يحرص الإسلام على الاستفادة من أوقات الفراغ بما يُحقق أهداف التربية الإسلامية، ومن ثم أصبحت المراكز الصيفية ضرورة للشباب والأسرة على حدّ سواء، بل تخطت ذلك لتصبح مطلبا أمنيا وحصنا فكريا.
وتكتسب المراكز الصيفية أهمية كبيرة في حماية أبنائنا من الحرب الناعمة والانحراف الفكري والسّياسي، وتقويم سلوك الشباب وتعزيز المفاهيم لديهم، واستغلال فترة العطلة في دراسة القرآن الكريم وعلومه الشرعية، والاستزادة من المنهج الروحي والمادة الثقافية التي تزيدهم معرفة ووعيا.
مفهوم المراكز الصيفية وأهميتها
تجمع المراكز الصيفية بين العديد من الأنشطة التي تستوعب طاقات الشباب سواء كانت رياضية أو ثقافية أو اجتماعية أو ترفيهية وغيرها، وتعد بمثابة تجمع تربوي يتضمن مجموعة أنشطة دينية وتربوية وثقافية واجتماعية هادفة ومتنوعة ومتعددة الأهداف والمجالات لاستثمار أوقات الفراغ لدى شريحة من المجتمع تحت إشراف تربوي وَفق خطة زمنية محددة، وتُعقد عادة أثناء العطلة الصيفية(1).
وتنبع أهمية هذه المراكز من كونها تهتم بعنصرين، هما الناشئة وأوقات الفراغ، وهي من أكبر المؤسسات التي يمكن أن تستوعب طاقات الشباب خاصة والناس عامة وتستثمرها في العطلة الصيفية، وتكمن أهميتها في النقاط التالية:
- استثمار وشغل أوقات الفراغ لدى الطلاب والطالبات خلال الإجازة الصيفية.
- ترسيخ العقيدة الإسلامية في نفوس الشباب وتعزيز روح الانتماء لدينهم.
- تزويدهم بأنشطة وبرامج دينية وثقافية وترفيهية واجتماعية تعمق قيم الولاء والانتماء للوطن.
- استثمار أوقات الفراغ وبناء الشخصية المتوازنة وإشباع حاجات الشباب المختلفة.
- تنمية الثقافة بما يتفق مع المنهج الإسلامي، والعمل على تسليح الشباب بالعلم والمعرفة وتحصينهم من الثقافات المغلوطة والأفكار الهدّامة.
- صقل مواهب الشباب وتوجيه طاقاتهم الوجهة السليمة، مع تدريبهم على العمل الجماعي وتحمل المسؤولية، والتخطيط والتنفيذ للبرامج والمشروعات(2).
صعوبات على الطريق
كانت المساجد ساحة رحبة تضم المراكز الصيفية التي تحتوي الشباب والفتيات، لكن مع التقدم التكنولوجي وضعف المربين واضطهادهم وضعف الدعم المالي قلّت الأنشطة فيها لمصلحة التكنولوجيا الحديثة.
وقد كانت المساجد مقرًا لهذه المراكز، وبخاصة في السبعينيات من القرن الماضي، ونادرًا ما كان يخلو مسجد من برامج دينية وثقافية للصغار والكبار، ثم اهتمت بها الحركات الإسلامية وكثير من الدعاة والمربين، لكنها ضعفت مع الوقت لما ذكرناه من أسباب وغيرها، مثل:
- عدم وجود الجدية والالتزام لدى بعض مُنظِّمي الدورات الدينية والتثقيفية.
- ضعف أداء بعض المعلمين، وغياب البعض الآخر، مع عدم التزام بعض المعلمين بموعد الدرس.
- عدم توزيع الطلاب في الفصل؛ من حيث المستوى التعليمي، والذكاء، والعمر.
- وعدم متابعة بعض المراكز الطلاب الغائبين والمتسربين، ناهيك عن عدم ملائمة المكان لتعليم الطلاب، وقصر مدة الدورة(3).
والمركز الصيفي له العديد من الأهداف، مثل:
- تربية الطلاب على مبادئ الإسلام وإعدادهم ليكونوا لبنة صالحة في مجتمعهم.
- الاستفادة من أوقات الفراغ، والحفاظ على أوقات الشباب من الضياع في العطلة الصيفية.
- إعداد جيل من الشباب يتحمل مسؤولية تنمية وطنه.
- تدريبهم على بذل الجهد والتعاون والاعتماد على النفس.
- التقاء الشباب بعضهم ببعض، وتبادل الخبرات، وإثراء فن الحوار والتعامل مع الآخرين لدى الطلاب(4).
الإمام البنا والإجازات الصيفية
وبخلاف المركز الصيفية التي اهتم بها الإمام حسن البنا، كانت هناك طرق أخرى اتبعها مؤسسة جماعة الإخوان المسلمين لتربية جيل يفهم حقيقة الإسلام بمفهومه الشامل وغير المقتصر على جانب من جوانبه، حيث سعى إلى وضع أطر وأهداف تربوية ووسائل عملية لاستغلال الصيف في التربية، ومنها الرحلات التي تعددت أوجهها، مثل:
- رحلات ثقافية دراسية واستكشافية مثل رحلات الصحاري والجبال والمتاحف والآثار والمعابد والمعارض للوقوف على التطورات العلمية ودور الكتب والمصانع.
