أنا في خلاف مع زوجي ومفترقان منذ شهر، أنا في منزل أمي وهو في منزل والده، الموضوع أمرٌ من أمور الدنيا سوء تصرف مني وسوء تصرف منه، لكنه أقحم عائلته في الموضوع و يحكي لأمه كل شيء، مما يزيد الأمور تعقيدًا.
اليوم حاولت بكل الطرق أن ترجع المياه إلى مجاريها وقلت إنه لا يجوز الهجر لأكثر من 3 أيام، خاصة وأن الأمر الأصلي لا يستحق هذا الهجران، لكن دون جدوى!
أردت البقاء في منزلي وقلت له ابق أينما تريد لكن أنا لا أخرج من منزلي؛ رفض وقال إنه لا يريدني أن أبقى بمفردي في البيت، واليوم ذهبت إلى منزلي لأتحدث معه منعوني من منزلي وأثاثي موجود فيه ولم أستطع الدخول، قال إن أمه أقفلت أبواب الغرف بالمفاتيح وخبأتها!
اتصلت بها كثيرًا لكنها لا تجيب، كما أنها قالت لي “أنتِ زوجة فاشلة؛ لأنك لم تستطيعين إبعاد ابني عني، فكلنا كزوجات أخذنا رجالنا من أمهاتهم إلا أنتِ”، وهذا حز في نفسي كثيرًا فأنا لم أشأ أبدًا إبعاده عن أمه.
أريد أن أعرف ما حكم الهجر أكثر من ثلاث لأسباب تافهة؟
ما حكم بقائي خارج منزلي دون إرادتي ومنعي من الدخول إلى منزلي؟
ما حكم أن يُقحم الرجل أمه في كل شيء و يروي لها كل الخلافات وكأن منزلي من زجاج؟!
ما حكم تدخل والدته بهذه الطريقة وإغلاق الغرف؟
ماحكم الرجل الذي لا يدافع عن زوجته ويسمع كلام والديه حتى وإن كان فيه ضرر لزوجته؟ ولا يناقشهم أبدًا؟
متشبث ببر الوالدين ومتملص كل التملص من واجباته الزوجية تجاهي!
نرى أمامنا زوجة لبقة، فاهمة لأمر دينها، تضع الأمور في نصابها، ولكن هي الدنيا لا تكتمل لأحد، ولا تخلو من منغصات، فلا ننسَ أننا في دار اختبار.
يُعرف المسلم بحقٍّ وقتَ الخلاف، ونراكِ قد تحليتِ بأخلاق الإسلام بإرادتكِ عدم الهجر فوق ثلاث كما جاء في الحديث، عن أبي أيوب رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال:”لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ليال، يلتقيان، فيُعرض هذا، ويعرض هذا، وخيرهما الذي يبدأ بالسلام” (متفق عليه).
كما أنك يبدو وقد راجعت أمر تركك للمنزل ووجدتي أنه ليس بالحل الأمثل، وهو بالفعل كذلك، خصوصًا وأنك تقولين أن الأمر بدايته بسيطة، يقول المولى عزوجل: {لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ” (الطلاق: 1).
فالمعتدة التي وقع عليها يمين طلاق لا تَخرج ولا تُخرَج من بيتها إلا أن تكون قد أتت بفاحشة مبينة، فما بالك وقد خرجت بسبب مشكلة بسيطة!
يقول الله تعالى استكمالا للآية السابقة: {وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ ۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا}، فرجوعنا امتثالًا للمنهج والشرع أمر محمود، لا يصح مقابلته أبدًا برفض أو عنف من الزوج وأمه.
فقد أراد المشرع تواجدَ الزوجين معًا حصولًا للمودة والتراحم، وإزالةً لأسباب الخلاف شيئًا فشيئًا، فلا يصح المنع من الزوج ولا من والدته، هداهم الله لشرعه، ورزقنا وإياهم الحكمة، فليعظ الزوجَ أحدُ العارفين بكلام الله حتى يرجع ويحكّم شرع الله، وحتى حدوث ذلك، علينا أن نسأل لماذا يستحل بعض الأهل التدخل بهذا الشكل غير المناسب في حياة أبنائهم؟!
