تُؤثر التربية بشكلٍ كبيرٍ في بناء شخصية الأطفال وقدرتهم على التعامل مع الأمور الحياتية من خلال الصفات الفطرية والمكتسبة التي ينبغي عليهم التحلي بها في سلوكهم وتواصلهم مع الآخرين.
وقد تُصيب النرجسية بعض أبنائنا، وهي انحرافٌ عن الفطرة السّليمة التي اعتنى بها الشرع الحنيف، وقد عمل على تخليص كل مسلم من هذه الآفة؛ لأنها تؤثر سلبيًّا على الأفراد والأُسر والمجتمعات، وإذا شاعت في مجتمع تفتت، وفقد تماسكه.
معنى النرجسية
النرجسية والأنانية والأثرة والاتّكالية والاعتماد على الغير وإزاحة النفس والصعود على أكتاف الآخرين، كلها معانٍ لمفهوم واحد ومرض قد يُصيب الإنسان سواء كان كبيرًا أو صغيرًا.
وتُعرف هذه الآفة بأنها حُبّ النَّفْسِ أو الأنانية أو العظمة المرضية، وتُعد اضطرابًا عقليًّا يُعزز شعور الشخص بأهميته الخاصة وحاجته إلى الإعجاب، وعدم التعاطف مع الآخرين.
والإنسان النرجسي يرى نفسه الأحسن والأفضل في كل شيء مهما كان، ويضع الآخرين في مكانة أقل منه (1).
ويُعرّفها آخرون بأنها: الإفراط في تقدير الذات والاهتمام الزائد بالمظاهر والتمييز الطبقي والتكبّر والتمجيد من نفسه ومميزاته.
وفي علم النفس (Narcissistic Personality Disorder) هي اضطراب في شخصية الفرد الذي يتصف بالأنانية والغرور والتعالي وحب النفس بصورة جنونية، يحاول الفرد خطف الأضواء والأهمية ممّن حوله، من أجل إشباع رغباته (2).
أسباب النرجسية عند الأبناء
رُبّما تُصيب النرجسية الأطفال في سنّ مبكرة، بسبب الوالدين والمحيطين، بالإضافة إلى العوامل البيئة والوراثية، وتوضح كوثر الفرح – إخصائية علم النفس الإكلينيكي والاجتماعي – أسباب ذلك في الآتي:
· تجاهل الآباء لأبنائهم وعدم العناية بهم ما يُؤدي إلى تسلّل مثل هذا الداء إلى عقولهم.
· الطفل المعتمد على الآخرين بحيث يسعى الوالدان لتوفير كل شيء له، بل والقيام بكل أعماله حتى مجرد تنظيم غرفته.
· الطفل المحروم الذي يتعرض إلى الانتقاد في كل تصرف يقوم به، مما يتملّكه الخوف من الإقدام على عمل شيء حتى لا يُنتقد، ويتولد لديه هاجس أنه لا يحتاج إلى أحد.
· الحماية المبالغ فيها التي تُشعر الطفل بأنه تحت المراقبة، وأنه لا شيء سيقع له لأنه مهم لدى والديه.
· الطفل المدلل، حيث يقع الآباء في خطأ أن طفلهم أفضل من غيره، وأن مواهبه أفضل من الآخرين، وأنه القادر على صنع المعجزات أمام عجز الآخرين.
· أمر وراثي عن طريق النرجسية في الآباء، فيمكن أن يتوارثها الأبناء من خلال تصرفات الوالدين وطرق تربيتهم المتأثرة بالسلوك النرجسي.
· المشكلات الأسرية التي تهمل الطفل ولا تتابع المستجدات التي تطرأ عليه والسلوكيّات التي يكتسبها (3).
أعراض النرجسية على الأبناء
يُسبب اضطراب الشخصية النرجسية مشكلات في الدائرة التي يعيش فيها، بل ربّما تتأثر الشخصية المصابة بهذه الآفة، ببعض الأمراض مثل: الضّيق والإحباط وعدم الرضا، وهي أمور قد يكون لها أثرها الصحي والنفسي على الأبناء.
