الفطنة موهبة يهبها اللهُ- سبحانه وتعالى- مَن يشاء مِن عباده، وهي صفة تُعين العبدَ على معرفة العلوم والتفكُّر والعبادة، والتقرب إلى الله، والفَطِنْ محبوب عند الناس، مرغوب في مجالسته، يحل المشكلات، ويتخلَّص من الإحراجات، ويستنبط الأحكام.
ورغم أن هذه الصفة موهبة من الله، فإنه من الممكن تربية النفس البشريَّة وتدريبها على الحكمة والذكاء، حتى تنمو وتتفقه، وتتسم بالفطنة والفَهم، وذلك من خلال عددٍ من الوسائل العملية والتربوية التي فطن إليها الصحابة والتابعون فكانت عونًا لهم في حياتهم.
مفهوم الفطنة وفوائدها
وأصل لفظ الفطنة في اللغة يدُلُّ على ذَكاءٍ وعِلمٍ بشَيءٍ. والفِطنةُ والفَطانةُ كالفَهمِ، وهي ضِدُّ الغباوةِ، ورجُلٌ فَطِنٌ: بَيِّنُ الفِطنةِ، وفَطُن- بالضَّمِّ- إذا صارت الفَطانةُ له سَجِيَّةً، ورَجُلٌ فَطِنٌ بخصومتِه، عالمٌ بوجوهِها حاذِقٌ، ويتعدَّى بالتَّضعيفِ، فيُقالُ: فطَّنْتُه للأمرِ.
وفي الاصطلاح، قال العَسكَريُّ: هي العِلمُ بالشَّيءِ مِن وَجهٍ غامضٍ، وقال الرَّاغِبُ: هي سرعةُ إدراكِ ما يُقصَدُ إشكالُه، وقال الكَفَويُّ: هي التَّنبُّهُ للشَّيءِ الذي يُقصَدُ مَعرفتُه.
ومن فوائدها أنَّها تدلُّ العبد على حِكَم الله وسننه الشَّرعية والكونيَّة، فتبصِّره بها، كما أنَّها تدعوه إلى التَّفكر في آلاء الله، فيزداد خشوعًا لله وتعظيمًا له، وإيمانًا ويقينًا به، وهي من أسباب السلامة والخروج من المآزق، وتدعو إلى فعل صنائع المعروف، وتقديم الفضل إلى محتاجيه، وهي مقوِّم من مقوِّمات الشَّخصية النَّاجحة، فقد يتمتَّع الرَّجل بالقوَّة والأمانة، إلَّا أنَّه لا يتمتَّع بالفِطْنَة، وفي هذه الحالة قد لا يستطيع أن يسيِّر أعماله بالطَّريقة المطلوبة، قال الرَّازي: “القُوَّة والأمانة لا يكفيان في حصول المقصود ما لم ينضمَّ إليهما الفِطْنَة والكَيَاسة”.
الفطنة في القرآن والسنة
وأشار القرآن الكريم في آيات عديدة، إلى الفطنة وأهميتها، قال الله تعالي: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فَاعِلِينَ * وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ * وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ) [الأنبياء: 78-81].
قال ابن مسعود في قوله: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ) كَرْمٌ قد أنبتت عَنَاقيده، فأفسدته، قال: فقضى داود بالغنم لصاحب الكَرْم، فقال سليمان: غير هذا يا نبي الله! قال: وما ذاك؟ قال: تَدْفَع الكَرْم إلى صاحب الغنم، فيقوم عليه حتى يعود كما كان، وتدفع الغنم إلى صاحب الكَرْم، فيصيب منها، حتى إذا كان الكَرْم كما كان، دفعت الكَرْم إلى صاحبه، ودفعت الغنم إلى صاحبها، فذلك قوله: (فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ).
وقَرَأَ الحسن: (وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلاًّ آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا) فحَمَد سليمان، ولم يَلُم داود، ولولا ما ذكر الله من أمر هذين، لرأيت أنَّ القضاة هلكوا، فإنَّه أثنى على هذا بعلمه، وعذر هذا باجتهاده.
وفي السنة النبوية، نماذج عديدة تدل على الفراسة والفِطْنة، فعن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ- رَضِيَ اللهُ عنه- قال: “سمعتُ رسولَ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- يخطُبُ بالمدينةِ، قال: “يا أيُّها النَّاسُ، إنَّ اللهَ تعالى يُعَرِّضُ بالخَمرِ، ولعَلَّ اللهَ سيُنزِلُ فيها أمرًا، فمَن كان عنده منها شيءٌ فليَبِعْه ولينتَفِعْ به” (مسلم) .
قال ابنُ الجوزيِّ: “في هذا الحديثِ بيانُ فضيلةِ الفِطنةِ؛ لأنَّه عليه السَّلامُ لَمَّا رأى التَّعريضَ بذَمِّها استدَلَّ على قُربِ التَّصريحِ”.
