ركز المنهج الإسلامي في تربية المراهق على توجيهه بما يعود عليه بالنفع وعلى من حوله، وذلك حين أوجد للشباب مثلا “أعلى” أو “رسالة” يصرف طاقاته من خلالها، ولا يستسلم للفراغ.
وفي بحث للدكتور ماجد عرسان الكيلاني، كشف فيه عن دور المنهج الإسلامي في علاج الخلل الذي يُعاني منه المنهج المادي في التعامل مع المراهق، حيث طرح الرؤية الإسلامية لمعالجة الثغرات في مناهج التربية الحديثة، لحماية الشباب من الدمار وتحطم أحلامهم على صخرة الأمل الكاذب.
المنهج الإسلامي في تربية المراهق
ويُركز المنهج الإسلامي في تربية المراهق على العبادة التي هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفكار والأعمال والمشاعر والعواطف في حياة الفرد والجماعات، وفي جميع الميادين الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وغير ذلك: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الأنعام: 162).
والإنسان دائمًا بحاجة إلى “هدف” يعيش من أجله ويتفانى في “محبته” وتتوجه إليه أشواقه ويتفاعل معه طلبا وطاعة، وعبادة الله هي “المثل الأعلى” الذي يُوفر هذا الهدف للأفراد وعليها تجتمع كلمة الجماعات يتآلفون ويتآخون، وحين يضل الإنسان عن هذا الهدف السامي فإنه ينكفئ على أهداف دنيا تتمثل في خدمة دوافع الشهوة بمظاهرها المختلفة.
وهنك فرق بين أن يكون الهدف من الحياة هو عبادة الله – عز وجل- وبين أن يكون الهدف عبادة الغرائز والشهوات، فلقد أثبت تاريخ الإنسان على الأرض أن الإنسان يرتقي ويتسامى ويتقدم علميًّا واجتماعيًّا حين يعبد الله، ولكنه حين يعبد شهواته يقع ضحية الفرقة والصراع والعزلة والوحدة والاغتراب وكلها تنتهي بتحطيم الإنسان أفرادا وجماعات.
والإنسان بحاجة إلى الحرية والانعتاق من ذل الاسترقاق. وأسوأ أنواع الاسترقاق هو استرقاق الإنسان من خلال غرائزه وشهواته، بل إن الرق الخارجي لا يحدث في حياة الإنسان إلا إذا سهل طريقة الرق الداخلي، أو الرق النفسي.
وتتمثل مظاهر العبادة، في المظهر الديني والاجتماعي والكوني، وموضوعه: علاقة المسلم بالخالق (التعريف بالخالق وممارسة الشعائر الدينية المحددة).
والمظهر الاجتماعي وموضوعه: علاقة المسلم بالأفراد والجماعات (التعريف بالفضائل الاجتماعية وممارستها)
وأما المظهر الكوني، فموضوعه: علاقة المسلم بالكون المحيط (التعريف بالكون المحيط ومكوناته واكتشاف القوانين والخصائص والتطبيقات وكيفية التعامل معها والانتفاع بها ومن ثم معرفة نعم الله تعالى التي تفوق الحصر والإحاطة).
وتؤكد فلسفة التربية الإسلامية وجوب تكامل المظاهر الثلاثة للعبادة ووحدتها لأن الفصل بينها يؤدي إلى تعطيل فاعلية كل منها ويؤدي إلى خراب المجتمع: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ (1) فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ (2) وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (3) فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (6) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ (7)} (الماعون).
وتبلغ العبادة أكمل صورها من خلال الرسوخ “بالمعرفة والعلم” المفضي إلى “العمل والتطبيق”؛ محبة كاملة لله من خلال العلم بنعمه، ورجاء وتوكل كاملين عليه من خلال العلم بقدرته، وخوف كامل منه وحده من خلال العلم بقوته وجبروته وسلطانه؛ ومحصلة هذه الأمور الثلاثة التقوى وخشية الله – عز وجل-: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور} (فاطر :28). قال الرازي في تفسيره: “الأمر بالعبادة مشروط بحصول المعرفة، كما أن الأمر بالزكاة مشروط بحصول النصاب”.
وفي المجتمعات الرأسمالية الصناعية “يربى” الفرد ليكون عاملا “منتجا – مستهلكا”، ولكن في كثير من الأحيان يصبح عدد العمال أكثر من الوظائف المتوفرة، لذلك يبقى الفرد “مستهلكا” غير منتج. وتتضاعف حدة هذه المشكلة عند الناشئة حيث يبقون دون عمل ولا رسالة في الحياة تستهلك قدراتهم وطاقاتهم العارمة ويطلب إليهم أن يتكدسوا في شوارع دون عمل أو نشاط حتى تأتي الحاجة إليهم. وفي هذه الحالة بدل أن يستهلك الإنسان طاقاته في عمل بناء يدخل في صراع مع هذه الطاقات النفسية والجسدية الباحثة عن متنفس.
أهم مشكلات المراهقين
وتتمثل أهم المشكلات التي تُواجه كثير من المربين وأولياء الأمور في تربية المراهق طوال هذه الفترة العمرية، ما يلي:
- الصراع الداخلي الموجود عند الشاب: بحيث يكون المراهق في تلك المرحلة في صراع مع نفسه مع حقيقة الأمر والخيال الموجود في داخلهِ الذي يختلف ويكون بعيدًا كل البعد عن الواقع الذي يعيشه.
