يُعد العنف الأسري من الظواهر القديمة في المجتمعات الإنسانية، فهو مقبول لدى بعض المجتمعات، لارتباطها ببعض العادات السائدة فيها، وهذا ما حدث إبان مجتمع جزيرة العرب أي قبل بزوغ فجر الإسلام حينما كانت البنت توأد فور ولادتها قبل أن ترى نور الحياة.
لكن الإسلام رفض ذلك تمامًا، فقال تعالى: ﴿وَإِذَ الموءودة سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ﴾ [التكوير: 8-9]، ونبذ العنف الأسري والمجتمعي بجميع صوره، لما يُمثله من انعكاسات ضارة على الفرد وكيان الأسرة والمجتمع، وهو ما عرض له الدكتور نوري محمد أحمد شقلابو- الأستاذ بجامعة الزاوية في ليبيا.
معنى العنف الأسري
يُعرّف العنف الأسري في اللغة بأنه الشدّة والقسوة، والفعل منه عَنُفَ، فيُقال: عَنُف بالرجل؛ أيّ لم يَرفق به وعاملهُ بشدةٍ وعنفٍ، أو لامه وعيَّره، والفعل منها أيضًا عَنّفَ، فيُقال: عنّف موظفا؛ أيّ لامهُ بشدّة بُغية إصلاحه أو ردعه.
وفي الاصطلاح يُعرف بأنّه: استخدام القوة بطريقة غير قانونية، أو التهديد باستخدامها من أجل التسبّب بالضرر والأذى للآخرين، ويُعرّف في علم الاجتماع على أنّه اللجوء إلى الأذى لتفكيك العلاقات الأسرية؛ مثل: العنف ضد الزوجة، أو الزوج، أو الأبناء، أو كبار السن، سواء بالإهمال، أو الإيذاء البدني، أو النفسي، أو العنف الأخلاقي.
ويُعرفه البعض في الاصطلاح بأنه: أيّ سلوك يُراد به إثارة الخوف، أو التسبب بالأذى، سواء كان جسديًا، أو نفسيًا، أو جنسيًا دون التفريق بين الجنس، أو العمر، أو العرق، وتوليد شعور الإهانة في نفس الشريك، أو إيقاعه تحت أثر التهديد، أو الضرر العاطفي، ومحاولة السيّطرة عليه.
أسباب العنف الأسري
وأسباب العنف الأسري تنقسم إلى ما يتعلق بالقائم بالعنف نفسه، وما يتعلق بالضحية التي وقع عليها العنف:
فالأسباب التي تتعلق بالقائم بالعنف هي التي تنبع من ذات الإنسان، وتقوده نحو سلوك العنف، إذ توضح لنا الوقائع والدراسات أن الذين يتسببون في أفعال العنف داخل الأسرة هم أفراد عاديون، ومن عامة الناس، ولا ينتمون بالضرورة إلى فئة منحرفة أو مريضة نفسيًّا.
لكن بعض الباحثين يرون أن نسبة عالية من المتسببين في أفعال العنف داخل الأسرة هم من الذين عندهم تاريخ مع الجريمة، فقد وجد أحد الباحثين وهو (Graford) أنّ 50% من الأزواج الذين يضربون زوجاتهم سبق لهم أن قضوا وقتًا في السجن.
وتعود الأسباب التي تؤدي لاستخدام الشخص العنف إلى ما يلي:
- التربية الخاطئة: وهي التنشئة التي يتلقاها الفرد في بيئته ومجتمعه وأسرته التي تُصور له فعل العنف وكأنه أمر طبيعي يحصل في كل بيت.
- العوامل النفسية: وهي تفريغ الانفعالات النفسية لدى الشخص القائم بسلوك العنف.
- المشكلات الاقتصادية: وهي المشكلات التي تحدث في محيط الأسرة التي لا يطيقها الأب والتي تدفعه أحيانا إلى استخدام العنف إزاء أسرته.
- الانحرافات الأخلاقية: مثل شرب الخمور والمسكرات التي تؤجج وتزيد من الخلافات العائلية وتؤدي بالتالي إلى اللجوء للعنف.
- وسائل الإعلام المختلفة: فكثيرًا ما تقدم أجهزة الإعلام مشاهد تشجع على العنف.
أسباب تتعلق بالضحية:
وتساهم بعض الاعتقادات الخاطئة والتصرفات السيئة التي تقوم بها (الضحية) في تعرضها للعنف داخل الأسرة، ومن هذه الاعتقادات والتصرفات ما يلي:
- الثقافة الاجتماعية للفرد الذي يمارس ضده العنف والتي تتمثل في العادات والتقاليد.
- الاستهانة بالجاني ومحاولة التقليل من شأنه أمام الآخرين ما يدفعه إلى الانتقام.
- تمنّع الزوجة عن زوجها حين يرغبها.
- رضا الضحية بالعنف الممارس ضدها وعدم محاولتها تغييره.
وقد شدد النبي – صلى الله عليه وسلم- على خطورة استعمال العنف ضد الزوجة، فعن أبي هريرة – رضي الله عنه- أنّ الرسول – صلى الله عليه وسلم- قال:”لا يَفركُ مؤمن مؤمنة؛ إن كره منها خلقا رضي آخر” أو قال:”غيره” (رواه مسلم)، ومعنى لا يفرك، أي: لا يبغض ولا يكره.