وعن قَبيصةَ بنِ مُخارِقٍ الهِلاليِّ- رَضِيَ اللهُ عنه-، قال: “تَحَمَّلْتُ حَمالةً، فأَتَيْتُ رَسولَ اللهِ- صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أَسأَلُه فيها، فقالَ: أقِمْ حتَّى تَأتيَنا الصَّدَقةُ فنَأمُرَ لك بِها، قال: ثُمَّ قال: يا قَبِيصةَ، إنَّ المَسألةَ لا تَحِلُّ إلَّا لأحَدِ ثَلاثةٍ: رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمالةً (الحَمالةُ: ما يتحمَّلُه الإنسانُ عن غيرِه من دِيَةٍ أو غرامةٍ)، فحَلَّتْ له المَسْألةُ حتَّى يُصيبَها، ثُمَّ يُمسِكُ، ورَجُلٌ أصابَتْه جائِحةٌ (الجائحةُ: هي الآفةُ التي تهلِكُ الثِّمارَ والأموالَ) اجْتاحَتْ مالَه فحَلَّتْ له المَسألةُ حتَّى يُصيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ -أو قالَ: سِدادًا (القِوَامُ والسِّدَادُ: هما بمعنًى واحدٍ، وهو ما يُغني من الشَّيءِ ) مِن عَيْشٍ- ورَجُلٌ أصابته فاقةٌ حتَّى يَقومَ ثَلاثةٌ مِن ذَوي الحِجَى مِن قَومِه: لقد أصابَتْ فُلانًا فاقةٌ، فحَلَّتْ له المَسألةُ حتَّى يُصيبَ قِوامًا مِن عَيْشٍ-أو قال: سِدادًا مِن عَيْشٍ- فما سِواهُنَّ يا قَبِيصةُ مِن المَسألةِ سُحْتًا (سحتًا، أي: حرامًا) يأكُلُها صاحِبُها سُحتًا” (مسلم).
وروى عبد الله بن عمر- رضي الله عنهما-، أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال: “إنَّ من الشَّجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنَّها مَثَل المسلم، فحدِّثوني ما هي؟ فوقع النَّاس في شجر البوادي، قال عبد الله: ووقع في نفسي أنَّها النَّخلة، فاستحييت، ثم قالوا : حدِّثنا ما هي يا رسول الله؟ قال: فقال: هي النَّخلة، قال: فذكرت ذلك لعمر، قال: لأن تكون قلت: هي النَّخلة، أحبُّ إليَّ من كذا وكذا” (البخارى ومسلم).
وقال وائل بن حجر: “إنِّي لَقَاعِدٌ مع النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إذْ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بنِسْعَةٍ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، هذا قَتَلَ أَخِي، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَقَتَلْتَهُ؟ فَقالَ: إنَّه لو لَمْ يَعْتَرِفْ أَقَمْتُ عليه البَيِّنَةَ، قالَ: نَعَمْ قَتَلْتُهُ، قالَ: كيفَ قَتَلْتَهُ؟ قالَ: كُنْتُ أَنَا وَهو نَخْتَبِطُ مِن شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي، فأغْضَبَنِي، فَضَرَبْتُهُ بالفَأْسِ علَى قَرْنِهِ، فَقَتَلْتُهُ، فَقالَ له النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: هلْ لكَ مِن شَيءٍ تُؤَدِّيهِ عن نَفْسِكَ؟ قالَ: ما لي مَالٌ إلَّا كِسَائِي وَفَأْسِي، قالَ: فَتَرَى قَوْمَكَ يَشْتَرُونَكَ؟ قالَ: أَنَا أَهْوَنُ علَى قَوْمِي مِن ذَاكَ، فَرَمَى إلَيْهِ بنِسْعَتِهِ، وَقالَ: دُونَكَ صَاحِبَكَ، فَانْطَلَقَ به الرَّجُلُ، فَلَمَّا وَلَّى قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنْ قَتَلَهُ فَهو مِثْلُهُ، فَرَجَعَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، إنَّه بَلَغَنِي أنَّكَ قُلْتَ: إنْ قَتَلَهُ فَهو مِثْلُهُ، وَأَخَذْتُهُ بأَمْرِكَ، فَقالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أَمَا تُرِيدُ أَنْ يَبُوءَ بإثْمِكَ وإثْمِ صَاحِبِكَ؟ قالَ: يا نَبِيَّ اللهِ -لَعَلَّهُ قالَ-: بَلَى، قالَ: فإنَّ ذَاكَ كَذَاكَ، قالَ: فَرَمَى بنِسْعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ” (مسلم).
والنسعة: الحبل المفتول من جلد، وقوله “يبوء بإثمك وإثم صاحبك”، أي: يتحمل ذنوبك وذنوب المقتول.
