في الوقت الذي يرحل فيه أناس عن دنيانا بهدوء وبلا ذكر، يكون على الجانب الآخر أناس لا يمر رحيلهم مرور الكرام، بل يراه المؤمنون مصيبة حلت الأرض، فيكثرون من البكاء والاسترجاع، وتعزي الأمة الإسلامية نفسها، ويشيع بين الناس ذكرهم الحسن وأعمالهم الصالحة، وممن ينطبق عليهم هذا الوصف الشيخ العلامة الدكتور يوسف القرضاوي.
يعد القرضاوي أحد العلماء والمجددين والمصلحين الذي ندر أن يجود الزمان بمثلهم حيث كان رجلًا بأمة سعى على جميع الجبهات للدفاع عن دينه فلم يكن محليًا أو إقليميًا بل انشغل وأشغل العالم بجميع قضايا المسلمين أينما حلوا وترك خلفه جبالًا من التراث الفكري والتربوي الذي لامس القضايا الحقيقية للأمة الإسلامية.
حياته
يوسف عبد الله القرضاوي، ولد في قرية صفت تراب، مركز المحلة الكبرى، محافظة الغربية بمصر، في 9 سبتمبر 1926م في أسرة ريفية كباقي المصريين، ومات والده وهو ابن عامين، فكفله عمه الذي أحسن تربيته، وأتم حفظ القرآن الكريم، وأتقن أحكام تجويده، وهو دون العاشرة من عمره.
التحق بالأزهر الشريف، فأتم فيها دراسته الابتدائية والثانوية في المعهد الأحمدي بطنطا، وكان دائمًا في الطليعة، وكان ترتيبه في الشهادة الثانوية الثاني على المملكة المصرية، رغم ظروف اعتقاله في تلك الفترة.
ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، ومنها حصل على العالية سنة 52-1953م، وكان ترتيبه الأول، كما حصل على العالمية مع إجازة التدريس من كلية اللغة العربية سنة 1954م وكان ترتيبه الأول بين زملائه من خريجي الكليات الثلاث بالأزهر.
وفي سنة 1958م حصل على دبلوم معهد الدراسات العربية العالية في اللغة والأدب، كما حصل في سنة 1960م على الدراسة التمهيدية العليا المعادلة للماجستير في شعبة علوم القرآن والسنة من كلية أصول الدين.
وفي سنة 1973م حصل على (الدكتوراه) بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى من نفس الكلية، في موضوع: “الزكاة وأثرها في حل المشاكل الاجتماعية”، وهي دراسة لم يسبق إليها.
عمل فترة بالخطابة والتدريس في المساجد، ثم أصبح مشرفًا على معهد الأئمة التابع لوزارة الأوقاف في مصر، ونقل بعد ذلك إلى الإدارة العامة للثقافة الإسلامية بالأزهر الشريف للإشراف على مطبوعاتها والعمل بالمكتب الفني لإدارة الدعوة والإرشاد.
وفي سنة 1961م أعير إلى دولة قطر، عميدًا لمعهدها الديني الثانوي، فعمل على تطويره وإرسائه على أمتن القواعد، حتى نقل للعمل سنة 1973م في كليتيْ التربية للبنين والبنات نواتيْ جامعة قطر، قبل أن يؤسس كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر عام 1977م ويصبح عميدها.
