يُعد الكذب عند الأطفال سلوكًا خاطئًا وداءً خطيرًا، قد يترك أثرًا مدمرًا عليهم، لكنه في الوقت نفسه ليس وراثيًّا، بل هو مكتسب من البيئة المحيطة، وبالتالي فإن تدريب الطفل على الصدّق والتخلي عن الكذب من الممكن تحقيقه.
ويلجأ الطفل إلى الكذب نتيجة تقليد الآخرين أو لتعويض نقص معين أو للدفاع عن النفس، لهذا يجب التعرف إلى أسبابه وطرق علاجه، وهو ما توضحه الباحثة هبة محمد أبو الفتوح، التي تؤكد أن الأطفال في مقدورهم أن يُفرقوا بين مَن هو صادق ومن هو كاذب، خصوصًا فيما يتعلق بالأمور والرغبات الخاصة بهم.
أسباب الكذب عند الأطفال
يشكو الكثير من الآباء والأمهات من مشكلة الكذب عند الأطفال في مراحل عُمرهم الأولى دون أي أسبابٍ واضحة أو عوامل مُهيئة لهذه العادة السيئة، وقد تتكرر هذه رغم العقاب الذي يلجأون إليه لمنع الصغار من الكذب وتعويدهم على الصدق.
وفي سنّ الرابعة يدل الكذب على الخيال عند الطفل ويكون نتيجة اختلاط الخيال بالواقع لديه، ومحاولات التأمل المستمرة منه ونسج القصص الخيالية والأوهام والأحلام غير الواقعية ليشرح ويفسر لنفسه بعض الحقائق والوقائع التي يريد حلها أو تفسيرها لنفسه، حتى إننا نجد علماء النفس يصفون هذه الظاهرة عند الأطفال بـ”التلاعب بالخيال”.
والخوف من العقاب، أحد أهم أسباب الكذب الذي يلجأ إليها الصغار، بسبب صرامة الوالدين وعقابهم الشديد إذا فعلوا أي شيء خاطئ، وقد يكذب الطفل ليحتفظ لنفسه بامتياز ما، لأنه إن قال الصدق سيضيع منه.
وتقليدًا للوالدين والأشخاص المحيطين، قد يلجأ الطفل إلى الكذب ليصل إلى ما يريد، فكثير من الآباء والأمهات يصطحبون أطفالهم إلى الطبيب بعد إقناعهم بأن يخرجون معهم في نزهة أو إلى أي مكان يحبونه.
والرقابة الصارمة بشكل مبالغ فيه من الوالدين تُولّد عند الطفل شعورًا بالعناد والتحدي وارتكاب الأخطاء بشكلٍ متعمد، ومن الممكن أن تولد كذبًا للهروب من بعض المهام التي يفرضها الوالدان عليه.
وقد يلجأ الصغير إلى الكذب، للحصول على العطف والرعاية والحنان، ويحدث ذلك نتيجة تقصير الوالدين في إظهار حبهما له.
أنواع الكذب عند الأطفال
ويتخذ الكذب عند الأطفال أشكالًا مختلفة تخدم أغراضًا مختلفة، وتختلف باختلاف الأساليب الدافعة إليها، ويُمكننا التمييز بين هذه الأنواع على النحو التالي:
الكذب الادعائي: ويحدث عادة عندما يبالغ الطفل في وصف تجاربه الخاصة، فيجعل من نفسه بطلًا ينتزع الإعجاب، ومركزًا يجذب انتباه من حوله من الكبار، ويهدف هذا النوع من الكذب إلى إدخال السرور في نفوس السامعين، ويتحقق للطفل عن طريقه إشباع ميله إلى السيطرة وتأكيد الذات.
ويلجأ الطفل إلى هذا النوع من الكذب لتغطية الشعور بالنقص أو لتعظيم الذات والحصول على الشعور بالتقدير من الكبار والصغار، وقد يكون سببه استدرار العطف، وذلك عندما يتهم الطفل أحدًا ما بتعذيبه أو اضطهاده، أو عندما يدعي المرض، وهذا نوع من الكذب يجب الإسراع في علاجه بتفهّم الحاجات النفسية التي يخدمها الكذب ومحاولة إشباعها بالطرق الواقعية.
الكذب الخيالي: ويحدث نتيجة لقفزات خيالية في تصورات الأطفال وهذا الكذب لا يبشر بانحراف سلوكي أو اضطراب نفسي. ومن ثم فإننا نظلم الأطفال الذين يغلب عليهم هذا النوع عندما نصفهم بالكذب.. وهذا النوع عبارة عن قصص خيالية ينسجها الطفل للتسلية، وأحيانًا للتعبير عن أحلام اليقظة التي يفصح فيها الطفل عن رغباته.
الكذب الوقائي: وهو أسوأ أنواع الكذب وأضرها لارتباطه بالخوف، ويظهر عندما يكذب الطفل خوفًا مما يقع عليه من عقوبة. وينتشر بين أطفال الأسر التي ينتشر فيها نوع من النظام الصارم والعقوبة الشديدة، فيلجأ الطفل إلى الكذب تهربا من العقاب. كما يسود هذا النوع من الأسر التي يختلف الآباء والأمهات في طريقة معالجة الأبناء.
