كيف تحمي نفسك وأهل بيتك من خطر الإلحاد؟!
نَاجَى رسولُ اللهِ ربَّه بدعاءٍ قَلَّمَا تَرَكَهُ في نهايةِ مَجَالَسِه
فقالَ مما قالَ فيه: (اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنَا فِي دِينِنَا)
إذْ أنَّ كلَّ بلاءٍ دونَ الدينِ هيِّنٌ
وَمُصيبَةُ الدّينِ هِيَ شَرُّ مَا يُسْتَعَاذُ مِنْهُ
خاصَّةً فِي زَمانٍ كَزَمانِنا
تَتَوَالَى فِيه الفِتَنُ كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ
وَلِأَنَّكَ فِي ذَاتِ السَّفينَةِ رَاكِبٌ
فَلَا فَوَاتَ دُونَ أَنْ يُصيبَكَ أَوْ يُصيبَ أَبْناءَكَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا الطّوفانِ
وعَلَى قَدْرِ وَعيك بِقُدومِهِ وَاسْتِعْدادِكَ لِمواجَهَتِهِ؛ يُمْكِنُكَ النَّجاةُ
وَمَا النَّجاةُ إِلَّا بِالوِقايَةِ وَالاِتِّقاءِ
أَبْنَاؤُنَا و فِتْنَةُ الدّينِ
إِنْ كَانَ يُؤْذِيكَ مَا يُؤْذِي وَلَدَكَ
تَحْمِلُ هَمَّهُ وَتُلَبّي طَلَبَهُ
وَإِنْ كُنْتَ تَفَدِيه وَلَوْ بِروحِكَ
فَالسُّؤَالُ الآنَ ؟
هَلْ تَتَعَهَّدُ دينُهُ كَمَا تَتَعَهَّدُ مُدَّخَراتِكَ وَرَصيدَ أَمْوالِكَ ؟
هَلْ يَشْغَلُكَ مَصيرُهُ فِي الآخِرَةِ كَمَا يَشْغَلُكَ التَّدْبيرُ لِمُسْتَقْبَلِهِ ؟
هَلْ تَحْرِصُ عَلَى الدّينِ كَمَا تَحْرِصُ عَلَى الدُّنْيَا ؟
كَيْفَ تَتَخَيَّلُ هَذَا المَشْهَدَ المُخيفَ غَدًا يَوْمَ الحِسابِ ؟
وَأَنْتَ تَفِرٌ مِنْ زَوْجِكِ وَأَوْلادِكَ وَكُلِّ الأَقْرَبِينَ !
أَلَا يُؤْلِمُكَ أَنَّكَ تَجْهَلُ مَا هوَ فاعِلٌ حِينَهَا ؟ !
لِمَ لَا تَسْتَثْمِرْ يَوْمًا أَنْتَ وَاعٍ لَهُ، ليَوْمٍ تُذْهَلُ فِيه عَنْهُ؟ !
إِنَّ كُلَّ حُبٍّ لِأَبْنَائِنَا فِي الدُّنْيَا لَا مَقْبولٌ وَلَا مَعْسولٌ
إِنْ لَمْ يَكُنْ يَسْعَى لِنَجاتِهِمْ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ يَوْمَ الحِسابِ
رَاعِ اللَّهَ فِيهم، أَطْعِمْهُمْ، واكْفُلْهُمْ
لَكِنْ ضَعْ عَيْنَيكَ عَلَى تِلْكَ المُضْغَةِ فِي أَجْسادِهِمْ
اُنْظُرْ إِلَى قُلوبِهِمْ، مَحَلِّ الإِيمَانِ وَمَنْبَعِهِ
وَاعْمَلْ عَلَى إِصْلاحِها
احْرِصْ عَلَى بِناءِ حُصونٍ حَوْلَها تَقِيهم نَوائِبُ الدَّهْرِ وَغَزَواتِهِ
فَلَا يَعْصِفُ بِإِيمَانِهِمْ اِبْتِلاءٌ
أَوْ شُعورٌ بِالْقَهْرِ والْخِذْلانِ
أَوْ كَثْرَةُ شَهَواتٍ وحَيْرَةُ شُبُهاتٍ
أَوْ جَهْلٌ بِطَريقٍ دَخْلُوهُ مُجَرَّدَ حَذْوٍ لِخُطَى الآبَاءِ
ثم يَهْجُرُهُ وَلَدُكَ يَوْمًا سالِكًا طُرُقًا مُظْلِمَةً كَطَرِيقِ الإِلْحَادِ!
