يُعد العمل العام من أهم قواعد الدعوة إلى الله- عز وجل-، وسبيل تحقيق الاتصال الناجح بالجماهير، وهو ما حَدث مع النبي- صلى الله عليه وسلم- الذي أرسله الله تعالى للناس كافة، وجعل من الناس أينما كانوا أمة دعوة، وجعل أمانة التبليغ في أعناق الدعاة، فهم الذين ورثوا مهمة الرسل والأنبياء.
ولا بد من أن يتحرك الداعية بين الجماهير لأنهم روافد الدعوة، وبمقدار الصلة بهم تتوسع القاعدة، ويتحقق للدعوة الكسب المادي والمعنوي، وهو ما أدركه أعداء الإسلام فعملوا بكل ما أوتوا من جهد على عزل الدعاة عن الجماهير بالإشاعات المُغرضة والتهم الملفقة، وصوّروا للجماهير أنّ هؤلاء الدعاة إرهابيون متطرفون، غرضهم الإساءة لعامة الناس، وهذا كله ليظهر الإسلام بمظهر الطائفة المفارقة، فيتحقق بذلك الفصل بين الدعاة وبين الأمة.
أهمية العمل العام في الإسلام
وتأتي أهمية العمل العام في الإسلام من الغاية التي خلق الله الناس من أجلها، وهي العبادة وعمارة الأرض، والتدافع في سبيل إصلاح الكون، لذا جعل منهم الأنبياء والرسل والعلماء والمصلحين الذين يهتمون بدعوة الناس وهدايتهم وتعريفهم حق الله سبحانه على العباد.
وقد أمر الله المسلمين بالدعوة إلى الله كلا على قدر استطاعته، فلا تقتصر الدعوة على فرد دون آخر، فقال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ) [فصلت:33]، ومع هذا التكليف بأن يكون كل مسلم داعية في محيطه حتى ولو بالعمل أو الكلمة البسيطة، أمرهم بحسن الدعوة، فقال تعالى: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125].
وتزداد أهمية هذا العمل والدعوة بالحسنى في هذا الزمان الذي صار فيه الإسلام غريبًا لقلة العلم والعلماء ولغلبة أهل الجهل، ما أوجب على الدعاة تعلم فن ووسائل الدعوة إلى الله وكيفية التعامل مع خصوم الإسلام.
ولا شكّ أنّ الداعية إلى الله بمثابة المبلغ للإسلام والمُعلّم له والساعي إلى تطبيقه، وهو مَن يُعرّف الناس بربهم ويُذَكّرهم به، ويُوضّح لهم ما التبس عليهم من أمور دينهم، ويعظهم ويزكيهم، ودائمًا ما يقف بجوار الحق ويتصدى للباطل بالحسنى، ويدفع الظلم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر: (وَيَا قَوْمِ مَا لِي أَدْعُوكُمْ إِلَى النَّجَاةِ وَتَدْعُونَنِي إِلَى النَّارِ* تَدْعُونَنِي لِأَكْفُرَ بِاللَّهِ وَأُشْرِكَ بِهِ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَأَنَا أَدْعُوكُمْ إِلَى الْعَزِيزِ الْغَفَّارِ) [غافر:41- 42].
ولهذه المكانة العظيمة يجب على الداعية أن يأخذها بحقها، فيحافظ على مكانتها وقدسيتها في نفوس الناس فلا يلوثها بعرض من الدنيا، أو انسياق وراء باطل.
وحينما أراد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يدعو يهود خيبر إلى الإسلام، أحسن اختيار الداعية لهذه المهمة وأوضح له أجر هدايته للناس وإيمانهم والاستجابة له فقال له: “انْفُذْ علَى رِسْلِكَ حتَّى تَنْزِلَ بسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إلى الإسْلَامِ، وأَخْبِرْهُمْ بما يَجِبُ عليهم مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ؛ فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بكَ رَجُلًا واحِدًا، خَيْرٌ لكَ مِن أنْ يَكونَ لكَ حُمْرُ النَّعَمِ”(البخاري).
كيف ينجح المربي أو الداعية في العمل العام؟
ويُعلمنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- كيف نفتح قلوبنا للخلق بعيدًا عن الأحكام الجائرة والإطلاقات العامة؛ حتى ننجح في العمل العام ونوسع دائرة الأتباع، فيقول: “إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم” (مسلم وأبو داود)، قال أبو إسحاق- أحد الرواة-: لا أدري أهلكَهم بالنّصب، أو أهلكُهم بالرفع.
