أثر الكلمة
أمامك خياران وأنت تتحدث
أولهما أن تتكلم بالخير، فإن لم يكن، فالصمت أجدى
هذا، إن كنت تؤمن بالله ومراقبته
واليوم الآخر ومحاسبته
رسول الله هو من وضع في حديثه هذين الخيارين
فقال: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت)
وأكثر ما يدور من كلام الناس
لا يقع تحت أي من البديلين
ولا يوافق هذه الخيرية، التي فصلها رب العزة في سورة النساء حين قال:
(لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)
فلعلك بهذه الآية، قد عرفت فيما يكون الكلام
حتى ينتقل من دائرة اللغو إلى دائرة النفع والخيرية
ولن يقوى على هذا ويقدر، إلا من كانت غايته إرضاء الله
فتتمة الآية .. تخلق داخل المرء منا دافعًا يضبط لديه شهوة الكلام
(ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرًا عظيمًا)
وإذا تاهت منا هذه الغاية
فأطلقنا لألسنتنا العنان
ولم نمسكها كما أوصى رسول الله بذلك معاذ بن جبل
حين أخذ بلسانه قائلًا (أمسك عليك هذا)
فإن العاقبة عاقبة سوء وندامة
فقد تعجب معاذ بن جبل من هذا التحذير النبوي
فسأل رسول الله، (وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟!)
أجاب صاحب الخلق العظيم
(وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم)
هذا مصير يخشاه أصحاب الإيمان الصادق
تجدهم في غير موضع من القرآن يتجنبون الطرق المؤدية إليه
فهم في سورة المؤمنون مفلحون، لأن واحدًا من صفاتهم
أنهم عن اللغو معرضون
وهم في سورة الفرقان مقربون، وبعباد الرحمن موصوفون
لأنهم لا يشهدون الزور، وباللغو كرامًا يمرون
هؤلاء المؤمنون المعرضون عن فضول الكلام
يعزفون حتمًا عن سيئه وقبيحه
فالإيمان وفحش القول .. ضدان لا يلتقيان
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم
(ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش ولا بالبذيء)
وإن كان الحذر والتنبه لما يخرج من اللسان واجب على كل مسلم
فهو أشد على نساء المسلمين
خوفًا واحترازًا من الوقوع في الحال الذي وصفه بهن رسول الله
حين أمرهن بكثرة التصدق وأردف أمره هذا بالقول
(فإني رأيتكن أكثر أهل النار)
ولما سألت الصالحات: وبم ذلك يا رسول الله؟
قال (تكثرن اللعن وتكفرن العشير)
وهي فعال يلعب فيها اللسان الدور الأكبر
ما رأيك في صفقة رابحة بينك وبين خير البشر محمد
يضمن لك فيها الحبيب من طرفه الجنة
وأنت ماذا تدفع في المقابل ثمنًا؟
يقول رسول الله صلوات الله وتسليماته عليه
(من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه، أضمن له الجنة)
ففمك إما يدخلك الجنة
أو يهوي بك في النار دون أن تشعر
(إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالًا، يرفعه الله بها درجات
وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالًا، يهوي بها في جهنم)
فلا تكن ساخرًا، للفحش والرذيلة ناشرًا
لبذيء القول ناطقًا
للكذب وعدم التبين ملازمًا
فإن هممت بواحد من هذه فالزم الصمت، أنجى لك
وإن كنت مخبرًا أخاك بحبك له في الله .. فتكلم
تحقيقًا لفلسفة تربوية محمدية أصيلة
(إذا أحب الرجل أخاه فليخبره أنه يحبه)
وإن كنت ناصحًا ظالمًا.. فتكلم
(فأفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر)
وإن كنت مهاديًا أخًا لك بعلة فيه، وآمرًا بمعروف، أو ناهٍ عن منكر
فتكلم .. وليكن شعارك
(ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)
وإن كنت مصلحًا بين متخاصمين، فاخترأعذب الكلمات وأصلحها لتقريب القلوب
وإن كنت ذاكرًا لله فلا يزال لسانك رطبًا بذكر الله