جاءت الشريعة الإسلامية للمحافظة على ضروريات الحياة الخمس، والتي تُشكِّل كينونة الإنسان المادية والمعنوية، وهي: الدين والنفس والنسل والعقل والمال؛ وتعاطي المخدرات يخل بهذه المهمة، فمتعاطيها لا يبالي بأحكام دينه، ولا يلتفت لواجبه نحو خالقه، ولا يراعي حقوق مجتمعه ولا الناس من حوله؛ ومجموعات المدمنين على المخدرات تكثر جرائمهم في حق أنفسهم والآخرين.
وتُشير كثير من الدراسات إلى أن الظروف الأسرية المُفككة ينشأ فيها متعاطو المواد المخدرة التي تعد خطرًا مميتًا. وفي هذا الموضوع نرصد أبرز المشكلات التي تُؤدي إلى الوقوع في مصيدة المُسكرات والمُخَدّرات، ونسوق مجموعة من الحلول لها.
معنى المخدرات والمسكرات
وتُعرف المخدرات بأنها كل “مادة خام” كانت أو مستحضرة، تحتوي على عناصر مُخدّرة ومُدرجة في أحد الجداول الرسمية المُعدّة لذلك، وإذا تكرّر استعمالها في غير الأغراض العلاجية ودون رقابة طبية، تُؤدّي إلى نشأة حالة تسمّم لدى المستهلك تفرز إدمانًا وتبعية لها لا يُمكن التخلّص منها إلاّ بالمواظبة على متابعة نظام علاجي دقيق لتخليصه مما عَلَق من تسمّم يعرف بنظام العلاج المخلّص من التسمّم.
والمُسكِرات هي جمع مُسكِر وهو مأخوذ من السُّكر وهو ضد الصَّحو، والسكر في الاصطلاح: نشوة تزيل العقل أو تغطية بما فيه شدة مطربة كالخمر، وقال الشافعي: السكران هو الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سكره المكتوم.
أسباب انتشار المخدرات والمسكرات
وتتعدد أسباب انتشار المخدرات والمسكرات في العالم، ويأتي على رأسها:
- ضعف الوازع الديني: ذلك أن المتمسك بالدين يبعد الإنسان عن المسكرات والمواد المخدرة بيعًا وشراءً وترويجًا وتهريبًا، وتعاطيًا.
والشخص كلما كان بعيدًا عن المسجد ومجالس الخير والتربية الصالحة، كان قريبًا من المُسكرات وغيرهما من طرق الغواية، قال الله تعالى: (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].
وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “لَا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهو مُؤْمِنٌ، وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهو مُؤْمِنٌ” (رواه البخاري).
- الفراغ وقرناء السوء: وهو أحد الأسباب الرئيسة للدخول في عالم المسكرات والمواد المخدرة سواء كان ذلك فراغًا في الوقت أو فراغًا في العلم والثقافة، وقد أثبتت الإحصاءات والدراسات واللقاءات الميدانية مع السجناء أن معظمهم من المراهقين الذين لا يقدرون قيمة الوقت، ولا يعرفون كيف يشغلونه بما ينفع، لهذا سهل اصطيادهم ووقوعهم في شرك المسكرات والمواد المخدرة.
وقرناء السوء- أيضًا- لهم تأثير كبير في انتشار هذه الموبقات، لسرعة تأثير الشباب على بعضهم، والنصوص من كتاب الله وسنة رسول الله تؤكد هذا المعنى، قال تعالى: ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَىٰ يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا (27) يَا وَيْلَتَىٰ لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (28) لَّقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنسَانِ خَذُولًا (29)) [الفرقان]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم-: “المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل” (أبو داود والترمذي).
- المشكلات الأسرية: إن كثيرًا من مظاهر التوافق أو سوء التوافق ترجع إلى نوع العلاقات الإنسانية في الأسرة، حيث تتوافر الخبرات الأولى في حياة الطفل إما بخضوعه للتعليم المباشر من والديه وأفراد أسرته وإما تأثرًا بالتعليم غير المباشر حيث يستقي من هؤلاء اتجاهاتهم ومعتقداتهم وأنماط سلوكهم خلال مواقف حياتهم اليومية.
لذا، فإنه إذا دبّ خلاف بين الزوجين على أمر من الأمور يحسن أن يكون النقاش بعيدًا عن الأطفال حتى لا يكون له آثار عكسية، إذ يبحثون عن جو أكثر هدوءًا من جو البيت الذي يعج بالمشكلات، لأنهم لا يستطيعون إبداء وجهات النظر إذ انضمامهم للأم يجعل الأب ينفر منهم ويتصرف تصرفًا سيئًا وذلك بطردهم من البيت، فتبدأ الرحلة مع المواد المخدرة.
