لفت انتشار العنف الطلابي المعنيِّينَ بدراسة الاجتماع المدرسي، في محاولة للبحث عن عوامل هذه الظاهرة داخل المدارس، وفى طبيعة العلاقة القائمة بين المدرسة والمؤسسات الاجتماعية الأخرى، وفي الصدارة منها الأسرة.
وفي بحثٍ للدكتور عبد الناصر عبد الرحيم فخرو، أستاذ أصول التربية المساعد بكلية التربية الأساسية بالكويت، اهتم بمفهوم التكامل لدور كل من المدرسة والأسرة في مواجهة هذه الظاهرة داخل المدارس.
تفسير ظاهرة العنف الطلابي
ويفسر بعض التربويين ظاهرة العنف الطلابي في المدارس وَفق نظرية التعلم الاجتماعي، حيث إن هناك مصادر رئيسة للسلوك العنيف في المجتمع الحديث تتمثل في: تأثير الأسرة، والثقافة الفرعية، والاقتداء بالنموذج الرمزي.
فمن خلال الأسرة، يتأثر الأطفال بالأبوين كقدوة في كيفية التأثير على سلوك الآخرين؛ فالآباء الذين يفضلون طرق القهر والقسوة في المعاملة يميل أطفالهم إلى استخدام أساليب عنيفة مشابهة في السيطرة على سلوك أصدقائهم. وبالإضافة إلى إعطاء النماذج التي يُمكن أن تقلد، فالأسرة من خلال استخدامها للعنف، تعلم أفرادها أن العنف يعد شكلًا مقبوًلا لحل المشكلات.
وامتدادًا للعنف المتعلم من قبل الأسرة، تشير دراسات أخرى عديدة إلى تعلم العنف من مؤسسات أخرى بصورة تقترب كثيرًا مما يحدث في الأسرة، ومن تلك المؤسسات: الإعلام، والسينما، والتليفزيون، والمدرسة. وتخلص نظرية التعلم الاجتماعي في تفسير عنف الأبناء إلى بعض الفروض:
- أن العنف يتم تعلمه داخل الأسرة، والمدرسة، والإعلام.
- أن الخبرات التي يمر بها الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة تشكل شخصية الفرد عند البلوغ، لذا فإن سلوك العنف ينتقل عبر الأجيال.
- أن إساءة معاملة الطفل تؤدي إلى سلوك عدواني، تبدأ بُذوره في حياته المبكرة، ويستمر بعد ذلك مع والديه ومدرسيه، ثم مع زوجه وأولاده.
ويلجأ البعض في تفسير هذه الظاهرة إلى نظرية الإحباط والعدوان، التي تفترض أن العدوان ينتج دائمًا عن الإحباط، كما أن الإحباط يؤدي إلى ظهور بعض أشكال العدوان، ويعرف الإحباط على أنه: “الإعاقة المتتابعة للسلوك”. بينما العدوان: هو السلوك الذي يهدف مباشرة إلى إيذاء الشخص الذي يُوجَّه العدوان ضده، ويشمل ذلك العدوان البدني واللفظي.
ويذهب أنصار هذه النظرية إلى أن الإحباط الذي يؤدي إلى العنف؛ يأتي نتيجة مباشرة لعدم العدالة وعدم المساواة والفقر، ونقص الفرص المتاحة داخل المجتمع، كما يذهب أنصار تلك النظرية إلى أن عدم المساواة في المعاملة بين الأبناء داخل الأسرة الواحدة، وشعور الطفل بالظلم والاضطهاد والقسوة في المعاملة يزيد من ميل الطفل إلى أن يسلك سلوكًا عنيفًا.
فئة أخرى تذهب في تفسيرها إلى نظرية الضبط الاجتماعي، التي تعد إحدى النظريات السوسيولوجية – أي نظريات علم الاجتماع- التي انبثقت عن الاتجاه الوظيفي في محيط تفسير سلوك العنف، والتي تنظر إلى العنف على اعتبار أنه استجابة للبناء الاجتماعي. ويرى أصحاب هذه النظرية أن العنف غريزة إنسانية فطرية تعبر عن نفسها، عندما يفشل المجتمع في وضع قيود محكمة على أعضائه.