أعير سنة 1991م إلى جامعة الجزائر للعمل بها، قبل أن يعود إلى قطر مديرًا لمركز بحوث السنة والسيرة. كانت له جهوده البارزة في تأسيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2004م؛ حيث ترأسه حتى عام 2018، كما ترأس الكثير من المجامع الدينية في الشرق وفي أوروبا، وظل مجاهدًا ما يزيد عن نصف قرنٍ من الزمان، حتى توفاه الله بالدوحة ظهر الاثنين 30 صفر 1444هـ الموافق 26 سبتمبر 2022م.[1]
أثر الحركة الإسلامية في تشكيل فكر القرضاوي
كانت دعوة الإخوان وفكرها الوسطي قد انتشر في ربوع القرى والنجوع بالمملكة المصرية منذ تأسيسها عام 1928م، وكان لها ثقل في مدينة طنطا وسط الدلتا؛ حيث كان يتعلم القرضاوي في معاهدها، والتقيت عيونه ببعض أساتذته ومشايخه أمثال البهي الخولي الذي رأى فيه نموذجًا للداعية الغيور على دينه، وهو ما عرفه بالشيخ حسن البنا مرشد الإخوان، حيث تأثر به تأثرًا شديدًا، ورأى في أفكاره منذ صغره نموذجًا للإسلام الحقيقي الحي الذي يجب أن تكون عليه الأمة، فالتحق بركب الجماعة، وأصبح أحد دعاتها الفاعلين، رغم صغر سنه. وتفتحت ملكاته وسط هذه الجماعة؛ فكان يجوب القرى والنجوع والمدن والمؤتمرات داعيًا إلى الله سبحانه.
كان فكر جماعة الإخوان المسلمين الرافد الأساسي للمعين الذي تشرّب منه الشيخ القرضاوي منهجه، وزاد على ذلك قدراته التي وهبها الله له، فأخر أفضل ما عنده -سواء أكان قولًا أم عملًا أم مواقف حية- خلّفه وراءه بعد وفاته رغم كبر سنه.
اعتقل أكثر من مرة سواء وهو طالب في الثانوية أو بعد تخرجه لكنه لم يلن لأي سلطان أو حاكم ولم يداهن ولم ينافق من أجل دنيا أو منصب، حيث اعتقل عام 1949 وعام 1954 م، وعام 1963 م.
كان القرضاوي أول خطيب لصلاة العيد الجامعة التي أعادت الجماعات الإسلامية إحياء سنة إقامتها في الخلاء، فخطب أول خطبة صلاة عيد الفطر في الخلاء في ميدان عابدين عام 1976، وقد صارت من بعدها تقليدًا ثابتًا، كما خطب في العيد التالي في استاد الإسكندرية.
والقرضاوي لدى حركة الإخوان ليس الفقيه والداعية الذي يكتفي بمد الحركة بالزاد الفقهي والدعوي فحسب؛ بل هو بالنسبة لها أيضًا المربي والمؤطر التربوي.[2]
جهوده
كانت الساحة الإسلامية بل العالمية هي ساحة انطلاق للشيخ القرضاوي، يصدع فيها بكلمة الحق، وتبليغ دعوة الإسلام. وكان مدافعًا عن حقوق الشعوب، ضد حكامها الطغاة، ولذا فقد تعرض للاضطهاد كغيره من الدعاة المخلصين؛ حيث عادته بعض الدول ومنعته من دخول أراضيها. وصدر عليه حكم غيابي بالمؤبد عام 2018 من إحدى المحاكم المصرية، كونه قال: “لا” للدماء التي تراق!
كما وقف موقفًا مجاهدًا من القضية السورية، التي أقلقت مضاجع العالم بسبب بحور الدماء التي أسيلت فيها، وكان- رحمه الله- ناصرًا ومناصرًا للقضية الفلسطينية طوال حياته، فلم يخذلها طرفة عين، ولم يتغاضَ عن العمل بجهد جهيد من أجل دعمها و تثبيت أهلها، ناهيك عن قضايا المسلمين في بورما، وكشمير، والشيشان، والبوسنة والهرسك، والصومال، وكل شبر تدفقت منه دماء المسلمين غدرًا وظلمًا.[3]
الفكر التربوي عند القرضاوي
خلَّف القرضاوي ما يزيد على مئتي كتاب، منها: الحلال والحرام في الإسلام، تيسير الفقه للمسلم المعاصر، من فقه الدولة في الإسلام، فقه الغناء والموسيقى، في فقه الأقليات الإسلامية، زراعة الأعضاء في ضوء الشريعة الإسلامية [4]؛ كما قام بتسجيل كمٍّ ضخم من حلقات البرامج الدينية المسموعة والمرئية.
