تختلف الفروق الفردية من شخص إلى آخر من حيث السّمات العقلية أو الجسمانية أو الخُلقية، لذلك حرص الإسلام على مخاطبة الناس على قدر عقولهم وعلى مقدار ما يستوعبون ويفهمون، كون التفاوت موجود بينهم، ومن الخطأ الذي يقع فيه بعض المرّبين هو التّعامل مع الجميع بالمستوى نفسه، ما يُسبب مشكلات عدة بين المتربين.
ولقد أكد الله- سبحانه وتعالى- هذا الاختلاف في قوله: {وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ} [الأنعام: 165]، ومع ذلك فلا يستطيع أي إنسان أن يستغني عن غيره من الأفراد؛ لأن الجميع يكملون بعضهم البعض ويتعاونون في بناء حياة إنسانية سليمة فردية وجماعية.
مفهوم الفروق الفردية وأهميتها
اختلف البعض في توصيف وتعريف الفروق الفردية بين الناس، فمنهم من عرّفها بتلك الصفات التي يتميز بها كل إنسان عن غيره من الأفراد سواءً كانت تلك الصفة جسمية أم في السلوك الاجتماعي. وعرفها آخرون بأنها الانحرافات الفردية عن المتوسط الجماعي في الصفات المختلفة.
وقال البعض الآخر إنها التنوع والاختلاف في الصفات، والخصائص، والمبادئ التي يمتلكها كل فرد في شخصيته والتي تميزه عن غيره، كما يشمل هذا المفهوم الاختلافات في السمات والعادات الشخصية والقدرات العقلية والجسدية، وتُسهم عملية فهم هذه الفروق في تفسير وفهم سلوك الأشخاص(1).
وأهمية اكتشاف هذه الفروق تتمثل في:
- التعرف إلى الاستعدادات الكامنة لدى الأفراد والأبناء.
- دراسة الفروق وتفهمها سواء في البيت أو في المدارس تساعد الوالدين والمربين على تكييف المناهج وطرائق وأهداف وأدوات التدريس.
- تساعد على فهم وإبراز ما لدى المتربّين من قدرات واستعدادات وميول.
- تُسهم في التعرف إلى طبيعة الأنماط السلوكية ومسبباتها.
- تساعد على التعرف إلى أداء الفرد في المواقف المختلفة، وبالتالي الحكم بإمكانية نجاح الفرد أو فشله.
- تساعد في التعامل مع الأفراد كل وَفق سماته المميز له.
- تساعد الفرد على تفهم نفسه واستغلال مواهبه ومعرفة إمكاناته.
- فهم الآخرين وإلقاء الضوء على كثير من تصرفاتهم، فلا يجوز للإنسان أن يطلب من كل إنسان أن يعامله بالمعاملة نفسها، لأن لكل فرد أسلوبه الخاص في التعبير الانفعالي وأداء السلوك.
- تعمل على تطوير مهارات التواصل مع الآخرين، ومهارات الاتصال بسبب ضرورة فهم شخصية الآخر ومعرفة مفاتيح التعامل معه لإنجاز المهمات الوظيفية والحياتية التي تجعلك مضطرا للتعامل مع أشخاص ربما لا يروق لك أسلوب تفكيرهم ونمط حياتهم أو الفروق الفردية بينكم تكون كبيرة(2).
أنواع الفروق الفردية
وتختلف الفروق الفردية بين الأفراد من حيث الصفات الجسدية والفكرية والتعليمية وغيرها، وهي التي تُميّز فرد عن آخر أو ولد عن شقيقة، وهو ما يجب أن يدركه المربون حتى لا يتعاملوا مع الجميع بالطريقة نفسها، ومن هذه الفروق:
- الفروق الفكرية: وهي ترتبط بالقدرات العقلية وتُحدد مستويات الإدراك العقلي والقدرة على التحليل والاستنتاج، وسرعة الاستجابة.
- الفروق الشخصية: تعبر عن اختلاف الفهم، وتقبل الاستجابات العاطفية السلبية والإيجابية للفرد، وتنوع ردات الفعل السلوكية لدى الأفراد في البيئات المختلفة والمتنوعة، ومقارنة هذه الاختلافات للفرد الواحد مع غيره من الأفراد ضمن المجموعة الواحدة.
- الاختلافات الخَلقية: كطول القامة أو قصرها، والوزن وغيرها من الأمور المادية التي يختلف بها الجميع.
- الاختلافات في القدرة على الإنجاز: حيث يتمكن البعض من الإنجاز أكثر من غيرهم بكثير في بعض المجالات.
- الفروق المبنية على العِرق: حيث تُؤثر البيئة التي يعيش فيها الإنسان على طبعه، فنجد صاحب البيئة الجبلية يمتلك طبعًا حادًا أكثر من غيره.
- الفروق المبنية على العاطفة: من حيث طرق التّعبير عن العاطفة والمشاعر من الحب والغضب والكره والسعادة(3).
أسباب الفروق بين المتربين
وتختلف الفروق الفردية بين أفراد الأسرة الواحدة، فلا يتشابه أحد مع آخر في جميع الصفات، ومن أسباب هذه الفروق:
- العوامل الوراثية: وهي التي يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد ويكون الطفل أو الشاب على استعداد فطري لكسب تلك الفروق منهم، مثل الطول والشكل وغيرها، من المظاهر الجسمانية.
- العوامل البيئية: وتتمثل في العادات التي يكتسبها الفرد من البيئة التي تحيط به، والتي تُسمى عوامل الرعاية البيئية.
