اهتم الإسلام في مصدريه الرئيسين القرآن الكريم والسنة النبوية بتنمية المسؤولية الاجتماعية في الفرد منذ صغره، حيث جاءت أهمية هذا الجانب بعد العقيدة مباشرة في كثيرٍ من الآيات والأحاديث، بل وفي المسيرة التاريخية للتشريع الإسلامي، فما من رباط أقوى من هذا الرباط بين العقيدة السليمة والواجبات الاجتماعية المشروعة.
وفي بحثٍ لأساتذة بكلية التربية جامعة أسيوط، رصدوا كيف حثّ القرآن الكريم على التأسّي بالرسول- صلى الله عليه وسلم- في ممارسة هذا النوع من المسؤولية بشكلها الإيجابي في المجتمع، خصوصًا أن أبعادها متعددة منها: المواطنة الصالحة والانتماء للوطن، وإدراك قيم وفلسفة المجتمع، والحقوق والواجبات، والمشاركة السياسية والاجتماعية.
أهمية المسؤولية الاجتماعية في الإسلام
ويمثل الجهل بالمسؤولية الاجتماعية في الإسلام خطرًا كبيرًا على النظم والمؤسسات، لذا تُعد من أهم القيم التي تحرص مؤسسات المجتمع بصفة عامة والمؤسسات التربوية بصفة خاصة على غرسها في نفس الفرد مُنذ صغره لما يترتب عليها من سلوكيات مرغوبة يجب أن يسلكها.
وترتبط هذه المسؤولية بتنمية قيم أخرى، مثل: الانتماء، والعطاء، والتضحية، والتعاون، والتسامح، كما أنّ كل ما نراه ونسمعه من أفعال وتصرفات غير لائقة من بعض الأفراد في المجتمع سببه الرئيس هو جهل هؤلاء بقيمة تحمل المَسؤوليّة في المجتمع.
لذا، كان النداء القرآني، يؤكد أهمية غرس هذه التربية في النفوس، فقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة: 2]، فبالتّعاون يستشعر الفرد مسؤوليته تجاه الآخر، فيساعد الغنيّ الفقير، وينصر القويّ الضعيف، ومعلوم أن هذه الأطوار والحالات من الفقر والغنى، والصّحة والمرض، قد تتعاقب على الفرد الواحد، فيضمن- إذا ما كانت قيمة التعاون راسخة في وجدانه، والوسط المحيط به، وفي مجتمعه- أنه وفي حالة مسّه من تعاقب هذه الأطوار والحالات- ما يعكّر صفو أيامهِ، فلن يتنكّر له من حوله.
والآيات كثيرة التي تحض على مسؤولية الفرد في المجتمع، منها قول الله تعالى: {فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ} [البقرة: 184]، وقال- عز وجل-: {وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ} [البقرة: 177].
وجاءت السنة النبوية لتؤكد المعنى نفسه، فعن عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “أَلَا كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالْأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ، وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلَا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ” متفق عليه.
وعن النعمان بن بشير- رضي الله عنه-، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ. مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”، {رواه البخاري}.
وروى الإمام مسلم في صحيحه، يقول رسول الله- صلّى الله عليه وسلم-: “.. والله في عونِ العَبدِ مَا كَان العبدُ في عونِ أَخِيهِ”، وممّا لا يخفى أيضًا أنّ الكثير من مقاصد التّشريع التي تقتضيها الفطرة، ويتطلّبها الدّين، لا يستطيع الإنسان بمفرده، ولا حتىّ الجماعة المحدودة تحقيقها إلاّ إذا تأصّل معنى التّعاون في النفوس ثم تحقق.
وهذا يُثبت سبق الإسلام في الدعوة إلى هذا المفهوم الذي لم يظهر في الفكر الغربي إلا حديثًا، فقد صاغ الإسلام الشعور المشترك في المجتمع وأعطى للتماسك الاجتماعي حكما دينيا تعبديا فالمؤمن للمؤمن كالبنيان يشدُ بعضه بعضا.
مجالات المسؤولية الاجتماعية في الإسلام
ومجالاتُ المسؤولية الاجتماعية في الإسلام عديدة، منها ما يتعلّق بالإنسان نفسه، ومنها ما يتعلق بالغير، ونشير إليها هنا ليستفيد منها أولياء الأمور والمربون خلال عملية تربية الأولاد، وهي:
- مسؤولية الفرد نحو نفسه: وهو ما أكد عليها القرآن الكريم حيث قال: {ولا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إنَّ السَّمْعَ والْبَصَرَ والْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا} [الإسراء: 36].
