لقد امتاز ابن تيمية بين أقرانه من العلماء المعاصرين بثلاثة أمور، الأول: الصلة الوثيقة بالقرآن والسنة ومنهج السلف من الأجيال الثلاثة الأولى في الإسلام. فأكسبه هذا كله ـ بالإضافة إلى ما أوتي من قوة في الذكاء وصفاء في التفكير ـ وضوحاً ف في الرؤى وسداداً في البحث والنظر، والأمر الثاني: أن ابن تيمية في تفكيره التربوي كان يعكس حاجات مجتمعه وعصره ويتفاعل معهما بإيجابية مؤثرة فعالة، والأمر الثالث: الذي ميز ابن تيمية بين أقرانه المعاصرين، أنه في معالجاته التربوية والفكرية تناول كلا من الفرد والمجتمع على حد سواء.
ولإعادة بناء التربية الإسلامية على أسس إسلامية صحيحة بلور ابن تيمية مجموعة من الآراء والمبادىء في ميادين أصول التربية وفلسفتها والمناهج والتعلم وطرائق التعليم وغير ذلك من الميادين التربوية. وتميزت آراؤه في هذا المجال بأمور ثلاثة، الأول: أنه اعتقد أن التربية يجب أن تركز على بعث عقيدة التوحيد وتطهير حياة الأمة من البدع والانحرافات كمقدمة لتأهيل الأمة لحمل رسالة الإسلام مرة ثانية، والثاني: أن مقياس التربية السليمة هو قيامها على أصول مستمدة من القرآن والسنة وانسجامها مع تطبيقات السلف، وإعادة توصيل المتعلم بالقرآن والسنة دون حاجة لوسطاء في الفهم والاستنباط، والثالث: أن التربية لا يمكن فصلها عن التوجيه العام للمجتمع، وهي ترتبط بالحياة اليومية وما يتفاعل خلالها من المعتقدات والقيم والعادات والتقاليد والممارسات الإدارية والسياسية والاجتماعية وغير ذلك، وفي ضوء هذه المعايير الثلاثة ناقش ابن تيمية- أعماله الواسعة – مفاهيم التربية الإسلامية وأصولها وترك آثاراً هامة في هذا الميدان. وميزة هذه الآثار أنها بالرغم من بعد الفترة الزمنية فإنها ما زال لها من الجدة والمرونة ما يؤهلها للإسهام الفعال في النهضة التربوية التي يتطلع إليها العالم الإسلامي اليوم.