اعتنى النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال عناية فائقة، وقام على رعايتهم رعاية كاملة، وصدر عنه من الأقوال والأفعال، ما يُلبّي حاجات الطّفل في كلّ جوانبها الرّوحيّة، والعلميّة، والنّفسيّة، والبدنيّة، والاجتماعيّة.
وقد كانت تلك الرعاية المحمدية للصغار تبدأ منذ اليوم الأول للطفل، فيجعل أول ما يطرق سمعه ذكر اللّه تعالى، بإسماعه الأذان في الأذن اليمنى، وإسماعه الإقامة في الأذن اليسرى، ليكون أول شيء يسمعه الطّفل هو اسم اللّه تعالى، وأن تكون الدعوة إلى اللّه تعالى وإلى عبادته سابقة لدعوة الشيطان وغوايته.
ثمّ يتعهد النبي الكريم الأطفال بأساليب تربوية شائقة، ويستمر في ذلك خلال مراحل عُمرهم المختلفة، لغرس القيم الحميدة في نفوسهم، واقتلاع العادات السيئة ووساوس الشيطان من نفوسهم وقلوبهم، فلا تتشرب بحب الرذيلة ولا تألفها.
رعاية النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال
وشملت رعاية النبي صلى الله عليه وسلم للأطفال، الجوانب العلمية والنفسية والاجتماعية والجسدية، وينقل لنا ابن عبّاس – رضي الله عنه- تعليم النبي الكريم له أمور العقيدة وهو غلام صغير، فيقول: “كنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللهِ يَوْمًا فَقَالَ: “يَا غُلَامُ إنيّ أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللهَ وَإذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ وَاعْلَمْ أَن الإُمةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيءٍ لَم يَنْفَعُوكَ إِلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيءٍ لَم يَضُرُّوكَ إِلا بِشَيءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللهُ عَلَيْكَ رُفعَتْ الأقْلَامُ وَجَفتْ الصُّحُفُ” (صحيح الترمذي).
وفي مسألة الصلاة والمحافظة عليها، نجد النّبي يُوجّه أنظار الوالدين ومن يلي أمر الصّغار إلى الاهتمام بهذه العبادة، ويوضّح لهم أن يباشروا الأمر بالصلاة للصغار من سنّ السّابعة، فيقول: “مُرُوا أوْلا كمْ بِالصّلاةِ وَهُمْ أبْناءُ سَبْعِ سِنينَ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْها وَهُمْ أبْناءُ عَشْرٍ، وَفَرّقُوا بَيْنَهُمْ فِي المضاَجِعِ” (رواه أحمد وأبو داود).
وروى عُمَرُ بْنُ أَبي سَلَمَةَ قَالَ: كنْتُ غلَامًا فِي حجْرِ رَسُولِ اللهِ صلّى الله عَليه وسَلّم، وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ: “يَا غُلَامُ سَمِّ اللهَ، وكلْ بِيَمِينِكَ، وكلْ مِما يَلِيكَ، فمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْد” (متفق عليه).
وشملت رعاية رسول الله للأطفال الجانب النفسي، فكان منهجه – صلى الله عليه وسلم- يتمثّل أحيانًا في مداعبة الأطفال والسؤال عنهم ومخالطتهم، وحملهم على الدّواب مع الكبار في الأسفار والزّيارات، وإحضارهم إلى مجالس الكبار، وغير ذلك من الأساليب المتعدّدة التي تبني شخصيّة الطّفل وتصقلها، وتنمّي مواهبه وتغذيها، وتصل بالطّفل إلى المستوى المطلوب من الشخصيّة السوّية.
وأقام النّبي مسألة التعامل مع الأطفال على مبدأ الرّحمة، وجعل ذلك هو الأساس في رعايتهم، ويتضح ذلك في سنته القولية والفعليّة، وكان أنس بن مالك – رَضيَ اللّه عَنْهُ- قد لخّص ذلك بقوله: “مَا رَأَيْتُ أَحَدًا كانَ أَرْحَمُ بِالعِيالِ مِنْ رَسولِ اللهِ” (صحيح مسلم).
وكان رسول الله – صلى الله عليه وسلم-، يزور الصّحابة في بيوتهم ويداعب أطفالهم ويسلّيهم، ولا يخفى ما لهذه الزّيارات من أثر في تربية الأطفال اجتماعيًّا، ودمجهم في مجتمعاتهم التي يعيشون فيها؛ ومنحهم الحصانة التي تمنعهم من الانسحاب أو العزلة، وتعطيهم القدرة – عند بلوغهم سنّ الرّشد- على تحمّل أعباء الحياة، التي تحتاج إلى جرأة وقوّة وحكمة.