- قد تكون شخصية الزوج ضعيفة فلا يضع حدودًا في العلاقات فيسمح أن يدلو كل طرف بدلوه فيما يخصكم.
- قد يكون الأهل خائفين من عدم قدرة أبنائهم على إدارة حياتهم بشكل جيد لأنهم يرون أبناءهم ليسوا على الجاهزية التامة فيديرونها بديلا عنهم.
- قد يكون تدخل الأهل من باب خبرات سابقة تعرضوا لها ويرون أن الحل في التدخل للحد من تدهور الوضع بشكل أسوأ.
- قد لا يكون الأهل مطمئنين إلى حسن العلاقة بينكم كزوجين فيترجمون أي خلاف على أن العلاقة وصلت للهاوية، فيتدخلون حتى لا تنهار العلاقة أكثر.
- للأسف يساعد كثير من الأهل أبناءهم ماديًا بعد زواجهم، فتكون هذه المساعدة ذريعة للتدخل.
فكما تقدم وبينّا بعض الأسباب التي قد تكون وراء تدخل الأهل، يكون الحل بفعل خلاف مسببات التدخل كحلول على المدى الطويل، أما معالجة الموقف الذي نحن بصدده، فيكون من خلال:
- الروية.
- وتذكر الأدب في الخلاف.
- وتقديم الكبار والحكماء.
فبالرغم من أنه تم استخدام مفاتيح البيت بشكل فيه تعد صريح، لا نملك في لحظة تصعيد الخلاف إلا التحدث في الأمور الأكثر أهمية، كرجوعك لبيتك، ونرجئ الحديث عن هذا التدخل غير المقبول حتى تهدأ الأمور، حتى لا يتولد عن المشاكلة الكلامية مزيدٌ من العناد؛ فلتهدأ الأمور أولا، وذلك بفصل الأطراف المتنازعين عن بعضهم البعض، وليتدخل الأهل ومن ترضونه حكما من أهل الزوج لوضع حدود للعلاقة.
ويأتي تدخل الأهل إذا فشلت كل المحاولات في الحديث مع الزوج وفهم أسباب تطور الأمور لدى أهله، حتى تتدخل الأم بهذا الشكل المرفوض.
يلخص خبراء العلاقات طرق حل المشكلات في أربع نقاط:
أولًا: الاستماع:
- فيستمع الوسيط للزوج ولأهله، كما يجب عليه أن يستمع إليك، يتحدث كل واحد في نقاط محددة عما وصله من ضيق وتسبب في كبر حجم المشكلة.
- ويجب أن يتميز الوسيط بالحكمة والمرونة والحسم حتى لا تطول الجلسة وينهك الجميع، كما يجوز له الكذب في حدود الصلح بين المتخاصمين، فيعرف كيف ومتى يستخدم تلك الأداة الشرعية،
- كما نقدم نية الإصلاح، يقول المولى عز وجل: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنفُسُ الشُّحَّ} (النساء: من الآية 128)، أي أن الصلح عند المشاحة خير من الفراق.
ثانيًا: التعاطف:
- وفيه نتحدث عن المشاعر بدلا من التحدث في موضوع الخلاف، فمثلا تقولين: شعرت بتهديد استقرار حياتي الزوجية حينما مُنعت من دخول منزلي، وتقول الحماة: شعرت بأن ابني تعيس حينما سمعت باحتدام الخلاف بينكم، ويقول الزوج: أنا محتار بين إرضاء أمي وزوجتي. فأيا ما كان سيقال من كل طرف، فعلينا الاستماع إليه، والتعاطف معه كما نتعاطف مع أنفسنا.
ثالثًا: إقرار واعتذار:
- فيقر كل طرف بأحقية الطرف الآخر فيما شعر به، ويعتذر كل شخص عما تسبب فيه وقت النزاع.
- فتعتذرين مثلًا عن أنك تحدثت بصوت عال ولم تراعِ عدم جاهزية الزوج لموضوع الحوار.