الكذب الأناني: يلجأ الطفل إلى هذا الكذب من أجل الاستحواذ على الأشياء. والدافع إلى الكذب هنا هو عدم توفر الثقة في الكبار، وتأكد الطفل أن مطالبه لن تجد استجابة إن هو سلك لتحقيقها الطريق العادي.. والطفل عندما يفقد الثقة في البيئة يشعر بالحاجة إلى امتلاك أكبر قدر ممكن من الأشياء، وهو يكذب لتحقيق ذلك.
الكذب الانتقامي: ويكذب الطفل في هذه الحالة لإسقاط اللوم على شخص ما يكرهه أو يغار منه، وهو أخطر أنواع الكذب على الصحة النفسية للطفل وعلى كيان المجتمع ومثله ومبادئه، ذلك لأن الكذب الناجم عن كراهية وحقد هو كذب مع سبق الإصرار ويحتاج إلى تدبير مسبق لإلحاق الضرر والأذى بالغير. وهذا النوع من الكذب يحدث نتيجة للانفعالات الحادة التي يتعرض لها الطفل، وذلك عندما تهتز ثقته في المحيطين به.
ويغلب هذا النوع من الكذب لدى الصغار الذين يشعرون بالغيرة وعدم المساواة في المعاملة، وقد يحدث بين الأخوة في الأسرة الواحدة بسبب التفرقة في المعاملة بين الإخوة، فالطفل الذي يشعر بأنه منبوذ أو أقل من أخيه قبولا عند والديه يلجأ إلى الكذب للانتقام منه فيتهمه اتهامات يترتب عليها عقابه أو سوء سمعته.
حلول تربوية لعلاج الكذب
إذا أردنا أن نعالج الكذب عند الأطفال بشكل جذري، يجب دراسة أسباب الكذب ومعرفة الدافع إليه، ومن الأهمية أن يكون عمر الطفل موضوعًا في الاعتبار، فإذا كان عمره أقل من أربع سنوات، فعلى الأم ألا تنزعج مما يصوره له خياله، وتسارع إلى مساعدته ليدرك الفرق بين الواقع والخيال.
ويجب على الأم أن تكون قدوة يحتذى بها الطفل، فلا تقول إلا الصدق، ولا تكذب عليه حتى لا يتعلم الكذب فيكون كذابًا، فعن عبد الله بن عامر- رضي الله عنه- أنه قال: “دعتني أمي يوما ورسول الله- صلى الله عليه وسلم- قاعد في بيتنا، فقالت: ها تعال أعطيك، فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: وما أردت أن تعطيه؟، قالت: أعطيه تمرا، فقال لها رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: أما إنك لو لم تعطه شيئا كتبت عليك كذبة” (رواه أحمد وأبو داود).
لا بُد- أيضًا- من أن تدرك الأم أنه لا فائدة من علاج الكذب بالتهديد والسخرية والعقاب، لأنّ ذلك لن يجدي مع الطفل، ويجب على الأم وأفراد الأسرة إشباع حاجات الطفل النفسية، وتوعيته بأهمية الأمانة والصدق.
وفضلًا عن ذلك فإن كذب الأبناء يُوجِد شكوكًا في نفس الأب أو الأم حول طريقة تربيتهما لأطفالهما. والأطفال جميعا أحيانا يلجأون إلى سرد أمور لا تمت إلى الحقيقة بصلة وهناك أكاذيب تدل على أن الصغير يعاني مشكلة ما.
والوالدان يستطيعان معاونة الطفل على حل مشكلته وذلك باستخدام الحوار والتفاهم، وإشعاره بالأمان، فالشخص المطمئن لا يكذب أما الشخص الخائف فيلجأ إلى الكذب كوسيلة للهروب من العقاب.
كما أن العدالة والمساواة بين الإخوة، وتنمية ثقة الطفل بنفسه، والمعالجة النفسية للأطفال المصابين بالعقد النفسية وإشباع حاجات الطفل بقدر المستطاع يعد من أهم علاج أسباب الكذب عند الأطفال.
وهناك بعض الآراء التربوية في هذا المجال تشير إلى أنه من القواعد المتبعة في مكافحة الكذب ألا نترك الطفل يمرر كذبته على الأهل والمدرسة؛ لأن ذلك يشجعه على ممارسة الكذب دائما.
ولا بد من البعد عن عقوبة الطفل حين يصدق، والحرص على العفو عن عقوبته أو تخفيفها حتى يعتاد الصدق، إذا أن معاقبته على قول الصدق تدفعه مستقبلا إلى ممارسة الكذب للتخلص من العقوبة.
المرونة والتسامح مع الأطفال، وبناء العلاقة الودية معهم، فإنها تهيء لهم الاطمئنان النفسي، بينما تولد لديهم الأساليب القاسية والاضطراب والخوف، ويسعون إلى التخلص من العقوبة أو للانتقام أو استدرار العطف الذي يفتقدونه.
وأخيرا إذا لم تفلح الوسائل- أعلاه- في علاج الكذب عند الأطفال، وتأكد ولي الأمر أن الطفل يكذب متعمدا قاصدا إيقاع الضرر مستسيغا له؛ فيمكن عقاب الطفل بطريقة تناسب حجم الكذب وما سببه من ضرر، مع بيان ذلك للطفل والتحاور معه؛ ليستقر في نفسه أن العقاب تربية وتأديب وليس تشفٍ وانتقام.
المصادر والمراجع:
- الكذب لدى الأطفال .
- الكَذِب عند الأطفال وأهم أسبابه وكيفية علاجه .
- كيف نعالج الكذب عند الأطفال؟ .