تختلف المرحلة الجامعية عن المراحل الدراسية التي تسبقها؛ فهي ميدان للعلم والنقاش، ومَعمل للأبحاث والتجارب، وفرصة لتكوين الصداقات الناجحة، ويمتزج مع ذلك كله أنها مجال واسع للتربية وتهذيب السلوك.
لكن الكثير من الطلاب يغفل الإعداد الجيد لهذه المرحلة، فيَخوض غمارَها ويخرج منها بلا أرْباح تتوافق مع ما بُذل فيها من كدحٍ ذهني وبدني ونفسي، بل الأسوأ أن يخرج منها الشاب أو الفتاة وقد اكتسب من السيئات والمفاهيم المغلوطة ما يؤثر على باقي حياته فيما بعد.
في المرحلة الجامعية.. أنت لم تعد أنت
عندما تحط قدمك على أعتاب المرحلة الجامعة بعد رحلة طويلة من الدراسة، فقد أصبحت شخصًا جديدًا بكل ما تحمله الكلمة من معنى، ففي هذا اليوم تكون قد ودّعت مرحلة الأحلام المتناثرة واستقبلت حياة بمسؤوليات جديدة وطموحات مختلفة.
ولا بُد من أن تُدرك أنه لا توجد جامعة سهلة وأخرى صعبة لكن يُوجد طالب مُجِد وآخر مُسوّف، وهو ما يوقع على عاتقك أن تضع غايتك وأهدافك نصب عينيك.
فسنوات الجامعة سنوات ستمر كلمح البصر- ما أجملها- ربما لم تستطع تحقيق كل ما تتمناه لكن حتما ستتعلم الكثير خلالها، فقد خضت تجارب وحققت نجاحات ومُنيت بإخفاقات، لكنها سنوات ستظل أجمل سنواتك العلمية رغم كل شيء(1).
أهمية المرحلة الجامعة
لا تقتصر أهمية المرحلة الجامعة على توفير مؤهلات علمية متميزة للطلبة فحسب، وإنما ضمان الاستمتاع بالعملية التعليمية، إضافة إلى:
- إكساب الطلاب العديد من المهارات، كالاعتماد على النفس والعمل في جماعات.
- المساهمة في الأنشطة الجماعية، وتكوين شخصية الطلاب ليصبح لديهم قدرة على اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، كما تخلق مجموعة من القادة الشباب.
- تسهم في تعديل السلوك الاجتماعي للفرد من خلال احتكاكه بالزملاء.
- يصل فيها الطلاب إلى بلوغ العقل، ونضج الفكر، والنظر إلى الحياة العملية بمنظور مختلف(2).
السلوكيات التربوية في الجامعة
رغم أن المرحلة الجامعية تختلف عن المراحل التعليمية السابقة عليها، من حيث ظروفها وطبيعتها، لكن السلوكيات التربوية تظل هي محور الارتكاز لكل طالب أينما ولى وجهه شطر أي مكان.
فهذه المرحلة الجديدة تتميز بالحرية والانطلاق، لكنها حرية يقيدها حُسن الخلق والانضباط والسلوك القويم، وهو ما يجب أن يعتز به أى طالب مهما بلغ.
فالجامعة عنوانك، ولا بُد من المحافظة عليها والعناية بها لتقوم بدورها نحوك ونحو الأجيال القادمة، مع إدراك أن كل مَن فيها له حقوق وعليه واجبات مثلك، فيجب أن تلتزم بالسلوك الإسلامي في تصرفاتك وكلامك وتعاملك مع الآخرين.
والجامعة مكان خُصّص للعلم وليس للهو والعبث وارتكاب المنكرات، وهو ما يجعلك تُحسن وضع الأهداف التي تسعى لتحقيقها لنفسك وأهلك ووطنك.
والجامعة ليست مكانًا لاكتساب شهادة وتخصص فحسب، بل هي المكان الذي تُصاغ فيه شخصية الدارس وإعدادها نفسيًّا وتربويًّا وفكريًّا عن طريق المناهج الدراسية والعلاقات والمناشط(3).