واتسم الفكر التربوي في كتابات الشيخ القرضاوي بالعديد من الخصائص، منها أنها عملية التطبيق وتخاطب العقل حيث تناولها بطريقة غير تقليدية. ويرى القرضاوي أن المعلم هو العنصر الفعال في عملية التعليم والتربية، فعلى قدر ما يحمل في رأسه من علم وفكر، وما يحمل في قلبه من إيمان برسالته، و محبة تلاميذه، و ما أوتي من موهبة وخبرة في حسن طريقة التعليم، يكون نجاحه وأثره في أبنائه وطلابه.
وبشأن توسع العلوم، فقد رأى القرضاوي أنه يتوجب على الحركات الإسلامية أن يكون فيها من يتخصص في جميع ألوان الدراسات الإنسانية المختلفة (علم نفس، والاجتماع، والتربية، والاقتصاد، والسياسة وغيرها) حتى يدرسها ويعرضها من منطلق إسلامي أصيل، وفي إطار إسلامي مأمون، لا سيما أن هذه العلوم الإنسانية والاجتماعية، هي التي تصنع فكر الأمة وذوقها، وتلون اتجاهها وسلوك أفرادها بلونها، فلا يجوز أن يعدها المسلمون مجرد مباح يجوز فعله وتركه، إنما يجب عند ذلك من فروض الكفاية.
كما كان يؤكد على ضرورة تربية الجيل المسلم على الابتكار والإبداع وعدم التقليد والتبعية، والتخطيط قبل البدء بأي عمل حتى نتجنب الارتجالية و العشوائية و عدم تضييع الوقت فيما لا فائدة منه، وضرورة إعداد معلمين صالحين أصحاب ضمائر مؤمنة بهذه الرسالة العظيمة، وإبعاد كل فاسد الفكر أو الضمير عن مجال التربية والتعليم.
وكان يولي الشباب عناية خاصة، ومن آخر ما كتبه على صفحته الرسمية على تويتر: ألسنا متفقين على أن الإلحاد أعظم خطر يهدد البشرية في أعز مقدساتها؟ فلنتعاون على تحصين الشباب من وباء الإلحاد ومقدماته من الشكوك والشبهات، التي تزعزع العقيدة وتلوث الفكر! ولْنضِئْ شموع الإيمان بأعظم حقائق الوجود وأجلاها، وهي: وجود الرب الأعلى، الذي خلق فسوَّى، والذي قدَّر فهدى!. (4).
من كتاباته الفكرية والتربوية
من جوانب إنتاجه الضخم الذي خلَّفه للأمة، وللأجيال تنهل منه وتتربى عليه، الجانب التربوي، وما يتعلق بالتربية الإسلامية وخصائصها، وحاجة الناس إلى الحياة الربانية والتربية الإيمانية. ونستعرض ثلاثة عناوين في هذا الموضوع، بمثابة ملامح من الفكر التربوي الإسلامي كما قدمها في مؤلفاته، وهي:
- خصائص التربية الإسلامية.
- مبادئ وقيم تربوية في التعلم والتعليم.
- خصائص الحياة (التربية) الربانية في الإسلام.
أولًا: خصائص التربية الإسلامية
يوضح د. القرضاوي ما يتعلق بتربية المسلم فيقول: “إن تربية المسلم الذي يكتفي من الإسلام بالصلاة والصيام والذكر والدعاء، وإذا ما ذكر أمامه حال الإسلام والمسلمين اقتصر على الحوقلة والاسترجاع، غير تربية المسلم الذي يغلي صدره غيرة على الإسلام، كما يغلي القدر فوق النار، ويذوب قلبه أسى على المسلمين كما يذوب الملح في الماء، ثم يحول ذلك الأسى وتلك الغيرة إلى قوة دافعة للعمل، وانطلاقة باعثة على التغيير، كما أمر الله. ولا يعتذر بالقضاء والقدر، بل يؤمن بأنه هو قضاء الله الغالب، وقدره الذي لا يرد. إنه المسلم الذي يعمل لإقامة رسالة، وبناء أمة، وإحياء حضارة”.
