أقرّ الإسلام المصافحة بين المسلمين وعدّها من السُّنن الحميدة التي تُكفّر الذنوب، وتُذهب الغل والحقد والكراهية، وتحض على التكافل الاجتماعي، وتُساعد على التغاضي عن الأخطاء والتسامح بين الناس.
والسلام يدًا بيد عادة إنسانية منذ القدم، تدل على الاحترام المتبادل والتقدير والمحبة، وهي تتطلب إقبال الوجه على الوجه، وأن يمد الإنسان يده اليمنى إلى من يصافحه، وهي تدل على أن الشخص لا يحمل في يده سلاحًا، ولا يضمر لمن يصافحه شرًّا أو سوءًا، لذا أقرها الإسلام وبين فضلها ووضع لها ضوابط.
فضل المصافحة في الإسلام
وتقع المصافحة حين يضع الرجل صفح كفه في صفح كف صاحبه، وقد أكدت الشريعة الإسلامية فضلها وأهميتها، لأنها تُذهب الحقد والعداوة من بين المسلمين، فجاء في فضلها حديث عن النبي- صلى الله عليه وسلم- يقول فيه: “مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا” (أبو داود وصححه الألباني).
وعن أنس بن مالك- رضي الله عنه-، قال: لما جاء أهل اليمن، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “قد أقبل أهل اليمن، وهم أرقُّ قلوبًا منكم”، قال أنس: فهم أول من جاء بالمصافحة. (مسند أحمد، وهو حديث صحيح).
وقال قتادة: قلت لأنس بن مالك: أكانت المصافحة في أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم-؟ قال: “نعم” (البخاري). وقال الإمام النووي- رحمه الله-: المصافحة سُنَّة مُجمَع عليها عند التلاقي.
وروى مسلم عن كعب بن مالك- في معرض الحديث عن توبته بعد تخلُّفه عن غزوة تبوك- قال: “حتى دخلت المسجد، فإذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- جالس في المسجد وحوله الناس، فقام طلحة بن عبيد الله يهرول حتى صافحني وهنَّأني” (مسلم).
وعن حنظلة الأسيدي أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال “والذي نفسي بيده، إن لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر؛ ولكن يا حنظلةُ ساعة وساعة – ثلاث مرات” (مسلم).
وروى الطبراني عن حذيفة بن اليمان عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلَّم عليه، وأخذ بيده، فصافحه، تناثرتْ خطاياهما كما يتناثر ورقُ الشجر” (السلسلة الصحيحة للألباني).
وذكر البخاري- في الأدب المفرد- عن ثابت البناني: “أن أنس بن مالك كان إذا أصبح ادَّهن يدَه بدهن طيب، لمصافحة إخوانه”.
وعن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أنَّ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ فَسَلَّمَ كُلٌّ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ وَتَصَافَحَا كَانَ أَحبَّهُمَا إِلَى اللهِ تَعَالَى أَحْسَنُهُمَا بِشْرًا لِصَاحِبِهِ” أخرجه البيهقي في شعب الإيمان.
لذا حرص السلف الصالح على هذا الفعل الحسن، فيقول البراء بن عازب: “من تمام التحية أن تصافح أخاك” (صحيح الأدب المفرد). وقال ابن بطال: “المُصافحة حسنة عند عامة العلماء، وقد استحبَّها الإمام مالك بعد كراهته، وهي مما تنبت الود والمحبة”.
وقال عطاء الخراساني: “تصافحوا يذهب الغل، وتهادوا تحابُّوا تذهب الشحناء”، وقال ابن عبدالبر، قال أبو مجلز: “المصافحة تجلب المودة”، وقال البخاري: “صافح حماد بن زيد عبدالله بن المبارك بيديه”، وقال الفضل بن زيادة: “صافحت أبا عبدالله أحمد بن حنبل غير مرة، وابتدأني بالمصافحة، ورأيته يُصافح الناس كثيرًا”.
أمّا الإمام النووي، فقال: “يُستحبُّ المصافحةُ عند التلاقي، وهي سُنَّةٌ بلا خلاف”، قال ابن حجر العسقلاني: “قبَّل زيد بن ثابت يد ابن عباس حين أخذ ابن عباس بركابه”.
آداب وسنن وضوابط المصافحة
ووضع الإسلام مجموعة آداب وسنن وضوابط لا بد أن يلتزم بها المسلم لتتم المصافحة على أكمل وجه ومنها:
- المبادرة بالسلام، فيُستحب للمسلم أن يبادر أخيه بالسلام.