- العادة السرية: فالشاب في بداية المراهقة يكون في أوج ازدهاره وأوج رغباته الجنسية، وبالتالي قد يقع في بعض الأمور التي تتعارض مع القيم الإسلامية والاجتماعية.
- العصبية وصعوبة التعامل: وهي من أهم المشاكل التي قد تمر على المراهقين؛ وزيادة العناد فيهم لتحقيق رغباتهم.
- الانفراد بالآراء: إذ إنّ المراهق مُقبل على الحياة فهو لا يحب أن يسمع كلام والديه لكي يفرض نفسه أمام الجميع، والكثير منهم يقعون في مشاكل عدم فهم الأهل لهم، والتحرر من الأهل، كالعيش معزولًا عنهم.
- الصراعات: يُعاني المراهق من الصراعات الداخلية أو الخارجية التي تظهر على هيئة تمرُّد وعصيان، وقد تنتج الصراعات عن سعيه لتهذيب ذاته وضبطها وحاجته للاستقلال والتمرد وإثبات الذات.
- عدم التوافق النفسي: يعاني المراهق في هذه المرحلة من مشكلة عدم التوافق النفسي التي تنعكس على تصرفاته وسلوكياته، فيكون ميّالًا للانطوائية واليأس والقلق والحزن والدخول في نوبات من الاكتئاب والبكاء.
- الميل إلى الاستقلالية: يسعى المراهق بشكل مستمر إلى حصوله على استقلاليته الشخصية.
- العداوة والانفعال: يكون المراهق بشكل عام أكثر عداوة وانفعالا وعنفا، بالإضافة إلى اندفاعه الدائم.
- التذبذب الانفعالي: إذ إنّ المراهق لا يثبت على استجابة محدّدة لنفس المثير، فقد تختلف استجابته لنفس الموقف في أوقات وفترات مختلفة.
- الحب: يحبّ المراهق نفسه ويميل إلى الاعتداد بها، كما يحب التمركز حول ذاته، وينشغل لفترات بمظهره الخارجي، فيقف أمام المرآة لمدة طويلة.
- الخوف: يخاف المراهق ويبتعد عن المواقف الاجتماعية التي لا يملك فيها الخبرة الكافية التي تمكنه من التفاعل مع هذه الموقف بشكل جيد.
الوصايا العشر في التعامل الأمثل مع المراهق
وعلى أولياء الأمور أن يحيطوا علما بأن تربية المراهق نفسيًّا وخلقيًّا ودينيًّا وعاطفيًّا منذ الصغر يلطف من حدة الأعراض السلبية لتلك المرحلة ومن الصراع الدائر فيها وحولها، وإلى أولياء الأمور وصايا عشر لتعينهم على ذلك:
1- اعلم أن ما تزرعه في الصغر في طفولة ابنك سوف ينعكس يقينا على مرحلة المراهقة وستجني ثماره خلالها وبعدها.
2- استخدم دوما أسلوب الحوار والنقاش والتفاهم مع ابنك، فهو من أنجح الأساليب ليصل الابن إلى القناعة بخطئه وأهمية تصويب سلوكه وإلا فإنه سيعاندك ويستمر على سلوكياته السيئة!
3- اسمح لابنك بتكوين علاقات اجتماعية، ولكن شجعه على انتقاء أفضل الأصدقاء (الصحبة الصالحة) الذين يحرصون على نصحه نصحا إيجابيا يرضي الله تعالى.
4- خصص وقتا لابنك وتواصل معه تواصلا إيجابيا وبمحبة دون تقديم النقد اللاذع له أو السخرية من أفكاره وكلامه أو التقليل من شأنه أو إشعاره بالذنب بشكل مستمر.
5- اعلم أن النزاعات بين الوالدين والمعاملة السيئة من الأب للأم أو للأبناء تؤدي إلى تفاقم مشاكل المراهق وجنوحه وهروبه من الواقع وإلى رفاق السوء، فعامل أيها الأب زوجتك باحترام أمام أبنائك.
6- قدم الفرص لأبنائك المراهقين التي تشجعهم على استغلال وقتهم وطاقاتهم وتظهر قدراتهم وإبداعاتهم فيما يفيد، فوفر لهم الأدوات التي يحتاجونها والوقت والتشجيع المعنوي.
7- ضع تعليمات وقوانين وحدودا للتعامل في بيتك، واسمح لأبنائك بمناقشتها وفهم أسبابها وفائدتها، ولا تتركهم دون توجيه أو توضيح حول قوانين للبيت.
8- عزز ابنك المراهق بين الحين والآخر بوسائل التعزيز المختلفة المادية والمعنوية كالمدح والاحتضان والابتسام والتقبيل له، وذلك حينما تراه يسلك سلوكات جيدة أو يتخلى عن سلوكات سيئة، فلابد من أن يكون للوالدين دور في تربية أبنائهم المراهقين وتقديم التوجيه والتشجيع لهم.
9- ادع الله تعالى دوما لأبنائك بالهداية والتقوى والصلاح والحفظ والرعاية بعينه التي لا تنام، وأن يرزقهم خير الرفاق والصحبة الصالحة والتوفيق، واعلم أن صلاح الأبناء من صلاح الآباء بداية، لقوله تعالى: {وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} (الكهف: 82).
10- عود أبناءك الصلاة منذ الصغر، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وتقربهم من خالقهم عز وجل.
المصادر والمراجع:
- “تربية المراهق” بين الإسلام وعلم النفس .
- تربية المراهقين في الإسلام .
- كيف نفهم المراهقين (1) .