يتفق المختصون في التربية وعلم النفس على أنّ القصة تحتل منزلة كبيرة في عملية تنشئة الأطفال على القيم والمبادئ الصحيحة، سيّما إذا أُحسن اختيار الموضوعات وطريقة العرض وفن الإلقاء.
ويجهل كثير من الآباء والأمهات أهمية القصص في تعديل سلوكيات الأطفال، وغرس القيم فيهم، رغم سهولتها وبساطتها وفاعليتها في التأثير بشكل غير مباشر، كما يمكن للمعلمين والمربين في كل مكان الاستفادة من القصص في جذب انتباه المتعلمين.
تعريف القصة
القصة فن أدبي عالمي قديم، وقد وُجد عند معظم الشعوب والأمم قبل الإسلام، واهتم به القرآن الكريم بعد نزوله، فكان لها أثرها في نفوس المسلمين، وتجلية الحقائق أمام الكافرين.
وهي عبارة عن حكاية مكتوبة مستمدة من الواقع أو الخيال أو من الاثنين معًا، وتكون مبنية على أسس معينة من الفن الأدبي، وجمعها قِصَص.
وفي اللغة، فهي مُشتقّة من قصّ يقصُّ قصًّا، ومعناها اتباع أثر وآثار، وهي عبارة عن سرد الحكاية أو مجموعة من الأحداث، وتعد تجربة إنسانية في شكل حكاية بليغة تصويرية مؤثرة(1).
ما هدف القصة؟
لكل شيء هدف وغاية يسعى الإنسان إلى تحقيقه، وللقصة أهداف مُحدّدة تقصدها، وأفكار معينة تريدها، وهي تُخاطب اللاشعور في الإنسان وتُحاكي وجدانه من حيث شعر بذلك أم لم يشعر؛ فإنها تخزن في عقله الأفكار.
وتشتمل الغاية من القصة على تحقيق الفائدة من خلال طرح المشكلات التي تُواجه المجتمع والعمل على إيجاد حلول عملية واقعية لها.
بل ربما تكشف أحداثها عن أمور دقيقة يهتم لها القارئ لكنه يعجز عن تفسيرها، وهي ما تُعطي مساحات من أجل إطلاق العنان للعقل للتخيل والإبداع.
وهي تُحقق المتعة من خلال طريقة بنائها وتسلسل أحداثها، والإبداع في سرد أحداثها ورسم شخصياتها، وشد انتباه القارئ لها(2).
والأطفال لهم عالمهم الخاص، الذي يصعب على الكبار اقتحامه، وتُعد الحكاية هي مفتاح دخول هذا العالم، فأغلب الأطفال يُحبّون الاستماع إلى القصص، ويتطلعون إلى معرفة المزيد عن أبطال الحكاية، ويتأثرون بهم ويحاولون تقليدهم.
وهنا يأتي دور الأب أو الأم في اختيار قصص مناسبة لغرس الصفات الحميدة في الطفل منذ نعومة أظافره، مثل: الشجاعة، والنظام، والحكمة، والأمانة، والكرم، والمشاركة، والصدق، وكذلك تقويم سلوكه من خلال الحكاية دون توجيه الاتهام أو النقد له بشكل مباشر(3).
هل للقصة أهمية في التربية؟
بلا شك، فإن للقصة أهمية كبيرة في التأثير في سلوكيات وعادات وتصرفات الأطفال سواء بغرس قيمة إيجابية في نفوسهم، أو علاج عادة سيئة منتشرة في المجتمع، ومن أهم ما تتركه القصص في عملية التربية:
- على مستوى اللغة: تُعزز عملية قراءة القصص للأطفال من تطوير قدراتهم على الاستماع والتحدث إلى الآخرين، فقراءة القصص بصوتٍ عالٍ يُعرّضهم أكثر للغة، فيألفون طريقة لفظ كل مُفردة، وكيفية تشكيل الجُمَل والمقاطع اللغوية، وتشكيل الكلمات التي يتلقّاها الطفل في سنوات عُمره الأولى.
- غرس القيم وتعديل السلوك بعيدًا عن الوعظ المباشر: فالقصّة تُشد انتباه الطفل ويقظته الفكرية والعقلية ويعيش مع أبطالها لتأتي فرصتنا لعلاج وغرس قيم بداخله.