- مسؤولية الفرد نحو الأسرة: فقد أكد القرآن الكريم مسؤولية الإنسان نحو إكرام الوالدين في مواضع عديدة، قال تعالى: {ووَصَّيْنَا الإنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وهْنًا عَلَى وهْنٍ وفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي ولِوَالِدَيْكَ إلَيَّ المَصِيرُ} [لقمان: 14].
- وأكد القرآن مسؤولية الإنسان نحو الأقارب واليتامى والمساكين، قال تعالى: {واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وبِذِي القُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْجَارِ ذِي القُرْبَى والْجَارِ الجُنُبِ والصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وابْنِ السَّبِيلِ ومَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: 36].
- مسؤولية الفرد نحو الجيران: قال الله تعالى: {واعْبُدُوا اللَّهَ ولا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وبِالْوَالِدَيْنِ إحْسَانًا وبِذِي القُرْبَى والْيَتَامَى والْمَسَاكِينِ والْجَارِ ذِي القُرْبَى والْجَارِ الجُنُبِ} [النساء: 36].
- ومسؤولية الفرد نحو الوطن: فلقد أكد الإسلام مسؤولية الفرد نحو حب الوطن والاعتزاز به، والدفاع عنه، والعمل على رفعته وتقدمه.
- مسؤولية الفرد نحو عمارة الأرض: قال تعالى: {هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ واسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إلَيْهِ إنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ} [هود: 61].
كيف نربي أولادنا على المسؤولية تجاه المجتمع؟
وعلى المربين وأولياء الأمور مراعاة آليات تربية الطفل على المسؤولية الاجتماعية التي تتمثل في الآتي:
أولًا: الأسرة:
- لا بُد من قراءة الآيات التي تدعو إلى القيم وتفسيرها في جلسات الأسرة والحوار فيها، كقيمة الرحمة، والعفو، والتعاون، والأمانة.
- وذكر مواقف وقصص من السنة النبوية وسير الصحابة في التذكير وغرس المسؤولية تجاه المجتمع.
- تكريم الطفل إذا بدر منه سلوك حسن نحو غيره من أصدقائه وتعزيز ذلك السلوك.
ثانيًا: المدرسة:
- أن يحتوي المنهج المدرسي على سيرة الأنبياء ونماذج من مواقف الرسول- صلى الله عليه وسلم- والصحابة الكرام من الإيثار والرحمة والعفو… إلخ.
- استخدام أسلوب القصة في غرس القيم في نفوس التلاميذ.
- تبني المعلم والمعلمة المنهج النبوي في حياته ليصبح قدوة في العدل والرحمة والعفو، وذلك عن طريق الاطلاع والقراءة لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم.
- أن تحتوي المكتبة على كتب السيرة التي تحوي أخلاق الرسول والصحابة الكرام رضي الله عنهم.
- ربط المواقف التي يتعرض لها الطالب بسلوك النبي والصحابة رضي الله عنهم، مثل: موقف تعذيب بعض الأطفال حيوانًا.
- عقد الندوات للتعريف بأخلاق القرآن وعرض سيرة الرسول والصحابة رضي الله عنهم.
- تدريس مادة للتلاميذ، وبخاصة عن أخلاق النبي والصحابة في تحمل المسؤولية.
ثالثًا: وسائل الإعلام:
- إعداد برامج إذاعية وتلفزيونية، تتوافق مع مبادئ الأخلاق والقيم الإسلامية.
- إنتاج رسوم متحركة للأطفال تزرع في نفوسهم حب الإسلام والاعتزاز به.
- إعداد أعمال تاريخية تلفزيونية عن شخصيات إسلامية كان لها تأثير في التاريخ الإسلامي.
- أن تنشأ مجلة متخصصة للأطفال تهتم بنشر مواقف الرسول وأصحابه بين الأطفال.
أخيرًا
فإن مفهوم المسؤولية الاجتماعية يمكن أن نلخصه برد المعروف أو تقديم الخير للمجتمع، سواء أفراد أو جماعات، وهو الوسيلة الأكثر فاعلية في تحقيق التلاحم والترابط، لذا أكد الإسلام على غرسها في الفرد منذ صغره ليشب متمرسًا عليها، ويتحقق المراد من التعاون والمسؤولية تجاه المجتمع الواحد.
المصادر والمراجع:
- تربية المسؤولية الاجتماعية .
- المسؤولية الاجتماعية من منظور إسلامي .
- المسؤولية الاجتماعية في الإسلام .