره وربما تفكرين أنه ليس من العدل أن تتخلي عن عملك بعد استقرار أوضاعكم، لذا يمكنك أن تُحاولي مع زوجك للوصول إلى حلول وسط، لا التخلي ولا إبقاء الوضع كما هو عليه، فإذا كنتما تقفان على طرفي نقيض فلا بُد من أن يمشي كل منكما تجاه الآخر قليلًا ولا يتشبث كل بمكانه. ثم يمكنك توضيح ما يمثله لك العمل في جلسة هادئة مع زوجك، كما يمكنكما أن تناقشا أسباب ضيق زوجك من خروجك للعمل بشيء من التفصيل لعله يمكنك معالجتها دون الاضطرار لترك العمل.
وإذا ارتأيتما أنّ الحل يكمن في إيجاد حلول وسط فيمكنك أن تحاولي العمل بنصف دوام وليس بدوام كامل، أو أن تخبري زوجك أنك ستطلبين يومًا إضافيًّا في الأسبوع إجازة، أو أن تحاولي العمل من خلال المنزل إن كان طبيعة عملك تسمح بذلك، حاولي تخصيص أوقات لزوجك ولأولادك كل على حدة، فليست كل احتياجات الحياة مادية، نعم سيقدر أبناؤكما توفير معيشة جيدة لهم لكن ما سيحفر في ذاكرتهم هو تلك الأوقات التي قضيتموها معًا، الاستيعاب والنصح والمشاركة، وهي كلها أمور بالتأكيد يؤثر على أدائك فيها عملك وشعورك الدائم بالإرهاق. وربما قد تندمين يومًا ما على قلة الوقت الذي قضيتِه مع زوجك وأبنائك.
بشكل عام فالتخفيف من العمل مع تقدم السن هو مطلب طبيعي يحدث مع الكثيرين دون أي ضغط من الزوج، يميل الإنسان للراحة بعد طول عناء، وبخاصة إن كانت امرأة حيث تميل بطبعها إلى الراحة وأن تكون في كنف رجل يتولى مسؤوليتها، وهو مطلب طبيعي إذ مع الوقت يشعر المرء أنّ عليه أن يستمتع بالأمور التي حرمه انهماكه في العمل من الاستمتاع بها، كما أن قدراته على متابعة العمل وضغوطه وإحداث التوازن مع باقي مناحي الحياة يصبح أصعب مع تقدم العمر.
لذلك عليك أن تعلمي أنّ هناك اختيارًا يجب أن يتم، ما دمت لمستِ جدية لدى زوجك وما دام قد يصل الأمر للتأثير على علاقتك به أو إغراق السفينة كما تقولين – لا قدر الله-، وسيساعدك على هذا الاختيار جلسة مصارحة مع نفسك تحددين فيها أولوية القيم والأهداف لديك، وأي نوع من الخسائر قد تقبلين به، وأي المكاسب تودّين الحصول عليها، وما الذي يمثله العمل بالنسبة لك، وقد يساعدك على الاختيار – أيضًا- فهمك وتقبلك أن مباركة الزوج وطاعته من الأمور الأساسية للبركة والتوفيق من الله.
ومن المهم أن تعرفي – أيضًا- أنّ بذل التضحيات يجب أن يكون دائمًا في محله، فلا يعقل أن يضحي الإنسان ويبذل فيما لا يستشعر فيه الآخرون البذل، ثم ينزعج لقلة تقديرهم وعدم إحساسهم، لذا من المهم للغاية أن نفهم طبيعة احتياج من حولنا، كيف نقدم ما يحتاجونه لا ما نحتاجه نحن. لذلك تحدثي مع أبنائك أيضًا عن رغبة أبيهم في تركك للعمل وانتبهي لرد فعلهم حتى تفهمي جيدًا طبيعة احتياجات عائلتك فتلبيها بشكل صحيح.