ويقول النابلسي في تفسير الحديث: إذا رأى الرجل من زوجته ما یكره، علیه إنصافا أن يفكر في محاسنها، أيضا: فإذا بقي في مساوئها كرهها، أما إذا وضع إلى جانب مساوئها محاسنها توازن الأمر، ورضي بها، وإذا فكر في مساوئها، فليفكر في مساوئه هو، وإذا ذكر نقصها، فليفكر في نقصه.
آثار العنف على المرأة والأبناء
تؤكد الدراسات أن هناك آثارًا غير صحية عديدة تظهر نتيجة العنف الأسري ضد الزوجة أو الأبناء، فقد بيّن التقرير الذي صدر عن منظمة الصحة العالمية في (24 نوفمبر 2005)، أن ظاهرة العنف داخل الأسرة تتسبب في آثار وخيمة، منها:
- آثار على المرأة: فالزوجة هي الضحية الأولى التي يقع عليها العنف، وأنّ الزوج هو المعتدي الأول على الزوجة، ثمّ يأتي بعدها في الترتيب الأبناء والبنات كضحايا إما للأب أو للأخ الأكبر أو العم.
- وبالرغم من بعض أشكال العنف الموجه ضد المرأة الذي قد يترتب عليه آثار مادية جسدية على المرأة، فالآثار النفسية والاجتماعية هي أبلغ ضررًا، ومن الآثار الأخرى التي تلحق بالمرأة داخل أسرتها هو انخفاض قدرتها على مدى رعاية أطفالها والاهتمام بهم، بل يزيد احتمال ضربها لأطفالها، وقد تجنح أحيانًا إلى كراهيتهم لأن في شعورها الباطني هم من أجبروها على الاستمرار في تلك العلاقة الزوجية التي لا تحتمل.
- آثار على الأبناء: ومن الدراسات التي تناولت آثار العنف على الأبناء ما قام به المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة والتي من أبرزها: الدراسة الأولى، التي تتعلق بدراسة (ظاهرة العنف داخل الأسرة المصرية)، وتبين من خلال نتائجها أنّ الأطفال الذين يتعرضون إلى سلوك عنف سواء كان (ضربا، جرحا، إهمالا، قسوة في المعاملة) لا يزدهرون عاطفيا في المستقبل، وإذا أنجبوا فإنهم لا يعرفون كيف يستجيبون إلى احتياجات أطفالهم العاطفية، وينتهي بهم الأمر أحيانًا إلى الإحباط، فيهاجمون أطفالهم أو يهملونهم. أما الدّراسة الثانية فقد وردت في كتاب الدكتور رجاء مكي، والدكتور سامي عجم، المعنون (إشكالية العنف) الذي ورد فيها ذكر آثار وعواقب إساءة معاملة الأطفال، التي تشمل: العواقب العصبية، والعقلية، والتربوية، والسلوكية والعاطفية، فقد ينتج عن الإساءة العاطفية سلوكيات انعزالية، أو عدائية، أو نشاط مفرط، ويرافق ذلك التبول اللاإرادي، نوبات الغضب، عدم احترام الذات، تأخر في الدراسة وحذر من الكبار، وينتج عن الإساءات الجسدية إعاقات دائمة نتيجة إصابات الرأس وارتفاع معدلات الانتحار والتفكير بها، أما الإساءة الجنسية، فينتج عنها توتر، خوف، قلق، غضب، وسلوكيات جنسية غير مناسبة.
كيف نواجه الظاهرة؟
ويُمكن مواجهة ظاهرة العنف الأسري ضد الزوجة والأبناء بوسائل عديدة، نذكر منها ما يلي:
- نشر الوعي الديني من خلال وسائل الإعلام والمناهج الدراسية ومراكز التوجيه في المجتمع.
- إطلاق مشروعات مجتمعية توفر الخدمات الاجتماعية والمادية والمعنوية للأسر ذات الاحتياجات الخاصة، التي يمكن أن تكون مصدرًا للعنف وانتشاره.
- محاولة رصد مظاهر وأشكال العنف وإجراء المزيد من الدراسات والبحوث التي تهتم بقضايا ومشكلات الأسرة.
- العمل على زيادة الوعي الأسري بأهمية دور الأسرة في عملية التنشئة الاجتماعية الإيجابية، من خلال وضع خطط تنموية تعزز من دورها التنموي.
- النضج العاطفي والعقلي مُهم للفرد عند الزواج لتكوين أسرة سعيدة بالمستقبل، وهذا لا يتأتى إلا من خلال التنشئة الاجتماعية للفرد المبنية على أسس سليمة من التربية والأخلاق.
- رعاية ضحايا العنف داخل الأسرة عبر مؤسسات الرعاية الاجتماعية الرسمية والأهلية.
المصادر والمراجع:
- محمد الرميحي: العنف الأسري وانعكاساته الأمنية، ص16.
- موسوعة محمد راتب النابلسي للعلوم الإسلامية نسخة محفوظة، مارس 2016م.
- ما هو العنف الأسري؟ وكيف يؤثر في المجتمعات؟.