- الاعتذار في هذه المرحلة يكون عن أخطاء سلوكية وقعت بالفعل، وليس عما سببه بعضكم لبعض من مشاعر حزن وأسى.
- كذلك يعتذر الزوج عما بدر منه، ويعتذر الأهل بالطريقة التي تحفظ لهم ماء وجههم.
- ولن تدار جلسة فيها إقرار واعتذار إلا بتدخل حكيم يهيئ جميع الأطراف لاستقبال حديث الآخرين وتقبله.
رابعًا: التوصل إلى حل:
- قد يطرح الوسيط حلولًا من تلقاء نفسه، وقد تتفقون قبل إدارة الجلسة على شكل الحلول المناسبة لإدارة ذلك الخلاف.
- قد تحتاج أم الزوج لسماع كلمات طيبة برغم ما فعلت حتى إذا عادت المياه إلى مجاريها حفظت لك عقلانيتك وأدبك؛ كلمات مثل (أنتم الخير والبركة / لا نستغنى عن وجودكم في حياتنا / أنا وزوجي بخير ويحب بعضنا البعض / والحياة لا تخلو من كدر) وغيرها من الكلمات الطيبة، فلن يقابل الإحسان إلا بإحسان بإذن الله.
المهم في حل النزاعات:
- أن نتأكد أننا أمسكنا بجذور المشكلة ووقفنا على أسبابها بحق، حتى لا نقع أسرى تكرار مآسينا من غير أن نتعلم.
- كما علينا أن نقبل أحيانًا بأنصاف الحلول- كخطوة أولى- حتى إذا ما تمكنا وعادت الحياة لمجاريها وسمحت الظروف بحوار أفضل بينّا ووضحنا ما يغضبنا من حرص الزوج على إرضاء الأهل والتغاضي أحيانًا عن حقوقك كزوجة.
- فحينما تهدأ العاصفة لا يعود المكان في التو واللحظة كما كان قبلها؛ فبعض الركام يُزال في الحال، والبعض يأخذ أيامًا وليالٍ لتجاوزه؛ فلا نستعجل الحل ولا نفرح بطيِّ الصفحات سريعًا من الظاهر، والبواطن فيها ما فيها.
السائلة الكريمة:
سبق وقد تحدثنا عن لباقتك وحسن فهمك لأمور دينك، وهو ما نرجوه من كل زوجة صالحة، تعرف كيف تحفظ بيتها، وتلملم جراحها، وتوضح للآخرين ما يسرها وما يغضبها بحكمة وحنكة، نراك أهلًا للحصول على مرادك بالاستعانة بالله.
ففهم ما يجب وما لا يجب في العلاقات هو مربط الفرس الذي هو معول الحلول الرشيدة، والصبر على هنات الآخرين، ورؤية حسناتهم جنبًا إلى جنب مع سيئاتهم يهون الأمور، الكل يعلم حقه في الغضب هذا أمر مؤكد، بينما قد ننكر على الآخرين نفس الحق، فنحتاج تبديل المواقع أحيانًا حتى نرى كيف يرى الآخرون من مواقعهم؛ فنقدر غضبهم ونعذرهم أحيانًا.
وبعد زوال الغمة بإذن الله، من المهم أن نُطمئن الأهل بشكل عملي عن حسن إدارة شأنكم الداخلي وعن حسن العلاقة بينك وبين زوجك، فإذا طابت نفس الأم وهدأت لحسن تدبيركم للأمور ستتراجع للوراء كثيرًا وتترك لكم المجال.
هدى الله لك زوجك ورزقه الفهم الصحيح بحيث لا يطغى بره لأمه على حقوقك كزوجة، فبعض الرجال يخلطون بين الأمور عن جهالة ونقص علم، لذا حرصنا على الرجوع إلى من نحسبهم يخشون الله في قول الحق ولا يخافون لومة لائم هو أمر واجب لإزالة أي لبس في المفاهيم.
أصلح الله لك بيتك وأقر عينك بزوجك وصرف عنكم ما يفسد الود بينكم: { رَبَّـنَا هَبْ لَنَا مِنْ اَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ اَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّق۪ينَ اِمَاماً} (الفرقان: 74).