يُعد المسرح التربوي نموذجًا أدبيًا فنيًا يُحدث تأثيرًا تربويًّا في المتلقي معتمدًا على عدة عناصر أدبية منها، الحبكة الدرامية، والشخصيات، والحوار، بالإضافة إلى تقنيات مساعدة مثل الملابس، والإضاءة، والمؤثرات، والديكور.
وفي بحثٍ للدكتور أحمد حسن جمعة- أستاذ المَسرح المتفرغ بأكاديمية الفنون، يستعرض المَسْرح التعليمي والتربوي، ودور مؤلف النصّ المَسْرحي التَّربوي، باعتبار أن هذا الميدان يستطيع أن ينطق بكل لغات البشر وبكل أحاسيسهم، ويعرض الماضي والحاضر وتخيلات المستقبل، فهو المكان الذي لا يقف عند حد معين، وهو قابل للتغير طبقًا لما هو معروض عليه من مادة فنية بإحساس ينبثق من الفنان المبدع.
دور المؤلف في المسرح التربوي
المؤلف في المسرح التربوي هو ذلك الأديب الذي تقوم على أكتافه مسؤولية النص المسرحي المكتوب، وتختلف المؤلفات المسرحية من مؤلف لآخر ومن نص إلى نص، وعلى ذلك لا يوجد مؤلف مسرحي يكتب لمجرد الكتابة.
ولأن يكون لدى المؤلف فكرة يحاول الكتابة عنها، أو أن يكون له هدف يراه هو وحده في خياله قبل أن يظهره في شكل نص مكتوب، فإن الفكرة والهدف الكامنان داخل رأس المؤلف هما الأساس، ثم تأتي بعد ذلك الوسيلة التي يظهر بها هذه الفكرة وهذا الهدف، فإن الفكرة والهدف يسبقان الوسيلة ألا وهي اللغة التي يكتب بها النص المسرحي سواء كانت لغة عربية أو لهجة عامية تابعة لبيئة معينة أو قرية معينة أو شعرًا أو نثرًا… وهكذا.
لكن هل جميع النصوص المسرحية تتناسب مع كل المشاهدين على اختلاف ثقافاتهم وأعمارهم وبيئاتهم… إلخ؟، أم أنه يجب أن يُراعي المؤلف المسرحي لمن يكتب هذا النص المسرحي؟
إن كان المؤدون على المسرح من الممثلين المحترفين وكان الجمهور من الكبار وأصحاب الثقافات العالية أو حتى المتوسطة، جاء النص موافقًا لهؤلاء المشاهدين.
أما إذا كان الجمهور من صغار السن فهنا يجب أن يقف المؤلف وقفة مع النفس ليراجع نفسه، ما هو النص المناسب لهؤلاء الصغار؟ ثم هل يقصد بالنص المسرحي مرحلة عمرية محددة؟ وأيضًا هل هو نص تعليمي؟ أي أنه ينتمي إلى المسرح التعليمي، أم أنه نص مسرحي لمسرحة المنهاج؟ أم أنه نص تربوي؟، لذا فإننا هنا بصدد أن نكتب عن موقف المؤلف المسرحي للمَسْرح التّربوي، لأن في مثل هذه النصوص المسرحية ما هو هام ومهم.
وعليه فإذا كان المؤلف المسرحي للمسرحية التربوية غير قادر على أن يكون النص له هدف تربوي فمن الأفضل ألا يكتب لمسرح الأطفال؛ ذلك لأنه إذا لم تكن عند المؤلف القدرة على صياغة نص مسرحي تربوي يتناسب مع المرحلة السنية فيفضل إلا يقترب من هذا الفعل، ذلك لأن النص المسرحي التربوي لا بُد من أن يكون له عائد إيجابي على المشتغلين على المسرح وأيضًا على المشاهدين من المرحلة السنية نفسها.
والمسرحية التربوية يجب أن تحتوي على كل العناصر المتضمنة المسرحيات عمومًا، فيجب أن تحتوي على مقدمة وتعريف بالشخصيات ثم تبدأ المشكلة الأساسية في الظهور ومنها يظهر الصراع ويكون النسيج الدرامي به وضوح للعمل حتى تصل المسرحية إلى الذروة وتتضح الأزمة ويزداد الصراع حتى نصل إلى نهاية المسرحية، التي لا بُد من أن تنتهي بنهاية سعيدة وبانتصار الخير على الشر، وحتى يشعر المشاهد الصغير والمؤدي الصغير أن الشر بشتى أشكاله لا بُد من أن ينهزم أمام قوى الخير، وحتى يصبح الأمل عاملًا من العوامل المهمة في المسرحية التربوية.