وفي الوقت الذي تتنافس فيه الدعوات والأفكار على الجمهور، وكل يُحاول أن يحتوي هذا الجمهور لمصلحته ويُوظفه في صفّه، فإن دعوة الله وحدها تعمل لخير الجمهور، ولا تريد من الجمهور أن يكون بقرة حلوبًا لمصلحة فرد أو فئة أو حِزب.
ودعوة الله وحدها تعطي مَن يؤمن بالله ربًّا، وبالإسلام دينًا ومنهاج حياة أيًّا كان لونه وجنسه ولغته أرفع الرتب البشرية والمقامات العلية. ولا بد من أن يُعبئ الدعاة قلوبهم بمحبة الناس، حتى يتغلغل هذا الحب في أعماق القلب، وأن تتحول هذا التعبئة سلوكًا يشيع منه الرفق والتواد والتراحم، حتى يُعرف الداعية من بين سائر الناس بمحبته للناس وحرصه عليهم وتفانيه في خدمتهم وسهره على صيانتهم من آفات الأفكار المنحرفة وشرورها.
فهذا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يدخل مكة، ويُعاين فيها أولئك الذي أخرجوه وعذبوا أصحابه وقاتلوه وقتلوا أحب الناس إليه حمزة، فما زاد على أن قال لهم: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
والداعية لا ينطلق بين الجماهير وهو يحمل موقفًا سابقًا، كونه من خلال العلاقات الأسرية المشوبة بالتحامل والأحقاد؛ إذ إن أكثر الناس يحتفظون في عقولهم وقلوبهم بكل تصرف سلبي كان قد تصرفه أحد الناس، حتى تجمعت هذه التصرفات على شكل ذكريات مؤلمة ينقلها الخلف عن السلف، ويتواصى الناس كابرًا عن كابر بالقطيعة ومقابلة الإساءة بالإساءة؛ وذلك لأنهم نشأوا بعيدًا عن هيمنة الإسلام على النفوس والعقول، فأصحبت المشاحنات العصبية والإقليمية هي الموجَّه لكثير من الناس، وأصبح الفرد ينطلق من هذا الركام من العلاقات غير الإسلامية.
ومن أوجب الواجبات على الداعية أن يعلم الناس كيف يستطيعون تجاوز الذكريات السلبية، وقد يجد الداعية مقاومة من أقرب الناس إليه إذا لاحظوا عليه عدم اكتراثه بهذه الأحقاد التي قد تعد رصيدًا عزيزًا عند أصحابها، وعليه أن يصبر على هذه المقاومة.
وعلى الداعية أن يعرف الجمهور الذي يتعامل معه، سواء كان هذا الجمهور صغيرًا على مستوى المؤسسة أو الدائرة، أو كبيرًا على مستوى البلدة أو القطر، وتأتي هذه المعرفة من خلال جمع المعلومات، وأول شروط جمع المعلومات مراعاة الحذر واليقظة حتى لا يرتاب أحد بالداعية الذي لا يريد من عمله هذا كشف أسرار الناس والإطلاع على عوراتهم، وإنما يريد التعرف إلى مراكز النفوذ الاجتماعي والاتجاهي الفكرية وأصناف الناس، ومدى قربهم أو بعدهم عن الدعوة.
ولا بُد من مراعاة الموضوعية في جمع المعلومات وتحليلها، إذ إن كل مبالغة في حكم من الأحكام قد تؤدي إلى أخطاء فادحة، ناتجة عن سوء التقدير، وقد يصنف الداعية إنسانًا ما في دائرة أعدائه بسبب تصرف لاحظه، فجعله هذا التصرف يتعامل مع هذا الإنسان على أنه صاحب فكر مضاد أو اتجاه معاد، فيكون سوء التقدير والتسرع في الحكم سببًا في استكثار الأعداء. وليس كل سلوك مفرد أو تصرف جزئي يدل على صيغة فكرية أو منهجية، فليس كل مَن تكلم عن العرب والعروبة قوميًّا، وليس كل من تكلم عن التأميم اشتراكيًّا.
من الضروري- أيضًا- مُراعاة منهجية النقل، فلا نأخذ الأخبار والمعلومات إلا عن الصادقين الضابطين لما ينقلون، ولا بد من ملاحظة أنّ بعض الصادقين لا يتحرّون الدقة في نقلهم وأخبارهم؛ لأنّ الآفة في الذين أخبروهم وزوّدوهم بالمعلومات، وإذا أهملت هذه المنهجية فإن الأحكام ستكون جائزة غير عادلة.
