تتجاوز نظرة القائد التربوي الناجح حُدود الدنيا لترتبط بالآخرة وما فيها من أجر ونعيم مُقيم؛ لذا فهو لا يستعجل النتائج ولا يتعجل الثواب والمكافأة، ويعلم أنّ الله- عز وجل- يعد له خير الجزاء وأعظم الشكر، ومهما اعترته مشاعر الضعف الإنساني رفعته نيته الصالحة وعادت به إلى مهمته أكثر نشاطًا وأعظم تفاؤلا.
ومهمة هذا القائد في العملية التربوية تتركز في تسوية الخالفات بين المربين بطريقة ودية، وإعطاء الحرية للجميع في ممارسة حقهم في التفكير والحكم على الأمور، وفي الوقت نفسه حثّهم على بذل جهد أكبر لتربية النشء على القيم والأخلاق وتحسين بيئة العمل، وإنهاء الأعمال دون تقصير أو خلل، وبالتالي فإن دور هذه القائد محوري ومهم في التأثير على المناخ والمواقف وسمعة المؤسسات التربوية، بل يعد حجر الزاوية الذي تعمل عليه مجتمعات التعلم وتنمو.
من هو القائد التربوي؟
ويُعرّف القائد التربوي بأنه ذلك الشخص الذي يشرف على المربين والطلاب، ويقدم الإرشاد لهم والتوجيه لهم، وكذلك لأولياء الأمور، ويعمل على وضع الخُطط التي تُحسّن من الأنشطة اليومية الدراسية، كما يسعى إلى تحقيق الأهداف التعليمية المشتركة.
وهو الشخص الذي يسعى إلى الوصول للهدف بأحسن الوسائل وبأقل التكاليف وفي حدود الموارد والتسهيلات المتاحة مع حُسن استخدام الموارد والتسهيلات. وهو الذي يعمل على جمع المعلمين للتعاون على تحقيق هدف مشترك يتفقون عليه معًا، وينتفعون بأهميته، فيتفاعلون بطريقة تضمن تماسك الجماعة في علاقاتها.
وهذا الشخص لديه القدرة على التأثير في تفكير الآخرين، وضبط مشاعرهم وتوجيه سلوكهم، فهو يُوجّه نشاط الجماعة نحو هدف مشترك، ويستطيع توظيف المبادئ والقواعد والنظريات الحديثة في علم الإدارة والتربية لبناء إطار تنظيمي داخلي يعمق التناسق الداخلي والتعاون الطوعي بين الأقسام المختلفة، ويساهم في تحقيق التفاعل الإيجابي والتوازن الديناميكي، ويجعل من جميع العمليات والأنشطة جهدا موحدا لتحقيق القيادة الماهرة.
صفات القائد التربوي
وتتعدد صفات القائد التربوي لتشمل العدل والتعاون والحزم والابتكار، وغيرها من الصفات الإيجابية، والتي منها:
- أُخروي النظرة: فنظرته بعيدة المدى تتجاوز حدود الدنيا لترتبط بالآخرة وثوابها.
- يحترم الآخرين: سواء الطلبة أو المربين أو أولياء الأمور.
- موضوعي: وذلك عند إصدار الأحكام والقرارات وألا ينحاز لطرف على حساب الآخر.
- مبتكر مبدع: لا يخاف من تنفيذ الأفكار الجديدة والمجازفة، دون الاعتقاد بأن الفشل هو عنصر أساسي للنجاح الحقيقي.
- متعاون: فهو يعرف أن النجاح لا يأتي إلا من خلال التعاون الفعال، وبتضمين المربين في عملية صنع القرار، والثقة فيهم للأفكار والاقتراحات والدعم.
- منفتح: يعرف أهمية أن يكون منفتح الذهن، والسماح للآخرين بتجربة أساليب جديدة، والاستثمار في التكنولوجيا الجديدة وتطوير عقلية النمو.
- متعلم مدى الحياة: حيث يتمتع بعقلية متنامية، ويحب التعليم المستمر ويشجع عليه.
- استباقي: فهو لا ينتظر إنجاز الأشياء بل يتولى زمام الأمور لتحقيق ذلك، عن طريق إشراك أعضاء فريق العمل وبناء موقف مشترك من التأييد.