حياة جديدة.. رتّبها صح
أفراح وسعادة تغمر البيوت حينما يتفوّق أحد أفرادها في الثانوية، وتظل الأسرة تستقبل التهاني، ويعيش الطالب نشوة الفرحة، حتى يبدأ في التحرك نحو المرحلة الجامعية.. فماذا على الطالب أن يفعل ليحقق هدفه فيها ويتفوق في الدراسة وما بعدها من الالتحاق بسوق العمل؟
على الطالب أن يسأل نفسه ماذا أريد؟ وماذا أحب من تخصصات؟ وما النافع لي ولديني ولأسرتي ووطني؟
الاستعانة بأهل الخبرة من أجل الاسترشاد برأيهم والاستئناس به أمر مهم، بالإضافة إلى الوقوف بين يدي الله سبحانه للاستخارة كي يختار لك الأفضل.
يجب على الطالب أن يقف على الفروق بين حياته السابقة في الثانوية وحياته المقبلة في الجامعة، حتى يستطيع استكمال الطريق بأمان.
إذا اضطرته الظروف للسكن بعيدًا عن أهله فلا بُد من أن يُحسن اختيار الصّحبة في السكن، حتى تدفعه للطاعة والجد في المذاكرة.
والحرص على اختيار الصحبة الصالحة في الجامعة له أثره الكبير في التفوق والاستقامة، فلا يصاحب الطالب إلا مؤمنًا ولا يرافق إلا تقيًّا، وعليه أن يعلم أنه لم يأت للجامعة إلا من أجل العلم وتطوير المهارات والقدرات ونفع الوطن، ولم يأت للعبث أو المحرمات.
الحرص على التوازن في شخصيته، والتخطيط ليكون قويَّ الجسم، مَتينَ الخُلُق، مُثقفَ الفكر، سليم العقيدة، صحيح العبادة، مُجاهدًا لنفسه، حريصًا على وقته، مُنظمًا في شؤونه، نافعًا لغيره(4).
شخصية جديدة
يعيش الطالب خلال المرحلة الجامعية في ثوب جديد، عنوانه “مزيد من الحرية”، فعليه أن يستفيد منها ولا يستغلها بشكل خاطئ، لذا لا بُد من أن يحرص على:
- رسم شخصيته بأدب، فيجعل معيار حريته تعاليم دينه، وحدود أخلاقه، وخوفه من الله- سبحانه وتعالى-، وليعلم علم اليقين أن وصوله لهذه المرحلة إنما هو إرادة الله تعالى، واختياره.
- الوقت هو الحياة، فلا يضيع حياته: “لا تزولُ قدَما عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يسألَ عن عمرِهِ فيما أفناهُ، وعن عِلمِهِ فيمَ فعلَ، وعن مالِهِ من أينَ اكتسبَهُ وفيمَ أنفقَهُ، وعن جسمِهِ فيمَ أبلاهُ” (صحيح الترمذي).
- يُواجه المواقف بثبات ويقين وحكمة وتروٍّ؛ وحُسن تصرف وعدم انسياق وراء المشكلات أو المظاهر الكاذبة، كما سيقابله من أصناف الناس وسلوكياتهم ما لم يألفه فلا يخدعنه بريق صنيعهم.
- التحاور بأدب وحسن اختيار الكلمات والألفاظ، فسنّه ومقامه لم يعد يسمح بإصدار الكلمات الطائشة التي قد يكون لها عواقبها.
- العمل على اكتساب المعرفة مهما كانت شاقة، ومعالجة القصور لمتابعة خط السير الدراسي(5).
سلوكيات وأخلاقيات لا بد منها
على الطالب في المرحلة الجامعية أن يلتزم ببعض السلوكيات ليسجل نفسه في لوحة الشرف الأخلاقي سواء مع نفسه أو بين زملائه أو مع أساتذته والعاملين، ومن هذه السلوكيات:
- أن يكون ملتزمًا بتعاليم دينه الإسلامي الحنيف عاملًا بما دعا إليه من الفضائل وتاركًا ما نهى عنه من الرذائل.
- أن يكون بعيدًا عن الشبهات، مهتمّا بشؤونه، بعيدًا عن التفكير في إيذاء غيره، حريصًا على النفع والانتفاع ما استطاع.