- رحلات رياضية لممارسة ألعاب القوى، والسويدي ورياضة التسلق والتجديف والسباحة.
- رحلات للبحث عن الفن والجمال في الطبيعة مثل الرحلات الشاطئية والقمرية للحقول ومجامع الأشجار والحدائق.
- رحلات اجتماعية لزيارة القرى والبلدان المجاورة ونشر الفكرة الإسلامية(5).
واهتم الإمام البنا بالمعسكرات التي كانت تهدف إلى تدريب الفرد على التخلص من العادات المألوفات غير المرغوب بها ومنحه قدرة على مقاومة عاداته السيئة إما بالتقليد أو حافز داخلي ينشأ من الرغبة في الاتصاف بأخلاق يراها المثل الأعلى له، وتعويد الفرد على سلوك روحي إسلامي مثل صلوات التهجد الجماعة وتلاوة القرآن الأذكار.
وكانت هذه الأمور تهدف إلى تدريب الفرد على تحمل المشاق والاعتماد على النفس وحسن التصرف وضبط النفس وتحمل المسئولية والنظام والإتقان، والشجاعة، وتدريب بعض الأفراد على أعمال القيادة، مع تنمية الإحساس بالآخرين وتنمية خلق التعاون والجماعية والمؤاخاة(6).
وهو ما ذكره الإمام البنا في قوله: “يجب أن نرشد الناشئ إلى مصاحبة الأخيار، ونُبين له فضيلة ذلك، وننزعه ونحول بينه وبين مخالطة الأشرار، مع شرح ما يستهدف له من الخطر إذا صاحبهم وعرف بصداقتهم، وعلينا أن نُفهم الآباء ذلك بالنشرات والمحاضرات والإرشادات وبكل وسيلة ممكنة”.
وأكد الإمام البنا أهمية مراكز الصيف بقوله: “الأندية والمحال العمومية: وهذه لها عظيم الأثر في نفس الناشئ، فيجب أن يعرف منها بكل خلق ديني، ويبعد عن كل ما يضم مفاسد الدين والخلق كالمسارح الهازلة والمراقص الخليعة والقهاوي الموبوءة، ويرشد إلى أمثال أندية الجمعيات الإسلامية)(7).
تحفيز الشباب للانضمام إلى المركز الصيفي
تحتاج المراكز الصيفية إلى معالجة السلبيات التي قد تكون عائقًا أمام تطورها، والعمل على وضع أطر واستراتيجيات تشجع الشباب على ارتياد هذه المراكز، وذلك بتأهيل المربين والقائمين عليها وإعدادهم إعدادًا جيدًا لاستيعاب الشباب وتفكيرهم ومراحلهم العمرية وطاقتهم المختلفة.
وتحتاج هذه المراكز، أيضًا، إلى وضع أفكار ومهارات ودورات جديدة تشجع الشباب على الارتباط بها، والنزول إلى سوق العمل والاعتماد على الذات.
تكثيف جانب العرض والدعاية، بهدف الوصول إلى الشريحة المستهدفة، وتقديم خدماتها لهم، وعمل نشرات بأهمية هذه المراكز وأنشطتها والردود على استفساراتهم.
أهمية تنويع الأنشطة في المركز الشبابية، لتكون حافزًا حقيقيًّا لاستقطاب الشباب، كإعطاء مكافئات مالية بنهاية النشاط الصيفي فضلًا عن ألعاب وشهادات تقدير، ويمكن إقامة رحلات برية وبحرية داخل البلاد، كما يُمكن القيام بسفريات خارجية مدعومة، لزيارة البلاد ذات الحضارات المختلفة(8).
المصادر والمراجع:
- عباس سبتي: البرامج الصيفية (أهدافها، أنواعها، أثرها)، 13 فبراير 2013.
- علي فرحة الغامدي: الأندية الصيفية: (المفهوم ــ الرؤية ــ الرسالة ــ الأهداف)، 1 شوال 1440ه.
- عباس سبتي: مرجع سابق.
- اللاجئ إلى الله: الأهداف العامة لأنشطة المراكز الصيفية.
- د/ على عبد الحليم محمود: وسائل التربية عند الإخوان المسلمين دراسة تحليلية تاريخية ، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1989م.
- عثمان عبد المعز رسلان: التربية السياسية عند الإخوان المسلمين، في الفترة من 1928 إلى 1954 في مصر : دراسة تحليلية تقويمية، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1990م.
- مجلة الشبان المسلمين الشهرية، السنة الثانية، المجلد الثاني، الجزء الثالث، شعبان 1349ه/ ديسمبر 1930م، صـ 188.
- حسام مبارك، نشوى فكري: المراكز الشبابية .. عاجزة عن جذب المستهدفين خلال الصيف، 15 يونيو 2016.