- تقوية الروابط الاجتماعية: فالوقت الذي يقضيه الأهل مع أطفالهم في قراءة القصص، تُساعد الطرفين على بناء جسور أقوى وأوضح بينهما عبر اكتشاف الأهل مواهب أبنائهم وقدراتهم، والطابع الذي يميلون إليه في القصص والحكايات، فتمتاز شخصياتهم عن بعضهم.
- تساعد في تقريب المفاهيم المجردة إلى ذهن الطفل: وذلك من خلال الصور، كما أنها مصدر عام لتعلم القيم والعادات السليمة.
- لها دور ثقافي كبير في حياة الطفل، وتساعد في بناء شخصيته.
- تقدم الحلول للعديد من المشكلات التي تُواجه الطفل في حياته اليومية، والعديد من الخبرات والقيم والاتجاهات وتنمي مواهبه المختلفة.
- تنمية التركيز والانتباه: فالقصّة تُساعد الطّفل على الإصغاء والقدرة على التركيز والانتباه.
- تنمية روح الخيال والإبداع لدى الطفل: فيتمتع الأطفال بُقدرة هائلة على التّخيل، لكن في ظل محاصرتهم بالأجهزة الذكية والشاشات المحيطة بهم في كل مكان، تضعف قدرتهم على التخيل ويجدون صعوبة في التصوّر، لأنّ كل شيء موجود أمامهم بالفعل، لذا فإن حكاية القصص تُساعد على تنمية حسّ خيال الأطفال وتصوّر الأحداث والشخصيات.
- تنمية مهارات الاستماع لدى الطفل: أغلب الأطفال لا يُجيدون الاستماع إلى الآخرين، فهم مشغولون بالتعبير عن متطلباتهم والوصول لأهدافهم، والاستماع إلى القصص يُنمي قدرة طفلكِ على الاستماع بشكل عام ويزيد من انتباهه وقدرته على التركيز(4).
القصص من أهم أساليب التربية
تتعدد أساليب التربية الإسلامية، فتشمل: التربية بالقدوة، والتربية بالعادة، والتربية بضرب المثل، ويظل أسلوب التربية بالقصّة من أنجح تلك الأساليب وأقواها أثرًا في الطفل.
وتُعد القصة من أقوى عوامل استثارة الطفل، والتأثير فيه تأثيرًا لا ينحصر على وقت سماعه أو قراءته، وإنما يتجاوز إلى تقليد ما يجري فيها من أحداث، وما تنطوي عليه من شخصيات ووقائع وسلوك وأخلاق في حياته اليومية الواقعية(5).
ولقد استخدام القرآن الكريم الأسلوب القصصي في التربية، وأكد أهميته في العديد من الآيات، يقول تعالى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأوْلِي ٱلأَلْبَابِ} [يوسف: 111]، وقال: {فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الأعراف: 176].
وتُمثل القصص ربع القرآن الكريم لتأثيرها الفعّال في التربية، ولو نظرنا نظرة متفحصة لقصص القرآن الكريم، لوجدنا ما يحقق أهداف التربية الإسلامية(6).
واستخدم النبي- صلى الله عليه وسلم- هذا الأسلوب، لأهميته في ترقيق القلوب، وتنوير العقول، وأخذ العظة والعِبرة، ومن ذلك ما رواه أبو هريرة- رضي الله عنه-: أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: قال: “ينَما رجلٌ يمشي بِطريقٍ اشتَدَّ بهِ العَطشُ ، فوجدَ بئرًا فنزلَ فيها ، فشرِبَ ثمَّ خرجَ ، فإذا كلبٌ يلهَثُ ، يأكُلُ الثرَى من العَطشِ ، فقال الرَّجُلُ : لقد بلغَ هذا الكلبُ من العَطشِ مِثلَ الَّذي كان بلغَني ، فنزلَ البِئرَ فملأَ خُفَّهُ ثمَّ أمسكَه بفيِه فسَقَى الكلبَ فشكرَ اللهُ لهُ ، فغَفرَ لهُ . قالوا : يا رسولَ اللهِ و إنَّ لنا في البهائمِ أجرًا ؟ قال : في كُلِّ كَبِدٍ رطبَةٍ أجرٌ” (البخاري)، وهي قصة تهدف إلى الرأفة والرحمة حتى بالحيوان.
كيف نستفيد من القصص في عملية التربية؟
حتى يُمكننا الاستفادة من القصة في عملية التربية، فلا بُد من:
- معرفة قيمتها والهدف منها وطريقة عرضها، والعمر المناسب للأطفال.