- السفر إلى الخارج والتقليد الأعمى: فكثيرًا ما يكون انتشار المواد المخدرة في البلدان عن طريق سفر أبنائها إلى الخارج، ففي البلاد الأجنبية اللادينية يجد الإنسان فيها كل محرم من العهر والمسكرات إضافة إلى أنّ مُروجي هذه المواد في تلك البلاد يبحثون عن فريسة جديدة بغية توسيع نشاطهم التجاري على حساب مستقبل الآخرين.
أضرار المواد المخدرة
وتتنوع أضرار المخدرات والمسكرات على الإنسان بين دينية وخُلقية واجتماعية، وذلك على النحو التالي:
- الأضرار الدينية: للمواد المخدرة أضرار بالغة على الدّين من عدة جوانب، فهي مضيعة للأوقات مُذهبة للعقول، ومتى ضيع الإنسان أوقاته وذهب عقله فسيجره ذلك لتضييع أعظم ركن من أركان الإسلام ألا وهو الصلاة.
- الأضرار الخُلقية: قال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر”، ولا شك أن لهذا المفتاح الآثم نصيب الأسد في انحلال الأخلاق وانتشار الفساد وتهتك المجتمع الذي ينتشر فيه، لذا نرى الجرائم تشتعل بين أفراده، سيما جريمة الزنا التي لها الحظ الأوفر عند متعاطي هذه المواد، وفي الحديث: “اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث”.
- الأضرار الاجتماعية: وللمُسكرات والمواد المخدرة أضرار اجتماعية، منها على سبيل المثال اشتعال نار العداوة والبغضاء بين طبقات المجتمع، وتفكك الأسرة، وانتشار الجريمة بجميع أنواعها، وتفشي البطالة، والانتحار، ويدل على ذلك التقارير التي تشير إلى أن أكثر من نصف الجرائم لها علاقة بتعاطي هذه المواد.
الوقاية خير من العلاج
لقد اهتم الإسلام بحماية الإنسان من المخدرات والمسكرات التي تذهب العقل وتُؤدي إلى الوقوع في المحرمات، ودمار الحياة، وذلك من خلال:
- العناية التامة بتربية الفرد والأسرة: إن غاية التربية في الإسلام هي أن يحيا المسلم حياة سعيدة في الدنيا تنتهي به إلى السعادة أبدية في الآخرة، ولكي يتحقق ذلك لا بد أن ينشأ المسلم نشأة صالحة ويكتسب أنماطًا سلوكيةً حسنة من الوالدين أو من يقوم مقامها ممن يقتدي به الناشئ.
وكما يعتني الإسلام عناية فائقة بتربية الفرد فإنه في الوقت نفسه يعتني بتكوين الأسرة وتنشئتها بدءًا من حسن الاختيار في الزواج، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: “إذا أتاكُم من تَرضونَ خُلقهُ ودينهُ فزوّجوهُ، إلا تفعلوا تكنْ فتنةٌ في الأرضِ وفسادٌ عريضٌ”.
ومن مظاهر عناية الإسلام بالأسرة الأمر بالمعاشرة بين الزوجين بالمعروف، قال تعالى: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19)} (النساء)، وقال النبي- صلى الله عليه وسلم-: “أكْملُ المؤمنينَ إيمانًا أحسنُهُم خلقًا، وخيارُكُم خيارُكُم لنسائِهِم” حديث حسن صحيح.
- المداواة بالعبادة: فعن طريق غرس القيم الإسلامية ومتى تم ذلك تبعه ترغيب الناس في العبادة وتحبيبها في جو إيماني بعيد كل البعد عن جو الرذيلة وحب المنكرات، لأن القلب الإنساني دائم الشعور بالحاجة إلى اللهو وهو شعور أصيل صادق يملأ فراغه شيء في الوجود إلا حسن الصلة برب الوجود، فالقلب لا يصلح ولا يطمئن إلا بعبادة ربه والإنابة إليه، والعبادة التي نشير إليها هي ما تعنيه هذه اللفظة من الشمول والكمال.
يقول ابن تيمية: العبادة اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه في الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة، فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وأداء الأمانة وبر الوالدين وصلة الرحم والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد والإحسان إلى الجار واليتيم والمسكين والدعاء والقراءة وأمثال ذلك من العبادة، وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين والصبر والشكر لنعمه والرضا بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك من العبادات لله.