سلوكيات وقيم إيجابية في المسرح التربوي
ويجب على مؤلف النص في المسرح التربوي حسن اختيار الألفاظ والعمل على وجود هدف تربوي من المسرحية، وعليه أن يتناول ما يريد أن يظهره ويؤكد عليه من حيث الناحية التربوية، وهذه السلوكيات والقيم التي ينتج عنها إيجابيات تصل للطالب المؤدي أولًا ثم الطالب المشاهد ثانيًا، وهي:
- الإيمان بالله وحب الخير للنفس وللغير على السواء.
- الولاء والانتماء للأسرة والوطن.
- الانسجام والتوافق الأسري والالتزام بقيم العائلة.
- القدرة على نقد الذات لتحسين الأداء.
- القدرة على التعاون مع الأسرة والزملاء.
- تجنب الأفعال الخاطئة والشريرة.
- تنمية الإحساس بمسؤوليات حقوق المواطنة.
- احترام المجتمع ومعاييره وعاداته وتقاليده وترسيخ هذه العادات والتقاليد.
- الابتعاد عن الكذب والالتزام بالصدق والابتعاد عن النفاق والرياء.
- طاعة المعلمين وأولى الأمر.
- الصبر على الشدائد؛ كأن يصاب المؤدي بموت عزيز أو الوقوع في أي شدائد.
- النظافة بكل أشكالها: نظافة اليد وعدم الغش– نظافة الملبس– نظافة اللسان والابتعاد عن الألفاظ البذيئة.
- الابتعاد عن الغيرة والحقد والأنانية.
- الالتزام بالأمانة.
- تشجيع الطلاب على العمل الجيد وإثابتهم على ذلك، حتى يبتعدوا عن الأعمال السيئة فنكون سببًا لمعاقبتهم.
- تنمية النزعات الوجدانية تجاه الأحداث العالمية بما يؤدي إلى التعاطف الإيجابي والتعاون في الشدائد للتخفيف من آثار الكوارث.
- الاهتمام بنظافة البيئة وحمايتها من التلوث الناتج من المجتمع، ومحاولة تثقيف الأقربين.
- الابتعاد كل البعد عن مظاهر العنف بكل أشكاله.
- تنمية الخيال العلمي والذي يتناسب مع المرحلة السنية.
- تجنب الشرور والمال الحرام وبث روح القدوة الحسنة والالتزام بالنماذج المشرفة في الشرف.
- احترام الكبير والعطف على الصغير؛ واحترام بعضهم البعض.
- حب العمل واحترامه وتنمية الرغبة في التعلم والتطور وحب الاستطلاع.
- تنمية الإحساس بالإخاء والتسامح، وأن ممارسة ذلك ليس من قبيل الشفقة أو التفضل بل فضيلة إنسانية لازمة وملزمة.
- إقامة العدل والمساواة وعدم التحيز.
دور المخرج في المسرحية التربوية
يختلف دور المخرج في المسرح التربوي عن دوره في مسرح المحترفين، فهو ليس فقط مخرجًا وظيفته نقل النص المسرحي المكتوب إلى عمل مسرحي مسموع ومرئي بإبداع فني جمالي، بل يشتمل على ذلك ويضاف إليه بعض المهام الأخرى التي من شأنها أن يكون هذا الإبداع في الإخراج يتمتع بنواحٍ تربوية كي يتحلى بها المؤدون على هذا المسرح، وهو مسرح الصغار.
ومن أجل هذا سنوضح بعض النقاط التي ستعود على الطالب المؤدي بأسلوب جديد تربوي وسلوك أكثر تطورًا من خلال مخرج المسرحيّة التربويّة. وهي تتمثل في الآتي:
نحن نعرف أن المسرحية المكتوبة لا يعرف الطالب المؤدي مضمونها إلا عندما يوزع المخرج الأدوار على الطلاب، وهنا تبدأ تدريبات نسميها تدريبات المنضدة، وهي التي يكون فيها كل طالب معه نسخة من النص المسرحي، وهو يعرف دوره الذي كُلّف به، وتبدأ التدريبات بقراءة كل طالب لدوره في حضوره المخرج ومساعديه إن وُجد له مساعدين.
ويمكن لأي طالب أن يسأل المخرج أسئلة تدور حول شخصية الدور الذي سيقوم به، وعلى المخرج أن يشرح لكل طالب أبعاد هذه الشخصية وما يجب أن تكون عليه.