وإذا ذكِرَت الرعاية الاجتماعيّة فيجب ألا ننسى سنّة النبي في إخراج الصّغار إلى مصلّى العيد، ليشاركوا الرّجال والنساء في مناسبة عيد الفطر وعيد الأضحى، ويتشربوا عادة الاجتماع مع الآخرين من أقاربهم ومن أفراد مجتمعهم.
وقد كان للرعاية الجسدية حظ هي الأخرى، فاعتنى بها الرسوم الكريم عبر توجيهاته وإرشاداته، وقد بيّن فيها أنها من مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم؛ واللّه تعالى أوجب على الوالد، القيام بالنفقة على أبنائه.
ونجد الرسول في إشارة بديعة، يقدّم الصّغير على مَن سواه في جانب التّغذية، لحاجته إلى بناء الجسم والعقل، حيث إنّ التقصير في تغذية الطّفل وهو صغير، ينعكس سلبًا على حياة الطّفل المستقبليّة، ويضرّ ببناء شخصيّته إذا أصابه المرض أو العاهة بسبب نقص الحاجات العضوية لديه؛ ويبيّن ذلك ويوضّحه، أن الناس كانوا إذا رأوا أول الثمر، جاؤوا به إلى النبي، فإذا أخذه رسول اللّه دعا بالبركة، ثم يدعو أصغر وليد له فيعطيه ذلك الثمر.
من أساليب النبي صلى الله عليه وسلم في تربية الأطفال
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم وسائل عدة ومتنوعة لتوصيل ما يُريد من أفكار تربوية أو تثبيت ما يبتغي من مبادئ وقيم نبيلة، وللنهي عن منكر أو للأمر بمعروف، وكانت الروعة النبوية تتمثل في استخدام الوسيلة والرسالة التربوية التي تناسب نفسية وبيئة ونمط تفكير المتلقي وقناعاته، ومن هذه الأساليب:
- التعليم بالقدوة، وهي من أهم الأدوات والوسائل التربوية والتعليمية التي استخدمت بوفرة في التوجيه النبوي لمَن يستهدفهم من خطابه التربوي، وقد أثبت العلم الحديث أهمية وفعالية نظام الحوار كوسيلة تربوية حديثة في توصيل المعلومات وتثبيت المبادئ، وكان لها نتائج مبهرة دحضت النظريات القديمة التي تكلمت عن التلقين المباشر كأهم وسائل إيصال المعلومات والمبادئ في العملية التعليمية والتربوية.
فالطفل يتأثر بما يراه، وذلك عن طريق المحاكاة، والإيحاء والاستهواء، وقد جعل الله – عز وجل- رسوله الخاتم قدوة لكل أتباعه الذين عاصروه، والذين يأتون من بعده إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ قال تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب: 21).
ولقد كانت قدوة الرسول الكريم في جميع مناحي الحياة، في الحرب والسلم ومع زوجاته أمهات المؤمنين، وفي والصبر على الأهل، وحُسن توجيههم؛ فهو من قال: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي” (صحيح ابن حبان).
ويقر ابن خلدون بأن للقدوة الحسنة أثرًا كبيرًا في اكتساب القيم والفضائل، والاحتكاك بالصالحين ومحاكاتهم يكسب الإنسان العادات الحسنة، والطبائع المرغوبة، والسبب في ذلك أن البشر يأخذون معارفهم، وأخلاقهم، وما ينتحلونه من المذاهب، والفضائل تارة علمًا وتعليمًا، وتارةً بالمحاكة والتلقين المباشر.
- وكان النبي الكريم يتبع أسلوب المناقشة والحوار، وهو نظام للتفاعل اللفظي بين المعلم والمتعلمين، وبين المتعلمين أنفسهم، وهذا يُساعد المعلم على التخلص من الدور المركزي القائم على التلقين، كما يساعد في بناء الثقة في نفوس المتعلمين وشعورهم بالاستقلالية في تعلمهم، والتفكير لأنفسهم، وتأمين التواصل، وتبادل الآراء والأفكار بين المعلم والمتعلم، ومساعدة المتعلمين على حسن التكيف والتوافق الاجتماعي عبر العمل في مجموعات، والتعاون مع عناصر عملية التدريس جميعًا.
ووردت عن الرسول عليه الصلاة والسلام، مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تدل على أسلوب المناقشة والحوار، منها:
عن سهل بن سعد الساعدي أنه قال: مر رجل على رسول الله؛ فقال لرجل جالس عنده: ما رأيك في هذا الرجل؟ فقال: رجل من أشراف الناس، هذا والله حري إن خطب أن ينكح، وإن شفع أن يشفع. قال: فسكت رسول الله، ثم مر رجل آخر؛ فقال رسول الله: ما رأيك في هذا؟ فقال: يا رسول الله. هذا رجل من فقراء المسلمين حري إن نكح ألا ينكح، وإن شفع ألا يشفع، وإن قال لا يسمع لقوله. فقال رسول الله: هذا خير من ملئ الأرض من هذا” (البخاري).
