تكثر المخاوف الوهمية لدى الأطفال مع بداية إدراكهم ووعيهم ما يدور حولهم من وقائع وأحداث، فمنهم مَن يتوتر حينما يذهب إلى الحمّام وحده، وبعضهم يخشى من الظلمات أو الأصوات المزعجة مثل نباح الكلاب أو مواء القطط، ومع الوقت تتراكم تلك المؤثرات والاضطرابات على هيئة مخاوف حقيقية لدى مخيلة الصغير.
وقد تنعكس هذه المخاوف على شخصية الطفل مستقبلاً إذا ما عُولجت، ما يتطلب من أرباب الأسر إدراك أن الأطفال أصحاب أحاسيس ومشاعر مُرهفة وأنهم معرضون إلى الخوف والتخيلات، خصوصًا مع بداية أعمارهم، الامر الذ يفرض عليهم مواجهة تلك المخاوف تدريجيًّا بالعديد من الوسائل.
الإسلام يواجه المخاوف الوهمية لدى الأطفال
إن تربية الصغار في الإسلام لا تتوقف عند تقويم السلوك وغرس الأخلاق وتوفير الاحتياجات الإساسية، حيث لا بُد من تبديد المخاوف الوهمية لدى الأطفال وتحقيق الأمن والأمان لهم، فالله- تبارك وتعالى- يقول: {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْف} [قريش – 4].
وتعدّدت الآيات القرآنية عن أهمية الأمن والسّكنية، منها قول الله- جل وعلا- {وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَن يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ} [البقرة: 248]، وقول الله تعالى: {ثُمَّ أَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [التوبة: 26]، وقال- عز وجل-: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَّعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الفتح: 4].
وأكدت السُّنة النبوية المطهرة، ضرورة غرس الطمأنينة في قلوب الأطفال وعلاجهم من الخوف، من خلال بعض الأدعية، منها ما قاله النبي- صلى الله عليه وسلم-: “ما من عبدٍ يقولُ في صباحِ كلِّ يومٍ ومساءِ كلِّ ليلةٍ بسمِ اللَّهِ الَّذي لا يضرُّ معَ اسمِهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السَّماءِ وَهوَ السَّميعُ العليمُ ثلاثَ مرَّاتٍ إلا لم يضرَّهُ شيءٌ”.
ومع ذلك فإن الخوف سلاح ذو حدين، لو ظل في معدله وصورته الطبيعية؛ يؤدي إلى حفظ الفرد وحمايته من من المخاطر، أما إذا زاد عن حده وتحول إلى خوف مرضي؛ فسيتحول إلى عقبة ومانع يعوق حرية الطفل ما يؤدي إلى نقص قدراته على مواجهة الحياة.
أسباب المخاوف الوهمية لدى الأطفال
كان العلماء يعتقدون أن الطفل يُولد مزودًا بغريزة الخوف، لكن الدّراسات الحديثة تُشير إلى أنّ المخاوف الوهمية لدى الطفل لا تبدأ قبل الشهر السادس، وترتفع وتيرتها إلى أن تبدأ في الخفوت بعد سن السادسة وهي بداية مرحلة النضوج العقلي للطفل. وهذه المخاوف لها أسباب عامة نذكر بعضها في النقاط التالية:
- التدليل الزائد: قد تكون المخاوف ناتجة عن التدليل الزائد أو النقد المستمر أو القسوة المفرطة، فالنقد الزائد للطفل يولد شعورًا قويًّا لديه بالخوف من الوقوع في الخطأ، ما يُؤدي في النهاية إلى فقدانه ثقته في نفسه. والتدليل يجعله واهن العزيمة غير قادر على تحمّل مشاق الحياة، ما يشعره بالخوف من كل تجربة أو خبرة جديدة يمر بها، فالأمر يحتاج إلى توازن بين الإفراط والتفريط.
- تخويف الطفل: خصوصًا في المراحل العمرية المبكرة، حيث يعتمد تفكيره على الخيال الخصب، والبعد عن الواقع، لذا فهو يخضع في تفكيره للعوامل الخارجية أكثر من اعتماده على المنطق والعقل والتدبر في الأمور.
- رد فعل الوالدين المبالغ فيه: فالارتِباك والهلع الذي يصيب الأمهات عند تعرّض الطفل لأي معاناة، يعزز ذلك السّلوك لدى الطفل.
- الصراعات الأسرية: فجوّ المشاحنات المستمرة يُولد خوف عند الأطفال من المستقبل.
- التأثير على الآخرين: فقد يستخدم الطفل ذلك الخوف للسيطرة على الوالدين وجذب الانتباه له، وهذه الطريقة تُعزز وجود الخوف عند الصغار، فيصبح تجربة مريحة ومؤلمة في آنٍ واحد.
- الضعف الجسمي أو النفسي للطفل: فهو يُقلل الدفاعات السيكولوجية للطفل، ما يكون لديه مخاوف من الاحتكاك بالناس أو المواقف المختلفة.