بينما يرى أصحاب النظرة الإسلامية، أنّ المتأمل في القرآن الكريم والسنة النبوية يتبين له أن هناك إشارات قوية تدعو إلى نبذ العنف، إلا في حالة الوقوع تحت ظلم الآخر أو عدوانه، كما أنه لا إكراه على الدخول في الإسلام بالقوة ولا قتل للنفس التي حرم الله إلا بالحق.
وفي مواجهة الإرهاب والعنف والتطرف، فقد توسّل الإسلام في ذلك بفكر الوسطية، واستخدام أسلوب الحوار بديلًا عن التشابك والصراع، وجعل منهج التربية ملتزمًا بالعقلانية والرشد، ومقت العدوان والحرب على الآخرين.
وكان الرسول – صلى الله عليه وسلم- نموذجا للوسطية والتسامح والرفق واللين، ففي صحيح مسلم عن عائشة – رضي الله عنها-، أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم- قال: “يا عائشة إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العنف، وما لا يعطي على سواه”. وفي الحديث المتفق عليه أن الرسول – صلى الله عليه وسلم- قال: “ليس الشديد بالصُّرعة، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب”.
مسؤولية المؤسسات التربوية نحو العنف الطلابي
وهناك عوامل تؤثر على تفاقم ظاهرة العنف الطلابي في الأسرة، والمدرسة، باعتبارهما أهم المؤسسات المؤثرة على الطالب:
الأسرة: تعد المكان الطبيعي الذي لا خيار للطفل فيه، فهي التي تستقبله في المهد، وتلعب دورًا مهمًّا في تكيفه مع الحياة الاجتماعية، أو لعدم التكيف معها، بحسب الأحوال والظروف المختلفة من أسرة إلى أسرة.
المدرسة: إن أحداث العنف داخل المدرسة قد ترجع في الأغلب إلى سوء العلاقة بين التلميذ ومعلمه؛ لأسباب كثيرة، يتصل بعضها بالمعلم غير المؤهل، الذي لا يعرف شيئا عن سيكولوجية التلاميذ، وخصائصهم الجسمية، والعقلية، والنفسية، وخصائص نموهم في مرحلة المراهقة، ومما لا شك فيه، أنّ تأثير المدرسة على الطلاب يأتي بحكم وظائفها التربوية، فهناك مجموعة العوامل والمؤثرات التي تؤثر في شخصيات الطلاب:
- المناخ التنظيمي للمدرسة.
- نمط القيادة المدرسية، وما إذا كان هو النمط الديمقراطي أو التسلطي.
- سلطة المعلم وأسلوب إدارته للصف.
- مدى توافر التجهيزات، والخدمات، والأنشطة المدرسية.
- علاقة المدرسة بالمؤسسات الاجتماعية الأخرى، وبخاصة الأسرة.
- الوقت المخصص للدراسة.
- علاقة المعلمين ببعضهم، ووجود قدوة مؤثرة.
- الثقافة المدرسية، وما إذا كانت ثقافةً ثريةً مشبعةً، أم طاردةً ومنفرةً.
- مدى التجانس والتقارب بين التلاميذ، والفروق الفردية القائمة.
علاج ظاهرة العنف في المدارس
لا بد من الاتفاق على الأساس الفكري الذي تنطلق منه جميع الحلول لظاهرة العنف الطلاب في المدارس، وأن هذا الأساس يتبلور في بناء الوسطية الإسلامية في شخصيات الطلاب من خلال البرامج والأنشطة التي تقدَّم لهم، سواء في المدرسة، أو المنزل، أو الإعلام، أو غير ذلك من المؤسسات التربوية.
إن المؤسسات المعنية بتربية الطلاب، متمثلة في: المدرسة، والأسرة، والإعلام، ومؤسسات الدعوة والتثقيف، ومؤسسات الترويح؛ جميعها مأمورة باتباع الوسطية في كل أدوارها، وذلك استجابة لتوجيهات القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، ففي الآية الكريمة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} (البقرة: 143).
