الوسيلة والأسلوب.. بينها عموم وخصوص؛ فالعموم بينهما أن كليهما يتوصل بهما إلى الغاية والهدف التربوي، وأن الوسائل أعم، فتدخل فيها الأساليب. والخصوصية أن الأساليب متعلقة بالمؤثرات المباشرة في المتربي، مثل: القصة، والترغيب والترهيب، والحوار والتأديب. وأما الوسائل فهي آلية حاملة للأساليب، مثل: الأسرة، والكتيبة، والدورة، والمؤتمر، وهكذا…
الفرق بين أساليب الدعوة ووسائلها
إن من أهم ما ينبغي على إلى الله أن يفرقوا بين وسائل الدعوة إلى الله وأساليب الدعوة إلى الله، وأن يفهموا معنى كل منهما، حتى يكونوا على قدر من الكفاءة والعلم لتبليغ دعوة الله تعالى.
المصطلح الأول: وسائل الدعوة
تعريفها لغة: هي ما يتقرَّب به إلى الغير، والجمع وَسيلٌ ووَسائِلُ، يقال: وَسَّلَ فلانٌ إلى ربّه وسِيلةً إِذا عَمِل عملاً تقرَّب به إِليه، كما قال تعالى: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ)) [ المائدة: 35].
قال الإمام ابن جرير الطبري ((“الوسيلة”: هي”الفعيلة” من قول القائل:”توسلت إلى فلان بكذا”، بمعنى: تقرَّبت إليه، ومنه قول عنترة: إنَّ الرِّجَالَ لَهُمْ إِلَيْكِ وَسِيلَةٌ … إِنْ يَأْخُذُوكِ، تكَحَّلِي وتَخَضَّبي)).
تعريفها اصطلاحًا: هي ما يستعمله الداعية من الوسائل الشرعية الحسية، أو المعنوية ينقل بها دعوته إلى المدعوين.
وينبغي للداعية معرفة الضوابط الشرعية للوسائل، ومراعاة أحوال من تستخدم معهم، حتى لا يقع في الخلل والاضطراب، فها هنا ضابطان لا بد من مراعاتهما، وهما:
أولا: الإذن.. بمعنى أن تكون مأذونا بها سواء إذن تنصيص أي جاءت منصوصا عليها أو بدخولها تحت قاعدة عامة كالمباح.
ثانيا: المصلحة.. ويشمل ذلك مناسبة المقام، واختيار الوسيلة ورجحان المصلحة على المفسدة.
- أمثلة على وسائل الدعوة إلى الله تعالى:
1) إرسال الرسل والدعاة.
2) تسلية المدعوين وتنشيطهم.
3) الجهاد في سبيل الله عز وجل.
4) الخطابة على المنبر أو مكان مرتفع.
5) الزيارة والعيادة.
6) الكتب والرسائل.
وهذه الأمثلة على سبيل المثال لا الحصر؛ فإن وسائل الدعوة إلى الله كثيرة جدا، فمتى كانت هذه الوسيلة مباحة شرعًا، لا محذور فيها، ولا مخالفة شرعية، فعلى الداعية استخدامها في تبليغ دعوة الله تعالى.
المصطلح الثاني: أساليب الدعوة
تعريفها لغة: الأسلوب هو: الطريق والفن، يقال: أخذ فلان في أساليب من القول.. أي: أفانين منه.
تعريفها اصطلاحًا: هي العلم الذي يتصل بكيفية مباشرة التبليغ، وإزالة العوائق عنه.
والمصادر الأساسية التي يستمد الداعية منها أساليب دعوته الحكيمة: كتاب اللّه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وسيرة السلف الصالح.
- أمثلة على أساليب الدعوة إلى الله تعالى:
تقوم جميع أساليب الدعوة إلى الله على أسلوب الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، كما قال تعالى: ((ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)) [النحل: 125]. وأساليب الدعوة لها مكانة بالغة الأهمية في الدعوة إلى الله عز وجل، ومن هذه الأساليب:
1) التدرج في الدعوة.
2) السؤال والجواب.
3) الاستفهام الاستنكاري.
4) التشبيه وضرب الأمثال.
5) الترغيب.
6) الترهيب.
ولعل هذه من أهم الأساليب التي استخدمها النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته، وهي على سبيل المثال لا الحصر.
ومما سبق يتبين لنا أن الوسائل تختلف عن الأساليب بأمور، منها:
1) غالبا الوسائل تكون حسية والأساليب معنوية.
2) الوسائل تنقل الأساليب.
أهمية معرفة الداعية لأساليب الدعوة وكيفية تطبيقه لها
عندما بعث الرسول صلى الله على وسلم معاذا – رضي الله عنه- إلى اليمن أخبره عن حال المدعوين الذين سيوجه لهم الدعوة، وأنهم أهل كتاب.. فيقول الحافظ ابن حجر رحمه الله مبيناً حكمة ذلك: (هي كالتوطئة للوصية لتستجمع همته عليها لكون أهل الكتاب أهل علم في الجملة، فلا تكون العناية في مخاطبتهم كمخاطبة الجهال من عبدة الأوثان).
وأمره أن يعرض الدعوة عليهم بالتدرج؛ لأنه لو طالبهم بالجميع في أول مرة لم يأمن النفرة ، ولما لهم من مكانة بين سائر المدعوين فقد أمر الله بدعوتهم بالرفق واللين والمجادلة بالتي هي أحسن كما قال تعالى: {وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [سورة النحل: 125].
فالداعي قبل أن يبدأ بدعوته عليه أن يسأل عن حال المدعو: هل هو من الحيارى الذين يحترمون الدين ويقدسون الرب، ولكن لا تزال لديهم شبهات وشهوات؟ أو هل هذا المدعو قسيس يتطلب له طالب علم له دراية بالكتاب والسنة وبدين النصارى وجوانب الانحراف والاختلاف والاتفاق وكيف يناقش هذا المدعو ويقيم عليه الحجة؟ وإن معرفة الداعي بأحوال المدعوين يقتضي منه أن ينزلهم منازلهم، فإن ذلك من الأمور الهامة التي يجب على الداعي أن يراعيها ويتنبه إليها ويحرص على تطبيقها وتنفيذها مع المدعوين، ويعاملهم بناء على أقدارهم ويخاطبهم على قدر عقولهم وأفهامهم؛ لتأليف قلوبهم وجذب نفوسهم إلى الإسلام.
وقد كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يراعي أحوال المدعوين وينزلهم منازلهم ويتمثل ذلك في إرساله الرسل والكتب إلى كسرى وقيصر والنجاشي يدعوهم إلى الإسلام.. كما ذكر البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه إلى قيصر: (من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم)، كذلك جاء في كتابه – صلى الله عليه وسلم – إلى المقوقس: (من محمد بن عبد الله ورسوله إلى المقوقس عظيم القبط). فهذا مما يدل على حرص النبي – صلى الله عليه وسلم – على إنزال الناس منازلهم مراعاة لأقدارهم لتأليفهم إلى الدين الإسلامي.
فهذه من أساليب الحكمة في الدعوة التي ينبغي للداعي أن يراعيها.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.