إنّ طلب الرزق في الإسلام قائم على الكسب الحلال في إطار من الصّدق والإيجاب والقَبول والتّراضي وعدم استغلال حاجة الناس، وهذه من أهم مهارات المربي الناجح الذي يسعى إلى غرس القيم والأخلاق الحسنة في نفوس المرتبين، وضبط حركتهم بالشرع.
والكسب الطيب سبب لحلول البركة والخير والنماء وقبول الدعاء، وعلى النقيض فإنّ الكسب الحرام عواقبه وخيمة وآثاره خطيرة، فهو يُبدد الطاقات ويُهدر الكفاءات ويُعطّل مصالح العباد والبلاد. ولقد جمعَ الإسلام بينَ مقاصدِ الدنيا والآخرةِ، فوفّقَ بينَ سعي الإنسانِ لدنياهُ في طلبِ رزقِه ورزقِ عيالِه، والعيشِ في هذه الدنيا بكرامةٍ وأمانٍ، وبينَ الإقبالِ على الدارِ الآخرةِ والاجتهادِ في العبادةِ، وهو ما يجب على المربي فهمه والعمل به، وفي الوقت نفسه تدريب المتربّين عليه.
الكسب الحلال في الإسلام
ولما كان الكسب الحلال من ضرورياتِ الحياةِ ولوازمِها، فقد هيأَ اللهُ- سبحانه وتعالى- للناسِ من الأسبابِ ما تقومُ به حياتُهم وما فيه مصدرُ عيشِهم، فقال تعالى: ( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ (33) وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)) [من سورة إبراهيم].
وأعلى الإسلامُ من شأنِ العملِ والكسبِ بالطرق المشروعة، ورتَّب عليهما الثوابَ والأجرَ، ومما يؤكِّدُ ذلكَ كثرة الاقتران بينَ العبادةِ والعملِ في نصوصِ القرآنِ الكريم، من ذلكَ قولُه تعالى: ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُوا فَضْلًا مِّن رَّبِّكُمْ ۚ فَإِذَا أَفَضْتُم مِّنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِندَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ ۖ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِن كُنتُم مِّن قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ) [البقرة: 198].
وقال الله تعالى: (فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) [الجمعة: 10]، وقال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) [الملك: 15].
وأشار القرآن الكريم في آياتٍ عديدة إلى بعض المهَن التي كان الأنبياء يعملون بها؛ فهذا نوح- عليه الصلاة والسلام- كان يَعمل في النجارة، وقد صَنَع بيده السفينةَ التي كانت سببًا في نجاتهم مِن الغرق بعد فضْل الله؛ قال تعالى: (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) [هود: 38].
وهذا نبيُّ اللهِ داودُ- عليه الصلاة والسلام- كان حدَّادًا، وقد ألَانَ اللهُ له الحديدَ، فكان يَصنع منه الدروعَ وغيرها مِن الأشياء النافعة؛ قال تعالى: (… وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ * أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [سبأ : 10 – 11].
وحبيبنا ونبيُّنا وقدوتُنا محمد- صلى الله عليه وسلم- كان يَرْعَى الغنمَ على قراريط لأهل مكة، وكان يَعمل في التجارة، فيُسافر ويَتعب؛ مِن أجْل تحصيلِ الرزق الحلال، وعلى الرغم مِن مكانتِهم العالية، وحَمْلِهم لأمانة الدعوة، إلا أنهم كانوا يعملون بأيديهم، ويتكسَّبُون أرزاقَهم عن طريقها.
وَوَرَدَ عن النبي الكريم- صلى الله عليه وسلم- أحاديثُ عديدة تَحُثُّ على طَلَب الرزق الحلال؛ منها: قوله- صلى الله عليه وسلم-: “ما أَكَل أحدٌ طعامًا قطُّ خيرًا مِن أن يأكُل مِن عَمَلِ يَدِه، وإنَّ نبيَّ اللهِ داودَ عليه السلام كان يأكُل مِن عَمَلِ يَدِه”؛ (البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم: “لأنْ يحتَطِبَ أحدُكم على ظهره، خيرٌ مِن أن يَسأل أحدًا فيُعطيه أو يمنعه” (البخاري).