وضرب صحابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في الفِطْنة، فعن أبي سعيد الخدري- رضي الله عنه- قال: “خطب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- النَّاس، وقال: إنَّ الله خيَّر عبدًا بين الدُّنْيا وبين ما عنده، فاختار ذلك العبد ما عند الله. قال: فبكى أبو بكر، فعجبنا لبكائه أن يخبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عن عبد خُيِّر، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- هو المخَيَّر، وكان أبو بكر أعلمنا، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: إنَّ أمنَّ النَّاس علي في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا- غير ربِّي- لاتَّخذت أبا بكر، ولكن أخوة الإسلام ومودَّته، لا يبقين في المسجد باب إلا سُدَّ، إلا باب أبي بكر” (البخارى ومسلم). قال ابن الجوزي: “هذا الحديث قد دلَّ على فِطْنَة أبي بكر، إذْ عَلِم أنَّ المخَيَّر هو رسول الله- صلى الله عليه وسلم-“.
وروى أسلم عن أبيه قال: “قَدِمَت على عمر بن الخطَّاب حُلَلٌ من اليمن، فقسَّمها بين النَّاس، فرأى فيها حُلَّة رديئة، فقال كيف أصنع بهذه، إذا أعطيتها أحدًا، لم يقبلها إذا رأى هذا العيب فيها، قال: فأخذها فطواها، فجعلها تحت مجلسه، وأخرج طرفها، ووضع الحُلَل بين يديه، فجعل يقسم بين النَّاس، قال فدخل الزُّبير بن العوَّام، وهو على تلك الحال، قال : فجعل ينظر إلى تلك الحلَّة، فقال له : ما هذه الحلَّة؟ قال عمر: دع هذه عنك، قال : ما هيه ؟ ما هيه ؟ ما شأنها ؟ قال : دعها عنك. قال: فأعطنيها، قال : إنَّك لا ترضاها، قال: بلى، قد رضيتها. فلمَّا توثَّق منه، واشترط عليه أن يقبلها ولا يردَّها، رمى بها إليه، فلمُّا أخذها الزُّبير ونظر إليها، إذا هي رديئة، فقال : لا أريدها، فقال عمر: هيهات، قد فرغت منها، فأجازها عليه، وأبى أن يقبلها منه”.
وعن جرير عن عمر قال له- لجرير- والنَّاس يتحامون العراق وقتال الأعاجم: سِر بقومك، فما قد غلبت عليه فلك ربعه، فلمَّا جُمِعت الغنائم- غنائم جلولا- ادعى جرير أنَّ له ربع ذلك كلِّه، فكتب سعد إلى عمر بذلك، فكتب عمر: صدق جرير قد قلت ذلك له، فإن شاء أن يكون قَاتَل هو وقومه على جُعْلٍ فأَعْطُوه جُعْلَه، وإن يكن إنَّما قاتل لله ولدينه ولحبيبه، فهو رجل من المسلمين، له ما لهم، وعليه ما عليهم، فلمَّا قَدِم الكتاب على سعد، أخبر جرير بذلك، فقال جرير: صدق أمير المؤمنين، لا حاجة لي به، بل أنا رجل من المسلمين”.
وجاءت امرأة إلى الخليفة، تقول: زوجي رجل صالح، مجتهد في العبادة، يقوم الليل، ويصوم النهار، فأثنى عليه، وأثنى عليها لثنائها على زوجها، وكان ذلك الفِهم الفطن في المجلس، قال: يا أمير المؤمنين قد أبلغت في الشكوى؟ قال: اشتكت من؟ قال: زوجها، يعني أنه لا يقربها، وليس عندها ولا حولها، قال: كما فطنت لمسألتها، فاقض بينهما، قال: فرضتُ أن له أربع نسوة، وأن لها ليلة من أربعة، فإذا اجتهد في الثلاث في العبادة، فلا بدّ أن يكون عندها الرابعة، يلبي حاجتها، فبعثه قاضيًا إلى البصرة.
ولما غضب المأمون على طاهر بن عبد الله، فأراد طاهرٌ أن يقصده، فورد كتابٌ له من صديقٍ له ليس فيه إلا السلام، وفي حاشيته: “يا موسى”، فجعل يتأمَّله ولا يعلم معنى ذلك، وكانت له جارية فطنةٌ، فقالت: إنه يقول: (يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ) [القصص: 20]. فتثبط عن قصد المأمون.