- صاحب قدرة وكفاءة: فلديه ذكاء مرتفع، وقدرة على التحليل والاستبصار، واليقظة، والطلاقة اللغوية، والمرونة والأصالة، والقدرة على إصدار الأحكام، وعلى تقديم الأفكار، وفهم المشكلات، وطرح الحلول، والقدرة على التعامل مع مقتضيات التغيير، والجرأة في إبداء الآراء والاقتراحات.
- شخص متوازن: فهو متعاون، ويُجيد حُسن المعاشرة، ومرح، وبشوش، وصادق ويتحرى العدل، وفي الوقت نفسه حازم وعنده القدرة على اتخاذ القرارات وقادر على ضبط النفس والعمل بتواضع.
- ذو أخلاق: مثل الأمانة والإخلاص والكرامة والاستقامة والصدق والفضيلة والحلم والقدوة الحسنة.
- ذكي وجريء: حيث لديه القدرة على اكتشاف نقاط القوة والضعف في النظام التربوي، وكذلك القدرة على استثمار الوقت بأقصى درجة ممكنة، كما لديه القدرة على اتخاذ القرارات الرّشيدة في ضوء معطيات واضحة له وللآخرين.
- تحفيزي: فهو نموذج يُحتذى به لجميع المربين والطلاب، في التحفيز الذي يدفع إلى التغيير والاختلاف والتفاؤل.
- إيجابي: فهو يميل إلى الجو الإيجابي ويُشجّع المربين والطلاب على الحفاظ على الأجواء المبهجة بأي ثمن.
- مختلف: فهو يسعى دائمًا إلى اكتشاف ما يجعله فريدًا، بتعزيز الاختلاف كشيء يجب الاحتفال به، كما يشجع على التميّز، ويرفض التقاليد دون أن يبالي بحكم الآخرين.
- لديه وعي ذاتي: وهي صفة ضرورية تمكنه من قيادة الفريق وتوظيف المهارات التي تُساعده على تطوير ذاته وتحقيق أهدافه.
- متعاطف: فهو يستشعر مشاعر الآخرين ويتفهّمها، ويتحلّى بالذكاء العاطفي الذي هو من شأنه دعم ثقافة العمل الجماعي والمساعدة على تأييد وفهم وجهات النظر المختلفة.
- مفاوض ناجح: وهي صفة تساعدهُ على تحديد الأولويات والأهداف بالحوار مع أفراد فريقه بشكلٍ فعّال وفهم طُرق تفكيرهم ومناقشتهم أفكارهم فيما يتعلق بأي مشروع.
- متفانٍ في عمله: وذلك من خلال القيام بأعماله التي تتوجَّب عليه بكل شغف وإخلاص ليُوفَّق بها ولينجح بإحداث الفروقات التي يأمل بتحقيقها.
- خدوم: فهو لا يشعر بأن مهمته فقط إصدار الأوامر والمراقبة، بل تجده في أي مكان في مؤسسته أو بين أفراد مجموعته وتُفاجأ في كثير من الأحيان أنه يشارك في جميع الأعمال مهما كانت بسيطة في نظر البعض.
- ذو بصيرة: فهو يتحرك على بصيرة وبمهنية عالية، لأن رؤية واضحة، وأهدافه محددة ودقيقة، وخطته مبنية على أسس علمية، ويُحلل المشكلات ويضع الحلول والبدائل المناسبة لها، ويكتشف المواهب، واجتماعاته لها معنى ومتجددة تكسر الروتين والملل ويستشير ثم يتخذ القرارات، ويُحسن إدارة ذاته ووقته، ويتعلّم ليُعلّم.
أدوار ومهارات القيادة
ويختلف القائد التربوي عن غيره من الموظفين العاديين في امتلاكه مهارات وقيامه بأدوار مختلفة تقود العملية التربوية إلى تحقيق المزيد من النجاحات، ومن أبرز هذه الأدوار والمهارات ما يلي:
- التخطيط للعمل: ويكون ذلك بناءً على دراسة الواقع والإمكانات المتوافرة والاستبصار بالجوانب والاتجاهات، وليس بالأحلام أو التصورات والشكوك.