وعنه صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “لأنْ يأخُذ أحدُكم أَحْبُلَهُ، ثم يأتي الجبَل، فيأتي بحزمة مِن حطب على ظهره فيبيعها، فيكفَّ اللهُ بها وجهَه – خيرٌ له مِن أنْ يَسأل الناسَ؛ أعطَوْه أو منعوه” (البخاري).
وعن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “إن الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام” (متفق عليه).
هذه المدرسة المحمدية خرج منها أجيال من الصحابة والتابعين، يعرفون جيدًا أهمية الرزق الحلال، والكسب من الطرق المشروعة، فها هو الصديق الورع أبو بكر- رضي الله عنه- يتقيأ ما فيه شبهة، أما الحسن البصري، فيقول: “أدركنا أقوامًا كانوا يتركون سبعين بابًا من الحلال خشية الوقوع في الحرام”.
لذا على المربي أن يكون متحريًا للحلال وبعيدًا عن الحرام وألا يقف مواقف الشبهات أبدًا، ويغرس ذلك في نفوس المتربين، وفي هذا يقول بعض السلف: “من عرّض نفسه للتهم فلا يلومنّ من أساء الظن به”، كما أن على المربي أن يُذكّر تلاميذه أو أبنائه بأن القدرة على الكسب مرتبطة مع مفهوم قوة الجسم، فالجسم الصحيح القوي هو القادر على الكسب كما أن عليه تربيتهم على تحقيق التوازن بين العمل الحياتي والعمل الدعوي.
التحذير من الحرام وآثاره
وحذَّرَ الإسلام من الكسب الحرام، لأنه نقمة شديدة الوطأةِ على العبد في دنياه وأخراه، فقد أمر الله تعالى جموع البشر من بني آدم بقصد الحلال في المطعم وبيَّنَ أنَّ أَكْلَ الحرام فيه طاعةٌ للشيطان، فقال تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ﴾ [البقرة: 168].
وقال- عز وجل-: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأكُلُوا فَرِيقًا من أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾، [البقرة: 188].
ونهى الله سبحانه عن المال الناتج من الربا، فقال جل شأنه: ﴿الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 275].
والنبي محمد- صلى الله عليه وسلم-، حذر من الكسب الحرام، وبين عاقبته، فقال: “أيها الناسُ: إنَّ اللهَ طيِّبٌ لا يقبلُ إلا طيِّبًا، وإنَّ اللهَ أمر المؤمنين بما أمر به المرسل فقال: ﴿يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ﴾ [المؤمنون: 51] وقال: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ﴾ [البقرة: 172]، ثم ذكر الرجلَ يطيلُ السَّفرَ أشعثَ أغبَرَ يمدُّ يدَيه إلى السماءِ يا ربِّ يا ربِّ ومطعمُه حرامٌ ومشربُه حرامٌ وملبَسُه حرامٌ وغُذِيَ بالحرام فأَنَّى يُستجابُ لذلك” (مسلم).
ومن حديث خولة الأنصارية- رضي الله تعالى عنها- أنها قالت: سمعتُ النبيَّ- صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يقولُ: “إنَّ رجالًا يَتَخَوَّضُونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ، فلهمُ النارُ يومَ القيامةِ” (البخاري)، وفي حديث رواه أبو هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “… ولئن يأخذ ترابا فيجعله في فيه خير له من أن يجعل في فيه ما حرم الله عليه” (أحمد شاكر في مسند أحمد وقال إسناده صحيح).