ومن خصائص التربية الإسلامية كما يطرحها الشيخ القرضاوي في كتاباته، أنها:
تخاطب العقل، وتتجلى فيها أصالة الإسلام وروح العصر، وتحترم أهل الخبرة والاختصاص، وتقتبس من كل علم نافع، وتعتمد على التخطيط للمستقبل، وتدحض الأوهام والخرافات، وتقوم على نشر التعليم ومحاربة الأمية، وتنفتح على تراث العلم والفكر في العالم كله، وتحترم العقل وتقدم الوحي.
ثانيًا: مبادئ وقيم تربوية في التعلم والتعليم
يشير الشيخ القرضاوي في كتابه: (الرسول والعلم)؛ إلى المبادئ التربوية والقيمية التي يجب أن تتوفر في التعليم. ويتحدث عن أهم هذه القيم أو المبادئ التي فصلتها السنة، وعني بها الصحابة وسلف الأمة، عسى أن تعود للأجيال الجديدة الثقة بدينها، وتراثها، ويعرفوا من حياتهم وفكرهم، ما هو أصيل وما هو دخيل. وعسى أن يسيروا على ما سار عليه أوائلهم من النهوض بالعلم وإعلاء صرح التربية على تقوى من الله ورضوانه. ومن ذلك:
- العناية بالمعلم والتنويه بقدره.
- تكافل المجتمع في تعليم أبنائه.
- الترحيب بالمتعلم والبشاشة له.
- الرفق بالمتعلم والحنو عليه.
- الإشفاق على المخطئ.
- تشجيع المحسن والثناء عليه.
- التدرج في التعليم.
- رعاية الفروق الفردية.
- الاعتدال وعدم الإملال.
- استغلال المواقف العملية للتربية والتوجيه.
- استخدام الوسائل المعينة.
- تخير أحسن الأساليب.
- إثارة الانتباه بالسؤال والحوار.
ثالثًا: خصائص الحياة (التربية) الربانية في الإسلام
الربانية من الجوانب المهمة في التربية الإسلامية، لدى الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، وقد أفردها الشيخ القرضاوي بحديث مفصل في كتابه (في الطريق إلى الله.. الحياة الربانية والعلم). فتحدث عن حاجة الناس إلى الحياة الربانية والتربية الإيمانية. يقول: “لقد تبين لي من خلال التجربة العملية، والممارسات الميدانية، مع عوام الناس ومع مثقفيهم. مع الغافلين منهم ومع العاملين في الجماعات الإسلامية المختلفة، أن الجميع أفقر ما يكون إلى تربية إيمانية صادقة تغسل قلوبهم من حب الدنيا ومن حب أنفسهم، وتأخذ بأيديهم إلى الله تبارك وتعالى… هم في حاجة إلى التزكية للنفوس، التي لا فلاح إلا بغيرها: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس:7 – 10]. ولا سبيل أمام البشرية عامة، والمسلمين خاصة، إلا بالحياة الربانية”. ثم يذكر خصائص الحياة الربانية أو (التربية الروحية) في الإسلام، ويجملها في سبع خصائص:
أولًا: التوحيد: هو أول خصائص الحياة الروحية في الإسلام، وأول مقوماتها. ومعناه: إفراد الله تعالى بالعبادة والاستعانة، فلا يعبد إلا الله، ولا يستعان إلا بالله. وهذا مقتضى قوله تعالى:﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ [سورة الفاتحة: 5].
ثانيًا: الاتباع: إذا كان جوهر الحياة الروحية هو حسن الصلة بالله تعالى، بذكره، وشكره، وحسن عبادته جلّ شأنه، فإن هذه الصلة مضبوطة بأصلين أساسيين:
- أن تكون العبادة لله وحده، فلا يشرَك به أحد.
- ألا يعبد الله إلا بما شرعه.
كما قال الفضيل بن عياض رضي الله عنه: لا يقبل العمل حتى يكون خالصًا صوابًا، وخلوصه أن يكون لله، وصوابه أن يكون على السنة.
ثالثًا: الامتداد والشمول: فالمسلم لا يعيش بين حياتين متناقضتين؛ روحية مستقلة ومادية منفردة، بل هي حياة واحة تمتزج فيها الروحانية بالمادية امتزاج الروح بالجسم، والعصارة بالغصن.