وتبدو وسطية التربية الإسلامية في اتباع منهاج الوسط الذي لا إفراط فيه، ولا تفريط، ولا غلو ولا قصير، ويمتد هذا المنهاج في الأمور الاعتقادية والعبادات والمعاملات والإنفاق، بل الأمور العاطفية كذلك؛ فإن الحب المفرط الذي يصل إلى حد التدليل للأبناء ليس من الوسطية، كما أن الكبت والتسلط هو تطرف في جانب آخر.
وحول هذه الوسطية يجب أن تلتقي جميع مؤسسات التربية؛ فهي القاسم المشترك والفكرة المحورية في تربية المسلم. ومن مزايا التوحد التربوي حول مفهوم الوسطية: تسهيل الحوار والتواصل، وإقامة علاقات بينية سليمة بين كافة هذه المؤسسات؛ لأن الهدف واضح لديها جميعًا.
كذلك فإن التقاء جميع هذه المؤسسات حول الوسطية الإسلامية يوجد مرجعية أساسية، يمكن في ضوئها تقويم عمل هذه المؤسسات، وتقويم شخصيات الطلاب كذلك، كما يسهل اختيار المناهج والبرامج والأنشطة والطرائق التربوية.
ولشخصية المسلم جانبان ترتكز عليهما، وتتضح صورتها بهما، فأما الجانب الأول، فهو الحسي: ويشتمل على ما يحتاج الإنسان إليه من طعام وشراب، وحركة وسكون، وملبس وسكن، وأما الجانب المعنوي: فيتمثل فيما يتخلق به المسلم من أخلاقٍ وقيمٍ نابضة، وعاطفةٍ معتدلة رحيمة، وعقلٍ واعٍ مميز، والتربية الأسرية بحاجة إلى تحقيق التوازن بين هذين الجانبين؛ لأن واقع الحال الآن يظهر غلبة الجانب الحسي المادي، القائم على البذخ والإسراف والاستهلاك في حياة الأسرة بصفة خاصة. ولتحقيق هذا التوازنِ توجد عدةُ عوامل:
- الضبط لا الكبت: فليس المطلوب أن يُميت الإنسان شهواته، وأن يستبعد غرائزه؛ فلا رهبانية في الإسلام. وعن طريق العقل يتحكم الإنسان في شهواته وغرائزه، ويضبط انفعالاته.
- تزكية الفطرة في الطبيعة البشرية: فالإنسان مطبوعٌ مفطورٌ على أشياء كثيرة، خُلق وبُني عليها، فهي جبلته، مألوفة له، محبوبة عنده، نابعة من كيانه.
- التسامح لا الانفلات: التربية على التسامح لا تعني مجاوزة الحدود التي أوجبها الحق تبارك وتعالى، فلا يعني التسامح إهمال الفرائض والعبادات والتقصير فيها، وليس معنى التسامح أن يطلق الوالدان العنانَ للأولاد في اختيار الأصدقاء، والسهر، والانضمام إلى التنظيمات أو الجماعات المشبوهة، ولا يعني التسامح أن يُترك الأبناء في صحبة الفضائيات، والأفلام الإباحية بعيدًا عن رقابة الآباء والأمهات.
- التربية على المسؤولية الاجتماعية: وهي مسؤولية الفرد الذاتية عن الجماعة أمام نفسه، وأمام الجماعة، وأمام الله، وهي الشعور بالواجب، والقدرة على تحمله والقيام به.
- التربية على الحوار: الحوار في الأسرة والمدرسة ضرورة؛ إذ يعني: الانفتاح الواعي، والمشاركة في القضايا الحياتية، وحرية التعبير والنقد، في إطار المسئولية والضمير والنزاهة.
- التربية على الشورى: وهي دُعامة من دعائم الإيمان، وصِفة من الصفات المميزة للمسلمين، وكان المصطفى – صلى الله عليه وسلم- نموذجًا للشورى قولًا وفعلًا.
المصادر:
- ظاهرة العنف بين طلبة المدارس: آفة عالمية تتوسع .
- العنف داخل المدارس.. بحث في الأسباب ودعوة لحلول إرشادية وتربوية .
- كيف نقضي على العنف المدرسي؟ .