وللنّرجسيّة بعض الأعراض التي تظهر على الشخص المصاب بها:
· الشعور بالعظمة وأهمية الذات وأنه أفضل من المحيطين به، بل يتخطى صفة الغرور، فيعتقد أنه الأفضل والمتميز.
· يتوقع الاعتراف بتفوقه دون تحقيق إنجازات تستحق ذلك وتنعشه عبارات الثناء والشكر الدائم والشعور بالثناء والامتنان له، حتى على أتفه الأمور، لإرضاء ذاته وغروره المتواصل.
· عدم قبول النقد، فهو الأفضل الذي لا يقبل النقد ممّن هم دونه في كل شيء كما يتصور.
· يستغل الآخرين دون أن يشعر بأي خجل وكأنها أمور واجبة عليهم من أجل تفوقه وتميزه، ومع ذلك ربما يُقلل من جهدهم، كما يشعر بأنه لا قيمة لهم بدونه.
· احتكار الحديث لظنه أنه حكيم في كلماته العليم بأحوال الآخرين.
· التصرف بأسلوب متعجرف أو متغطرس، ومن ثمّ يبدو عليه الغرور، والتبجح والتفاخر.
· يظن أنه لا بُد من أن يكون له الدرجات العليا في المناصب والقيادة (4).
تأثير النرجسية على الأبناء
النرجسية من الآفات الخطيرة التي تُصيب الأولاد في سن مبكرة (خاصة سن المراهقة)، ويكون لها أثر خطير على شخصية الأبناء نفسيًّ أو جسديًّا، ومن هذه الآثار:
· اضطراب العلاقات بين الطفل النّرجسي وأسرته وغيره من أقرانه.
· ضعف التركيز الدراسي والانصراف إلى ما يُعزز غروره أمام أقرانه من الأولاد والبنات.
· الانهزامية النفسية والعزلة والاكتئاب والقلق الذي يُصيب الطفل النّرجسي لعدم تأقلمه مع الآخرين أو تَقَبُّل الآخرين له.
· الوهن البدني وكثرة الاضطرابات وعدم الاهتمام بالصحة للمحافظة على صورته وشكله أمام الآخرين.
· دافع للهروب من المشكلات والواقع بتعاطي السجائر والمخدرات وغيرها من الممنوعات.
· قد تجعله يلجأ إلى التخلص من حياته أو الانتحار لإصابته بالاكتئاب واستْعلائه على طلب الحل والمساعدة من الآخرين (5).
وطبقًا لبعض الدراسات التي أُجريت حول معنى هذه الآفة في علم النفس بجامعة كاليفورنيا الأمريكية، أشارت إلى أن الأشخاص النّرجسيون هم أكثر تهورًا في اتخاذ القرارات عن غيرهم، ويتّصفون بالعدوانية والعنف الذي قد يُؤدي بهم إلى ارتكاب الجرائم والتفكير بالانتحار أثناء شعورهم بالفشل أو عدم الاهتمام بهم (6).
كيف نفرق بين الطفل السوي والنرجسي؟
حاول النفسيون وضع علامات تُميز الشخص السوي عن الشخص النرجسي الذي قد لا يشعر بما أصابه، أو لا يشعر به الآخرون، ومن ثمّ يتأخر علاج النرجسية لديه وهو ما قد يؤدي إلى عواقب وخيمة، ومن هذه الفروقات:
الطفل السوي | الطفل النرجسي |
يسعى إلى جذب انتباه الآخرين، وحينما يحصل عليه يكون ممتنًا وشاكرًا لمن اهتم به. | يسعى إلى جذب انتباه الآخرين كحقٍّ من حقوقه، ولا يشكر أهله على لطفهم ومعاملتهم الجيدة. |
يتمنى أن يكون بطلًا وله دور فعّال، لكنه يعرف أنه ليس كذلك. | يؤمن أنه شخصٌ عظيمٌ وكل الآخرين أقل منه. |
احتياجاته واقعية ويمكن تلبيتها. | يتوقع أشياء مبالغ فيها وغير منطقيةٍ من الآخرين. |
عنده القدرة على تكوين صداقات ويحب عائلته. | لا يستطيع تكوين علاقاتٍ ناجحةٍ أو الحفاظ عليها (7). |
الحماية خير من العلاج
الطفل أو المراهق المصاب بمرض النرجسية يحتاج إلى مساعدة الوالدين، وبخاصة في تخطي هذه المرحلة، ومع الأخذ بخطوات العلاج لا بُد من الحماية والرقابة والتفاعل معه عن طريق:
- مراقبة تفاعلاته على وسائل التواصل الاجتماعي، وردوده على أقرانه وتصرفاته معهم فإذا لاحظنا وقاحة من المراهق يجب توجيهه بالحسنى وتوضيح الخطأ له.