أنواع الخوف عند الصغار
وعن أنواع المخاوف الوهمية لدى الأطفال الصغار، فقد أكدت دراسات أنّ 90% من الأطفال قبل سن السادسة لديهم مخاوف من أشياء ومصادر متعددة، منها:
- الخوف من الظلام: وهو طبيعي يعتري الصغار والكبار، فالعقل البشري لا يستطيع التعامل مع المجهول، والظلام يجعل ما حولنا مجهولا، وخوف الطفل من الظلام هو إحدى علامات عدم الفهم الكامل لأي ظاهرة يتعرض لها الإنسان، فالطفل بعقليته المحدودة لا يستطيع أن يدرك أن الأشياء موجودة حتى وإن لم يرها، لأن الأشياء ثابتة ولا تتحرك بمفردها.
- الخوف من الحيوانات: هو نوع من الخوف يعاني منه الكثير من الأطفال من سن 2-4 سنوات، وليس من الضروري أن يكون الطفل قد تعرض إلى حادثة معينة مع الحيوانات التي يَرهَبها، أو أنه قد رأى أحدًا قد ناله أذى من تلك الحيوانات، لكن هي مرحلة يمر بها الطفل نتيجة لقلة خبراته وخوفه من كل جديد غير مألوف بالنسبة له، وسرعان ما تتبدد تلك المخاوف مع نضج الطفل.
- الخوف من الموت: وهو شيء طبيعي حتى لو وُجد لدى الكبار، فَفَهم الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة لحقيقة الموت وتصوره في مثل تلك المرحلة قد لا يكون صحيحًا أو مكتملًا بصورة كبيرة، ويبدأ اكتمال مفهومه نحو الموت في سنوات عُمره المتقدمة، فطفل العاشرة غالبًا ما يستطيع فهم الموت كظاهرة. وقد يكون ذلك الخوف ناتجًا عن مروره بخبرات غير سارة حول طبيعة الموت، وهي عادة المواقف التي تصاحب حالات الموت في أسرنا من البكاء والصراخ والنواح والحزن.
علاج الخوف عند الصغار
وعلاج المخاوف الوهمية لدى الأطفال يتطلب من الوالدين القيام ببعض الأمور منها:
- أن يكونا مثالا للهدوء والاستقرار في تصرّفاتهما أمام طفلهما الخائف، بحيث يكون الجو الأسري المحيط بالطفل باعثًا على الطمأنينة والأمان.
- تقليل الحساسية نحو مصدر الخوف، والقاعدة العامة هي أن الأطفال تقل حساسيّتهم من الخوف عندما يتم إقران موضوع الخوف أو الفكرة المثيرة له بأي شيء سار، فمثلا لو وضعنا شيئا يحبه الطفل في حجرة شبه مظلمة، ونقول له اذهب واحصل على هذا الشيء من الحجرة.
- محاولة مناقشة حقيقة الموت مع الطفل بصورة عقلانية وتوضيح ما يحدث بصورة مبسطة يستوعبها عقله، فلا بد من توضيح أن مَن يموت يذهب إلى الجنة ليتنعّم فيها، مع عدم ذكر النار وما فيها من أهوال فهذا وقت للترغيب لا للترهيب.
- عدم الاستهزاء أو التقليل من حالة الخوف التي يتعرّض لها الطفل، حتى لا يخفي مخاوفه مستقبلا، ما قد يؤدي لتفاقم الأمر من الناحية النفسية.
- لا نحاول إجبار الطفل على عمل شيء لا يريده، مثل: الجلوس بمفرده في الظلام، فقد يصيبه هذا بنوبات ذعر تؤدي إلى زيادة الخوف لا تقليله.
- تربية الطفل على الشجاعة ولا نخجل من مخاوفه، وسرد القصص التي تعزز هذا الجانب في شخصيته.
- تقديم نماذج جيدة في التعامل مع المخاوف التي تثير شعور الخوف لدى الطفل، فالأب الذي يخاف من الفأر مثلا، يحاول أن يكتم تلك المخاوف أمام طفله ولا يظهرها أمامه.
- اتباع استراتيجيات للتعايش، ففي حالة خوف الطفل من الظلام، يمكن للأب الجلوس مع الطفل، ثم يخفض النور قليلاً، ويشعره بأنه معه في أمان، أو ينام الأب مع الطفل في حجرته والباب مفتوح ثم يغلق الباب كل يوم بشكل أكبر من اليوم الذي قبله ليتعوّد على الظلام ولا يخافه.
- إكساب الثقة للطفل عن طريق قراءة آيات قرآنية مثل: الفاتحة والمعوذتين، ليتخلص الطفل من خوفه.
- التحدث إلى الطفل وتوضيح له أن الخوف طبيعي ولكن يجب ألا يسيطر عليه فيجعله يلغي عقله.
المصادر والمراجع:
- خوف الأطفال .. الأسباب والعلاج .
- آيات قرآنية لعلاج الخوف عند الأطفال .
- التعامل مع خوف الطفل .