والتعرّف إلى أفراد الجمهور وأمْزجتهم واحتياجاتهم وما يسرهم وما يحزنهم من الضروري لمن يريد التوسع في الاتصال الجماهيري، وينبغي ألا يغيب عن الداعية ما يصيب أفراد المجتمع من السراء والضراء، فإذا رُزق أحدهم بولد كان الداعية أول المهنئين الذين يذكرون الوالد بنعمة الله عليه، وإذا نجح ولد أحدهم في مدرسة أو جامعة كان أول المعبرين عن سروره بهذه المناسبة باعتبارها مناسبة عزيزة يهتم بها كما لو أنه صاحبها، وإذا فقد أحدهم عزيزًا أو حل به مرض أو نزلت به مُصيبة كان أوّل المُواسين الذين يمدّون أيديهم ويفتحون قلوبهم.
وعلى الداعية أن يتحرك في المجتمع حركة مُجدية دون أن تقف في وجهه العقبات والعوائق، فإن عليه أن يعرف كيف يُداري بعض الناس ويجاملهم، وهذه المداراة سُنّة حميدة سنها لنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فعن عائشة- رضي الله عنها- أنه استأذن على النبي- صلى الله عليه وسلم- رجل، فَقالَ: ائْذَنُوا له، فَبِئْسَ ابنُ العَشِيرَةِ – أوْ بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ – فَلَمَّا دَخَلَ ألَانَ له الكَلَامَ، فَقُلتُ له: يا رَسولَ اللَّهِ، قُلْتَ ما قُلْتَ، ثُمَّ ألَنْتَ له في القَوْلِ؟ فَقالَ: أيْ عَائِشَةُ، إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ – أوْ ودَعَهُ النَّاسُ – اتِّقَاءَ فُحْشِهِ” (البخاري).
والسلام من الوسائل المهمة لإقامة اتصال بين الداعية وبين جمهوره، فبالسلام يدخل الداعية إلى قلوب الخلق بما تشيعه هذه الكلمة من ظلال المحبة والوفاء والإخلاص، وقد شاء الله تعالى أن يجعل وسائل الاتصال الجماهيرية عبادات يتقرب بها المؤمن إلى الله، وجعلت هذه الوسائل من شعب الإيمان وخصاله؛ ولنسمع لنبينا العظيم- صلى الله عليه وسلم- وهو يقول وقد سأله رجل: أيُّ الإسلام خير؟ فقال: “تطعم الطعام وتَقْرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف” (البخاري ومسلم).
وهذا الحديث نص على أهمية السلام وبذله لجميع المسلمين، قال النووي: “وفيه بذل السلام لمن عرفت، ولمن لم تعرف، وإخلاص العمل فيه لله تعالى لا مصانعة، ولا ملقًا، وفيه مع ذلك استعمال خلق التواضع، وإفشاء شعار هذه الأمة”، ويقول ابن حجر رحمه الله: “أي لا تخص به أحدًا، تكبُّرًا أو تصنُّعًا، بل تعظيمًا لشعار الإسلام، ومراعاة لأخوة المسلم”.
والعبادة سبب في توفيق الداعية ونجاحه في الاتصال بالجماهير والعمل في هذا الميدان، فالصّلاة في الليل تربط العبد بخالقه فيرضى عنه، وإذا رضي الله تعالى عن العبد أرضى العباد عنه، وفي الحديث عن أبي هريرة- رضي الله عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال: “إذا أحب الله عبدًا نادى جبريل إن الله يُحب فلانًا فأحبه فيحبه جبريل، فينادي جبريل في أهل السماء: إن الله يحب فلانًا فأحبوه، فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في أهل الأرض” (مسلم).
ومن أسباب الإلف عدم منازعة الناس في دنياهم، أو منافستهم في المناصب، وهذا هو الزهد النافع، أي الزهد بما في أيدي الناس، وأكثر من ذلك فإنّ الداعية يُؤثر الناس على نفسه ولو كان به خصاصة.
ومن أسبابه- كذلك- بذل المعروف، فالداعية يفكر دائمًا بإسعاد الناس وإيصال الخير إليهم ولو بالكلمة الطيبة، ومن كان هذا شأنه فإنه لا يعرف الشر ولا الأذى.