- ولا بُد من مراجعة القصة أو الكتاب بدقة، مع الوضع في الحسبان اهتمامات الطفل ومرحلته العمرية والفترة الزمنية المناسبة لقدرته على التركيز والانتباه.
- حسن اختيار الكتب لخبرات مألوفة وشخصيات في عُمر الطفل نفسه، حيث يكون من العوامل المساعدة على تمكينه من تعلُّم الكلمات التي يحتاج إليها للتعبير عن مشاعره.
- يجب تغير نبرة الصوت وفقًا لأحداث القصة، وكذلك توظيف تعابير الوجه وحركة اليدين لخدمة الأحداث، من أجل المزيد من الإثارة وجذب انتباه الطفل.
- عدم الإكثار من عرض القصص المصورة للطفل، فالأفضل أن تكون القصة مسموعة فقط، لمنحه مساحة للتخيل وتصور الشخصيات والأحداث.
- السماح للطفل بتوجيه الأسئلة التي يرغب بها، فإن هذا دليل على انتباهه ومتابعته لأحداث الحكاية، بل يجب توجيه بعض الأسئلة له لجذب انتباهه.
- الحذر من سرد القصص المرعبة أو التي تحتوي على كذب أو خيال مبالغ به، لما لها من أثر سلبي على الطفل.
- الحرص على أن تكون نهاية الحكاية بها عبرة أو موعظة أو معنى إيجابي، مع سؤال الطفل عن الدروس المستفادة ورأيه في الأحداث(7).
قبل أن تحكي لطفلك
- اقرأ لطفلك بعيدًا عن المشتتات المغرية له، فلا تجلس أمام التلفاز وتروي القصة له، فبالطبع لن يلتفت إليك بل ستجذبه الرسوم المتحركة.
- اقرأ له وهو شبعان وإلا فسيفكر في الطعام أو الحلوى أكثر من استماعه بقصتك.
- لا تقرأ له وهو متعب أو يشعر بالإرهاق.
- لا تقرأ له وأنت متعب أو تشعر بالإرهاق، حتى تتمكن من تقديم الحكاية بصورة جيدة.
- اقرأ له في أي صورة ممكنة (جالسًا أو نائمًا أو قائمًا)، فالمهم أن يكون أسلوبك ممتعًا.
- قبل أن تقرأ الحكاية مع طفلك اقرأها أنت وحدك حتى تتعرف إليها وتحدد الهدف منها(8).
إنّ دور القصة مهم في تربية الطفل من الناحية الاجتماعية والثقافية، إذ تُزوده بالحقائق المختلفة والمعلومات العامة عن المجتمع الذي يعيش فيه، وعن العالم من حوله، وإعداده ليعيش إيجابيًّا متكيفًا مع المجتمع، مندمجا فيه، وملتزما بأنماط سلوكية إسلامية تقوم على الحب والعدل والمساواة والخير للإنسانية كلها، وذلك بتفاعله مع أحداث القصص وتقمصه لشخصيات أبطالها وتعرفه إلى أنماط مختلفة من السلوك الاجتماعي، وهو ما يجب وضعه في الاعتبار والعناية بها.
المصادر والمراجع
- محمد حسن عبد الله: قصص الأطفال (أصولها الفنية وروادها)، دار ابن حزم، بيروت، عام 1996م، صـ9 .
- عبد الرحمن أحمد الأحمد: تعريف القصة، موسوعة الكويت العلمية للأطفال الجزء الرابع عشر، مؤسسة الكويت للتقدم العلمي، 2003.
- هنا راضي: ماذا يحدث لطفلك عند قراءة القصص؟، 21 يناير 2022.
- معراج أحمد معراج الندوي: القصة ودورها في بناء مستقبل الأطفال، مجلة الكلمة، العدد 143، مارس 2019.
- نجلاء السيد عبد الحكيم: أثر شخصيات القصة في تنمية بعض القيم الأخلاقية لدى طفل الروضة من خلال برنامج قصصي مقترح، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة القاهرة، كلية التربية، قسم رياض الأطفال، 2001.
- عثمان قدري: أساليب التربية في القرآن الكريم، طـ1، دار ابن حزم، بيروت، 2002، صـ362.
- هنا راضي: ماذا يحدث لطفلك عند قراءة القصص؟، مرجع سابق.