- إعداد البرامج: وهي مهارة تتعلق بالجانب التنفيذي، وتعكس المعرفة والخبرة، معرفة بالأصول والقواعد والطرائق وخبرة عملية في استخدام هذه الطرائق ومتطلبات وترتيبات الانتفاع بها على أحسن وجه.
- تشجيع فريق العمل: ومن أدواره تشجيع مَن حوله رغم تكرر إخفافات البعض، فهو يعلم علم اليقين أن كل فرد عنده يمكن أن يتجاوز إخفاقاته؛ لذلك فهو يقربهم إلى النجاح بتشجيعهم لكنه مع هذا لا يغفل عن جانب كشف الأخطاء.
- حل المشكلات: فهو يعلم يقينا أن لكل مشكلة حل، ولهذا فهو لا ينشر سُحب اليأس فوق رؤوس مجموعته والعاملين معه، بل يُذّكرهم دومًا بأنه إذا أُغلق باب فتحت أبواب فلا تبق متعلقًا بالباب المغلق.
- التواصل الجيد مع فريق العمل: فهو يعرف جيدًا كل مَن حوله ويعرف كيف يصل إلى كل فرد في الفريق، ويُبقي جميع قنوات التواصل الممكنة.
- المسؤولية عن التنفيذ: إذ بجانب تحديد الأهداف ورسم السياسات يتابع القائد خطوات التنفيذ بالرقابة المباشرة على عمليات التنفيذ أو بتفويض سلطة الإشراف على التنفيذ إلى بعض تابعيه.
- توزيع الأدوار وتنظيم العلاقات: حيث تحدد الأدوار لكل عضو تحديدًا يظهر مسؤولياته والصلاحيات المقابلة لها بشكل يمنع اختلاط الأدوار والازدواجية ويفضي إلى التكامل في الجهود.
- المتابعة والتقييم والتحفيز والعقوبات: فهو يمتلك سلطة ضبط العمل والتأكد من أن الجهود موظفة في خدمة الأهداف، وبالتالي توفير الدوافع اللازمة للنشاط في العمل، ومعاقبة حالات الشذوذ عن خط سير العمل وإعادة تعديل المسارات.
- المبادأة والابتكار: بمعنى أن يتخذ ما يراه من تسهيلات تسمح للأفكار والممارسات الإبداعية أن تأخذ طريقها إلى حيز العمل.
- تعميق الشعور بالعضوية: فهو يسهم في عملية التفاعل الاجتماعي بشكل يزيد من تقبل الأعضاء لبعضهم البعض، واعترافهم بالسلطات التي لا تكون لكل فرد.
- تقييم الأداء: وهو دور مهم ولا بد من أن يتوافق مع الخطط والبرامج المحددة، لتطوير المنظومة التي يقودها، والعاملين فيها.
إنّ القائد التربوي الناجح يتميز بصفات ومهارات عديدة، بجانب الأدوار والمسؤوليات المختلفة التي تُمكّنه من قيادة فريق العمل وحل المشكلات والتحديات التي تواجهه في المؤسسة التي يقودها، وهو يركِّز على خلق بيئة عمل إيجابية وتحفيزية، تتَّسم بالتفاهم والتعاون، ويقودها بأسلوب يحثُّ على التضامن المُجتمعي بشكل عام.
مصادر ومراجع:
- أسماء مختار: نظرية القيادة التربوية (الأنماط+ الأبعاد).
- د. إدوارد عبيد: القيادة التربوية.. متطلباتها ومهاراتها.
- أسماء شاكر: ما هو مفهوم القيادة التربوية في النظام التربوي؟
- د. خالد محمد الشهري: القائد التربوي الذي نُريد : مفاتيح القيادة الناجحة.
- منيف الشمري: صفات القائد التربوي الناجح من وجهة نظر المشرفين التربويين في مدينة الرياض “دراسة ميدانية”، ص 154 و155.
- هدى عبد السلام: صفات القائد التربوي الناجح.
- محمد مرعي: مهارات التميز الإداري في القيادة الإدارية، ص 8.
- فريد فهمي: المبادئ والأصول للإدارة والأعمال، ص 17.