- التبشّر بالوجه: يُستحب التبسم في الوجه عند المُصَافحة، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “تَبَسُّمُكَ في وَجْهِ أخِيكَ لك صدقة” (صحيح ابن حبان).
- الطلاقة والبشاشة: بأن يُظهر المسلم البشاشة والطلاقة عند مصافحة أخيه المسلم، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “لا تَحْقِرُوا مِنَ المَعْرُوفِ شيئًا، ولو لِقَاءَ أخِيكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ” (مسلم).
- التواضع: يُستحب للمسلم أن يتواضع عند مصافحة أخيه المسلم، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “إيَّاكُمْ والظَّنَّ، فإنَّ الظَّنَّ أكْذَبُ الحَديثِ، ولا تَحَسَّسُوا، ولا تَجَسَّسُوا، ولا تَنافَسُوا، ولا تَحاسَدُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا” (البخاري).
- النظر إلى وجه المُصافح: يُستحب للمسلم أن ينظر إلى وجه أخيه عند المُصَافحة.
- الضغط الخفيف: يُستحب للمسلم أن يضغط على يد أخيه المسلم ضغطًا خفيفًا عند المُصَافحة.
- التسوية بين اليدين: يُستحب للمسلم أن يُسوي بين يديه عند السلام على أخيه المسلم.
- عدم إطالة المصافحة: يُستحب أن لا يُطيل المسلم مصافحته لأخيه:
- مصافحة المرأة: لا يجوز للرجل أن يُصافح المرأة الأجنبية، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إِنِّي لا أُصَافِحُ النِّسَاءَ” (صحيح ابن ماجه).
- يجوز للرجل أن يصافح محارمه من النساء البالغات.
- مصافحة الصغير: يُستحب للمسلم أن يُصافح الصغير.
- الخاطب يعد أجنبيًّا عن مخطوبته: ومن ثم فلا يجوز له أن يخلوَ بها، ولا يمس جسدها ومن ذلك السلام باليد.
- مصافحة المرأة العجوز: اختُلف في حكم مصافحتها للرجل على أقوال: عدم جواز مصافحتها مطلقًا؛ وهو مذهب المالكية، ورواية في مذهب الحنابلة، وجواز مصافحتها بحائل بين اليدين، إذا أُمِنتِ الفتنة، وهو وجه عند الشافعية، وجواز مصافحتها بدون حائل إذا أمنت الفتنة من الطرفين، وهو مذهب الحنفية، ورواية في مذهب الحنابلة.
- مصافحة الكفار تابعة للسلام عليهم: فإذا كان لا يجوز ابتداؤهم بالسلام، فلا يجوز ابتداؤهم بالمصافحة، لكن إذا سلَّم الكافر ومد يده للمصافحة، فلا حرج بردِّ السلام عليه ومصافحته.
- المصافحة بكلتا اليدين مباحة لا سُنَّة ولا بدعة: قال البخاري: (باب: الأخذ باليدين)، وصافح حماد بن زيد ابنَ المبارك بيديه؛ وفي حديث ابن مسعود قوله: “علمني رسول الله- صلى الله عليه وسلم- التشهد، وكفي بين كفيه”؛ أي: إنه- صلى الله عليه وسلم- آخذٌ بكفِّ ابن مسعود بكفيه كلتيهما.
- مصافحة الجالسين عند دخول المجلس: قال ابن عثيمين: “لا أعلم فيها شيئًا من السنة، ولهذا لا ينبغي أن تُفعل.
- المصافحة بعد الصلوات المفروضة: وقد نص أهل العلم على أن المداومة على المُصَافحة بعد كل صلاة بأن يصافح من عن يمينه وعن شماله بدعة، وقد كان أصحاب النبي- صلى الله عليه وسلم- يصلون وراءه، وما نقل عنه ولا عنهم أنهم بعد الصلاة كان يصافح بعضهم بعضاً، أو من عن يمينه وعن شماله.
هكذا حثّ الإسلام على المصافحة بين المسلمين ووضع لها الآداب والسنن الضوابط، فهي من أظهر مظاهر السلام.
مصادر ومراجع:
- ابن فارس: مقاييس اللغة 3/229.
- ابن الأثير: النهاية في غريب الحديث 3/34.
- ابن حجر: فتح الباري 11/55.
- ابن بطال: شرح البخاري 9/44.
- ابن مفلح الحنبلي: الآداب الشرعية 2/264.
- النووي: مسلم بشرح النووي 9/115.