- وأن تكون علاقته حَسنة مع أساتذته وزملائه في الجامعة والوسط الجامعي بوجه عام والمجتمع ككل.
- التّعرف والاطلاع على لوائح وأنظمة الجامعة والقوانين والتعليمات النافذة فيها والالتزام بها.
- عدم القيام بأي سلوك يتنافى مع الدين والأخلاق ويُؤثّر في الوضع الأكاديمي والمهني، ويتنافى مع أخلاقيات الجامعة ورسالتها وقيمها وأهدافها.
- الالتزام بالملبس والمظهر اللائق الذي يجب أن يكون عليه الطالب الجامعي بما لا يتعارض مع دينه ثم الذوق العام.
- مراعاة الله في السّر والعلن عند استخدام مرافق وممتلكات الجامعة والمحافظة عليها بما يُحقق النفع له ولزملائه.
- عدم ارتكاب أي فعل غير مشروع أو المشاركة فيه أو المساعدة عليه، وعدم تحريض الغير على القيام به أو التستر عليه(6).
ما يجب على الوالدين
لا يعني انتقال الطالب إلى المرحلة الجامعية التخلي عنه، فعلى أولياء الأمور واجبات يجب الالتزام بها، ومنها:
- غرس أهمية أن يصبح الطالب نافعًا لنفسه وغيره، وغرس معاني تطوير الذات.
- تأكيد معاني المسؤولية وتحملها، لكي يدرك الطالب أن هناك تحديات نفسية واجتماعية كبيرة تواجه الخريج.
- معاونة الطالب على تحديد هدف لبلوغه، فأكثر الطلاب يدرسون لتحصيل شهادة الإجازة، ولا يهمهم أي مسلك يأتيهم عن طريقه تلك الإجازة.
- تحفيز الطالب على المعرفة وزيادة الوعي الثقافي عن طريق تقدير أهمية المكتبة العامة وغيرها من المكتبات.
- تحريض الطلاب على ضبط مهارات التعلم والتفكير والاهتمام ببعض الأمور الفنية كالاعتناء بتحسين الخط، فمن المحزن حقًّا أن نرى أكثر الطلبة لا يجيدون الكتابة الصحيحة(7).
- هكذا فإن المرحلة الجامعية ميدان كبير للعلم وتهذيب السلوك وتحقيق الأهداف والغايات، ولا بد من استغلال هذه المرحلة في تحديد المصير والإعداد للمستقبل، حتى لا يصطدم الطالب بواقع مرير يقضي على طموحاته وأحلامه، سيما أن الكثير من الكليات والجامعات لا تتفق واحتياجات سوق العمل الفعلي.
لذا، فإن أولويات المرحلة الجامعية هي: الاجتهاد في التعليم، والحفاظ على النفس داخل مجتمع الجامعة، ووضع الاستراتيجيات، والحصول على ما يؤهلنا لسوق العمل الواقعي والفعلي قبل التخرج.
المصادر والمراجع:
- ياسر عبد الكريم بكار: عشرة أمور تمنيت لو عرفتها قبل دخولي الجامعة: دار وجوه للنشر والتوزيع، الرياض، الطبعة الثانية، 2010، صـ6.
- محمد بركات: ما هي أهمية الجامعة؟، 20 يناير 2019.
- مروة فاضل: “الجامعة بيتك فحافظ عليها“.. في الملتقى القومي الثاني لطلاب المنوفية: 20 أكتوبر 2014.
- فتحي بوخاري: 5 نصائح للطّالب الجامعي الجديد، 24 يوليو 2018،
- 7 نصائح هامة عند بدء عام دراسي جديد: 22 أغسطس 2021.
- سلوكيات وأخلاقيات الطالب الجامعي: جامعة الريان، المدينة المنورة.
- حنان محمد السيد أبو صيرى: دعم الوالدين للأبناء لتأدية المهام والمسئوليات الدراسية وعلاقته بالسلوك الإستقلالي للأبناء، مجلة بحوث التربية النوعية، 24 يناير 2012، صـ283 وما بعدها.