يَا وَلَدي:
لَا تَفْعَلْ كَإِبْليسَ
حَصِّنْ قَلْبَ ابْنِكَ فَعِلِّمْهُ مُنْذُ الصِّغَرِ أَلّا خَيْرَ مَعَ الكِبْرِ
وَأَنَّ أَوَّلَ خَطيئَةٍ ارْتُكِبَتْ مِنْ الخَلْقِ كَانَتْ كِبْرَ الشَّيْطانِ
لَمَّا اسْتَنْكَفَ أَنْ يَسْجُدَ لِآدَمَ قَائِلًا: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ}
فَالْكِبْرُ يُؤَدّي بِصَاحِبِهِ إِلَى بَطْرِ الحَقِّ وَغَمْطِ النّاسِ- أَيْ: احْتِقَارِهِمْ
اِعْرَفْ لِلنَّاسِ قَدْرَهُمْ
ونَشِّئْهُ عَلَى حَديثِ رَسولِ اللَّهِ- صلى الله عليه وسلم:
(أَنْزِلوا النّاسَ مَنازِلَهُمْ)
حَتَّى إِذَا شَبَّ عَرَفَ لِأَهْلِ العِلْمِ قَدْرَهُمْ وَمَا تَنازَلَ يَوْمًا عَنْ عِلْمِهِمْ
أَحْسِنْ الِاخْتيارَ
ثُمَّ عَلَّمَهُ قَبْلَ أَنْ يُنْزِلَ النّاسَ مَنازِلَهُمْ
كَيْفَ يُحْسِنُ المُفاضَلَةَ بَيْنَهُمْ
فَلَا يَتْرُكُ لِكُلِّ غَادٍ أَوْ رائِحٍ صَفْحَةَ عَقْلِهِ يُسَطِّرُ فِيهَا مَا شَاءَ
اِعْلَمْ شِيمَةَ ابنِ آدَمَ
ثم عرِّفْه أنَّ كلَّ ابنِ آدَمَ خطاءٌ
وألّا عصمةَ لأحدٍ من البشرِ إلا خيرُ الخلقِ محمدٌ
ومهما كانَ له من قدواتٍ
فعليه أن يعرفَ أنّ كلٌ يُؤخَذُ منه ويُرَدُّ
إلا مَنْ لا ينطقُ عن الهوى أحمدُ
حتى لا يُطيلَ بالبعضِ انبهارًا، ثم تهُزُّه زَلاتُهم وسَقَطَاتُهم
ولو كُنتَ وحدَك
ابحثْ له عن خيرِ محضنٍ ترتضيه، وخيرِ صحبةٍ تُؤوِيه
لكنَّ الأهمَّ أن يتعلمَ الثباتَ على الحقِّ ولو كانَ وحدَه
علِّمه قولَ اللهِ تعالى:
(وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ)
إذْ لم تكنْ أبدًا علامةُ الخيرِ اجتماعُ الناسِ عليه
بل جاءَ رجلٌ من أقصى المدينةِ يسعى ليُواجِهَ قومَه
وفتيةُ الكهفِ قِلَّةٌ رحلوا عن قومِهم فِرارًا بدينِهم
وهمْ مثالٌ يجبُ أن يُدرَّسَ لكلِّ ابنٍ غالٍ
استخدمْ عقلَك
علمْ ابنكَ كيف يفكرُ
كيفَ يميزُ بينَ الصوابِ والخطأِ، الحقِّ والباطلِ
حدِّثْه أنّ لكلِّ إنسانٍ مرجعٌ وهُوِيةٌ
حتى لو كانَ ذاك السائرُ خلفَ شهواتِه
فإنَّما يرجعُ لهواهُ
اِسأله: وأنتَ يا ولدِي إذا استشكلَ عليكَ أمرٌ أو تَلَبَّسَتْكَ حَيْرَةٌ
لِمَن وإلى ماذا ترجعُ؟
كحالِ يعقوبَ- عليهِ السلامُ- لما حضرَه الموتُ:
{إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِيْ} ؟
كان هذا سؤالٌ عن المرجعيةِ التي يرتضونَها
ويكملونَ الحياةَ من بعدِه بها
(قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)
أحسِنْ وِفادةَ البلاءِ
منذُ الصغرِ درِّبْ ابنَك كيفَ يتعاملُ مع المصيبةِ
فلا تجزعْ أمامَه وأنتَ تستقبلُ البلاءِ
كرِّر على مسامِعه أنَّ الدنيا دارُ اختبارٍ
وما ذُكِرَ للحياةِ علةٌ في خَلقِها إلا الابتلاءُ
(الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا)
درِّبْه على الاستسلامِ والصبرِ، والرضا واليقين
عرِّفْه على اللهِ قبلَ هذا وذاك
درِّبه كيفَ يكون صامدًا أمامَ المحنِ
كيفَ يفكرُ حينَها
لمن يسمعُ، ولمن يتحدثُ، وماذا يقولُ:
(الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
(ٱلَّذِينَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَٱخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَٰنًا وَقَالُواْ حَسْبُنَا ٱللَّهُ وَنِعْمَ ٱلْوَكِيلُ)
زِنِ الأمورَ بقدرِها
كُنْ أمامَه مِمَّن يَزِنُون الدنيا بقدرِها والآخرةَ بقدرِها
فلا تكنْ من الساعين لتحصيلِ الدنيا فقط
بل مِمَّن حالُهم يتمثلُ في قول الله تعالى:
(وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)
حَوِّلْ نَظَرَكَ
حَصِّنْ قلوبَ أبنائِك بتعليمِهم أنَّه كما أنَّ للدنيا أهدافٌ فإنَّ للدينِ غاياتٌ
وَرِضَا اللهِ والفوزُ بجناتِه هي خيرُ غايةٍ على هذا الطريقِ
مهما كانَ للطاعةِ من لَذِّةٍ وللخيرِ من منفعةٍ دنيويةٍ
فإن حَصَّلْتَ منفعةَ الطاعةِ فهو فضلٌ من اللهِ وتثبيتٌ
وَإِن لَّمْ تبلُغْها فهو اختبارٌ لكَ لا يدفعَنَّك للتفريطِ
لتظلَّ عيناكَ على المعبودِ لا على ثمرةِ العبادةِ
وتظلَّ على ثقةِ في موعودِ اللهِ:
مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)
اِكسِرِ الخَوْفَ
حين تُرَبِّي ابنًا يمكنُه أن يُعَبِّرَ عمَّا بداخِلِه دونَ خوفٍ
فأنتَ قد فتحتَ طريقًا لظهورِ ما يُخَالِجُ صدرَه من شبهاتٍ
فلا تَدَعْهَا تتراكمُ داخلَهُ آكلةً من رصيدِ الإيمانِ
عَوِّدْهُ على الحوارِ، وحَسِّنْ الإنصاتَ
وأَزِلْ بينَك وبينَه الخطوطَ الحمراءَ في النقاشاتِ
حَاذِرْ من الشِّدةِ
لم يترُكْ رسولُ اللهِ أثرًا من غِلظةٍ أو قسوةٍ لتمكينِ هذا الدينِ في القلوبِ
وقد بلغتْ دعوتُه مشارقَ الأرضِ ومغارِبَها
ليُعلِّمَنا أن هذا الدينَ متينٌ والإيغالُ فيه لا يكونُ إلا بالرفقِ
فـ:(إنَّ الرِّفْقَ لا يَكونُ في شيءٍ إلَّا زانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيءٍ إلَّا شانَهُ)
فلا تكنْ سببًا بغلظَتِك وشِدَّتِكَ في نفورِ أبنائِك سَعيًا لمخالفةِ طريقِك
بَلْ صاحِبْهم وتقرَّب إلى صُحبَتِهِمْ
تفقدْ قوةَ مناعَتِهم وسُهُولَةِ تَأَثُّرِهِم
تنبَّهْ لِفُروقِ شخصياتِهم وطبيعةِ اهتماماتِهم
كُنْ قريبًا منهم وَلَهُم
الدعاءَ الدعاءَ
وإنْ كان الرفقُ والوُدُّ سبيلًا للسدادِ
فهذا مما يَشمَلُه دعاءُ النبيِّ- صلى الله عليه وسلم-
اللهمَّ حبِّبْ إليهِمُ الإيمانَ وزيِّنْهُ في قلوبِهم
وكَرِّهْ إليهِمُ الكُفرَ والفسوقَ والعصيانَ
واجعلهُمْ من الراشدينَ
فاللهُ خيرٌ حافظًا وهو أرحمُ الراحمينَ