رابعًا: الاستمرار: فإذا كانت الحياة الروحية تصحب المسلم أفقيًا أو مكانيًا في مجالات حياته، فإنها تصحبه كذلك رأسيًا وزمانيًا في جميع أوقاته، وأطوار حياته حتى يلقى ربه.
خامسًا: اليسر والسعة: فالحياة الروحية في الإسلام سهلة ميسرة، فهو غير مكلف إلا بما في وسعه، ولا مطال إلا بما يستطيعه ويقدر عليه دون مشقة شديدة: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ﴾.(الحج:78).
سادسًا: التوازن والاعتدال: فالحياة الروحية- كما شرعها الله ورسوله- حياة معتدلة متوازنة متناسقة مع جوانب الحياة المادية الأخرى، فلا يُقبل فيها التنطع ولا الغلو، الذي يجور به المسلم على نفسه، وعلى حقوق الآخرين. والحياة الروحية في الإسلام ليس فيها رهبانية، ولا تستوجب من المسلم أن يحرِّم على نفسه طيبات الحياة الدنيا. كل ما طلبه منهم أن يتناولوها باعتدال.
سابعًا: التنوع: فقد نوّع الإسلام في مطالبه الروحية من الإنسان المؤمن ما بين قول وعمل، وفعل وترك، وإلزام وتطوع، وعمل جارحة وعمل قلب، وما بين ليل ونهار، وسر وعلانية.
ومن أهم ملامح الفكر التربوي والدعوي كذلك، مناداته بـــ:
- عدم قبول أي دعوى بدون دليل مهما كان قائلها.
- رفض الظن في كل موقع يطلب فيه اليقين الجازم.
- رفض العواطف والأهواء والاعتبارات الشخصية حيث يطلب الحياد والموضوعية.
- الثورة على الجمود والتقليد والتبعية الفكرية للآخرين.
- الاهتمام بالنظر والتفكر والتأمل[5].
مجالات عملية في فكر القرضاوي التربوي
من أبرز الميادين العملية التي ترجم فيها القرضاوي فكره التربوي وظهر فيها تأثيره ميدان شباب الصحوة الإسلامية المعاصرة، حيث واظب على حضور كثير من معسكراتهم وندواتهم ومؤتمراتهم في القارات الست لم يتأخر عنها لإدراكه أنها من أهم الميادين التي يجب أن يحسن الداعية غرس البذور فيها، حيث حرص على تصحيح مفاهيم الإسلام المغلوطة، ويبث فيهم الفكر الوسطي المعتدل للإسلام ويحارب التطرف والجمود، ولذا جاء كتاب (واجب الشباب المسلم اليوم) موضحًا هذا الفكر الذي استطاع أن يحمي كثير من الشباب(6).
أما عن كتابه (الحلال والحرام في الإسلام) فيتناول الكتاب مجموعة منتقاة من المعاملات والعادات الاجتماعية وحكمها الشرعي من حيث إباحتها وحرمتها فقط بلا تطرق للبحث الفقهي العميق، وقد أثار الكتاب حين ظهر موجة من الانتقادات ضد الشيخ القرضاوي خاصة من علماء السعودية حتى أن الجهات المختصة منعتْ دخوله السعودية حتى سُمِحَ بتداوله فيما بعد، ويعتبر الكتاب مرجعًا مفيدًا لكل مسلم لمعرفة حكم الشرع فيما يتعرض له في حياته اليومية، حيث يستجيب لمستجدات العصر وكيفية التعامل معها.
وهذا الكتاب قال عنه الأستاذ مصطفى الزرقاء: إن اقتناء هذا الكتاب واجب على كل أسرة مسلمة. وفيه أيضا قال الأستاذ محمد المبارك- رحمه الله-: هو أفضل كتاب في موضوعه. وكان الأستاذ الكبير علي الطنطاوي يدرسه لطلابه في كلية التربية بمكة المكرمة، وعني المحدث المعروف الشيخ ناصر الدين الألباني بتخريج أحاديثه.