وقال أبو بكر بن عيَّاش: كان بالكوفة رجلٌ قد ضاق معاشه، فسافر وكسب ثلاثمائة درهم، فاشترى بها ناقةً فارهةً وكانت زعرةً، فأضجرته واغتاظ منها، فحلف بالطلاق ليبيعنَّها يوم يدخل الكوفة بدرهم، ثمَّ ندم، فأخبر زوجته بالحال، فعمدت إلى سنَّور فعلَّقتها في عنق النَّاقة، وقالت: نادِ عليها مَنْ يشتري هذا السنور بثلاثمائة درهم والنَّاقة بدرهم، ولا أفرق بينهما. ففعل، فجاء أعرابيٌّ فقال: ما أحسنكِ!! لولا هذا البتيارك الذي في عنقك.
وانفرد الحجاج يومًا عن عسكرهِ، فلقي أعرابيًّا، فقال له: كيف الحجَّاج؟، قال: ظالمٌ غاشم. قال: فهلاَّ شكوتموه إلى عبد الملك. قال: هو أظلم وأغشم. فأحاط به العسكر، قال: أركبوا البدوي. فلما ركب سأل عنه، فقيل له: هذا الحجَّاج. فركض خلفه وقال: يا حجَّاج. قال: ما لك؟ قال: السرُّ الذي بيني وبينك لا يطَّلع عليه أحد. فضحك منه وأطلقه.
وقد رأى المعتصم أسدًا، فقال لرجلٍ قد أعجبه قوامه وسلاحه: أفيك خيرٌ؟ فعلم أنَّه يريد أن يقدِّمه إلى الأسد، فقال: لا يا أمير المؤمنين. فضحك.
ووقف المهديُّ على عجوزٍ من العرب، فقال: ممَّن أنتِ؟، قالت: من طيِّئ. قال: ما منع طيِّئًا أن يكون فيهم مثل حاتم؟ فقالت: الذي منع الملوك أن يكون فيهم مثلك. فعجب من جوابها ووصلها.
وسائل عملية
ومن الوسائل المعينة على اكتساب الفطنة والذكاء، ما يلي:
- الإيمان: فهو طريق عظيم من طرق اكتساب الفِطْنَة، يقول الطَّاهر بن عاشور: “الإيمان يزيد الفِطْنَة؛ لأنَّ أصول اعتقاده مبنيَّة على نَبْذ كلِّ ما من شأنه تضليل الرَّأي، وطمس البصيرة”.
- التَّفقُّه في الدِّين: وطلب العلم الذي ينير البصيرة، ويُعْمِل الفِكَر، وينمِّي الفِطْنَة.
- ترك فضول الطعام والشراب والنوم: فإنَّ فضول هذه الأشياء تجعل الفِكْر راكدًا خاملًا، لا يكاد يَتَفَطَّن للأشياء، إلَّا بصعوبة بالغة، ومشقَّة شديدة. فعن مكحول الشامي قال: “خصال ثلاث يحبُّها الله عزَّ وجلَّ وثلاث يبغضها الله عزَّ وجلَّ، فأما اللاتي يحبُّها: فقلَّة الأكل، وقلَّة النَّوم، وقلَّة الكلام، وأمَّا اللاتي يبغض: فكثرة الأكل، وكثرة الكلام، وكثرة النَّوم، فأمَّا النَّوم، فإنَّ في مداومته طول الغفلة، وقلَّة العقل، ونقصان الفِطْنَة، وسهوة القلب”.
- محاسبة النفس: قال الحارث بن أسد: “المحاسَبة تورث الزِّيادة في البصيرة، والكَيْس في الفِطْنَة، والسُّرعة إلى إثبات الحجَّة، واتِّساع المعرفة”.
- محاولة التفكير والفهم: فإنَّ ذلك ينمِّي الفِطْنَة. يقول ابن القيِّم: “الفِكْر هو الذي ينقل من موت الفِطْنَة إلى حياة اليَقَظَة”.
إنّ الفطنة صفة من صفات العقل، وهي القدرة على إدراك الأمور بسرعة ودقة، وفهمها بشكل صحيح، والتصرف على أساس ذلك الفهم. وهي ليست مجرد الذكاء، بل هي ذكاء يصاحبه حُسن الفهم وسرعة البديهة وحسن التصرف، وهي موهبة ربانية، لكن يمكن تربية النفس عليها لاكتسابها حتى نتصرف في المواقف المختلفة بحكمة وفهم.
مصادر ومراجع:
- الجوهري: الصحاح 8/35.
- ابن فارس: مقاييس اللغة 4/510.
- ابن منظور: لسان العرب 13/323.
- الفيومي: المصباح المنير 2/477.
- العسكري: الفروق اللغوية، ص 85.
- الراغب الأصفهاني: الذريعة إلى مكارم الشريعة، ص 143.
- الكفوي: الكليات 1/456.
- طريق الإسلام: الفِطْنَة في الكتاب والسُّنَّة.
- ابن القيم: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص 37.
- الرازي: تفسير الرازي: 24/591.
- ابن الجوزي: كشف المشكل 3/177.
- ابن الجوزي: أخبار الظراف والمتماجنين ص 131-150.