وفطن الصحابة الكرام إلى خطورة أكل الحرام، لأن آكِلُه محرومٌ من نعيم الجنة مهما ادَّعَى، فعن عائشة- رضي الله تعالى عنها- قالت: “كان لأبي بكرٍ غلامٌ يُخرِجُ له الخَراجَ، وكان أبو بكرٍ يَأكُلُ مِن خَراجِه، فجاء يومًا بشيءٍ فأكلَ منه أبو بكرٍ، فقال له الغلامُ: تدري ما هذا؟ فقال أبو بكرٍ: وما هو؟ قال: كنتُ تَكَهَّنْتُ لإنسانٍ في الجاهليةِ، وما أحسنَ الكَهانَةَ! إلا أني خدَعتُه، فلَقِيَني فأعطاني بذلك، فهذا الذي أكَلْتَ منه، فأدخلَ أبو بكرٍ يدَه، فقَاءَ كلَّ شيءٍ في بطنِه” (البخاري).
وها هو عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- كان يراجع أهل المال في اكتسابه ويتحرى الحلال منه ويخلصه مما فيه شبهة، فعن زيدِ بنِ أسلمَ عن أبيهِ قال خرج عبدُ اللهِ وعبيدُ اللهِ ابنا عمرَ في جيشٍ إلى العراقِ فلما قفلا مرَّا على أبي موسى الأشعريِّ وهو أميرُ البصرةِ فرحَّبَ بهما وسهَّلَ وقال لو أقدرُ لكما على أمرٍ أنفعُكُما به لفعلتُ، ثم قال: بلى هاهنا مالٌ من مالِ اللهِ أريدُ أن أبعثَ به إلى أميرِ المؤمنينَ وأُسْلِفُكُمَا فتبتاعانِ به من متاعِ العراقِ ثم تبيعانِه بالمدينةِ، فتُؤدِّيانِ رأسَ المالِ إلى أميرِ المؤمنين ويكونُ لكما الربحُ ففعلا وكتب إلى عمرَ بنِ الخطابِ أن يأخذَ منهما المالُ.
فلما قدم على عمرَ قال: أكُلَّ الجيشِ أسلَفَكُما، فقال: لا، فقال عمرُ: أدِّيَا المالَ ورِبْحَه، فأما عبدُ اللهِ فسكت وأما عبيدُ اللهِ فقال: ما ينبغي لك يا أميرَ المؤمنين، لو هلك المالُ أو نقص لضَمِنَّاهُ، فقال: أدِّيَا المالَ، فسكت عبدُ اللهِ وراجَعَه عبيدُ اللهِ، فقال رجلٌ من جُلساءِ عمرَ: يا أميرَ المؤمنين لو جعلتَه قَراضًا، فقال عمرُ: قد جعلتُه قَراضًا فأخذ رأسَ المالِ ونصفَ رِبْحِه وأخذا نصفَ رِبْحِه”.
وكما أن كسب الحلال له ثمار عظيمة على المربي والمتربّين، فإن كسب الحرام خطورته كبيرة في الدنيا والآخرة، ومنها:
- عدم قبول الدعاء: روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: تليت هذه الآية عند رسول الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا)، فقام سعد بن أبي وقاص فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال له النبي: “يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به” (الطبراني في المعجم الأوسط).
- عدم قبول العمل الصالح: فالكسب الحرام سبب من أسباب قبول العمل، عن ابن عباس والذي نفس محمد بيده، إن الرجل ليَقْذفُ اللقمة الحرام في جَوْفه ما يُتَقبَّل منه أربعين يومًا، وأيّما عبد نبت لحمه من السُّحْت والربا فالنار أولى به”. (المعجم الأوسط للطبراني).
- ظلمة القلب وكسل الجوارح عن الطاعة: فالكسب الحرام له آثار وأضرار وخيمة على صاحبه فهو يؤدي إلى ظلمة القلب وكسل الجوارح عن طاعة الله سبحانه، ونزع البركة من الرزق والعمر، قال صلى الله عليه وسلم: “إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به” (الترمذي وصححه الألباني).
- غضب الله ودخول النار: فعن أبي أمامة الحارثي رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “من اقتطع حق امرئ مسلمٍ بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرّم عليه الجنة”، فقال له رجل: وإن كان شيئًا يسيرًا يا رسول الله؟ قال: (وإن كان قضيبًا من أراك) (مسلم).