- الصحة العامة والتغذية الخاصة بالأشخاص: فالطفل أو الطالب الذي يتغذى جيدًا ويمتلك جسمًا صحيًا يساعده ذلك على التفوّق على الطالب صاحب الأمراض أو الطفل الضعيف أو الذي ينشأ في مناطق تسودها الجفاف والمجاعة.
- المجتمع المحيط بالفرد: حيث إن المجتمع والمنزل والبيئة التي تُحيط به تعمل على تكوين شخصية الطفل التي سيتعامل بها مع الآخرين في المستقبل.
- المزاج والاستقرار العاطفي: كون البعض إيجابيًا والآخر ينظر إلى الأمور بصورة سلبية، وذاك مرحٌ، وهذا انطوائي حزين، كل ذلك يُبرز الفروق بين الأفراد.
- الحالة الاقتصادية للأسرة: فالذين يعيشون في أسرة مستقرة اقتصاديا أفضل من الأفراد الذين يعيشون في أُسر فقيرة، حيث يتوفر للأول كل سبل التفوق والتنوع العلمي(4).
مظاهر الفروق بين المتربين
الفروق الفردية بين المتربين أمر طبيعي ومفيد بدرجة كبيرة سواء على المستوى الفردي أو المستوى الجماعي، ومن مظاهرها:
- زيادة القابلية للتكيف والتأقلم، بسبب التعامل مع أشخاص لا يتوافقون مع الأفكار والمبادئ.
- تنمية مهارة ضبط النفس وضبط الانفعالات لدى المتربين من خلال تنظيم المشاعر والتحكم بها وبالانفعالات التي تنتج عن الفروق ما يتسبب في نجاح سير الأمور وسير عجلة الحياة على ما يرام.
- الفروق بين المتربين على صعيد الاهتمامات والذكاء والرغبات تُولّد تنوعًا كبيرًا في مجالات الإبداع المختلفة فكل شخص يبدع في مجال يتقنه ويحبه ويجد نفسه فيه أكثر من غيره من المجالات ما يزيد نسبة الإبداع والابتكار ويرفع مستوى رفاهية الحياة العامة(5).
كيفية مراعاة الفروق بين المتربين
ينبغي على أولياء الأمور أو المربين أن يكونوا مدركين أهمية مراعاة الفروق الفردية بين المتربين، ولا يتبعون طريقة واحدة في التربية أو التوجيه أو التدريس لن تعود بالفائدة على جميع الأبناء بالنفع لاختلاف قدراتهم على الاستيعاب.
ولذلك عليهم اتباع طرائق تدريس متنوعة، وينبغي عليهم تعلم فن إثارة رغبة الأبناء أو المتربين في التعلم بتحفيزهم وخَلْق بيئة تحفيزية للجميع لتشجيعهم على إظهار أفضل ما لديهم من قدرات (6)، ومن هذه الطرائق:
- الاحترام المتبادل أمر ضروري وأساسي لاستمرار الحياة الإنسانية بشكل سلس وسليم وبعيدا عن المشكلات والمشاحنات والخلافات.
- تقبل الذات وتقبل الآخر كما هو، لأن الحياة عبارة عن فروقات وتباينات بين الأشخاص وهذه الفروقات هي ما تخلق توازنًا بين البشر.
- على الوالدين أن يدعما أبنائهما على مساعدة الآخرين في المجال المميزين فيه أو طلب المساعدة في المجالات التي يشعرون بحاجتهم للمساعدة فيها حتى يشعروا بالتكامل.
- تربيتهم على عدم التنمر كونه غير مقبول أبدا وسلوك غير أخلاقي وغير إنساني وغير قانوني، حتى لا ننسى أن الفروق هي التي تجعل كل واحد منا مميزًا بشخصيته وخصاله(7).
- وعلى المربين تجنّب المقارنة أمام أطفالهم، وإدراك نقاط القوة لدى كل طفل.
- عدم ممارسة الضغوط على المتربين من أجل إجبارهم على موهبة أو صفة.
- تشجيع الطفل الضعيف وإشراكه مع آخر ذكي في حل بعض المسائل ليكتسب منه بعض المهارات.
- التنوع في وسائل التربية واكتشاف المواهب وعدم تحقيرها لدى الطفل أو فرض موروثات عليه مثل طالما الأب طبيبًا لا بد من أن يكون ابنه طبيبًا.
- إبداء الحب بالطفل على جميع صفاته مع دعم الصفات الجميلة وتهذيب الصفات السيئة.
- تدريب الطفل على أساليب التعلم الذاتي المستمر وتعويده على مواصلة القراءة والتفكير حتى تتفتح مداركه ويدرك مواهبه.
- الابتعاد عن التربية السلبية أو الرسائل السلبية التي قد يرسلها الآباء لأولادهم.
- اتباع الأسلوب التدريجي من السهل إلى الأصعب فالأصعب، لتشجيع الطلاب الضعفاء على الاندماج بالدرس(8).
المصادر والمراجع:
- أحمد عبد العظيم سالم: الفروق الفردية : مفهومها ، وكيفية مراعاتها، الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، 8 شوال 1432هـ.
- يحيى محمد: ما هي الفروق الفردية؟ ما هي فائدة معرفة الفروق الفردية ؟
- عيد محمد: الفروق الفردية في علم النفس، 3 نوفمبر 2020.
- ميرفت عبد المنعم: بحث عن الفروق الفردية بين الأطفال، 6 ديسمبر 2017.
- الفروق الفردية في علم النفس: مرجع سابق.
- كيف تراعي الفروق الفردية بين الطلاب مفهومها وأسبابها: 26 أبريل 2022.
- م. عبد اللطيف البريجاوي: مراعاة الفروق الفردية في الأسرة.
- التربية والفروق الفردية: 8 نوفمبر 2007.