ومن أسبابه، إطعام الطعام لما فيه من أثر بالغ على النفس البشرية، ولذلك ورد في الحديث: “أطعموا الطعام”. وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ في الجنةِ غُرَفًا يُرَى ظَاهِرُها من باطِنِها ، و باطِنُها من ظَاهِرِها . فقال أبو مالِكٍ الأَشْعَرِيُّ : لِمَنْ هيَ يا رسولَ اللهِ ؟ قال : لِمَنْ أَطَابَ الكَلامَ ، و أَطْعَمَ الطَّعَامَ ، و باتَ قائِمًا و الناسُ نِيامٌ” (أحمد والطبراني).
والتهادي يؤدي إلى الإلف والتواصل مع الجماهير، فللهديّة سحر خاص يصل الداعية بقلوب الناس، وهذه الهدية دليل على حب الداعية للمهدي إليه وتقديره له، وإذا كان التهادي جائزًا بين المسلمين والمشركين والمحاربين فهو أولى بين المسلمين.
ولا بُد من أن يتصف الداعية بالرفق مع سائر الناس، والرفق لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالأسهل والأيسر، وهو ضد العنف، وقد روى الإمام مسلم في صحيحه عن النبي- صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف” (مسلم).
والدعوة إلى الله أسلوب حياة، وعلى الداعية أن يكون صورة صحيحة وصادقة لكل ما يدعو إليه، ولقد اتضح أثر القدوة الطيبة للدعاة الأولين في فتح بلاد كثيرة بأخلاقهم وحسن قدوتهم وتعاملهم مع الناس، فهذا مصعب بن عمير أول سفير في الإسلام، فتح الله على يديه قلوب أهل المدينة بحُسن دعوته قبل أن يهاجر لها النبي- صلى الله عليه وسلم-.
وأسلمت مدينة سمرقند كلها بما رأته من أخلاق الدعاة وسماحة المسلمين واستجابة القائد العسكري لحكم القاضي بإخراج جيشه وتأمين الناس وعرض الإسلام عليهم أولًا قبل اقتحامها عسكريًّا، حيث استجاب القائد والجيش.
فالقُدوة الطيبة للدعاة ضرورة دعوية تؤتي ثمارها الطيبة، وهي من القوة الناعمة للدولة الإسلامية التي فتحت بها الكثير من بلاد العالم، ويجب أن يستثمر الدعاة علمهم بتطبيقه العملى على أنفسهم قبل دعوتهم للناس.
ومن مقتضيات نجاح الداعية القدوة في العمل العام والدعوة إلى الله، حُسن الخلق، وموافقة قول الداعية عمله، والابتعاد عما يخدش القدوة أو يجرحها، وليس ذلك فحسب، بل الحرص على إعلان تطبيق شرائع الإسلام أمام الناس ليقتدوا به ويتعلموا منه.
خطورة عدم اتصال الداعية بالجماهير
وتتجلى آثار عزوف الدعاة عن العمل العام والدعوة إلى الله، في النقاط التالية:
- انتشار الجهل بين الناس بتعاليم دينهم، ما يُسهل على المشككين بث آرائهم وأفكارهم وضرب ثوابت الدين في نفوس الناس، كما نرى حاليًّا في التشكيك في كتب البخاري وثوابت العقيدة.
- تفكك المجتمع وتشرْذمه وانقسامه على نفسه وضعفه ودخوله في صراعات فكرية وحزبية لعدم وضوح حقيقة الإسلام في نفوس الناس.
- الإسهام في انحراف الأجيال، وتركه فريسة ولقمة سائغة للانحراف الأخلاقي وانشغاله بوسائل التكنولوجيا الحديثة التي قد تُدمّر قدراته وتبعده عن حقيقة دينه، مثلما رأينا في لعبة “بابجي” التي طالبت اللاعبين بالسجود لصنم.
- التمهيد لغزو الفكر العلماني للمجتمع الإسلامي وتلاشي محورية الدين في الحياة.
- تمكين الغزو الثقافي من المجتمع، حيث تصبح الساحة مفتوحة أمام المبتدعين والملحدين لكي ينشروا آراءهم الشاذة التي تصطدم مع تعاليم الإسلام.
- طمس الهوية الإسلامية وغياب الشعائر والمظاهر الدينية وانصهار المجتمع في العادات الغربية والأفكار المخالفة لصريح الإسلام.
