لا شك أنّ الغش في الامتحانات ظاهرة خطيرة وسلوك مشين، وأصبح الكثير من المدرسين والتربويين يشتكون من انتشاره في المراحل التعليمية المختلفة، وهو من الأمور التي نهى الإسلام عنها، لما يتضمّنه من خيانة الأمانة، والتهاون في جهد الآخر الذي بذله وهو يدرس للامتحان، ثمّ إنّه يرّبي الإنسان على التّواكل على جهد غيره، وعدم بذل الجهد للنجاح.
لقد كشفت هذه الظاهرة عن الوضع الغريب الذي وصل إليه العلم في العصر الحديث، فكم من طالب قدّم بحثًا ليس له فيه إلا اسمه، وكم من طالب قدّم مشروعًا ولا يعرف عمّا فيه، بل نعجب من بعض الطلاب الذين يرمون مَن لم يغش بأنه مُعقّد ومتخلّف وجامد.. إلخ. ولرُبّما تمادى البعض فاتهم الطالب الذي لا يُساعد على الغش بأنه لا يعرف معنى الأخوة ولا التعاون!
مفهوم الغش في الامتحانات وحكمه شرعا
ويُطلق مفهوم الغش في الامتحانات على ما يقوم به الشخص من طلب العون من غيره وتحقيق ما يريده بالنقل من ورقة زميله، أو قد يُملي زميله المعلومات التي يسمعها منه، وقد يتحقّق الغش بإدخال الشخص ورقة كُتب عليها معلومات متعلّقة بالامتحان، فينقل منها على ورقة الامتحان.
وتُعد ظاهرة الغش في الاختبارات ظاهرة سلبية منتشرة في مدارسنا، وهي من أكبر المشكلات التي يُواجهها التعليم في المراحل التعليمية المختلفة، وأكثرها تأثيرًا على الطالب وعلى المجتمع، إذ غالبا ما يجتمع الغش مع سلوكيات سلبية وأخلاق ذميمة أخرى، مثل الكذب والخداع والسرقة.
وحرّم الدين الإسلامي الغش بجميع أشكاله، بما في ذلك الغش في الدّراسة والاختبارات، يقول تعالى محرمًا الخيانة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].
والإسلام جعل المُعاونةَ على الإثم إثمًا، وشراكةً لصاحب الجريمة في جرمه، وقضى ألا تكون الإعانة إلَّا على معروف؛ قال تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة: 2].
وقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “من غشّنا فليس منا” (مسلم)، وهنا تبرأ النبي- صلى الله عليه وسلم- من صفة الغش التي لا ينبغي أن يتصف بها مُسلمٌ مُنتسب لسنته ودينه. والغش خيانة صريحة للأمانة وللمُعلم وخداع للآخرين والحصول على مكاسب من خلال جهود الآخرين.
وقال الشيخ ابن باز- رحمه الله- عن الغش في الاختبارات الدّراسية: “إن الغش محرم في الاختبارات، كما أنه محرم في المعاملات، فليس لأحد أن يغش في الاختبارات في أي مادة، وإذا رضي الأستاذ بذلك فهو شريكه في الإثم والخيانة”.
أسباب الغش في الامتحانات
ويعود الغش في الامتحانات إلى أسباب مختلفة، منها ما يلي:
- ضعف الإيمان: لأن القلوب التي مُلئت بالإيمان بالله لا يُمكن أن تُقدم على الغش وهي تعلم أن ذلك يسخط الله.
- ضعف التربية: فهناك كثير من الآباء يدافعون عن أبنائهم الذين يغشون في الامتحانات، سيما إذا وقع في يد المراقب، حيث يذهب ويدافع عنه ولا يعترف بما اقترفه من جرم، وبالتالي يظل الابن على حاله “غشاش”.
- تزيين الشيطان: فهو يُزيّن لكثير من الطلاب أنّ الأسئلة ستكون صعبة، ولا سبيل إلى حلها والنجاح في الامتحانات إلا بالغش، فيصرف الأوقات الطويلة في كتابة اختراع الحيل والطرق للغش؛ ما لو بذل عشر هذا الوقت في المذاكرة بتركيز لكان من الناجحين الأوائل.
- الكسل وضعف الشخصية: فكثير من الطلاب يرون زملاءهم من بداية العام وهم يجدون ويذاكرون ويُهيّئون أنفسهم للامتحان الأخير، وهم لا همّ لهم إلا اللعب والمرح، وضياع الوقت، فإذا ما جاءت الامتحانات النهائية تراهم يطلبون المساعدة، ويطلبون النجاح ولو كان على ظهور الآخرين ولو كان ذلك بالغش.
- الخوف من الرسوب: فالخوف من الفشل والرّسوب يسبب قلقا مستمرا لكثير من الطلاب ما يجعلهم يلجأون إلى الغش كسبيل للنجاة.
- صعوبة المواد الدراسيّة: وهو ما يدفع كثيرًا من الطلاب إلى الاتكال على الغش، كما أن صعوبة الأسئلة الموضوعة في الامتحان تؤدي إلى النتيجة نفسها.
- تقصير الجهات التدريسيّة: خصوصًا في توفير الوسائل التعليميّة المناسبة، وكذلك تقصير الأساتذة في طرح المادة التعليميّة وإيصال المعلومة للطلاب بما يتناسب مع مستواهم.