وفي شأن اتباع أسلوب الإقناع العقلي، عن أبي أمامة الباهلي – رضي الله عنه- أنَّ غلامًا شابًّا أتى النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فقال : يا نبيَّ اللهِ أتأذنُ لي في الزنا ؟ فصاح الناسُ به ، فقال النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم قَرِّبوهُ ، ادْنُ فدنا حتى جلس بين يديْهِ ، فقال النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ : أتحبُّه لأُمِّكَ فقال : لا ، جعلني اللهُ فداك ، قال : كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لِأمَّهاتِهم ، أتحبُّه لابنتِك ؟ قال : لا ، جعلني اللهُ فداك قال : كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه لبناتِهم ، أتحبُّه لأختِك ؟ وزاد ابنُ عوفٍ حتى ذكر العمَّةَ والخالةَ ، وهو يقولُ في كلِّ واحدٍ لا ، جعلني اللهُ فداك ، وهو صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقولُ كذلك الناسُ لا يُحبُّونَه ، وقالا جميعًا في حديثِهما – أعني ابنَ عوفٍ والراوي الآخرَ – : فوضع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يدَه على صدرِه وقال : اللهمَّ طهِّرْ قلبَه واغفر ذنبَه وحصِّنْ فَرْجَه فلم يكن شيءٌ أبغضَ إليه منه.
تنمية محبة الرسول لدى الأطفال
إن تعميق محبة النبي صلى الله عليه وسلم في نفوس الأطفال ضرورة واجبة؛ لأنه كلما تمكنت المحبة في القلب تكون الدافع الإيماني القوي الذي يُؤثر في السلوك فيدفع لفعل الطاعات واجتناب المنكرات.
وقد حرص الصحابة – رضوان الله عليهم- والسلف الصالح على أن يرسخوا قيمة هذا الحب في نفوس أطفالهم، ابتداء من مبايعته عليه الصلاة والسلام والانقياد لأوامره والدفاع عنه، ويمكننا الإشارة إلى سبل تنمية هذه المحبة لدى الأطفال، على النحو التالي:
- توفير البيئة الصالحة للأطفال التي تغرس محبة رسول الله في نفوسهم، وتتعهد هذه المحبة، وتسعى إلى تنميتها ورعايتها؛ والبيئة هنا شاملة للبيئة التعليمية، والأسرية والمجتمعية؛ حتى تتكامل جميع المؤسسات في القيام بهذا الواجب.
- قراءة القرآن وتدبره، ذلك أنّ القرآن اشتمل على جميع أساليب التربية الإسلامية في غرس محبة الرسول في نفوس الأطفال، فليس أعظم من القرآن في التعريف بالنبي ﷺ، وسيرته ومكانته وأخلاقه وشمائله في القرآن، كما أن القرآن يقدم الفهم الصحيح لمحبة النبي ﷺ.
- دراسة السنة النبوية، فمن اهتم بالسنة وطالع كتبها، وتزود من علومها وفنونها يحب الرسول الكريم؛ لأنها كلامه وأفعاله وسيرته وأقواله وصفاته وأخلاقه.
- الأنشطة المدرسية، وفي ضوء ذلك يمكن تنمية محبة الرسول لدى الأطفال عن طريق الأنشطة الكتابية وما يصاحبها من مسابقات تشجيعية فيما يخص الإنتاج الإبداعي حول حب الرسول، كتأليف قصة، وكتابة عبارات تشجيعية للحث على اتباع الرسول ونصرته والدفاع عنه.
- استخدام الأسلوب القصصي: ولا بُد من أن ينتقي المربون من القصص ما يناسب الأطفال من سيرة الرسول محمد، وحياة الصحابة والصحابيات – رضوان الله عليهم- ما يثير وجدانهم.
وإذا كانت التربية الإسلامية تسعى إلى غرس محبة الرسول عليه الصلاة والسلام في نفوس الأطفال، فهي كذلك معنية بالمحافظة على مستوى هذه المحبة، ورعايتها وتنميتها باستمرار، وترسيخها وتعميقها في وجدان الأطفال، وهذا يجعل التربية بكل مؤسساتها في تفاعل دائم وتطوير مستمر للطرق والأساليب التربوية المعينة على تحقيق غرس محبة النبي ﷺ في نفوس الأطفال.
المصادر:
- محمد جابر محمود رمضان، مجالات تربية الطفل، ص 101.
- حسن العيافي: منهجية التربية الإسلامية في غرس محبة النبي وتطبيقاتها في المؤسسات التربوية، رسالة ماجستير، جامعة أم القرى، كلية التربية، ص170، وص 180.
- فوزية البقمي: دور الأنشطة غير الصفية في تنمية حب النبي ، رسالة ماجستير، جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن، كلية التربية، ص74.
- حسن الخليفة وكمال الدين هاشم: فصول في تدريس التربية الإسلامية، ص252.