- المراهق أو الطفل النّرجسي يشعر بأن مظهره كل شيء حتى ولو كان فقيرا، معتمدا على نظرية ومقولة [أنا لا أكذب ولكني أتجمل]، لذا يجب توضيح له أنّ الله جميل يُحب الجمال، لكن دون كِبر أو غُرور أو عُجب أو تطاول على الآخرين أو استعلاء.
- المراهق النّرجسي دائمًا ما يتحدث عن ذاته وقدراته، وإذا تبيّن للوالدين هذا الأمر ينصح البعض بتجاهله وعدم إعطائه اهتمام لما يقول حتى يشعر بعدم اهتمام الآخرين لما يقول فيحاول تغيير سلوكه في الحديث فقط عن نفسه، وربما البعض يفيده النصح والتوجيه (8).
طرق العلاج
يرى البعض أن العلاج الدوائي ليس ذو أهمية في مثل هذه الحالات، لكن لا بد من العلاج السلوكي والنفسي والتربوي، وهو ما حاولت ساجاري جونغالا (المتخصصة في علم النفس) أن توضحه لعلاج شخصية المراهق المصاب بآفة النرجسية عن طريق:
· العلاج السلوكي المعرفي، بالتعرف على أنماط التفكير والسلوك السلبي، والعمل على تغييره إلى أفكار إيجابية بنّاءة.
· العمل على تعديل سلوكه الحواري، بجعله يفهم أنه لا بُد من أن يستمع إلى الآخرين كما يسمعونه عندما يتحدث.
· عدم فقدان الأعصاب عند التعامل مع الشخص النّرجسي والتحلي بالصبر.
· تقديم الحب المتوازن وغير المشروط، بحيث لا يكون الحُبّ مكافأة على إنجاز قام به، مع عدم رفض حُبّه إذا أخطأ، فهناك عقاب لكن الحب موجود دائمًا.
· العلاج النفسي التحليلي، بتقديم الوالدين المشورة والنصح للشّخص النرجسي بأسلوب حسن.
· العمل على الحدّ من إحساسه بالأحقية، بحيث يفهم أن مثله مثل أي فرد في الأسرة، ولن يحظى بعناية خاصة.
· الإصغاء إلى الشخص النرجسي حتى نتعرف على ما يدور برأسه، ولكن يجب الحرص على عدم تركه يتمادى في الحديث.
· العلاج الأُسَري، بحيث يكون الوالد حازمًا مع النّرجسي دون عنف أو عصبية، مع متابعة الطفل أو المراهق عملية العلاج لتجنب أي مضاعفات في المستقبل (9).
المصادر
1. محمد زماري: ما معنى النرجسية، 28 نوفمبر 2018،
2. عبد الرقيم أحمد البحري: الشخصية النرجسية دراسة في ضوء التحليل النفسي، طـ1، دار المعارف، القاهرة، 1987م.
3. كوثر الفرح: في كيفية التعامل السويّ مع الشخصية النرجسية، طـ1، حقوق الطبع محفوظة (الأردن)، 2020، صـ9- 12.
4. اضطراب الشخصية النرجسية: https://mayocl.in/3ki2KIf
5. الدليل الكامل حول الشخصية النرجسية وصفاتها وعلامات الشخص النرجسى:
6. ما معنى النرجسية في علم النفس:
7. النرجسية عند الأطفال: موسوعة أراجيك،
8. أسماء عثمان: كيفية التعامل مع مراهق نرجسي، 8 يناير 2021،
9. Sagari Gongala: Narcissism In Children: What Are The Signs And How To Deal With It?، June 8, 2021،