- أخطاء في لجنة الامتحان: حيث يتم وضع الأدراج في قاعة الامتحان متقاربة من بعضها البعض، كما يواجه بعض الطلاب مشكلة في التعامل مع ورقة الامتحان حال نسيانه المعلومة أثناء تقديم الامتحان.
- ضيق الوقت: حيث يتم حصر الطالب في وقت قليل لا يمكّنه من دراسة المادة والإحاطة بها جميعها، ما يسبب الضغط النفسي عليه، ولجوئه إلى ما يوصله للنجاح، واستخدام ما يُتاح له من الطرق حتى لو كانت غير مشروعة.
- عدم قناعة الطالب بالقيمة العلميّة التي تضيفها الشهادة إلى مستواه العلمي.
- ضعف المستوى المادي عند الطالب الذي يدفعه إلى العمل بعد أوقات الدراسة، فيقصر في دراسته.
علاج المشكلة
وتتخلص علاج مشكلة الغش في الامتحانات في النقاط التالية:
- تربية الأبناء على استشعار رقابة الله، فهذا ينتج جيلًا واعيًا ومراقبًا لنفسه ومستشعرًا هذه الرقابة حتى في ظل غياب رقابة المعلم.
- تفعيل دور الآباء والأمهات للتخلص من هذه الظاهرة، عن طريق مجالس الآباء واجتماعاتهم الدورية.
- تشجيع الطلّاب على الدراسة، ووضع القوانين التحفيزية التي تُعنى بمكافأة الطالب عند تحسّن أدائه وإن كان هذا التحسّن بسيطًا؛ ما يرسّخ لدى الطلاب قيمة الاجتهاد الذاتي ويحفّزهم.
- إرغام الطالب الذي يقوم بسلوك الغش على التواصل مع المرشد التربوي للتوصّل إلى حل لسلوكه الخاطئ قبل أن يصبح معديا لزملائه.
- وضع عقوبات صارمة وواضحة تجاه “الغشاشين”.
- تقليل المتطلبات التي يُكلّف بها الطلاب أثناء الامتحانات، كالتقيّد بطريقة معينة من الإجابة، أو التقيد بعدد الصفحات.
- الاحتفاظ بفاصل زمني بين مواد الاختبار ليومين على الأقل، فهذا أدعى لتمكين الطلاب من التركيز والاستعداد للاختبار.
- المزاوجة بين الأسئلة الموضوعية والمقالية: لأن الأسئلة المقالية تتيح للطالب عرض ما استوعبه من المادة، أما الموضوعية فإنها قد تحصره في جزئية بسيطة، وبشكل يضيق على الطالب فرصة التعبير عما حصله من المادة.
- التوجيه والإرشاد في المدرسة: من الضروري أن يقوم القائمين على العملية التعليمية بتوعية الطلاب إلى ضرورة الابتعاد عن الغش وتذكيرهم بالعواقب السلبية لمن يُكشف أمره.
- التقييم المستمر للطلاب: من خلال إجراء الاختبارات وتكليف الطلاب القيام بالوظائف في المنزل أو في الصف وهذا سيجبر الطالب على قراءة المادة ودراسَتها بتمعُّن، ويساهم في ارتفاع مستوى تفكير الطالب.
- تكريس القيم الأخلاقية في أذهان الطلاب: وهي جوهر تعلم السلوك الجيد، وتدفع الطلاب لنبذ الغش وعدم الاعتماد عليه وسيلة للنجاح.
- التوعية بأهمية الصدق والأمانة: يجب أن تكون هذه نقطة البداية لكل معلم للحد من الغش في المدرسة.
- تغيير تعريف النجاح: يجب أن يتخلص المدرسون من فكرة أن الطلاب الجيدين يحصلون على درجات جيدة وأن الطلاب السيئين يحصلون على درجات سيئة، ومن المهم أن يمدح المدرسون الجهد والتقدم وليس بالضرورة الدرجات الجيدة.
إن الغش في الامتحانات نوع من الخداع الذي يرتكبه الطالب للحصول على درجة أو نتيجة غير مستحقة، وهو سلوك مُحرَّم يُهدر الحقوق، ويمنحها لغير أَكْفَاء، ويُسوي بين المُجدِّ المُتقِن والكسلان المُهمل، ويهدم مبدأ تكافؤ الفُرص؛ الأمر الذي يُضعف من هِمَّة المُجدِّين عن مواصلة طلب العلم، ويُوسِّد الأمور إلى غير أهلها؛ ومِن ثمَّ يُضعف الأمم وينال من عزمها وتقدُّمها.
مصادر ومراجع:
- عاصم العبوتي: الغش في الامتحانات.. وسيلة لإعادة إنتاج جيل لا يقرأ.
- محمد بن عطية الجابري: الغش في الامتحانات.
- موقع حلّوها: بحث عن ظاهرة الغش في الامتحانات وآثارها.
- خالد عبد السلام: ظاهرة الغش في الامتحانات.
- المؤسسة العربية للعلوم ونشر الأبحاث: 8 طرق لتقليل الغش في الامتحانات.
- موقع الإمام ابن باز: حكم الغش في الاختبارات.
- ابن باز: مجموع الفتاوى 6/397.