وهذه الأسئلة في حقيقة الأمر ليست ضياعًا للوقت بل هي من صميم العمل، حتى يمكن أن يتولد عند الطالب المؤدي مزيدًا من معرفة الدور الذي سوف يؤديه والانفعالات المتوافقة مع كل موقف.
وفي واقع الأمر فإن المخرج ليس بالمعلم الذي يطرح معلومة وعلى الطالب ألا يتناقش معه، بل بالعكس فإن لغة الحوار بين المخرج والطالب المؤدي سينتج عنها مودة وألفة ينتج عنها حب للعمل.
ومن أجل أن يتحقق ما جاء في النقطة السابقة يجب أن يراعي المخرج أن يكون أسلوب التعامل بينه وبين الطلاب يبتعد تمامًا عن التخويف أو التهديد حتى يحبب الطلاب في العمل المسرحي.
في بعض المراحل السنية، خصوصًا عند دخول الطلاب مرحلة البلوغ (سن المراهقة) ينتاب بعض الطلاب من الجنسين شيء من الخجل والانطواء وعدم الثقة بالنفس، لذا فإن الأداء التمثيلي يُعد نوعًا من العلاج لمثل هذه الحالات وخروج الطلاب من هذه الأزمة النفسية.
وبالتالي فإن العمل المسرحي بما فيه من مواجهات متعددة وهي:
أ- مواجهة الطالب بأداء دوره أمام المخرج ومساعديه.
ب- أداء الطالب لدوره في حوار مع زميله في الموقف.
ج- مواجهة الطالب المؤدي لدوره في العمل الجماعي المشترك للمسرحية ككل.
د- مواجهة الطالب المؤدي لدوره أمام جمهور المشاهدين.
كل هذه المواجهات قادرة على أن تخرج المنطوي إلى المجتمع فيكون عنصرًا من العناصر الفاعلة في المجتمع بعد ذلك ويكون عنده ثقة في نفسه.
ويعمل المخرج على تنمية احترام الطالب المؤدي لعنصر الوقت، لأنّ العمل المسرحي من أوله إلى آخره مرتبط بزمن العرض، ولذا فإن كل دقيقة في العمل المسرحي تتقدم بالأداء حتى يصل إلى نهاية المسرحية.
ومن هنا يتعلم الطالب المؤدي الحرص على الوقت وألا يضيعه في أشياء لن تعود عليه بفائدة، فكل دقيقة وكل ساعة وكل يوم يجب أن يعطى للتطور والتقدم والارتفاع بمستوى الأداء، سواء العلمي أو الحرفي أو الفني.
والمخرج عليه أن يربي عند الطلاب المؤدين الالتزام بالمواعيد وأن يعلمهم ثقافة المهنة، وأن العمل المسرحي كي يتم لا بد أن يكون كل مشترك فيه في مكانه ويكون مستعدًا، فالمؤدون لا بُد وأن يكونوا في ملابسهم الخاصة بالدور وأن يكون المؤدي حافظًا لدوره ويعرف تمامًا تحركاته على خشبة المسرح. ودخوله وخروجه وعلاقته بالآخرين وهكذا.
وإن من مسؤولية مخرج المسرحية التربوية ومساعديه هي تعليم الطلاب المؤدين كيفية المحافظة على ملابس الدور الذي يؤدونه وأن تكون دائمًا في مكانها الذي تحدد لكل دور وأن يتم (تعليق) الملابس الخاصة بالدور بعناية بغرفة الملابس حتى تبقى دائمًا نظيفة لإمكان استخدامها في اليوم والأيام التالية.
ومن مهام مخرج المسرحية التربوية أن يوضح للمؤدين الصغار كيفية الإلقاء المسرحي، فلا يصح أن يتحدث المؤدي بسرعة ويصبح كلامه غير مفهوم للمشاهدين وإن علو الصوت أو انخفاضه لا بد وأن يكون تابعًا لمتطلبات الموقف.
إن المسرح التربوي له دور في تعزيز السلوكيات والقيم الإيجابية لدى النشء، وعليه يجب على جميع الأسر والمربين ملاحظة ومتابعة الأطفال والشباب والتركيز على ما يهوون حتى يعملوا بموهبتهم ويحسنوا الأداء، لأنه عندما تكون صنعة الإنسان هوايته فهو لن يمل من العمل ولن يبخل بالجهد في سبيل الوصول بهمته إلى أعلى المناصب والدرجات.
المصادر والمراجع:
- بلقيس علي شيرين الدوسكي، الدلالات التربوية والفنية في نصوص مسرح الطفل https://bit.ly/36wjYyK.
- أهمية مسرح الطفل في تنمية الطفولة.