ثمار الكسب المشروع في الإسلام
والحرص على الكسب الحلال في الإسلام، له فوائد وثمار عديدة، نذكر منها ما يلي:
- حفظ الكرامة من السؤال والطلب، فالعمل الذي يقوم به الإنسان، ويكسب من ورائه يصون له كرامته، ويقي وجهه من سؤال الناس.
- أن تشيع البركة في المال والأولاد والأعمال، فاللقْمة الحلال تدفع عن الإنسان النقم وتصْرف عنه البلاء في ماله وأولاده وأعماله، وقد كان أحد الصالحين يقول: “كنت أرى شؤم معصيتي في سوء خُلُق دابتي وزوجتي”.
- استجابة الدعاء: فقد روي عن ابن عباس- رضي الله عنهما- قال: تليت هذه الآية عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا }، فقام سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: فقال: يا رسول الله ادع الله أن يجعلني مستجاب الدعوة فقال له النبي- صلى الله عليه وسلم-: “يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة، والذي نفس محمد بيده إن العبد ليقذف اللقمة الحرام في جوفه ما يتقبل منه عمل أربعين يومًا وأيما عبد نبت لحمه من سحت فالنار أولى به» (أخرجه الطبراني)
- قبول الأعمال الصالحة: فعن ابن عباس رضي الله عنه قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “والذي نفس محمد بيده إن الرجل ليَقْذفُ اللقمة الحرام في جَوْفه ما يُتَقبَّل منه أربعين يومًا، وأيّما عبد نبت لحمه من السُّحْت والربا فالنار أولى به (المعجم الأوسط للطبراني).
- وعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: ” قتل نفر يوم خيبر فقالوا فلان شهيد حتى ذكروا رجلا فقالوا فلان شهيد فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كلا إني رأيته في النار في عباءة أو في بردة غلها, ثم قال لي يا بن الخطاب قم فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون فقمت فناديت في الناس (ابن حبان في صحيحه).
- الوقاية من النار يوم القيامة: حيث يقول صلى الله عليه وسلم: “إِنَّهُ لاَ يَرْبُو لَحْمٌ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ إِلاَّ كَانَتِ النَّارُ أَوْلَى بِهِ”، (سنن الترمذي)، والسحت هو ما كان من الحرام. وعن أبي بكر رضي الله عنه أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “لا يدخل الجنة جسد غذي بالحرام “. (البيهقي).
- العصمة من العقوبات بشتى أنواعها، وصرف البلاء في الدنيا.
- القضاء على البطالة والتسول: لذا جاء الإسلام وحث اتباعه على العمل، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَجُلًا مِنَ الْأَنْصَارِ أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْأَلُهُ، فَقَالَ: “أَمَا فِي بَيْتِكَ شَيْءٌ؟”، قَالَ: بَلَى، حِلْسٌ نَلْبَسُ بَعْضَهُ وَنَبْسُطُ بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ نَشْرَبُ فِيهِ مِنَ الْمَاءِ، قَالَ: “ائْتِنِي بِهِمَا”، قَالَ: فَأَتَاهُ بِهِمَا، فَأَخَذَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَدِهِ، وَقَالَ: “مَنْ يَشْتَرِي هَذَيْنِ؟ ” قَالَ رَجُلٌ: أَنَا، آخُذُهُمَا بِدِرْهَمٍ، قَالَ: “مَنْ يَزِيدُ عَلَى دِرْهَمٍ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا”، قَالَ رَجُلٌ: أَنَا آخُذُهُمَا بِدِرْهَمَيْنِ فَأَعْطَاهُمَا إِيَّاهُ، وَأَخَذَ الدِّرْهَمَيْنِ وَأَعْطَاهُمَا الْأَنْصَارِيَّ.