- العقوبة الرادعة: العقوبات- كما يقول الماوردي- زواجر وضعها الله تعالى للردع عن ارتكاب ما حظر وترك ما أمر، وقد أوجب الشرع العقوبة في المسكرات والمخدرات، أما المسكرات ففيها الحد الشرعي وهو ثمانون جلدة، وأما المواد المخدرة فاختلف الفقهاء في عقوبة متعاطيها، فذهب جمهور الفقهاء (الحنفية، والمالكية والشافعية والحنابلة) إلى أن عقوبتها تعزيرية متروكة لاجتهاد الحاكم حسب حال المتعاطي والآثار المترتبة على تعاطيه، وذهب بعض أهل العلم كابن تيمية وابن القيم والذهبي والزركشي إلى أن عقوبة متعاطي المخدرات هي حد السُّكر.
وعلى الأسرة مسؤولية لوقاية الأبناء من المخدرات، أو حتى علاجهم إن وقعوا في شراكها، وذلك عبر خطوات، أهمها:
- توعية الأبناء بأضرار المخدرات: فالنقاش الهادئ يفتح الباب لتقبل النصائح. أظهر لابنك الأضرار المترتبة عليها نفسيا وجسديا، والتي قد تصل به للسجن أو الوفاة.
- تجنب العنف والقسوة في التعامل مع الأبناء، خصوصا أثناء تقديم النصيحة أو العلاج.
- توفير جو أسري هادئ: خالٍ من المشاكل والصراعات يجذب الابن إليه ويدفعه للاندماج فيه وعدم الهروب منه بتعاطي المخدر وخلق عالم بديل.
- علاج الأمراض النفسية: إذا كان ابنك يعاني من أمراض نفسية مثل الاكتئاب أو اضطراب ثنائي القطب فيجب خضوعه للعلاج بشكل فوري حتى لا يكون سببًا في تعاطي المخدرات.
- مراقبة الأصدقاء المحيطين بهم: انتبه إلى نوع الأشخاص ودوائر الأصدقاء والمحيط الاجتماعي الذي يحيط بابنك وتأكد من أنه محيط لا يشجع على التعاطي، مع مراقبة الأدوية والوصفات الطبية التي يتم تداولها في منزلك.
- عدم منحهم كميات كبيرة من النقود: تجنب منح ابنك كميات مبالغًا فيها من النقود حتى لا يكون إغراء لتجار المخدرات في استغلاله ودفعه للتعاطي وبالتالي يسهل عليه الحصول عليها.
- عدم تعاطي المخدرات في المنزل: أنت قدوة لأبنائك وأفضل شخص في حياتهم، لذا إذا كنت تتعاطى المخدرات في المنزل فإنهم يسارعون في تقليدك بالتبعية، ولكي تجنبهم تعاطى المخدرات ابدأ بنفسك أولًا ولا تتعاطاها في المنزل أو خارجه.
- إشغال وقت الفراغ: عدم ترك مساحة كبيرة من الفراغ لأبنائك والبحث عن هواية، وتشجيعهم على ممارسة الرياضة يمنعهم من التفكير في المخدر.
ولا يقتصر دور الوقاية من المخدرات على الأسرة، فهناك مسؤولية كبيرة تقع على عاتق المجتمع لحماية أفراده من المخدرات وآثارها الضارة، ومن ذلك:
- إطلاق حملات إعلامية للتوعية.
- تصحيح الشائعات المنتشرة حول المخدرات.
- منع الوسائل الدعائية التي تشجع على المخدرات.
- التوعية بالأمراض النفسية التي تؤدي للإدمان.
- وضع قوانين وتشريعات لمنع تداول المواد المخدرة.
إنّ المخدرات والمسكرات لها خطورة كبيرة على الكبار والصغار، ولا بُد من اتباع جميع الوسائل التربوية للوقاية من هذا الداء العضال، باللجوء إلى المنهج الإسلامي لتقوية الوازع الديني في النفوس، والتوعية بأضرار المواد المخدرة، وإصلاح أجهزة الإعلام، وإفساح المجال للمساجد لأداء دورها ورسالتها في توعية الأسرة.
ولا بُد من تضمين المناهج الدراسية في المراحل التعليمية المختلفة، الطرق السليمة في تكوين أسرة سليمة قادرة على القيام بأدوارها المختلفة، وتشجيع المؤسسات والمراكز والهيئات الاستشارية المتعلقة بدراسة الأسرة وعمليات تكوينها حتى تقوم بدورها الإيجابي تجاه أبنائها.
المصادر والمراجع:
- فريال معروف مولود: دراسة بعنوان (تحصين النشء ضد خطر المسكرات والمخدرات).
- مجلة النذير: العدد (2)، السنة الثانية، 8محرم 1357ﻫ/ 28 فبراير 1939م، صـ 11.
- عثمان عبدالمعز رسلان: التربية السياسية عند الإخوان المسلمين، دار التوزيع والنشر الإسلامية، 1990م، صـ437-438.
- المُخدرات.
- طرق الوقاية من المخدرات وتجنب الوقوع في الإدمان