وفي الجانب الاقتصادي الشائك في عصرنا الحديث، حيث الدول العظمى الرأسمالية والبنوك الربوية، اهتم الدكتور القرضاوي بالجانب الاقتصادي في الإسلام من الناحية النظرية ومن الناحية التطبيقية، فألقى الكثير من المحاضرات والدروس حول الجانب الاقتصادي في الإسلام، وألف مجموعة من الكتب اشتهرت في العالم العربي والإسلامي، يكفي أن نذكر منها: فقه الزكاة، ومشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام، بيع المرابحة للآمر بالشراء كما تجريه المصارف الإسلامية، وأخيراً: فوائد البنوك هي الربا الحرام. ومن الناحية التطبيقية، ساند قيام البنوك الإسلامية من قبل أن تقوم، وبعد أن قامت، متعاوناً مع الاتحاد الدولي للبنوك الإسلامية، وقد ظل إلى آخر يوم في حياته عضداً لها، يشد أزر البنوك الإسلامية، ويرشد مسيرتها، ويسدد خطواتها، ويدافع عنها(7).
قالوا عنه
إن المسلمين شهداء الله في الأرض بنص الحديث الذي يرويه أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم: “مَرُّوا بجَنَازَةٍ، فأثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: وجَبَتْ، ثُمَّ مَرُّوا بأُخْرَى فأثْنَوْا عَلَيْهَا شَرًّا، فَقَالَ: وجَبَتْ، فَقَالَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: ما وجَبَتْ؟ قَالَ: هذا أثْنَيْتُمْ عليه خَيْرًا، فَوَجَبَتْ له الجَنَّةُ، وهذا أثْنَيْتُمْ عليه شَرًّا، فَوَجَبَتْ له النَّارُ، أنتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ في الأرْضِ”.[8]
وقد شهد للشيخ العلامة يوسف القرضاوي الكثير من العلماء والدعاء وأثنوا عليه خيرا، ويكفيه وصف الشيخ العلامة محمد الحسن ولد الددو في مقطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي بأنه “العلامة المجتهد الذي عاش قرًنا في خدمة هذا العلم وهذا الدين وبذل فيه كل جهوده”، وأنه “ما توفاه الله حتى انفرد بالإمامة، فلم يكن في عصره في هذا الزمان أكبر منه حظًا من ميراث رسول الله عليه وسلم، فكان الوارث الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الزمان”.[9]
المصادر والمراجع:
- موقع الشيخ القرضاوي: السيرة الذاتية، 12 ديسمبر 2017.
- حسام تمام: القرضاوي والإخوان .. قراءة في جدلية الشيخ والحركة، 5 سبتمبر 2012.
- توم بيري: رحيل الشيخ القرضاوي حامل لواء الدفاع عن الثورات العربية عن 96 عاما، 26 سبتمبر 2022.
- محمد صالح إبراهيم البيك: ملامح الفكر التربوي الإسلامي في ضوء كتابات الشيخ يوسف القرضاوي، رسالة ماجستير، كلية التربية، الجامعة الإسلامية- غزة، 2009،صـ49- 74 بتصرف.
- المرجع السابق، صـ34.
- يوسف القرضاوي: واجب الشباب المسلم اليوم، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، بيروت، لبنان، 1983.
- نور الدين قلالة: رحيل العلامة الشيخ يوسف القرضاوي، إسلام أون لاين، 26 سبتمبر 2022.
- موقع الدرر السنية.
- مقطع فيديو متداول للعلامة محمد الحسن ولد الددو يرثي فيه العلامة يوسف القرضاوي.
- الرسول والعلم، د. يوسف القرضاوي، دار الصحوة – القاهرة – 2001.
- الحياة الربانية والعلم، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، الطبعة الأولى، 1416هـ=1995م.
- ملامح الفكر التربوي الإسلامي في ضوء كتابات الشيخ يوسف القرضاوي، محمد صالح إبراهيم، رسالة ماجستير، كلية التربية، الجامعة الإسلامية- غزة، 2009.