- الحصول على أجر الصدقة: ومن ثمار العمل بالحلال أن يعمل الإنسان فيأكل هو وأهله ويتصدق فيكون ذلك كله في موازين حسناته صدقات، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ. قالوا: فإنْ لَمْ يَجِدْ؟ قالَ: فَيَعْمَلُ بيَدَيْهِ فَيَنْفَعُ نَفْسَهُ ويَتَصَدَّقُ. قالوا: فإنْ لَمْ يَسْتَطِعْ أوْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُعِينُ ذا الحاجَةِ المَلْهُوفَ. قالوا: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فَيَأْمُرُ بالخَيْرِ -أوْ قالَ: بالمَعروفِ- قالَ: فإنْ لَمْ يَفْعَلْ؟ قالَ: فيُمْسِكُ عَنِ الشَّرِّ؛ فإنَّه له صَدَقَةٌ” (البخاري).
وسائل الكسب الحلال في الإسلام
وعدّد الإسلام وسائل الكسب الحلال الطيّب، التي تحمي صاحبها من العقاب العسير في الآخرة، ومنها:
- الزراعة: فقد حثّ الإسلام على الزرع وزيادة المساحات الخضراء، يقول الله تعالى: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ، أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) [الواقعة: 63، 64]. وقوله سبحانه وتعالى: (مُبَارَكًا فَأَنْبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيد، وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ، رِزْقًا لِلْعِبَادِ وَأَحْيَيْنَا بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا) [ق: 9 – 11]، وحثَّ النبيُّ- صلى الله عليه وسلم- على الزرع والغرس، فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا، فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ، إِلاَّ كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” (مسلم).
- التجارة: فقد أجاز الإسلام الكسب من خلال الشراء والبيع، قال سبحانه وتعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ).
- الصناعة: وفي الجاهلية لم تكن الصناعة مزدهرة ولما جاء الإسلام أعطى لقضية التصنيع أهمية كبيرة فأوجد ألوانا من الصنائع لم تكن تعرفها العرب وأمرنا الله بإعمار الأرض فقال تعالى: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [الجاثية: 13].
- إتقان العمل الوظيفي: ومن بين الوسائل التي يتكسب بها المسلم بالحلال، هي إتقان العمل الوظيفي، فالمسلم مطالب بأن يؤدي كل عمل يناط به- دينيًّا أو دنيويًّا- بإخلاص وإتقان وإحسان على الوجه الأكمل، ومن ذلك المهام الوظيفية، فهي تدخل في الكسب الحلال، والإخلال بواجباتها يدخل في نطاق الحرام.
لذا لا بد من المحافظة على ساعات العمل كاملة واستنفادها في أدائه، وبذل الجهد في هذا العمل، وعدم استغلاله في منافع شخصية أو مكاسب خارجة عن نطاق الراتب الوظيفي، وحقيقة هذا الإحسان فسره النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: “أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك”، وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ” [الكهف: 30].
وطرق الكسب المشروعة لا تكاد تحصى، فالمهن كثيرة ومتعددة ومتجددة، مثل: الطب والهندسة والصيدلة والطباعة والمساحة، والسباكة، والحدادة، وأعمال البناء والكهرباء، وإصلاح السيارات والأجهزة النافعة والقيادة والنظافة وغير ذلك.
يجب على من يتصدر لعملية التربية أن يكون كسبه حلالا، وبيعه وشراؤه، وطعامه وشرابه، وسائر معاملاته على السنية، فيأخذ الحلال البيِّن ويتعامل به، ويجتنب الحرام البيِّن ولا يتعامل به، أما المشتبه فينبغي تركه؛ حماية لدينه وعرضه، ولئلا يقع في الحرام، ويعلم ذلك كله للمتربين والمسؤولين منه.
المصادر والمراجع:
- الدكتور عبد الله بن محمد الطيار: الكسب الحلال.
- إدريس أحمد: من فقه الكسب الحلال الطيب.
- ابن حجر العسقلاني: الإصابة 3 /75.
- الشيخ السيد طه أحمد: الكسب الحلال وأثره في حياة الفرد والمجتمع.
- بدر بن خضير الشمري: الحث على الكسب الحلال والتحذير من أكل المال الحرام.
- الدكتور بدر عبد الحميد هميسه: الكسب الحرام (أسبابه – أضراره).