نصائح للمربين والدعاة
وهناك كثير من الفنون والمهارات التي تحقق النجاح في العمل العام والاتصال بالجماهير ننصح ببعضها للمربين والدعاة، وهي:
- الاستماع الجيد للآخرين حتى وإن خالفونا الرأي: فالاستماع إلى ما يقوله الآخر يجعله يشعر بارتياح شديد لأنه أتى بما يريد أن يقول، وبعد أن نستمع جيّدا له نبدأ في توصيل ما نريده فهو لا شك سيسمعنا، وقد جاء في كتب السيرة موقف النبي- صلى الله عليه وسلم- مع عتبة بن أبي ربيعة، عندما جاءه يعرض عليه عدة أمور على أن يترك دين الإسلام والدعوة إليه، ومع ذلك استمع إليه النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم-، ولم يقاطعه، حتى انتهى من كلامه.
- نداء الآخر بأحب الأسماء إليه: وهذا ما فعله النبيّ- صلّى الله عليه وسلّم- مع عتبة في الموقف السَّابق عندما انتهى من كلامه، فقال له: “أفرغت يا أبا الوليد؟” فقد كناه النبي- صلى الله عليه وسلم- ولم يذكر اسمه مجرّدًا على الرغم من أنَّ عتبة كافر، وقد جاء يتكلم في قضية خاسرة ومرفوضة مسبقًا من النبي- صلى الله عليه وسلم-، ولكن النبيّ استمع إليه ثمَّ ناداه بأحب الأسماء إليه.
- عدم جرح مشاعر الناس عند الخطأ: أخي الدَّاعية لا ترق ماء وجه أخيك واحفظ له حرمته حتى وإن أخطأ، وانظر كيف تعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي جاء يستأذنه في الزنا، أو الأعرابي الذي بال في المسجد، أو الرجل الذي تكلّم في الصلاة.
- إنزال الناس منازلهم وتطيب الخواطر الإنسانية: لا شك أنَّ إنزال الناس منازلهم يجعلهم يقدرون الداعية ويستمعون إليه، وهذا ما فعله النبي- صلى الله عليه وسلم- عندما قال للأنصار “قوموا لسيدكم”.الدعاء للآخرين: وقد سُئل الإمام حسن البنا رحمه الله عن سرّ تأثيره في الناس فقال: “كنت أدعوهم بالنهار وأدعو لهم بالليل”، فليكن للمدعو نصيب من دعائك، وأنت قائم بالليل أو وأنت ساجد بين يدي ربك، وأخلص في الدعاء، ثمَّ كلّمه بالنَّهار في النهار فستجد عجبًا.شكر من أسدى إليك معروفًا: فمن لم يشكر النَّاس لا يشكر الله.التدرج وتحري الوقت المناسب للدعوة، وكما جاء في الحكمة “اجنِ العسل ولا تكسر الخلية”.مراعاة أدب الخلاف والحوار: فالدَّاعية قلبه يتسع الجميع، يُجمع ولا يفرق، ويتعارف ويتعاون ولا يتعارك، وعليه أن يضع هذه القاعدة نصب عينيه: “نتعاون فينا اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه”.
إن العمل العمل لا يمكن لأي داعية أو مرب الاستغناء عنه واللجوء إلى العزلة عن المجتمع، فهو السبيل لنشر الإسلام والتوسع في الدعوة إلى الله- تبارك وتعالى-، ولا بدّ لأجل بقاء الدين واستمراره وانتشاره من تعليم المجتمع الأحكامَ وتنظيمِ شعائرِه وممارساته، وكلّما زاد أفراد المجتمع زادت الحاجة إلى أفراده للعمل الدّينيّ من تنظيم وتعليم.
المصادر والمراجع:
- الدكتور همام سعيد: قواعد الدعوة، ص 82-95.
- الإمام ابن باز: مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، جـ6، دار القاسم للنشر والتوزيع، السعودية، 1420هـ، ص 515.
- موقع بصائر: التواصل الدَّعوي الناجح.. فنون ومهارات.
- النووي: شرح النووي على مسلم، 2/207.
- ابن حجر: فتح الباري، 1/56.
- عبد الرحمن النحلاوي: أصول التربية الإسلامية وأساليبها، ص 234.
- الشيخ منصور إبراهيم الجبيلي: العزوف عن العمل الدّينيّ (الأسباب ـ الآثار ـ الحلول).